الفنانة الشاعرة اللبنانية نسرين الأشقر تعترف: «ظلمتني الحياة...»

إسماعيل فقيه (بيروت) 24 سبتمبر 2017

تكتب الممثلة المسرحية الفنانة نسرين الأشقر، بالحبر على الورق، وبالصمت على خشبة المسرح. وتكتب الشعر، ولها بعض الإصدارات الشعرية، كما قدمت برامج فكرية ــ ثقافية في التلفزيون. أما مهنتها، فتكمن في «طب العيون». وفي مجمل أعمالها المرئية والمكتوبة، تحضر شخصية الفنانة القلقة الباحثة عن متسع للحياة. إذ تبدو على عجلة من أمر عملها الإبداعي، تعمل وتجتهد في مساحة نشاطها الإبداعي من دون توقف، ولا كلل في المثابرة والمتابعة والاستمرارية. تتحدث نسرين إلى «لها» عن تفاصيل وهموم وأشجان حياتها ومهنتها، بكثير من الوضوح والبراءة، ويخرج من كلامها المزيد من ظلال البراءة والإبداع.


- من هي نسرين الفنانة والشاعرة والإنسان؟
كما قلت وأقول دائماً، أنا مخلوق يحب الحياة بشغف، وهذا الشغف يظهر جليّاً في قصائدي التي تغوص دائماً في حقائق أسرار الوجود، كأنني أريد اكتشاف الخفايا. وأعتقد أنني اكتشفت الكثير، وسأكتشف بعد.
وكذلك أيضاً يظهر هذا الشغف في أعمالي الفنية الأخرى، في لوحاتي ورسوماتي ومن خلال ألواني وحركة وحريتها ريشتي الجريئة على قماش اللوحة. وأرى أن ذلك كله هو أمر نابع من علاقتي العميقة مع خشبة المسرح، ذلك أنني حين أقف على خشبة المسرح أتصالح مع نفسي وأدخل إلى المناطق العميقة والحميمة داخل قلبي، وفي أعماقي السحيقة. ومن هنا، أنطلق إلى ذاتي أكثر، لتظهر هويتي في الفنون المختلفة. أمّا بالنسبة إليّ كإنسان، فإنني أقول ما يصبو إليه قلبي ونظري، إنني إنسان ظلمته الحياة، وهذه الحقيقة ثابتة وراسخة في حياتي، وأعترف بها للمرة الأولى، نعم أنا إنسان ظلمته الحياة في بعض مراحلها، وزرعت في داخله (الميّال إلى الفرح) حزناً دفيناً، لكنني وقفت بثقة وصمدت في وجه الحزن، وحاولت تطويعه هذا الحزن لمصلحة الإبداع والفن، والحمدلله، نجحت بذلك،إن شاء الله.

- كيف بدأت نسرين مع الفن والإبداع؟
البداية دائماً غامضة ومتعبة، لكنها مثمرة ومفيدة. أكثر ما أذكره هو أنني بدأت أشعر بالحس الفني منذ نعومة أظفاري، فكنت مختلفة عن بقية الأولاد في الطريقة التي كنت ألعب بها. وتقول أمي إنها كانت تجدُ دائماً أوراقاً في أدراجي عليها رسومات أو كلمات أو بعض السطور التي تعبّر عن مشاعري وعن شخصيتي، فبدأت أشعر بأنني أختلف عن سائر الأطفال. وما زلت أحتفظ لغاية اليوم برسوماتي الأولى، كما أنني نشرت في كتاباتي أيام الطفولة بعض الأفكار والأحاسيس القلقة، وأنا أثق أن لهذه الكتابات قيمة كبيرة لأنها تحمل شعوراً صادقاً يسيطر فيه اللاوعي على الوعي والإدراك.

- أنت شاعرة وكاتبة وممثلة. أين أنت من هذه الحالات الأكثر صدقاً؟
دائماً أشَّبه الفنون التي أحبها بالنوتات الموسيقية التي تشكل معاً معزوفة رائعة، ولكل نوتة جمالها وخصوصيتها، وهكذا الفنون فهي تكمل بعضها لتشكل شخصيتي، فكل فن من هذه الفنون يترك بصمة داخل نفسي وفي شخصيتي، وتكون هذه البصمة فاعلة ومؤثرة جداً في حياتي.

- ماذا تريدين القول والعمل من خلال الفن والكتابة؟
إن العمل الفني أو الكتابة هي رد فعل تلقائي يتفجّر كلمات وألواناً، في كتبي ولوحاتي وفي اللقاء مع نفسي العميقة.
فكما أقول دائماً، إنني أنطلق من تمارين المسرح التي تعلمتها في مدرسة المسرح الحديث مع الراحل منير أبو دبس، ومن خلال هذه التمارين تفتحت كل الآفاق في نفسي، فأعود إلى لحظاتي الخاصة في طفولتي، وشبابي وأمومتي، فيكون ذلك هو العمل الفني، العمل الإبداعي للتعبير عن الذات.

- والحب، كيف هو الحب في أيامك ونظراتك وحياتك؟
الحب هو أساس كل شيء في الحياة. هو أساس الفرح والصحة والابتسامة. حتى أنني على يقين بأن أصعب الأمراض حتى الجسدية منها يمكنها أن تتحسن إذا تمت إحاطة المريض بكثير من الحب، لذا أنا أحاول أن أزرع الحب من حولي، وكذلك أحاول أن أتلقاه وأتلقفه.

- متى وكيف جاء الحب إلى نسرين؟
كنت في العشرين من عمري حين دقّ العشق بابي. فقد أتاني رجل إلى عيادتي لكي يقوم بفحص النظر، وكان الحب بيننا من النظرة الأولى، فأصبح هذا الرجل رجل حياتي وأباً لأولادي.

- ماذا تعني لك الحياة اليوم بعد تحوّلات العمر، من الزواج إلى الأولاد إلى الحياة العائلية، وكيف أثرت في مسيرتك الإبداعية؟
أختصر جوابي بكلمتين: الحياة اليوم تعني لي ولديّ جوزيف ورامي، فأنا أعترف أن شمسي تشرق من عيونهما.
أما عن تأثير زواجي في حياتي الإبداعية، فأنا لا أنكر أنني ضحّيت وتنازلت عن الكثير من أحلامي وطموحاتي، بخاصة المتعلقة بإطلالاتي التلفزيونية، من أجل الحفاظ على زواجي وعائلتي.

- هل داهمك الحزن؟
داهمني ويداهمني وسيداهمني، وفي كل مرة كان يداهمني الحزن، كنت أشهد ولادة عمل إبداعي جديد، فأنا أبدع عندما أكون حزينة، وبعد المخاض يولد العمل الإبداعي فأستقبله بابتسامتي المعهودة وأعود إلى الفرح من جديد تاركة الحزن ورائي.

- وماذا عن طموحك الذي تحقّق والذي لم يتحقّق بعد؟
طموحاتي هي فرحي وسبب وجودي. لا شك في أني حققت الكثير الكثير منها، إن كان في عالم البصريات، أو في المسرح والتلفزيون والإذاعة أو حتى في كتاباتي ولوحاتي.أما عن طموحي وحلمي الأكبر الذي أسعى إلى تحقيقه عام 2017، والذي سـأعلن عنه للمرة الأولى، عبر هذا الحديث مع مجلتكم الكريمة، فهو إطلاق  Nisrine o، وهي مجموعة من التصاميم والأعمال الفنية التي تحمل توقيعي، والتي سيتم إطلاقتها في عدد كبير من بلدان العالم، أولها الولايات المتحدة الأميركية وكندا...
فأكون بذلك نشرت ألواني على كل الأشياء من حولي، وسأعدكم بمزيد من التفاصيل بعد عودتي من أميركا إن شاء الله.

- ماذا يعني لك الرجل؟
الرجل بالنسية إليّ هو ابتسامة والدي ونظرة زوجي. الرجل هو ابني الذي أنتظر يوماً أن يقف أمامي ويقول شكراً أمي، أنا اليوم أمامك «رجل».

- كيف تقرئين المسيرة الإبداعية للمرأة العربية اليوم؟
لا شك في أن المرأة العربية مبدعة وفي كل المجالات. فهناك شاعرات وكاتبات وممثلات وفنانات... استطعن تحقيق الكثير من الإبداع وعلى مستوى واسع وكبير. وهذا ليس غريباً على المرأة التي تواكب الزمن بما يحمله من تطوّر وتقدّم. المسيرة الإبداعية للمرأة العربية هي اليوم في أوج حضورها وتألّقها، وما نشهده من أعمال إبداعية نسائية يثير المخيّلة، ويفتح باب الأمل على مصراعيه.

- أين أنت من هذه المسيرة؟
لا أحب الكلام عن نفسي بقدر ما أحب أن يكون الكلام والرأي من الآخر، من الناقد والمتابع لمسيرة الفن والثقافة والكتابة... تكتمل الصورة، صورة الفنان المبدع، حين تكون أعماله في عين وقلب وعقل الناظر والمتابع والمهتم. الإبداع لدى الفنان هو امتداد في الزمن والآخر.