انتصار الوزير: أخبرني أبو جهاد...

الرئيس الفلسطيني محمود عباس, غزة, ياسر عرفات, شهيد / شهداء, انتصار الوزير, خليل الوزير

04 أبريل 2011

لم يحدث العمر أي تغيير في روحها، فلم تزل معطاء تحمل الحسّ الوطني ذاته، وتحب الحياة، وتعمل من أجل أبناء فلسطين. تناست نفسها بعد استشهاد زوجها المناضل خليل الوزير، وعاهدت نفسها على أن تكمل مشوار زوجها، وان تربي أطفالها، فتدرجت في مناصب سياسية عديدة مهمة، والآن هي رئيسة مؤسسة رعاية اسر الشهداء والجرحى في فلسطين.
«لها» التقت إنتصار الوزير لكي تطلع القراء على الجانب الآخر الإنساني في حياة نساء فلسطين اللواتي اشتهرن بالعمل السياسي
.


الطفولة والدراسة

في بداية لقائنا مع انتصار الوزير تحدثت عن نفسها وعن الطفولة المحاصرة في قطاع غزة، فقالت: «ولدت في حي الدرج في قطاع غزة. وعشت في غزة طفولة سعيدة، وكنت اصغر طفل في الأسرة، وكان لدي شقيقة واحدة وشقيقان. كنت طفلة مدلّلة من الأب والأم  ومن الجميع، وعندما كبرت ذهبت للعمل في السعودية عام 1961، وتزوجت  في عام 1962.
وبعد سنة رزقنا إبني جهاد، واستشهد أبو جهاد في العام 1988 في تونس على أيدي رجال الموساد الإسرائيلي الذين جنّدوا له كل الأسلحة والطيران والبحرية والمشاة، عندما اغتالوه في تونس. ولم اعد منذ ذلك الوقت إلى فلسطين إلا عام 1994 أي عند قيام السلطة، وكان هذا شيئاً مذهلاً بالنسبة إليّ.
عندما وضعت قدميّ على الجسر في طريق العبور إلى فلسطين، خالجني شعور غريب، مزيج من السعادة والحزن، السعادة لأنني عدت إلى وطني، والحزن لان أبو جهاد كان يتمنى أن يعود إليها، لكنه نال الشهادة».

وتابعت تقول: «كنت قد أنهيت دراستي الثانوي في قطاع غزة، وتزوجت من ابن عمي الشهيد خليل الوزير «أبو جهاد». أنهيت دراستي الجامعية من جامعة دمشق، وحصلت على بكالوريوس في التاريخ، وكنت أول امرأة تدخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، وذلك في العام 1959. تدرجت في الحركة، حتى وصلت إلى درجة عضو لجنة مركزية. وعشت مع زوجي وتنقلنا في الكثير من البلدان، ومنها الكويت والجزائر ولبنان وسورية، وذلك حسب ظروف الثورة الفلسطينية. وكنت أول وزيرة في السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوليت حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية لمدة أحد عشر عاماً».


زواجها من خليل الوزير

وحدثتنا عن زواجها من الشهيد خليل الوزير، فقالت: «عندما انتسبت إلى حركة فتح، لم أكن أعلم أن خليل الوزير هو أحد مؤسسي حركة فتح، وقد التقيته بالصدفة في أحد الاجتماعات التنظيمية، وفوجئت بأن ابن عمي هو القائد الذي أتي ليلتقينا. في البداية انزعجت لأنه لم يقل لي أنه في حركة فتح، وعندما تحدثنا في هذا الموضوع تفهمت وجهة نظره، لأنه لم يكن يريد أن أدخل في حركة فتح عن طريقه، وكان يريد أن يتأكد أن انتمائي إلى حركة فتح بدافع شخصي وليس لأجله، وبعد ذلك أصبحت أمينة سره ومستودع أسراره، ونقطة اتصال بينه وبين القيادة.
كانت لديّ مشاعر عاطفية تجاه الشهيد خليل الوزير وكلانا أحب الآخر، وبقينا نتبادل الرسائل لمدة عامين لأنه كان موجوداً في الكويت، وأنا في غزة وكان ذلك قبل أن نتزوج. وقد أخبر والدي بذلك، ووافق والدي على تبادل الرسائل بيننا، ولم يكن لديه أي معارضة لأنه كان يحبه كثيراً، ووالدي ووالدتي  كان لديهما أيضاً الرغبة في أن أتزوج من إبن عمي خليل الوزير».


المعترك السياسي

وحول دخولها معترك السياسة وكونها امرأة، وكيف تقبلها الأهل والآخرون، قالت: «لم يعرف الأهل في البداية بأمر انتمائي السياسي، ولكنني صارحت أمي. كنت طفلة عندما اجتاحت إسرائيل قطاع غزة في العام 1956، وعشت المعاناة واستشهد رجال من المنطقة، وأصبح لدي شعور بأنه يجب أن أدافع عن وضعنا وبلدنا وقضيتنا، وأن نعمل شيئاً لأجل فلسطين. وقد عشت نكبة العام 1948، وكنت اذهب مع أولاد عمي إلى الخيم التي أعدت للاجئين الذين هجروا من رام الله وحيفا ويافا إلى غزة، وكنا نراهم وهم يدرسون في الخيم وفي الجوامع  والمدارس... كل هذه العوامل ساعدت على أن أفكر في العمل الوطني».

وأضافت أم جهاد الوزير: «في تلك الآونة لم تشارك الفتاة في التنظيمات. كنت الفتاة الوحيدة التي دخلت الحركة، وعشت كل المراحل التنظيمية من عضو خلية وشعبة ومنطقة وإقليم ومجلس ثوري، وحتى اللجنة المركزية. وأنا الوحيدة التي انطبق عليها كل الهيكل الهرمي التنظيمي في الحركة، وذلك ليس لأنني زوجة الشهيد أبو جهاد، فقبل أن أكون زوجته كنت أنتمي إلى حركة فتح، لأنني مؤمنة بنضال المرأة وأنه يجب على الشعب الفلسطيني أن يناضل من أجل قضيته».

 


وعن تعاملها مع الخطر قالت:
«في القطاع كان العمل سرياً ولم أتعرّض لأية مشكلة، ولكن في سنوات النضال الطويلة تعرّضت للكثير من المشاكل التي كنت أعرف كيف أتعامل معها.
وأذكر انه في إحدى المرات جاء الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات وأخذني مع ولديّ جهاد ونضال من لبنان إلى سورية، وذلك من أجل حمايتنا».


أبو جهاد الزوج والأب

وهل غيّب النضال زوجها «أبو جهاد» عن بيته أثناء حياته؟ وكيف كان كزوج وأب؟ أجابت: «كان زوجاً رائعاً جداً معي. وعشنا حياتنا مع بعضنا لمدة خمسة وعشرين عاماً. هو كان رائعاً كزوج وأب وقائد ومناضل، وكنا منسجمين فكرياً وعاطفياً وسياسياً. وكان الجانب النضالي يغيبه عن البيت، ونحن تعاهدنا على أن نناضل معاً، ولم أقف في طريقه إطلاقا، وهو أيضا لم يقف في طريقي. فأنا كنت أسافر كثيراً واتركه مع أولادنا، وهو أيضاً كان يسافر كثيراً في مهمته وعمله، وكان يغيب أشهراً طويلة. وفي أول سنة تزوجنا فيها، افترقنا عن بعضنا لمدة ثمانية أشهر، وذلك عندما كنا في الكويت حيث جاء فجأة من اجتماع للجنة المركزية، وقال لي اننا سنسافر. وذهبنا إلى المطار وأوصلني إلى لبنان، ومن ثم أخذت الطائرة إلى القاهرة وثم ركبت القطار إلى غزة، وهو أكمل طريقه إلى الجزائر».

وحول قيامها بدور الأب والأم بعد استشهاد زوجها والصعاب التي واجهتها، قالت: «نحن منذ أن دخلنا الحركة كنا نعلم أننا مشاريع شهادة، هو كان يقول لي ذلك. وهو في البداية كان يخفي شعوره وعواطفه عني لأنه لا يريد فكرة الزواج من أصلها، وكان قد نذر حياته لفلسطين. وعندما قال لي انه يحبني، أخبرني أنه تأخر في الحديث عن الموضوع لأنه لا يريد أن تتعرض الإنسانة التي أحبها إلى مشكلة، فأجبته: أنها ليست قضيتك وحدك، بل قضيتنا نحن الاثنين وقضية شعبنا، وإذا لم يكافح كل من الرجل والمرأة من اجل القضية فمن سيكافح؟
فقال لي: أنا مشروع شهيد أو جريح أو أسير فهل تقبلين أن تعيشي مع إنسان قد يستشهد في أي لحظة، وكيف ستعيشين من بعدي؟ فقلت له: هذه قضيتنا جميعاً ونحن معرضون أن نكون شهداء أو جرحى أو أسرى...
بالفعل قبل أن يستشهد بأيام، شاهدني وأنا انظر إلى التلفزيون، وكنت أشاهد شريطاً عن الانتفاضة الأولى جاءه من الداخل ورأيت منظر شهيد وأبوه وأمه يقبلانه ويودعانه قبل مواراته، أجهشت بالبكاء، فأمسكني بيده وهزني وقال لي: انتصار «إسمعي أوعي بكرا إذا أنا استشهدت تنزل دموعك لازم تكوني قوية».
وبعد أيام استشهد، وهذا جعلني أتماسك. وكان يجب أن أتابع حياتي وحياة أولادي ودراستهم، ولم أتوقف عن العمل، وحصل أبنائي على شهادات علمية وأكاديمية عالية، وتزوج أربعة من أولادي، وأصبح لدي أحفاد وثلاثة منهم سميناهم خليل على اسم جدهم».

واختتمت انتصار الوزير، وهي أم لخمسة أولاد وجدة لاثني عشرة حفيداً، لقاءها معنا بالحديث عن وعي المرأة تجاه النضال في فلسطين، فقالت: «بالتأكيد، المرأة أصبح لديها وعي أكبر، وهذا نتيجة استمرار الثورة، ووصول السلطة وقيامها. المرأة الفلسطينية قدمت الكثير من التضحيات، فهي شهيدة وأسيرة. والمرأة دائماً هي من تدفع الثمن. ومن ناحية أخرى، اخترت رعاية عائلات الشهداء لأنها الفئة التي قدّمت حياتها في سبيل الوطن، ونحن يجب أن نحافظ على أبنائهم. ولديّ حلم واحد أريده أن يتحقق وهو أن أرى وطني حراً مستقلاً».