هكذا تكلم خالد خليفة الفائز بجائزة نجيب محفوظ: شكراً للقاهرة التي أعشقها

خالد خليفة, جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي, القاهرة, فاطمة البودي, سيد محمود

13 ديسمبر 2013

"لم أكن يوماً أتخيل أنني سأكون هنا، تطوق عنقي ميدالية المعلم نجيب محفوظ، كما طوَّق عنق كل الروائيين العرب إرثه الذي تركه لنا"، هكذا تحدث الروائي السوري خالد خليفة مساء 11 الجاري إلى جمهور حفلة إعلان فوزه بجائزة نجيب محفوظ للأدب التي تمنحها دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، عن روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة". لم يحضر خليفة الحفلة التي تواكب ذكرى مولد صاحب "أولاد حارتنا"، لتأخر منحه تأشيرة دخول إلى القاهرة، فتسلمت صاحبة دار "العين" للنشر فاطمة البودي الجائزة (ميدالية برونزية محفور عليها وجه نجيب محفوظ) وألقى الشاعر والصحافي المصري سيد محمود كلمة المحتفى به.

والرواية الفائزة صدرت عن دار "العين" في حزيران (يونيو) الماضي، ومنحتها الجائزة بالإجماع لجنة ضمت كلاً من تحية عبد الناصر وشيرين أبو النجا ومنى طلبة وحسين حمودة وعبده وازن. "شكراً للقاهرة التي ستنهض وتعود مرة أخرى الأم الكبرى لكل عشاقها وأنا واحد من هؤلاء العشاق"، قال خالد خليفة في ختام كلمته التي استهلها بالقول: "لأول مرة تقف الكتابة وجهاً لوجه مع ذاتها، لتجيب عن سؤال خطير: ماذا تفعل الكتابة حين يصبح الموت فاحشاً إلى هذه الدرجة، لأول مرة أتساءل مصدوماً عن جدوى الكتابة". وأضاف: "أعترف بأن أوهامي انتهت حين اكتشفت أننا أشخاص ضعفاء إلى درجة كبيرة، غير قادرين على مساعدة طفل نازح في المخيمات وإعادته إلى دفء منزله، أو جثة رجل قتله قناص لمروره الخاطئ من المكان الخاطئ في ذلك الوقت الخاطئ، لكنها في الوقت نفسه أزالت عن عيني غشاوة كنت لا أجرؤ على الاعتراف بها من قبل". واستطرد: "نحن نعمل في الهشاشة لأننا نصنع الجمال، نساهم بجعل حياة البشر أقل وحدة وقسوة، لا ننصر مظلوماً لكننا نساعد المظلوم على أن يستجمع قواه ويحارب من أجل قضيته، لا نستطيع إقناع امرأة مهجورة بأن العزلة ليست سيئة إلى هذه الدرجة، لكننا نستطيع أن نجعل عزلتها أقل وحشة. نفضح طغاة وانتهازيين وقتلة، لكننا لسنا محكمة تصدر أحكاماً، هكذا أرى الرواية التي غيرت حياتي، جعلتني أقل قسوة وأكثر دقة في إصدار أحكام قيمة قاطعة لا تقبل النقاش".

ورأت لجنة التحكيم أن "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" هي رواية سورية المعاصرة، التي تسرد الخوف والتطرف والاستبداد، مشيرة إلى أن خالد خليفة يقدم في هذا العمل منحوتات روائية بديعة لأشلاء أسرة عربية أدماها العنف السياسي وفتت كرامتها الإنسانية إرباً. وأضافت أن مدينة حلب تبدو في قلب النص وهي تقاوم العسكرة بشتى الوسائل الممكنة، لكن انحسار حقول الخس وترييف المدينة- مجاز التدهور- دفع كل شخص في الأسرة إلى محاولة إيجاد منفذ للحياة".

وعُرف خليفة بمواقفه المناصرة للثورة السورية منذ لحظة انطلاقها، وهو أكد في أكثر من مناسبة مشروعيتها كخيار لا بديل عنه في مواجهة الظلم، كما سبق أن تعرض للضرب حتى كسرت يده خلال اعتداء أجهزة الأمن السورية عليه أثناء مشاركته في تشييع الموسيقي السوري ربيع غزي في 26 أيار (مايو) 2012.

وتطوف رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" بين عواصم ومدن كثيرة عبر أشخاصها، من حلب إلى بيروت ودبي وباريس والعراق، لتحكي وقائع فساد معلن وخوف وقلق إنساني وموت، كأنها نهايات محتومة لا فكاك منها لعائلة تهرب من أي اجتماع عائلي.

أما خالد خليفة البالغ من العمر 49 عاماً فهو روائي وكاتب سيناريو وشاعر، مولود في مدينة حلب، ويقيم ويعمل في دمشق، وقد وصلت روايته "مديح الكراهية" الصادرة في 2006 إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى في عام 2008، وترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والألمانية والنروجية والإنكليزية والإسبانية. وصدر له في 1993 "حارس الخديعة"، وفي العام 2000 أصدر روايته "دفاتر القرباط"، وبسببها تقرر تجميد عضويته في اتحاد الكتاب العرب في سورية لأربع سنوات، ثم تقرر حظر روايته "مديح الكراهية"، فأعاد نشرها عبر دار "الآداب" في بيروت، وفي أيلول (سبتمبر) الماضي اختيرت هذه الرواية ضمن أفضل مئة رواية في العالم.

وفي المناسبة ذاتها احتفلت دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة بصدور الترجمة الإنكليزية للرواية الفائزة العام الماضي، "بيت الديب" للكاتب المصري عزت القمحاوي، وبصدور 3 طبعات بغلاف ورقي لأعمال نجيب محفوظ: "القاهرة الجديدة"، "أحلام فترة النقاهة"، وثلاث روايات مصرية قديمة (مجمعة) "عبث الأقدار"، "رادوبيس"، "كفاح طيبة"، وأيضاً الترجمة الإنكليزية لرواية المصري حمدي الجزار الجديدة "لذات سرية".

وتعد دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة التي أطلقت جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي العام 1996 الناشر الرئيسي لأعمال محفوظ باللغة الانكليزية لأكثر من عشرين عاماً والمالكة لحقوق نشر أكثر من 600 طبعة باللغات الأجنبية الأخرى لأعماله التي ترجمت لأكثر من 40 لغة في مختلف أنحاء العالم منذ فوزه بجائزة نوبل عام 1988، وتنشر حوالي 80 عملاً جديداً سنوياً.