«نرجو اللمس» معرض منحوتات تفاعلي لنادين أبو زكي

نادين ابو زكي,منحوتات,الفن التشكيلي,معرض تفاعلي

بيروت - غنى حليق 18 ديسمبر 2014

«please touch» معرض لنادين ابو زكي، تدعونا فيه للمس منحوتاتها وعيش تجربتها التي اختبرتها خلال تنفيذها هذه الأعمال، خلافاً لما عهدناه في أغلب معارض الفن التشكيلي وغيرها. فمن دون اللّمس لن ترى ولن تسمع ولن تشعر وتتفاعل مع المادة المعروضة أمامك.

في مبنى Station  في منطقة جسر الواطي في بيروت، وزعت نادين منحوتاتها في قاعتين كبيرتين، تتضمن الأولى خمس غرف سوداء، جعلت لكل منها مدخلاً ومخرجاً. العتمة والصمت يخيمان على المكان، تشعر بالرهبة وأنت تدخل إلى المعرض وخصوصاً إذا كنت بمفردك، فلا شيء غير العتمة ما لم تلمس الاشياء التي أمامك وتختبرها. مع دخولك كل غرفة تسمع أصوات قدميك تدوسان على مواد مختلفة: حديد، خشب، ماء، تراب، حجارة... وتكتشف أن السر في اللمس لرؤية العمل، فعبره تضاء الأنوار وتصدح أصوات الطبيعة من رعد وبرق وماء وريح... إحساس جميل ينقلك إلى عالم آخر، يجعلك تختبر الأجواء المحيطة بك وتتفاعل معها، ترغب في مزيد من اللمس ومزيد من التفاعل والأصوات، وخصوصاً عندما تطالعك منحوتة صامتة حية، حرصت نادين على وجودها بين الغرف لتفاجئ بها زوارها وتجعلهم ينشدّون إلى تفاعلها معهم بمجرد لمسها،  وقد لعبت إليز شحادة دور «الموديل» لهذه المنحوتة وأتقنت دورها التفاعلي.

أما القاعة الثانية فتتضمن عدة منحوتات خشبية وزعت بطريقة متناسقة وسُلّطت عليها إضاءة متحركة متموجة أشرف على توزيعها المهندس والمصمم علاء ميناوي. هذه الاضاءة تجعل المشاهد يرى المنحوتة بأحوال عدة، ويلحظ تفاعلها وتغيرها مع تغير الإضاءة. إضافة إلى هذه المنحوتات تعرض نادين في هذه القاعة فيلماً تعبيرياً، يضمّ لقطات من أجواء ولادة منحوتاتها، يرافقها صوت الدعسات على الرمل أو الحديد او أكياس الماء أو صفير الريح، هي نفسها الاصوات التي سمعناها في القاعة الأولى تتكرر بأسلوب مدروس، وعمل على استحضارها وتنفيذها زيد حمدان.

نجحت نادين في ايصال رسالتها إلى زوارها، إن من حيث الاعمال وأشكالها وتقنية تنفيذها، أو من حيث أسلوب العرض والاجواء والاحاسيس التي نقلتها بأمانة إلى المتلقي. إذ كان معرضها معرضاً كاملاً متكاملاً حركت فيه حواسنا الخمس، وأيقظت فينا أحاسيس لم نختبرها سابقاً.

على هامش هذا المعرض التقينا نادين، وأجرينا معها حواراً عن تجربتها هذه وظروف وأجواء ولادتها، والدوافع التي جعلتها تقدم عرضها بهذا الاسلوب. تقول إن العمل حصل على مراحل، ولم تكن تعلم إلى أين ذاهبة معه، هو أخذها إلى كل هذه التجربة التي تشمل الصوت والضوء والحركة واللمس، وهو عمل تفاعلي بامتياز يشرك كل الحواس لاكتشافه والاحساس به وخصوصاً حاسة اللمس.
وتضيف: «نفذت كل منحوتاتي  بداية في الظلام، وبمادة الطين. لم أكن أرى ماذا أفعل، كنت أحس وأتفاعل مع المادة التي بين يدي وأحاول تشكيلها بأصابعي وفقاً لأحاسيسي. أحببت تجربة الإحساس بالعمل من دون رؤيته وكيفية التفاعل مع المادة. عندما بدأت تجربتي صرت أتفاعل مع المادة أكثر، وأسافر مع ذاتي، أكتشف  الشعور وأقترب من نفسي واحساسي. تشتاق نادين لهذه اللحظات دائماً كما تشتاق للعودة إلى الصمت الذي عاشته أثناء تنفيذ المنحوتات، ولهذا ربما استخضرتها معها إلى المعرض.

تقول نادين انها لا تصمم أشكال منحوتاتها مسبقاً على الورق قبل تنفيذها، بل تبدأ بتنفيذها بالطين أولاً لأنها تحب أن تشعر بالمادة التي تريد تشكيلها، «تقصّدت العمل في العتم، وكنت أفاجأ بشكل كل منحوتة بعد تنفيذها. كان كل عمل يأخذني إلى المجهول، يشعرني بالانتظار والترقب، لاني لا أخطط لشكل المنحوتة قبل إنجازها، بل أترك المادة تأخذني إلى حيث تريد».

لقد أحبت نادين نقل الاجواء التي عاشتها خلال عملها إلى الجمهور ليعيش هذه التجربة، ولذلك كانت فكرة العتمة والدعوة إلى اللمس في المعرض. تشرح نادين: «قصدت إدخال الناس إلى المعرض في الظلام كي يلمسوا المنحوتة قبل أن يروها، ويختبروا الاحساس الذي يسبق النظر. أنا أدعو الناس إلى اللمس والتجربة».
تحب نادين لمس أي عمل تراه كي تشعر به كما تقول، فالرؤية لا تكفي وحدها، وحاسة اللمس مهمة جداً. تقول: «أردت أن أعرف إلى أي مدى يمكن للصورة أن تحل مكان اللمس، وخصوصاً بعد أن دخلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى حياتنا وغيّرت مفهومنا ومشاعرنا. وقد كنت عالجت هذا الموضوع في كتاب صدر لي عام 2008 بعنوان «المكان والجسد» تناولت فيه إلى اي مدى أصبحنا نتواصل بجسد افتراضي ونرغب في أحاسيس افتراضية. لقد ألغت هذه الوسائل التواصل مع الحياة ومع الجسد الذي يرتبط بكل ما هو ملموس. من المهم جداً أن يسكن الانسان جسده كما يسكن المكان، وأقرب مكان إلينا هو جسدنا، ولذلك ركزت في هذا المعرض على أهمية الحواس وخصوصاً اللمس،  وربطها ببقية الحواس كالنظر والسمع».

ضم المعرض 15 عملاً منوعاً ما بين خشب وحجر، وقد نفّذتها نادين في الضوء بعدما تم تصميمها في الظلام من الطين، وقد استغرق تنفيذها أربع سنوات. تجربة نادين في هذا المعرض غنية وجميلة، ولم تنتهِ بانتهاء هذا العرض، لأنها ترغب في نقلها إلى أماكن أخرى داخل لبنان وخارجه.