ليلى الأمين: تجربتي مع الطبخ أعطت حياتي معنى

ليلى الأمين,طبق الأرضي شوكي,المثلجات,علم النفس,جورجيا,الطب,شيكاغو,الطبق,السفر,الطبخ,الحلم,الأطباق

كارولين بزي 04 مارس 2015

تجربتها مع الطبخ ليست تجربة عادية، إذ انتقلت ليلى الأمين (28 عاماً)، لبنانية-أميركية، من بين حقن الأطباء والمرضى الذين تشرف على آخر أيام حياتهم، إلى مطابخ العالم لتترجم شغفها وحبها بالطبخ. سعادتها بما تحققه اليوم تتخطى الحلم بالنسبة إليها. أنشأت موقعاً برفقة زميل دراستها أنطوني وانطلقا معاً نحو العالمية. تقول ليلى إنها بارعة بإعداد طبق الأرضي شوكي، فيما أنطوني بارع في صناعة المثلجات. 

-ماذا درست؟
درست علم النفس في جورجيا، ثم التحقت بجامعة هارفرد لدراسة pre medical program، أجريت عدداً من الأبحاث الطبية، وذلك بعدما قرأت كتاب The Emperor of melodies وهو كتاب يتحدث عن مرض السرطان، إذ وجدته مهماً وممتعاً، لذلك قررت التوجه للقيام بأبحاث عن مرض السرطان. الأبحاث أجريتها في Harvard Cancer Center في ماساتشوستس. بذلت جهداً مكثفاً خلال دراستي وأبحاثي. عملت مع مرضى السرطان الذين وصلوا إلى مرحلة متأخرة من المرض، وأمامهم ما بين ثلاثة وستة أشهر للبقاء على قيد الحياة، وذلك بعد انتشار المرض في كامل أجسادهم. عملت معهم حوالى السنتين، وخلال عملي اقتربت منهم كثيراً، فكل من يحتضر يعتبر أن الوقت مهم جداً بالنسبة إليه، وكل شخص يتحدث إليه هو مهم. لقد كونت صداقات جميلة، وعلاقات عميقة مع المرضى، ولكن في تلك الفترة لم أكن أعيش حياتي.

-لماذا اخترت الطب؟
والدي درس كثيراً لكي يصبح طبيباً، لذلك اتبعت والدي.

-لماذا تركت عملك؟
في أحد الأيام، عدت إلى المنزل وكنت قد استنفدت كل عاطفتي وطاقتي، فاتّخذت القرار بأنني لن أقوم بهذا العمل مجدداً. بعد العديد من المحادثات مع أناس يفقدون حياتهم مع كل دقيقة تمر، أردت أن أغيّر، واعتبرت أن الحياة سيارة ونحن ركاب داخلها، لذلك قررت أن أغيّر دوري في سيارة الحياة.

-حدثيني عن شخص أثر فيك خلال مسيرتك المهنية؟
في مسيرتي، تعرفت إلى Anne التي أصبحت صديقتي، كانت مصابة بسرطان الثدي، والمرض قد انتشر في أنحاء جسدها، وقررت الخضوع للتجارب السريرية في إطار العلاج، إذ كان أملها الأخير. أحببت تجربتي وكنت أستخدم عقلي بشكل دائم لأننا لا نستطيع أن نخطئ. ثم تركت عملي في 28/3/2014.

-ماذا فعلت لاحقاً؟
معظم الناس الذين يتركون عملهم يتجهون الى العمل في مكان آخر، لكنني لم أقم بذلك، ذهبت إلى شيكاغو، كنت خائفة من تركي عملي، خفت من فقدان الأمان، من عدم حيازة لقب طبيب، ولكن في النهاية أنا في حاجة إلى أن أترك عملي. في شيكاغو توجهت إلى مزارع الجبنة، لأنني أحب الجبنة وأحب التعرف إلى كيفية تحضيرها، كما أنني أحب الحيوانات والطبيعة. أمضيت نحو 4 أو 5 أيام في المزرعة، وكان عليّ أن أجد عملاً، فعملت كبائعة في دكان خاص بالأجبان في شيكاغو. لاحقاً أتت شقيقتي سمارة إلى شيكاغو، بهدف أن تكمل دراستها الجامعية. حاولت الالتحاق بالجامعة مجدداً لدراسة التصوير ولكن الدراسة كانت مكلفة جداً. تبعني زميلي أنطوني إلى شيكاغو، الذي قرر بدوره أن يترك عمله في أحد المصارف لكي يقدم شيئاً مهماً للإنسانيّة. قررنا أن نسافر ونقوم بجولات حول العالم لنتعرف إلى الأطباق العالمية وكيفية إعدادها، فاشترينا بطاقات السفر وتوجهنا نحو النروج، ثم اتصلت بي والدتي لتخبرني أنني تلقيت بريداً يشير إلى قبولي في مدرسة الفنون، عندها شعرت بالفرح وأدركت أنها المرة الأولى التي سأُقدم بها على القيام بعمل من أجلي. فقررت أن أدرس التصوير لشهر أو لشهرين، ولكنني اتخذت قرار السفر أيضاً.

-ماذا عن عائلتك؟
عائلتي تعرف أنني ذكية، وإمرأة مسؤولة ويثقون بي، وتلقيت دعماً كبيراً منهم.

-مَن مِن عائلتك يهوى الطبخ؟
أنا متحدرة من عائلة لبنانية وبطبعنا نحب أن ننوع على طاولة الطعام، وعلى الرغم من أن والدي طبيب، إلا أنه طباخ ماهر، وكذلك أمي تُعد أطباقاً لذيذة جداً.

-ما هو الطبق الذي تتميزين بصنعه؟
أنا أحب الأجبان كثيراً ولكنني بارعة في تحضير طبق الأرضي شوكي، كما أن أحد المطاعم الإيطالية أُعجب بطبقي وسجل وصفتي لديه.

-ما هو الطبق الذي يمتاز به أنطوني؟
أنطوني يحب صناعة المثلجات (آيس كريم)، وكان قد عمل في محل يُعد المثلجات لفترة وتعلم كيفية تحضيرها، وهي لذيذة جداً.

-كيف وُلدت فكرة السفر للتعرف الى قصص الشغوفين بالطبخ؟
هناك أناس يعشقون الموسيقى، وآخرون يعشقون الفن، ويوجد كذلك من يحبون الطعام وإعداده، وهذا الأمر جمعني بأنطوني إذ لدينا فضول لاكتشاف الشغوفين بإعداد الأطباق حول العالم. وبدأت التفكير بالسفر إلى ايطاليا لأتعلم كيف يحضرون الباستا، وإلى النروج لتعلم إعداد الجبنة، وزيارة مختلف دول العالم لأتعلم كيفية تحضير أطباقهم، والوصفات التي يعدّونها. أردت أن أسافر وأن أتعلم المزيد وأن أصبح شخصاً أفضل، وأتعرف إلى قصص أناس وعلاقتهم بالطعام والأطباق المميزة.

-هل تحول الحلم إلى حقيقة؟
لم أتوقع أن نترجم حلمنا إلى حقيقة، أن نسافر ونلتقي أناساً من مختلف دول العالم، يقصّون علينا قصص حياتهم ونتعرف إلى وصفاتهم وشغفهم بالطبخ ونتشاركها مع كل العالم من خلال الموقع الإلكتروني الذي أسسناه وأطلقنا عليه اسم Made With Love. إذ لدينا نحو 200 وصفة وقصة سنضعها على الموقع.

-ما الذي تفتقدينه من حياتك القديمة خلال العمل؟
كل ما أفتقده كلبي، والانترنت السريع.

-هل ستصدرين كتاباً عن هذه التجربة؟
بالفعل سأصدر كتاباً أتحدث من خلاله عن هذه التجربة إلى جانب بعض القصص التي نشرتها على الموقع، لأنه حتى اليوم، المتقدمون في السن يفضلون قراءة الكتب.

-ما هي اللغة التي ستعتمدينها في الكتاب؟
الكتاب سيصدر باللغة الانكليزية ولكن سأسعى إلى ترجمته إلى لغات عدة.

-هل وجدتم تعاوناً من الناس الذين التقيتم بهم؟
أطلعنا من التقينا بهم على المبدأ الذي انطلقنا منه، وكنا نسألهم عن الطبق الذي يذكرهم، عندما يتناولونه، بمرحلة معينة أو بآبائهم وأجدادهم. سافرنا إلى السويد، النروج، ايطاليا، قبرص بشمالها وجنوبها، والآن لبنان. ونخطط لنتوسع أكثر في الشرق الأوسط. وأعتقد أن مطبخ العالم العربي واسع جداً.  في النروج زرنا أحد أضخم المخابز وأطلعنا المسؤول هناك على شغفنا وفضولنا في معرفة كيفية إعدادهم الخبز، فرحّب بنا وتعاون معنا.

-هل تفكرين بتأسيس مطبخك الخاص؟
بالطبع، ولكن بعد ثلاث أو أربع سنوات، وسنُعدّ فيه أطباقاً ووصفات من مختلف دول العالم.

-مَن من الناس الذين تعاونت معهم أثّروا فيك أكثر؟
عملت مع كثر ولكنني أتأثر دائماً بمن تتراوح أعمارهم بين الـ70 والـ90 عاماً، فلديهم الكثير لنتعلم منهم. وأحد أهم أهدافي أنني أود أن أنشر الأطباق التقليدية، فإذا لم ننشر هذه الوصفات ونعرّف العالم إليها فسنفقدها.

-ما هي الخطوة التالية بعد الموقع والكتاب؟
سنعمل على ايجاد ممول لمسلسل تلفزيوني، ومن المهم أن نوثق هذه الوصفات والقصص على طريقة الفيديو. وعلى الرغم من أنني أوثقها بالصور والكتابة، لكنني أجد أن شيئاً ما لا يزال مفقوداً ولا يمكن إيصاله إلا عبر الفيديو.

-من صمّم الموقع؟
أنا قمت بتصميم الموقع، وحاولت أن أوجد نوعاً من التسلية من خلال تصفحه. وبالتالي يمكن متصفحه أن يتعرف إلينا، ويتعرف إلى كل الوصفات والقصص المُدرجة على الموقع. بالإضافة إلى ذلك، بإمكانه أن يسجل اسمه ويدعونا لمشاركته يوماً كاملاً نتعرف من خلاله الى كيفية إعداده طبقه المفضل.

-ما هي القصة التي أثرت فيك كثيراً؟
أهم ما قمنا به هو زيارة ذوي الاحتياجات الخاصة في قبرص، وتوثيق قصصهم، إذ قاموا بإعداد البيتزا في الأعياد وقدموها الى الأولاد الذين قدموا لهم الهدايا. كما تعرفت إلى عائلة في السويد أثرت فيّ كثيراً، إذ قرر رب المنزل الذي يملك مزرعة كبيرة، وعلى الرغم من انشغاله بأعمال كثيرة وتقدّمه في السن، مع زوجته أن يعدّا الخبز، وباتا يعدّان كل أنواع الخبز من حبوب وقمح مزرعتهم. واليوم تشكل هذه العائلة حالة فريدة في محيطها من خلال إعداد أنواع الخبز. كما تعرفت إلى فتاة صغيرة تبلغ 14 سنة، في قبرص ولديها شغف كبير بالطبخ وأعدّت لنا بعض الأطباق.

-هل واجهت صعوبات؟
في أحد المسالخ، حاولت أن ألتقط صورة لجزار شاب (19 عاماً) ذبح خروفاً وفق الشريعة الإسلامية، أحب الحيوانات وكانت خطوة صعبة جداً بالنسبة إلي، أن أقف خلف الكاميرا وأشاهد خروفاً يُذبح. لكن حين نظرت إلى وجه الجزار وبدا لي يقوم بعمله بكل احترام وتنبه وعناية، فهمت في هذه اللحظة أن هذا الرجل يقتل حيواناً لا يود أن يقتله ولكنه يقوم بذلك بعناية وبالحلال، فالتقطت الصورة. هذه اللحظة هي الأصعب بالنسبة إلي. بالإضافة إلى تجربتي مع النحل حيث اصطحبني عمّي في لبنان إلى قفير للنحل وارتديت الملابس التي تحميني منه.

-ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟
يمكنني أن أدّعي في هذه الفترة أنني أصبحت بارعة في التصوير، سافرت إلى دول عدة، تعلمت أطباقاً ووصفات جديدة، واكتسبت لغتين جديدتين. أنا فخورة بما حققته، علماً أنه لم ينتبني هذا الشعور في السابق. كما لمست طيبة الناس وروعتهم. قصصهم الملهمة، أعطت حياتي معنىً، وبالتالي كانت فرصة جعلتني ألتقي تلك المرأة التي تعد الخبز في السويد، وما زلت أتواصل معها، كانت تنتظر طوال حياتها هذه الفرصة التي قدمناها لها. عندما ألمس فرح الناس أشعر بالسعادة والوفاء لثقتهم بنا. بالنسبة إلي كل إنسان مميز ومبتكر. ويمكنني أن أقول إن أمي أكثر قصص الحياة جمالاً، فهي ملهمتي، علمتني أشياء كثيرة لم أكن أعرفها، وقد وهبتني الحياة. ألهمتني أن أكون خلاّقة في التغيير، لأستفيد من فرص الحياة، لا أن أعيش في عالم التوقعات، الحياة كلها سحر وعلينا أن نستغل فرصتنا. 

-ماذا عن التصوير؟  
أقوم ببيع بعض الصور التي يجدها البعض مميزة.

كثيرات هن من فقدن أنفسهن في الحياة، والحياة فقدت سحرها بالنسبة إليهن. هذا ما حصل معي عندما كنت غارقة في عملي السابق، لقد خسرت نفسي. ولكن أود أن تعرف مَن تبحث عن التغيير أن من السهل أن تجد نفسها، من خلال الإقدام على مخططها من دون خوف، عليها أن تكسر حاجز الخوف وتخاطر في مكان ما.