المانيا وجهتكم المثالية لاستعادة العافية
Baden Baden
Bad Schandau
Bad Schandau
Wiesbaden
Wiesbaden
في عالم يزداد ازدحاماً يوماً بعد يوم، بات السفر أكثر من مجرد فسحة للترفيه أو استراحة من العمل، بل أصبح وسيلة نلتمس من خلالها العناية بأنفسنا، بكل ما نحمله من تعب داخلي وهموم صامتة. هو وقت نختبر فيه التباطؤ بإرادتنا، نُصغي لأجسادنا ونمنح أرواحنا مساحة للتنفّس. وسط طبيعة هادئة أو في مدن تعرف كيف تحتفي بالراحة والعافية، يتحول السفر إلى طقس من التوازن… نترك فيه خلفنا صخب الحياة، لنستعيد شيئاً من خفّتنا وهدوئنا. فالعناية بالنفس ليست رفاهية، بل ضرورة نحتاج أن نمنحها لأنفسنا كلما سنحت لنا الفرصة، والسفر قد يكون أجمل تلك الفرص. وتبرز ألمانيا كوجهة تُجيد فنّ الاستشفاء، حيث تتناغم ينابيعها الحرارية مع تقاليدها العريقة في ثقافة العافية. بين أحضان الطبيعة، وفي كنف مدن تعرف كيف تُدلّل زوّارها، من فيسبادن إلى بادن-بادن، ومن باد شانداو إلى آخن، تتوالى التجارب التي لا تُنسى، لتمنحنا ما هو أكثر من راحة مؤقتة… تمنحنا طاقة متجدّدة، وتوازناً مفقوداً… وتدعونا لأن نبدأ من جديد، بخفّة وامتنان.

"آخن" Achen: مدينة تتقدّم دائماً بالماء والذاكرة
تتميز "آخن" بموقعها الحدودي، حيث تلتقي حدود ثلاث دول: ألمانيا، بلجيكا وهولندا، مما يجعلها مدينة أوروبية بامتياز. تقع "آخن" في أقصى غرب ألمانيا، ضمن ولاية شمال الراين – وستفاليا، وتبعد حوالى 65 كيلومتراً غرب مدينة كولونيا، وتفصلها خطوات عن مدينتَي ماستريخت الهولندية ولييج البلجيكية.
ليست "آخن" الأولى فقط في الترتيب الأبجدي، بل تتقدّم المدن الألمانية بخصوصيّتها، وعراقتها، ومكانتها الاستثنائية في ذاكرة الاستشفاء الأوروبية. منذ العصور القديمة، كانت "آكواي غراني" – كما أطلق عليها الرومان – نقطة جذب لا تُقاوَم، بمياهها الحارّة التي تتدفّق من أعماق الأرض، وبحمّاماتها المصمّمة آنذاك على طراز يحاكي روما ذاتها. ومن هنا، نشأت المدينة الغربية الأقصى في ألمانيا، والتي تنازلت طواعية عن لقب "مدينة سبا" حتى تحتفظ بمكانها في مقدّم القوائم!
مع وصول شارلمان الكبير، تحوّلت "آخن" من مجرّد محطة علاجية إلى عاصمة إمبراطورية، وقد جعل منها مركزاً لحكمه، حيث اعتاد الإقامة فيها لأسابيع متواصلة مستمتعاً بعلاجاتها المائية. ولا تزال بصماته ماثلة حتى اليوم في معمار المدينة ووجدانها. وعلى خطى الأباطرة، مرّت بها أسماء لامعة: من الملك فريدريك الكبير إلى نابليون... جميعهم جذبتهم مياه "آخن" وهدوؤها الآسر.
أما اليوم، فتستقطب المدينة زوّاراً من نوع آخر: طلاب جامعة RWTH المرموقة، وعشّاق الثقافة والهندسة المعمارية، ومَن يبحثون عن استراحة لا تشبه سواها. وبين أروقة المدينة القديمة، لا بدّ من التوقف عند مبنى البلدية التاريخي، ونافورة إليزنبرونن ذات الطراز الكلاسيكي الحديث، لكن يبقى تاج المعالم كاتدرائية "آخن" العريقة، التي ضمّت رفات شارلمان، وكانت أول موقع ألماني يُدرج ضمن قائمة "التراث العالمي لليونسكو" عام 1978.
في "آخن"، تتعانق المياه مع الذاكرة، ويصبح الاستشفاء طقساً من طقوس الحياة، لا مجرّد علاج. هي مدينة تجيد الإصغاء إلى الجسد، والهمس للروح بأن تتأنّى، أن تعود إلى ذاتها، إلى ما يشبه البداية… حيث كل شيء ممكن من جديد.

"بادن- بادن" Baden Baden: حيث تتجسّد ثقافة الاستجمام بأبهى صورها
تقع ولاية بادن فورتمبيرغ بالقرب من الحدود مع فرنسا، وتبعد "بادن- بادن" 40 كيلومتراً جنوب غربي مدينة كارلسروه، قرابة 100 كيلومتر شمال مدينة فرايبورغ، وحوالى 150 كيلومتراً من مدينة شتوتغارت عاصمة الولاية.
عند تخوم الغابة السوداء، تقف "بادن-بادن" كواحدة من أرقى وجهات العافية في أوروبا، مدينة لا تشتهر بالمياه فقط، بل بالتاريخ، والفخامة، وسحر التجدّد. في عام 2021، منحتها "اليونسكو"، إلى جانب "باد كيسينغن" و"باد إمس"، لقب "المدن الأوروبية الكبرى للسبا"، تقديراً لإرثها العريق في ثقافة الاستشفاء.
هنا، تتدفّق المياه الحرارية من أعماق تصل إلى ألفَي متر، حاملةً معها معجزات الطبيعة التي عرفها الرومان منذ آلاف السنين، حين لجأوا إليها بحثاً عن علاج لأوجاع المفاصل. ومع مرور الزمن، أصبحت المدينة مقصداً لنخبة القرن التاسع عشر، من القيصر الروسي نيقولا الثاني إلى دوستويفسكي وبسمارك، الذين تجوّلوا في الحدائق الغنّاء، في طريقهم إلى مبنى "كورهاوس" الشامخ بأعمدته المهيبة.
كل زاوية في المدينة تدعوك لاكتشافها على مهل: من الأزقة الملتفّة في البلدة القديمة، إلى الفلل الفاخرة المتناثرة بين التلال، وصولاً إلى قمة ميخائيلسبرغ التي تمنحك نظرة بانورامية لا تُنسى. أما مسرح المدينة وقاعة الحفلات الموسيقية – الثانية الأكبر في أوروبا – فليسا مجرد معلَمين معماريَّين، بل هما دعوة للتوغل في روح الثقافة الألمانية، حيث تمتزج الموسيقى بالدهشة.
لكن التجربة لا تكتمل بدون التوقف عند دفء المياه في فردريشسباد وحمّامات كاراكالا الحرارية، حيث يذوب التوتر، ويستعيد الذهن صفاءه، ويصبح الجسد كأنه يولد من جديد.
في "بادن-بادن"، لا تُقاس الفخامة بالبذخ، بل بالقدرة على إعادة التوازن… أن تمشي ببطء، أن تتنفّس بعمق، أن تصغي إلى خرير المياه وهو يداعب حواسك… أن تمنح نفسك رفاهية التوقف.

"باد شانداو" Bad Schandau: ينابيع الشفاء وسط جبال الحجر الرملي على ضفاف نهر إلبه
"باد شاندوا" التابعة لولاية ساكسونيا السويسرية، هي جزء من متنزّه "ساكسون سويسرا الوطني" الشهير بطبيعته الخلاّبة وتضاريسه الصخرية المذهلة.
تقع "باد شانداو" على ضفاف نهر إلبه، وتبعد حوالى 35 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة دريسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا، وهي قريبة جداً من الحدود مع جمهورية التشيك.
في الجنوب الشرقي من مدينة دريسدن، وتحديداً على مقرُبة من الحدود التشيكية، تنبض منطقة "باد شانداو" بسحر الطبيعة وعراقة التاريخ، وتتحوّل إلى وجهة مثالية للباحثين عن الاسترخاء والمغامرة في آنٍ معاً. هنا، على ضفاف نهر إلبه، الذي يمكن استكشافه على متن أقدم وأكبر أسطول بواخر مجذافية في العالم، تتوالى المشاهد الخلاّبة: من قصر بيلنيتس وبلدة بيرنا، إلى جسر باستي الشهير، وحصن كونيغشتاين العتيد.
وتتربع بلدة "باد شانداو" كجوهرة صغيرة في هذا الامتداد الطبيعي الساحر، وهي معترَف بها رسمياً كمنتجع علاجي بأسلوب "كنيب"، حيث تتلاقى العلاجات الطبيعية مع الهدوء العميق في مزيج يمنح الجسم والعقل فرصة للانعتاق من ضجيج الحياة اليومية. العيادات المتخصّصة، مرافق العلاج بالماء، والمتنزّه الصحي في قلب البلدة، كلها تشكّل نسيجاً متناغماً يرافق الزائر نحو العافية.
ومن بين معالم البلدة التي تأسر القلب، تنطلق سكة قطار "كيرنيتششتالبان" العتيقة نحو شلاّل ليشتنهاين، في رحلة تأخذ الزائر إلى عصر آخر. أما في البلدة القديمة، التي تحتفظ بطابعها القوطي، فيقع مركز متنزّه "ساكسون سويسرا الوطني"، حيث يُمكن التعرّف على هذا المحيط الطبيعي المحمي بطريقة تفاعلية تُلهم العقول وتوقظ الحواس.
كل هذا يمهّد الطريق نحو استكشاف جبال الحجر الرملي المُدهشة، والتي تُعدّ من أروع معالم ألمانيا الطبيعية. صخور "شراممشتاينه" الشاهقة، بتشكيلاتها الفريدة، تُغري هواة التسلّق والمشي لمسافات طويلة وركوب الدرّاجات بخوض مغامرات لا تُنسى بين السماء والحجر.
أما مَن ينشد الراحة بعد مغامرةٍ مشوّقة، فليتوجّه إلى "توسكانا ثيرمه" في "باد شانداو"، حيث تهدأ الأنفاس في أحضان الساونا والبرك الحرارية، وتعود الروح إلى خفّتها الأولى. إنها تجربة لا تُقاس بالوقت، بل بالإحساس… حين يصبح الهدوء لغةً، والماء عزاءً، والطبيعة حضناً دافئاً للذات الباحثة عن توازن جديد.

"فيسبادن" Wiesbaden: ملاذ استجمامي على خطى الأباطرة
تقع "فيسبادن"، عاصمة ولاية هيسن، غربي ألمانيا على الضفة اليمنى لنهر الراين، مقابل مدينة "ماينتس" Mainzفي ولاية راينلاند بفالز. تبعد "فيسبادن" حوالى 4 كيلومترات غرب مدينة فرانكفورت، ما يجعلها قريبة من مطار فرانكفورت الدولي، أحد أكبر المطارات في أوروبا.
وسط أجواء تُعيد إلى الذاكرة بريق العصور الإمبراطورية، يقف منتجع "كايسر فريريش تهيرمه" Kaiser-Friedrich-Therme الحراري في "فيسبادن"، شامخاً كجوهرة معمارية على الطراز الفنّي الجديد Art Nouveau، منذ افتتاحه عام 1913 وحتى اليوم، بعد تحديث شامل حافظ على روحه الأصيلة، حيث يوفر للزوّار علاجات الاستحمام الحرارية الساخنة والباردة، الجافّة والرطبة. وفي قلب "فيسبادن"، تتجدّد طقوس الاسترخاء والعناية بالجسد والروح في أجواء مترفة تليق بعشّاق السكينة.
لطالما شكّلت "فيسبادن" وجهة لروّاد العافية، حتى أن القرن التاسع عشر منحها لقب "منتجع العالم الصحي"، ووصفها البعض بـ"نيس الشمال"، نظراً لجمالها الساحر. فلا عجب في أن تستقبل هذه المدينة زوّارها بمشهد معماري يخطف الأنظار، من كنيسة "ماركتكيرشه" ذات الأبراج الخمسة بطرازها القوطي الجديد، إلى دار الأوبرا العريقة والمبنى المجاور لها "كورهاوس" الذي يستحضر العصر الذهبي بكل تفاصيله.
وفي كورهاوس، ستجدون أطول رواق أعمدة في أوروبا، بطول يصل إلى 129 متراً، يحاكي الفخامة الإمبراطورية. خلفه تطل حدائق سبا هادئة تنبض بالحياة في موسم تفتّح أزهار الماغنوليا. أما في الأمام، فيمتد الملعب المزروع بالأعشاب ليعكس ملامح المتعة والبهجة. وفي الليالي الصيفية تحت السماء المفتوحة، تتحول هذه المساحات إلى مسارح حيّة، يحييها نجوم عالميون من طراز هربرت غرونماير أو بلاسيدو دومينغو، فيما ينتشر رذاذ النوافير المنعشة، وكأنه موسيقى مائية تهمس للحواس بأن تتوقّف… وتستسلم.
"فيسبادن" ليست مجرد مدينة ألمانية جميلة، بل قصيدة مائية تُتلى على الجسد، تروي شغفه بالدفء والهدوء، وتمنحه لحظات من الاتزان… كما لو أن الوقت توقّف عند مجدٍ لا يبهت.
إلى جانب هذه المدن الرئيسة التي تتصدّر وجهات السبا والمنتجعات الحرارية في ألمانيا، هناك أيضاً العديد من الخيارات الإضافية التي لا تقلّ روعةً وأهمية، نذكر منها:

"باد كيسينغن" Bad Kissingen: واحدة من أكبر وأشهر المدن العلاجية في بافاريا، ومُدرجة في مواقع التراث العالمي UNESCO ضمن Great Spa Towns of Europe منذ 2021.
تضم المدينة سبعة ينابيع معدنية نشطة، وتشمل مرافق مثل Wandelhalle (قاعة شرب) وغرف الاستنشاق الأرضي الكلاسيكية. وتشكّل بساتين الورود ومهرجانات الموسيقى مزيجاً مثالياً من العلاج الثقافي والطبيعي.

"باد ورشوفن" Bad Wörishofen: وُلدت "باد ورشوفن" من مدينة ويلنس، وتشهد على نشوء علاج Kneipp الشهير بنهجه الشمولي (ماء، نباتات، حركة).
يحتوي المنتجع الرئيس Therme على أنواع متعددة من حمّامات المياه المعدنية والسونا. وهو مثالي لمن يبحث عن نمط حياة صحي شامل وعلاجات طبيعية موجّهة.
"باد زويشنآهن" Bad Zwischenahn: يمكن فيها الاستمتاع بالوقت بجانب البحيرة والطين العلاجي المستوحى من التقاليد الطبيعية.
"باد إيملس" Bad Ems: تقع على ضفاف نهر لاهن، تجمع بين الهندسة الباروكية والمياه المعدنية العلاجية الشهيرة.س
شاركالأكثر قراءة
أخبار النجوم
أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد له بعد...
إطلالات المشاهير
الملكة رانيا العبدالله تتألق بفستان كحلي بتصميم...
أخبار النجوم
عبير صبري تدعم شقيقتها في أزمتها مع دينا...
إطلالات النجوم
نجمات السعودية ومصر ولبنان وسوريا يتنافسن في...
إطلالات المشاهير
إطلالة جويل ماردينيان رفقة زوجها بـ"لوك" لافت...
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
