المدوّنات: عالم لا يعرف القيود

المدوّنات, Blog, التدوين, مصر, المملكة العربية السعودية, لبنان

15 سبتمبر 2013

صفحة بيضاء بإمكانك تلوينها كما تحب، عالم خاص لا يعرف القيود ويفتح مجالاً لحرية الحركة، بعيداً عن القواعد التي يفرضها عليك ناشر أو موقع له تعليماته الصارمة... هو عالم «المدوّنات»، التي امتدت إلى الفضاء الإلكتروني كمجال لإخراج الإبداع، لا شروط هنا، وكل ما عليك القيام به هو فتح صفحتك وكتابة ما يخطر ببالك دون حاجة إلى تجميل الكلمات أو اختيار موضوع معيّن... مدوّنتك هي عالمك الذي يسمح لك بحرية التعبير، وإخراج ما في داخلك باللغة التي تفضلها. المواضيع التي تنتظر منك الكتابة بعضها اجتماعي والآخر يحمل خواطرك الخاصة، والبعض منها سياسي تتحول به المدوّنة إلى جبهة حرة للتعبير عن وجهة نظرك فقط. شروط السن أو النوع ليس لها مكان، والتمييز ضد المرأة ليس مقبولاً بعد أن اقتحمت عالم المدوّنات بقوة، وعكست مجموعة من المدوّنات الشهيرة توجهاتها وآراءها التي لا يشاركها فيها أحد. ونستعرض من هنا شهادات مدوّنين ومدوّنات من مصر والسعودية ولبنان. ونبدأ من مصر.


سارة حسين: ألست صغيرة على هذا الكلام؟

على عكس ما يبدو عليها من «طفولة» ما زالت واضحة في ملامحها، عكست أفكارها نضجاً ظهر قوياً في مدوّنتها التي أطلقت عليها اسم «بقلم سارة». لم تكن سنوات عمرها قد تعدت الخمسة عشر عاماً عندما قررت إنشاء مدوّنة تحمل اسمها قبل ثلاث سنوات من الآن، أكسبتها خبرة لا بأس بها في كتابة المقالات التي تحمل آراء لا تتناسب مع سنوات عمرها التي لم تتجاوز الثماني عشرة بعد. سارة حسين سرعان ما غيرت نشاطها من الأدب إلى السياسة رغم معارضة أهلها خوفاً عليها مما يتعرض له المدوّنون السياسيون من اعتقالات ومطاردات. آراؤها الجريئة ومقالاتها اللاذعة ووجهات نظرها التي فاقت سنها، هي ما أعطت مدوّنتها طابعاً خاصاً كانت سارة فيه هي بطلة المشهد وصاحبة القلم. «دائماً ما أتعرض لسؤال: ألستِ صغيرة على هذا الكلام؟»، بهذه العبارة وصفت سارة ما تعرضت له وهي تحاول شرح وجهة نظرها وتتمسك بحقها في امتلاك مساحتها الخاصة، مهما كانت سنها أو مرحلتها الدراسية. التي لم تأخذ شكلاً واضحاً بعد. أنهت دراستها في المرحلة الثانوية لتوها، ولم تكف عن الكتابة حتى في فترات المذاكرة، وكان لما أعطتها إياه المدوّنة من حرية في دخول عالم السياسة الشائك دور في اختيارها لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي قررت أن تكمل فيها مشوارها الدراسي. تحكي سارة تفاصيل تجربتها مع مدوّنتها السياسية قائلة: «دائماً ما وصفني أهلي وأصدقائي بأن آرائي أكبر من سني، وهو ما شجعني على الاستمرار. البداية كانت الرغبة في الحديث بحرية والتفكير بشكل أكبر من خلال صفحة خاصة بي، أتواصل من خلالها مع آخرين يمتلكون وجهات نظر مشابهة أو مختلفة، وتسمح لنا مدوّناتنا بتبادل الآراء. ثم دفعتني الثورة لتوظيف قلمي إلى التحدّث عن الثورة وأهدافها، واتخذت من المدوّنة منبراً للدفاع عن جبهة الثوار طوال الفترة التي أعقبت الثورة التي عبرت خلالها عن رأيي في الأحداث المتلاحقة في الشارع المصري». سارة التي تجاوز عدد المتابعين لمدوّنتها الآلاف رغم سنها الصغيرة، لم تكتف بالكتابة في المدوّنة، بل شاركت بتدويناتها في كتاب الـ»100 تدوينة» لعامين على التوالي بمقالات سياسية جريئة، نُشرت في كتاب خاص بالمدوّنين عاميْ 2011 و2012، إلى جانب تدوينات أخرى حملت آراء مختلفة لمدوّنين اختاروا عالم المدوّنات للتعبير عن أنفسهم.


لبنى أحمد: التدوين له خصائص تميزه عن مواقع التواصل الاجتماعي

«كتاب واحد يجمع المدوّنين» فكرة لبنى أحمد نور التي ابتكرت وسيلة مختلفة لإنقاذ التدوين من الانقراض، بعد أن حلت محله مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلقت مبادرة «المئة تدوينة» لجمع المدوّنين بأفكارهم المختلفة في كتاب، وهو ما ساعدها عليه عملها في دار نشر.
لم تقتصر تجربة لبنى، صاحبة مدوّنة «مفردة»، على مشروع «المئة تدوينة» الذي جمع تدوينات مختلفة على مدار عامين، فهي تملك مدوّنتها الخاصة وآراءها الجريئة التي لم تتأثر باختفاء ظاهرة التدوين تدريجياً، ولها كتابها الإلكتروني «عن وإلى حلم لا يؤلم». دخلت عالم التدوين عام 2007 فيما كان عالم التدوين غامضاً ولا يحمل رؤية واضحة لمستقبل المدوّنين. بدأت برسم أفكارها على الصفحات أمامها واختيار الشكل الخاص بها، وانتظار تعليقات المتابعين الذين راحت أعدادهم تزداد شيئاً فشيئاً، حتى بدأ جمهور المدوّنات بالتراجع وتحولت المدوّنات إلى موضة قديمة لم تعد موجودة كالسابق.

وعن مشروع «المئة تدوينة» الذي نجحت من خلاله لبنى في تجميع ما تبقى من المدوّنين في مساحة موازية تقول: «الكتاب الذي يضم 100 تدوينة، فكرة حاولت من خلالها جمع ما تبقى من الحريصين على التدوين، من خلال نشر تدويناتهم كل عام في كتاب واحد. بدأت الفكرة عام 2011، عندما نشرت المبادرة وقمت باستقبال التدوينات وتصفيتها حتى وصل العدد إلى 100 تدوينة، نشرت في كتاب «أبجدية إبداع عفوي»، ثم كتاب «نوافذ مواربة» عام 2012».
وتضيف: «فكرة الكتاب كان هدفها تجميع المدوّنين ودفعهم للتمسك بمدوّناتهم، واكتشاف أنفسهم من جديد في مدوّنات حاولنا إحياءها بفكرة الكتاب الذي يعدّ عملاً يجمع المدوّنين في مجتمع واحد».
أما عن رؤيتها لاستمرار فكرة المدوّنات فترى لبنى أن التدوين له خصائصه التي تميزه عن غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة في الأرشفة التي تتيحها المدوّنات. كما ترى أن التدوين فكرة مختلفة تجمع أصحاب الأفكار الواحدة في مجتمع واحد، وتتيح مساحة حرة لتناول مواضيع مختلفة، ومتابعة خواطر وتجارب مختلفة، وهي نفسها فكرة الكتب أو الروايات ولكن بطريقة أسهل، وتسمح للجميع بالمشاركة، وهو ما جعلها على يقين أن للمدوّنات جيلاً خاصاً سيظل محتفظاً بالفكرة مهما حصل. 


ماريان مجدي: دوري كمدوّنة توثيق ما يحدث في الشارع المصري

«لست موهوبة في الكتابة أو السرد أو الحكايات الطويلة، لكن أحب أن أتكلم من الآخر». هكذا أعلنت ماريان مجدي عن نفسها في مقدمة الصفحة الرئيسية لمدوّنتها التي أطلقت عليها اسماً غير تقليدي يصف ما تحويه صفحتها الخاصة وهو «م الآخر».
ماريان فتحت باباً خاصاً بها لم تقصد منه الكتابة الأدبية أو «الفضفضة» كما يفعل البعض، هدفها كان واضحاً منذ البداية عام 2011 حين راحت توثّق الأحداث التي يعيشها الشارع لحظة بلحظة. لم تكن تعلم قبل بداية تجربتها مع التدوين أن هذه الصفحة التي أعلنت في مقدمتها أنها ليست لمتابعة نوع خاص من الأدب، أن تتحول بعد أشهر إلى صفحة يلجأ إليها الراغبون في متابعة ما حدث بالتفاصيل التي تفننت ماريان في نقلها من مصادرها الصحيحة... داخل صفحات المدوّنة يمكنك متابعة أحداث سياسية عاشتها ماريان كمصرية مخلصة لم تتمكن من الامتناع عن نقل الحدث بشفافية، بدايةً من لحظة حدوثه حتى نهايته، موثقاً بالصور ومقاطع الفيديو والشهادات المكتوبة للمحيطين بالحدث.

«التوثيق هو هدف مدوّنتي التي بدأت نشاطها بعد اندلاع ثورة «25 يناير» التي أعقبتها أحداث تحتاج إلى توثيق ونقل واضح لما يحدث». هكذا بدأت ماريان حديثها عن تجربتها التي اختلفت عن التجارب التقليدية للتدوين، وتضيف: «المدوّنة بدأت نشاطها بتوثيق كامل لأحداث عاشها المصريون بعد الثورة، من خلال ما جمعته عن كل حدث، من صور ومقاطع فيديو تظهر الأحداث لحظةً بلحظة، بالإضافة إلى الشهادات المكتوبة من الأهالي والشهود العيان التي حاولت جمعها من مصادرها بصدق».

وتكمل ماريان: «لم أجد أي جهة أو موقع على الإنترنت يقوم بالدور التوثيقي للأحداث التي تعاقبت بعد الثورة شهراً تلو الآخر، وهو ما دفعني لافتتاح مكان يعرف جميع من يتابعه أن دوره هو نقل الحقيقة».
وتوضح ماريان هدفها من التدوين بشكل يومي، دون الدخول في تفاصيل كتابة الخواطر أو الأدب أو الآراء السياسية، فدورها كمدوّنة حديثة العهد بالتدوين اقتصر على نقل ما يحدث وتوثيق حوادث ومعارك عاشتها الثورة، وعاشها المصريون. بالنسبة إليها ما تعيشه مصر منذ ما يزيد على عامين ونصف العام يحتاج إلى أدلة، والسبب الرئيسي لضياع الحقوق هو افتقار الأحداث إلى التوثيق والأرشفة. 


أسماء علي: أتعامل مع مدوّنتي كمنزل أعيش فيه بحريتي

قصتها بدأت قبل سنوات من ظهور التدوين كوسيلة للتعبير. موهبتها الفطرية وقدرتها على الوصف فرض وجودهما في البداية على عالم «المنتديات» الذي تعتبره أسماء جيلاً سبق جيل المدوّنات بفترة لا بأس بها. منذ عامها السابع عشر بدأت رحلتها مع الكتابة الأدبية التي اتسمت بأسلوب حمل اسمها كما حملت مدوّنتها اسم «أسماء علي». «كاتبة بالفطرة» هو ما يمكن إطلاقه على أسماء صاحبة المدوّنة الأدبية التي يعود تاريخها إلى عام 2008، الوقت الذي بدأت فيه المدوّنات في الظهور بقوة، واحتلت مكاناً ثابتاً في الشكل الاجتماعي لجيل جديد حاول التعبير عن رأيه من خلف شاشات الكمبيوتر، كلٌ على طريقته الخاصة.

رحلة طويلة من الكتابة بحرية عاشتها أسماء، بدايةً من انطلاق مدوّنتها. وقد وضعت عشرات القصص والخواطر والحكايات على مدوّنتها الخاصة، وفتحت لنفسها باباً للكتابة بحرية وباباً آخر للمتابعين لقراءة ما تكتبه. لا تعرف صفحات مدوّنتها التي لونتها كما تحب قيوداً تذكر، فهي حرة تماماً في كتابة ما تشعر به، وستظل مدوّنتها مجالاً صافياً لما في داخلها من حكايات أخرجتها على ورق حمل أسلوبها الخاص وحرفتها الأدبية التي اعترف بها الجميع.

«الكتابة تحتاج إلى مرحلة مبدئية أتاحتها لي المدوّنة التي أتعامل معها كمنزل أعيش فيه بحريتي بعيداً عن القيود». هكذا بدأت أسماء حديثها مع تجربتها في التدوين الذي اندفعت إليه بعد أن واجهت المحاذير التي وضعتها المنتديات على النصوص المكتوبة، فكان الحل هو اللجوء إلى مدوّنة خاصة تحمل اسمها وأسلوبها.

لم تكن المدوّنة لأسماء مجرد صفحة بيضاء لسرد ما لديها، فهي فتحت لها مجالاً لتجارب أخرى اختلفت مع عملها كطبيبة أسنان، فاتجهت إلى ورش «الحكي» مع الدكتورة سحر الموجي، وتدربت على عروض «الحكي» كفن جديد دخلت به أسماء عالم المسرح.
وعن «فن الحكي» تقول أسماء: «الحكي فن يعكس الحرية بطريقة مختلفة، نحاول من خلالها نقل حكاية قديمة وتغييرها بحيث تتناسب مع الواقع الذي نعيشه، وتنقل سلوكيات أخرى تختلف عن الحكايات التقليدية». أما عن تجربتها مع نشر ما تكتبه، فترى أن النشر يختلف عن الكتابة على المدوّنات، ويحتاج إلى مزيد من المجهود لإخراج النص بصورة تليق بنشره، إلا أنها شاركت بقصة قصيرة في كتاب «المئة تدوينة».

«البداية مختلفة تماماً عما وصل إليه الحال الآن»، هكذا وصفت أسماء ما وصل إليه حال التدوين في مصر، بعد أن كان تجربة فريدة وباباً لاكتشاف المواهب الأدبية، وتحول إلى مجال لكل من «هب ودب» على حد تعبيرها. في رأيها، بدأ التدوين لاكتشاف القادرين على الكتابة قبل أن يتحول إلى فوضى لكل من أراد الكتابة، بغض النظر عن الموهبة أو تقديم جديد على المدوّنات التي اختلف شكلها عن بداية ظهورها.


الدكتور رشاد عبد اللطيف:  تيار المدوّنات أوجد نوعاً من التواصل  بشكل أكثر حرية

«ظاهرة اجتماعية كان لها دورها في إفراز نوع جديد من التواصل»، كان هذا هو رأي الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع في كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان. وقد تحدث عن المدوّنات كظاهرة اجتماعية بدأت لمعالجة مشاكل موجودة في المجتمع وانتهت بتحولها إلى فوضى اجتماعية.
ويشرح عبد اللطيف مصطلح الفوضى الاجتماعية بشكل تفصيلي بقوله: «المدوّنات عبارة عن تيار كان له رونقه مع بداية ظهوره، بدأ بتناول بعض المشكلات الموجودة في المجتمع وأوجد نوعاً من التواصل بشكل أكثر حرية. لكنها لم تستمر على النهج نفسه، وبعد فترة من انتشارها أصبحت مساحة مفتوحة لكل من يرغب في الكتابة، واختلطت المحتويات المقدمة وغابت أهدافها الأساسية في زحام المشاركين بمدوّنات معظمها لم يعد يقدم فائدة للمجتمع».

ويضيف: «طريقة عرض المدوّنات أفقدتها قيمتها كمساحة لعرض وجهات نظر مختلفة، ولم تعد المدوّنات مرتبطة بقضية بعد أن بدأت المدوّنات السياسية التي شاركت بشكل كبير في الدفع للحراك الشعبي الذي انتهى بثورة ناجحة».
وعن المدوّنات السياسية يقول عبد اللطيف: «المدوّنات السياسية كان لها وجودها القوي في البداية ثم اختفت في ظل حكم الإسلاميين، وأتوقع ظهورها مرة أخرى في ظل التغيرات السياسية الراهنة». 


الدكتورة عايدة السخاوي: ثورة على الوسائل الإعلامية التقليدية

«تحويل المجتمع كما هو معروف إلى منتج جماهيري»، هكذا عرّفت الدكتورة عايدة السخاوي، أستاذة الإعلام في جامعة المنصورة، المدوّنة كوسيلة إعلامية حرة  شاركت في الثورة الإعلامية الحديثة كوسيلة جدية ذات ثقل.
تقول: «إعلام المدوّنات أو الإعلام الحر، بدأ خطواته الأولى بالمدوّنات التي فتحت مجالاً للثورة على الوسائل التقليدية التي تقدم للمتلقي الوجبة الإعلامية جاهزة، ولم توفر له خاصية التفاعلية مع المحتوى المقدم أو مع الوسيلة التي تقدم له هذا المحتوى، الأمر الذي تغير بظهور المدوّنات التي فتحت مجالاً لمشاركة الجمهور، وتقديم محتوى خاص يحمل وجهة نظره ومشاركته في الأحداث».

تضيف: «أثر المدوّنات في الشارع المصري ظهر واضحاً بقيام الثورة والإعلام الذي لحق بها، ومواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت من المدوّنات، حتى أصبحت لها مفاهيمها الخاصة. وهي الوسيلة التي تفتح طريقاً لصحافة المواطن التي تفرض نفسها اليوم، بدايةً من صفحات التواصل الاجتماعي ووصولاً إلى الشبكات الإخبارية التي تعتمد على الصورة ونقل الحدث. وقد بدأت منافسة الصحف لما لها من قدرة على الاحتكاك بالشارع والوصول إلى الناس بشكل أقوى» .


حوارات مع بعض أصحاب المدوّنات الشهيرة في السعودية

وهذه شهادات من السعودية مع بعض أصحاب المدوّنات التي اختلفت في طابعها، وهويتها، وطريقة طرحها


د. أندجاني: المدوّنة بعيدة عن مقص الرقيب ومزاجية رئيس التحرير

تكتب الطبيبة النفسية نجوى أندجاني منذ سبع سنوات في عالم المدوّنات، وقد بدأت مع مدونة شخصية، تروي مشاهدات خاصة في أمور اجتماعية أو في عالم الطب النفسي. ومن ثم التقت بعض الزملاء في مهنتها، وجمعتهم الهواية لترسم معهم (Do You Agree) من منظور مختلف، وهي المدوّنة الاجتماعية الطبية التي جمعت ثلاثة من الأطباء في مجال عالم النفس هم نور البار وسامي سعد بالإضافة إليها، ليباشروا كتابة كل القصص والأحداث التي تواكب يومهم وتجعلهم يصفون مجتمعاتهم من منظور مختلف.

تقول: «في هذه المدوّنة نطرح الكثير من التساؤلات، ليبقى باب الحوار والنقاش بيننا وبين متابعينا مفتوحاً، للإجابة أو الاستفسار عن ما جاء في إحدى المدوّنات. وهي مقسمّة الى قسمين، أولهما قصص واقعية شخصية كما تفعل الدكتورة نور البار التي تُشاركنا قصة معاناتها مع مرض سرطان الثدي، والثاني شهادات مختلفة باختلاف المرضى والمراجعين، مع سردها من وجهة نظر شخصية».
عن الايجابيات في الكتابة بالمدوّنات ذكرت أندجاني أن بُعدها عن مقص الرقيب، وانعدام الوقت المحدد لها، وسهولة إنشائها «ايجابيات كبيرة للمدوّنات. كما أن هذه الوسيلة تجنّبنا مزاجية رئيس التحرير، أو ربما النشر في وقت لاحق، أو عدم النشر. ولعل السلبية الوحيدة التي قد تُؤخذ في هذا المجال، هو أن وجود الشبكات الاجتماعية أثر سلباً على القراءة، الأمر الذي أثر أيضاً على عدد متابعي المدوّنة في الفترة الأخيرة». 


بكر: ما ينطبق على التدوين، ينطبق على ما قد يُسمح لك التحدث به في يومك العادي

المهندس ياسر عبد الله بكر (35 سنة) يعمل حالياً في الإعلام، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، بدأ يكتب في المدوّنات عام 2008، وكان يطمح حينها إلى تأليف كتاب. وقبل البدء بمشروع التأليف، ارتأى أن يطور مهارات الكتابة لديه، من خلال إنشاء مدونة  The Bubble Over My Head لينشغل بها، وينسى أمر تأليف الكتاب.
يكتب بكر المدوّنة في جلسة واحدة تصل إلى ساعتين، باسترسال ودون توقف. ومن ثم يبدأ بمرحلة تنقيح المدوّنة التي تستمر أسبوعاً تقريباً. يقول: «بدأت كتابة المدوّنة في الأمور المتعلقة بالتسويق والاقتصاد،  ثم توجهت لكتابة مشاهدات طريفة، وليست تحليلات لأمور معينة. أخيراً اتجهت الى كتابة قضايا اجتماعية لكن من منظور شخصي أو من منظور البعض».

وعن سبب تسمية المدوّنة بهذا الاسم قال: «الاسم مقتبس من مفردة غربية مأخوذة من رسوم الكرتون عندما تضيء فكرة في رأس شخص ما، تظهر له وكأنها فقاعات فوق رأسه، أو سحابة. وأغلب المقالات التي أكتبها في المدوّنة هي إضاءات وأفكار تأتيني في وقتها، لأقوم بتحليلها وأكتبها في مدونة».
تتميز مدونة بكر بدمج الفصحى والعامية في الكتابة، وعن هذا يقول: «الأصل أن الصياغة تكتب بالفصحى، لكنّ هناك معاني أحتاج إليها ولا أريد فقدانها فأكتبها بالعامية، لأشعر بأنها وصلت إلى القارئ. وبالتالي أجد صداها في التعليقات التي يكتبها القُراء والمتابعون من خلال ما يحفظونه من مفردات كُتبت باللهجة العامية. وأشعر بأن المدوّنة المكتوبة بالعامية تأخذ نصيب الأسد بالنشر والتداول بين المتابعين».

ولفت بكر إلى وجود محظورات للكتابة في المدوّنات السعودية لها علاقة بالحياة الاجتماعية بشكل عام، «وما ينطبق على التدوين ينطبق على ما قد يُسمح لك التحدث به في يومك العادي. قد يكون سقف الحرية في المدوّنة أعلى بسبب غياب الرقيب، ليبقى الأمر محصوراً بين حجب المدوّنة أو إيقافها لفترة معينة، ويبقى هاجساً لصاحب المدوّنة نفسها. وإن كنت أنا شخصياً أعتقد أني بعيد من الخط الأحمر بدرجة كبيرة، وليس لدي هذا التخوف. حتى عندما بدأت أكتب في مواضيع (حديث الساعة) كان لدي الخبرة وإلى حد ما ابتعدت عن الخطوط الحمراء، ولم اعتقد أني كتبت تدوينة وكنت متخوفاً من أمر ما كالحذف أو الحجب. وحالياً لا يوجد رقابة من وزارة الإعلام على المدوّنات».


تراجع التدوين

ولفت إلى أن الصعوبات المادية والتقنية التي تمثل عائقاً أمام أي مشروع نشر أو كتابة لا تنطبق على إنشاء مدونة، «مما يجعل الأمر سهلاً وسلساً. شخصياً وخاصة في البدايات، كان للحماسة دور كبير في التزامي بالكتابة بشكل دوري، خاصة أنه في عام 2008 كانت المدوّنات في أوجها،  أما الآن فقد انخفض وهج المدوّنات بسبب غياب عدد كبير من المدونين الكبار والمشهورين، وانشغلوا بالشبكات الاجتماعية التي باتت تبعدنا عن التدوين من خلال كتابة ملحوظة أو رأي في عدد من التغريدات اللحظية، الأمر الذي يؤدي إلى قتل الفكرة. وهذا ما حدث معي، فلم أعد مواظباً على التدوين كما في السابق».

وحول فتح أبواب النقاش بينه وبين متابعيه، أشار بكر إلى أن التواصل يتم من خلال التعليقات، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن عدداً كبيراً من مدوناته كُتبت من خلال ملاحظة أو تعليق أو سؤال من بعض المتابعين. وأضاف: «على سبيل المثال، كتبت مدونة تحكي عن مسلسلات رمضان وسبب انتشارها، وتلك كانت بسبب سؤال. وهناك تساؤلات حول قضايا اجتماعية كانتخابات المجلس البلدي، وقضية قيادة المرأة، والهيئة،  وأراب أيدول، وجميعها مدونات نتجت عن تفاعل بيني وبين من كان يسألني أو نقاش بيني وبين عدة أشخاص».

ويصف بكر التدوين بأنه وسيلة صحيّة للمساعدة على التعبير، و«أنا شخصياً مدونتي ساعدتني في جميع المهمات الإعلامية التي قمت بها، ومن الممتع أن يعود الكاتب بعد فترة ليقرأ ما كتبه، ويقرأ تطوره بنفسه وبشخصيته وبتفكيره، وكأنها مذكرات شخصية. لكن من عيوب التدوين أن يتعرض الشخص للفهم الخاطئ من بعض الأشخاص ممن قد يكونون اقتبسوا عنواناً ما أو تعرضوا لفهم مغلوط في فقرة مما كُتب، أو ربما أنا لم يُسعفني قلمي في التعبير بشكل قاطع».

وأكد أن المدوّنة السعودية تختلف عن غيرها من المدوّنات العربية أو العالمية، لافتا إلى نوعين من المدوّنات منها المتخصصة «وهذه من المدوّنات التي انقرضت إلى حدٍ ما، وهناك المدوّنات الشخصية، وهي التي تتلخص في أغلبها بالخواطر والأحاسيس والمشاهدات والأفكار، وهي إلى حدٍ ما وفي ظل وجود شبكات التواصل الاجتماعي أتساءل عن مستقبلها. وبالفعل أشعر بأنها بدأت تنحسر، وأصبحت فقط لرواد متابعي هذه المدوّنة أو المدوّن، لكنها لم تعد تنتشر كالسابق. أما في الغرب فلديهم هذان النوعان، لكن أيضاً لديهم التدوين الإخباري المنتشر بكثرة، ولديهم مدونات لتحليل جزء خاص من خبر أو من نشرة معينة. وهم يمتازون بالمدوّنات المتخصصة بصورة كبيرة. التخصصات مختلفة، والمدونون ليسوا في سلة واحدة، إضافة إلى وفاء الغرب تجاه المدوّنات حتى وإن كان هناك شبكات تواصل اجتماعية، فهم مازالوا يقرأون المدوّنات ويتابعونها، وهنا يكمن الفرق».


اسأل «مجرب»: مدونتي تحولت إلى وجهة شبه يومية لشريحة كبيرة من الفتيات

تركز الشابة التي تفضل التدوين باسمها المستعار «مجربة» على مقاطع الفيديو التي تشرح من خلالها بالصوت والصورة تفاصيل تجاربها الشخصية مع مستحضرات الجسم والماكياج والأزياء وحتى في التسوق الالكتروني. وتُعد مدونتها مرجعاً لما تتحدث عنه من خلال قناتها الشهيرة في اليوتيوب، والتي تحولت إلى وجهة شبه يومية لشريحة كبيرة من الفتيات. تقول: «أنا فتاة سعودية عاشقة لكل ما يتعلق بالجمال والماكياج والعناية بالبشرة والشعر والأزياء والتسوق وغيرها من اهتمامات البنات، وافتتحت قناتي اليوتيوبية بعنوان «اسأل مجرب Es2alMujarib» عام 2011، والفكرة مستوحاة من المثل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب». فقررت مشاركة تجاربي في عالم الجمال والماكياج والتجميل مع بنات جنسي لإفادتهن في عملية التسوق.  في البداية لم أفكر في التدوين أو افتتاح مدونة، وبعد ذلك وجدت أني بحاجة إلى مدونة تكون مرجعاً للمتابعات ومزودة بالصور والأسماء للمنتجات التي سبق ذكرها في البرنامج اليوتيوب، فيسهل عليهن الرجوع إلى أي منتج ومعرفة الاسم كامل والأسعار عند الحاجة».

تشرح «مجربة» كيف أصبحت مدونتها مرجعية للفتيات المهووسات بالتسوق العادي والتسوق الالكتروني، ذلك لأن «الفكرة من اسأل مجرب هي عرض تجاربي الشخصية مع المنتجات الجديدة في السوق وتقويمها وتبيان جودتها. فالمنتجات الموجودة في السوق لا تناسب الجميع بل كل منتج موجه إلى فئة معينة تحتاجه، والخطأ الذي يقع فيه كثر هو شراء منتج لا يناسبهم».
وفي النهاية يظهر المنتج في البرنامج اليوتيوب «اسأل مجرب»، وتشمل الحلقة المعنية تقديم كل المعلومات عن المنتج: كيفية الاستخدام، الفئة المناسبة لاستخدام المنتج، الأعمار التي يناسبها المنتج، وغير ذلك. فتكون القناة والمدوّنة دليل التسوق لكل فتاة  لتذهب إلى التسوق وهي تملك الخبرة الوافية عن المنتج قبل الشراء، ومعرفة مدى مناسبة المنتج لاحتياجاتها أم لا، قبل الشراء لتجنب الوقوع في خطأ شراء المنتج غير المناسب.

وأشارت إلى أن الفئة العمرية التي تتابعها من خلال المدوّنة هي بين سن  14 و40 سنة، «وبدأت الكثيرات يطالبنني بتخصيص حلقات عن السيدات الكبيرات في السن، لرغبة بعض أفراد عائلاتهن في متابعتي والاستفادة من مدونتي، خاصة لمن هن في سن 50 إلى 60 سنة».
ورأت أن إيجابيات الكتابة في المدوّنة تكمن في التواصل مع كم هائل من المتابعات «ومشاركة اهتماماتي في مجال الماكياج والعناية بالبشرة والشعر والتجميل والأزياء، وتقديم الفائدة في مجال اهتمامي. أما السلبيات فتعود إلى العمل المرهق الذي يأخذ الكثير من الجهد الجسدي والنفسي».  


آل مرزوق: «مس بوتيك» مدونة تهدف إلى تثقيف المجتمع لا إلى التجارة الإلكترونية

«مس بوتيك» Miss Boutique مدوّنة تهتم بالصحة والجمال وكماليات العناية بالبشرة، وتحاول تصحيح المفاهيم الخاطئة والمنتشرة في أوساط المواقع الالكترونية. صاحبة المدوّنة هي خريجة كلية التربية، عملت في مجال التدريس فترة بسيطة، ومن ثم اتجهت إلى عالم التدوين قبل سنة وشهرين. وباتت مدوّنة منى آل مرزوق ملاذاً للفتيات الباحثات عن أسرع الوصفات وأبسطها والنصائح. تقول: «أضع خبراتي بين أيديكنّ بالمجان وبمشاركة طبية مختصة، فجميع ما يكتب هو موثق بآراء نخبة من الأطباء في عالم الجمال والتجميل».

تهدف مدونة آل مرزوق إلى نشر الوعي الصحي المختص بالعناية بالبشرة والشعر والصحة العامة، «أسعى لصنع مجتمع أفضل، من خلال تعزيز الجمال الروحي في الذات البشرية. وأحاول تصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المواقع الالكترونية، وأثق بإمكاناتي في تغيير المجتمع إلى الأفضل. يتابعني عدد فئات عمرية مختلفة تبدأ من سن 12 سنة وصولاً إلى 21 سنة، وأسعى إلى الكتابة لمن هم في سن 50 سنة، ممن يطالبون أكثر بالمواضيع الطبية، والجمالية والصحية. وأعمل على استهداف جميع الفئات العمرية».

ترى آل مرزوق أن هذه الآونة هي العصر الذهبي لعالم المدوّنات، «وكأنه نضج وكبُر خاصة مع وجود شبكات التواصل الاجتماعية التي ساعدت الكثيرات في نشر مدوناتهن، كما هو الحال معي، الأمر الذي يزيد المسؤولية عليّ، ويجعلني أفكر في هوية الموضوع المقبل، لأبقى في المستوى الذي عهدني عليه المتابعون، فهدفنا ليس التجارة الإلكترونية بقدر ما هو تثقيف المجتمع».

تضيف: «لدي في المدوّنة أطباء معتمدون، أثق بهم كثيراً، ولا أباشر الكتابة عن أي فكرة إلا بعد البحث والتأكد أني أكتب تجربتي الخاصة إن كان لي مع المنتج تجربة معينة، ومن ثم أضع رأي الطبيب المناسب لهذا الموضوع، الأمر الذي يضع ثقة القارئ في ما أكتب خاصة بوجود الصور التي أعتمد عليها بشكل كبير من خلال مساعدة أختي زينب آل مرزوق، والتي تسعى جاهدة لأخذ الصور المناسبة، لكي تظهر المدوّنة بشكل حيوي وجديد ومختلف عن غيرها من المدوّنات في هذا المجال».


د. كاتب: المدوّنة هي صحافة مواطن لا تخضع لإملاء أحد  أو توجهات معينة

قال المدير العام للإعلام الخارجي في وزارة الإعلام السعودية، وأستاذ الإعلام الجديد في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور سعود كاتب إن المدوّنات تختلف عن وسائل النشر الأخرى، «أنا أدرّس مادة تكنولوجيا الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وأفرض على كل طالب من طلابي أن ينشئ مدونة ويباشر النشر فيها، وهدفي من هذا هو إيصاله إلى إخراج إبداعاته الكتابية ومهارته في ذلك، فمن يملك كتابة مقال ورغبة في نشره، فهو صاحب المدوّنة وهو الناشر، وهي صحافة مواطن لا يخضع لإملاءات من أحد وليس هناك توجه معين وعدد أحرف. وبالإمكان أن يضع في مدونته ليس فقط المقالات، بل أيضا مقاطع الفيديو، للنشر ويتقبل تعليقات المتابعين عليها. وبالتالي المدوّنة لها ميزات كثيرة تتيح للشخص أن يبدع وأن يستخدمها كناشر. ومن ثم ينتقل المدوّنون إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الكتابة في الصحف، ويشتهرون بشكل كبير، بحيث يصبحون أسماء معروفة من خلال مجتمع المدوّنات».

ولفت إلى أن الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعية تختلف كثيراً عن الكتابة في المدوّنة، فمن يكتب تغريده في تويتر، ستختفي بعد أسبوع على الأقل وتُنسى، أما المدوّنة فهي باقية مدى العمر، ومؤرخة ومُرتبة بحسب المواضيع التي دونت، كما أنها «تعتبر مجلة للقارئ، ومجلة شخصية للكاتب».
وقسّم كاتب المدوّنات إلى أقسام بحسب اهتمام الكاتب فيها، فهناك المدوّنات الفنية، والسياسية، والمدوّنات التي تحوي مقاطع الفيديو، «وهي تشمل أي جانب يرغب في نشره. وهناك المدوّنات المتخصصة، والمدوّنات الشخصية التي تمنح الشخص حرية التعبير عن رأيه في كتابة ما يريد دون قيد أو شرط، ولا يوجد إحصائية في السعودية تدل على أي المدوّنات المنتشرة بكثرة في هذا المجال».

ونفى كاتب وجود رقابة من وزارة الثقافة والإعلام على المدوّنات، «لكن الرقابة تكون على ما يكتب ويُسيء إلى الآخرين أو جهة معينة أو شخص بعينه، أو ربما تجاوز الحدود، فلن يكون مقبولا قانونياً وأخلاقياً، ومن المؤكد رفض المدوّنة أو حجبها حينها. وهذا لا يعني أيضاً الحرية المُطلقة في الكتابة، لكن هناك رقابة بسيطة على المدوّنات. والكاتب نفسه يخضع لرقابة ذاتية تجعله مُدركاً لأمور الكتابة، ومنتبهاً لما يدوّنه بأن لا يؤذي نفسه قبل مجتمعه».


«بلوغ» Blog  وبُلوغ سن الرشد أدبياً...

وهذه شهادات من لبنان حول ما ينطوي عليه عالم التدوين من معان وأسرار

هموم نسائية خرجت عن الصمت...
لم تكن الإعلامية ريتا خوري الأولى حين قررت تحويل مدونتها إلى كتاب. المدوّنات الثلاث، و«عايزة اتجوز» (غادة عبد العال) و«أرز باللبن لشخصين»  (رحاب بسام) و«أما هذه فرقصتي أنا» (غادة محمد محمود) سبقنها في التجربة. نشرن رواياتهن عن دار الشروق.

أما هي فكتابها كانت بمثابة إعادة توضيب لأسرارها الصغيرة التي كتبتها يوماً بأسماء مستعارة. لم تحوّل ريتا مدونتها بل مدوناتها إلى كتاب. كتاب ليس رواية بل نصوص بعنوان «أسرار صغيرة» تقع في 268 صفحة.

المدوّنات المتحوّلة دار النشر لم تعد الشبكة العنكبوتية
تقول ريتا خوري إن أسوأ الكتابات هي التي تكتبها لأنه ينبغي عليك ذلك، تماماً كالفروض المدرسية وقوائم شراء الطعام والإقرار الضريبي. وأن أمتعها هي التي تكبتها باسم مستعار. اكتشفت لذة التدوين، فكانت مدونتها الأولى «رات». وهو اسم مستعار افتتحت به أولى مدوناتها «أسرار النمل» لتقول كل ما يخطر في بالها، أو يعنّ لها من الأمور الشخصية والحميمة. سرها أفشته صديقتها. لكن التدوين أصبح إدماناً. أنشأت مدونات عديدة بكثير من الأسماء المستعارة منها «لن ولا». كان التدوين بالنسبة إليها «نوعاً جديداً من العزلة والشعور التام بالأمان». والتدوينات الواردة في كتاب ريتا «أسرار صغيرة» ما هي إلاّ باقات مقتطفة من مدوّنات كتبت في أوقات مختلفة وأمزجة متقلبة.


تجربة ريتا خوري...

جمعت ريتا تدويناتها في كتاب «أسرار صغيرة» الذي صدر عن دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر. أرادت نشر مفهوم جديد للأدب، كان هاجسها مشاركة أفكارها الشخصية وتفاصيل عائلية بوسيلة أكثر شيوعاً من التدوين والقارئ الإفتراضي.
واجهت نفسها بالتدوين. هو نوع من الإستهزاء من واقع، خصوصاً حين تقول : «لا يهم فأنا لن أصبح يوماً أماً». هل هو تصالح تسامح مع الواقع أم تعالٍ عنه؟
تشعر  ريتا بالسعادة حين يشير القارئ إلى نصوص معينة في كتابها، أي أن كلماتها لمست القراء لأنها تشبههم، خصوصاً التي لها علاقة بالأم. تقول : «مأساتي هي مأساتي ووجعي هو وجعي. يختلف الديكور والإضاءة وأسماء الأشخاص لكن القصص هي ذاتها. مع التدوين، لم أشعر بأنني وحدي في هذا العالم».

كانت تغيب عني تفاصيل الفاصلة والهمزة
عن تجربتها تقول: «وقعت عقداً مع دار النشر عبر المحرّر. وهو الروائي المصري أحمد العايدي الذي استمتع بكتاباته». إنه صاحب رواية «أن تكون عباس العبد» التي تحوي مصطلحات شعبية وأحدثت ضجة عام 2006. تضيف : «لم يصنع أحمد النص أدبياً.  كنت أدوّن وأرمي النص دون مراجعة. وأقول مراراً «يا عيب الشوم». كانت تغيب عني تفاصيل الفاصلة والهمزات لكنني اكتسبت كل ذلك لاحقاً، نتيجة ملاحظات التعليقات أحياناً».

ترفض الإدعاء أن كتابها الأول يمكن وضعه في خانة الأدب بل «تدوينات فيها روح الشعر شبيهة بالمتكأ (Divan) الذي يستلقي عليه المريض عند الطبيب». هل لفتتها أي تجربة تدوين عربية تحولت كتاباً؟ «مدونة «عايزة أتجوز». لقد بيع الكتاب بشكل جنوني وصدرت منه أكثر من طبعة قبل أن يتحول مسلسلاً. أنتمي إلى المرحلة التدوينية نفسها. كانت «عايزة أتجوز» الأولى إحصائياً».

يوميات حميمة

طرحت مدونة غادة عبد العال «عايزة أتجوز» قضية، ماذا عن مدونة ريتا خوري؟ «مدوناتي عبارة عن يوميات حميمة من الماضي وتتقدم بالمستقبل وأسئلة وجودية مقلقة وممزقة مع الطبيب ومع أمي ومع زوجي ومع المال ومع الطلاق والحياة والغربة...».

هل تفاجأ حين تعيد القراءة؟ «نعم، خصوصاً النصوص المتعلقة بأمي. وجدتها حادة وشديد العتاب. كذلك المتعلقة بالطفل والإنجاب».

- إلى أي مدى كانت قاسية في رأيها عن الأمومة؟ «لن تنتظر من تريد طفلاً بلوغ ال43 أو آخر سنتين لتعلن رفضها الإنجاب. لدي مشاعر تساورني وتغادرني وتصالحت معها». من جهة أخرى، تبدي رغبة في المساهمة في نشر التوعية من التحرش الجنسي ضد الأطفال واستباحة أجسامهم حتى من قبل ذويهم عبر عرض صورهم على مواقع التواصل الإجتماعي. مدوناتها هي بمثابة تاريخ صغير لقصتها مع محيطها وعائلتها. سألت والدتها وهي صغيرة : «متى سنرجع أخي إلى المستشفى؟»، حين شعرت طفلة الثلاث سنوات بالغيرة من ضيف صغير في منزلها.
تصفحت المحللة النفسية التي كانت تقابلها ريتا في لبنان الكتاب ثم أغلقته. وقالت لها : «مع هذا الكتاب أقفلت دورة من حياتك. ما التالي؟».

يخفت نجم التدوين إن لم يختف كلياً...

من يقرأ أفكارها الشخصية أكثر، قارئ الكتاب أم المدونة؟ «التدوين له قارئ افتراضي ومختلف. أظن أن استخدام الإنترنت يؤثر على قدرة تركيز الإنسان ويحدث خللاً وظيفياً خصوصاً حين يتلقى الدماغ مليون معلومة حسب دراسة علمية أميركية. وجزء من الخلل أن الإنترنت يؤثر على القراءة. لقد تعودنا على الشاشة، أحاول قراءة 20 صفحة يومياً».

هل يختف نجم الBlog؟ «نعم، يخفت نجم التدوين إن لم يختفِ كلياً بعد الفايسبوك والتويتر أو ما يعرف بالتدوين المصغّر. لم ينتشر التدوين في لبنان كثيراً مقارنة بمصر».

تمركز حول الذات   Egocentrism مسموح

أسرارها الصغيرة متى تخاف منها ومتى تخاف عليها؟ «أخاف عليها حين تكون مؤذية للمحيط القريب الذي أحبه، لا أريد أن أجرح أحداً. وغير ذلك، أنا لا أكترث مما سيألفه القارئ أم لا من آرائي. أملك وجهاً واحداً ولا أضع الأقنعة».
هي فعلاً كذلك، خصوصاً حين تلفت إلى أن رواية جبور دويهي «شريد المنازل» عن الحرب اللبنانية استحقت الجائزة العالمية للرواية العربية - بوكر» أكثر من رواية ربيع جابر «دروز بلغراد» التي قدم أفضل منها، رواية «طيور الهوليداي إن» أو «أميركا». وكأن ربيع جابر استحق الجائزة عن رواية أخرى.

تضيف: «أمر بلحظات إحباط وأسأل نفسي أحياناً: «أنا مين وشو عم بعمل» عبر التدوين. هناك من نصحني بالتوقف عن ذلك لأنه عبارة عن دوران حول النفس دون جدوى وتمركز حول الذات   Egocentrism...».

هل وافقته الرأي؟ «المدونة ترادف حرية التعبير وحق النشر اللا محدود وأقوالاً مسموحة لا يمكن الإدلاء بها وجهاً لوجه. لا يمكن أن أواصل البكاء، كلما أخرجت ما في داخلي شفيت».

هل تصالحت مع الواقع أم تعالت عنه بالإستهزاء؟ «السخرية كانت هرباً. وبت أكثر سيطرة على انفعالاتي اليوم».


الروائي هلال شومان: التجريب اليومي قبل الانتقال لمستوى كتابة أكثر احترافية

هلال شومان من أول المدوّنين في لبنان.
لم يعد مدوّناً بل صار روائياً...

ما السبب الذي دفعك إلى التدوين؟ وقتها كنت أود التجريب أكثر في الكتابة وكنت مغتربًا خارج البلد، فكانت المدونات الوسيط العام الأنسب الصاعد وقتها في ٢٠٠٥، وهكذا انتهيت مدوّناً لسنوات ثلاث.

ما كان إسم المدوّنة وهدفها ومضمونها؟ كانت المدوّنة وقتها تحت عنوان «نوستالجيا»، وكانت تحوي كتابات أدبية، وبعض المتابعات لبعض الأحداث التي فرض حدوثها مثل هذه المتابعة كحرب تموز/يوليو مثلًا.  الهدف الأساسي هو التجريب اليومي للكتابة قبل الانتقال إلى مستوى أكثر احترافية. كانت المدوّنة تتيح أيضاً الاطلاع على آراء القرّاء، وبخاصة الذين لا أعرفهم ولا يضطرون للمجاملة.

ما سبب توقفك عن التدوين؟ الأسباب كثيرة، منها أني بدأت النشر العام للكتابات في الصحافة، ومن ثم نشر الروايات. ومنها ضمور التدوين في المدوّنات لصالح التدوين المصغر على موقعَي تويتر وفايسبوك وغيرها من الشبكات الاجتماعية. نوع التفاعل على الويب اختلف من التدوين في المدوّنات للكتابة في الشبكات الاجتماعية، والجمهور الأكثر واقعية والأكبر موجود على الشبكات الاجتماعية لا على المدوّنات.

دخولك العالم الروائي بعد التدوين... بدأت بنشر رواية أولى مع دار نشر شابة كان أركانها وقتها من المدوّنين المصريين أنفسهم، ثم انتقلت لمرحلة أخرى مع النشر مع دار نشر أكثر احترافية (دار الآداب) مجربًا تجربة جماعية أخرى هي تجربة محترف الكتابة، قبل أن أنتقل مجددًا لأكتب رواية ثالثة وحيداً (بالنصّ) ومتشاركًا مع رسامين عرب ولبنانيين (بدأ بعضهم كمدون فني على الويب). التدوين ساعدني على تطوير أسلوبي الكتابي أكثر بالتراكم وفي تجربة كتابة النصوص الصغيرة قبل الانتقال إلى كتابة الرواية.

ما هي نظرتك إلى التدوين اليوم في لبنان والعالم العربي؟ يختلف التدوين من دولة لأخرى، وهو أكثر حضوراً في مصر منه في لبنان. الأمر مرتبط أكثر بحضور القراء على الويب وبمناخ الحرية في البلد. في لبنان، لا يبدو التدوين مؤثراً كما كانت حاله في مصر قبل الثورة. أما في مصر، فكان التدوين فيها من أكثر الوسائط التي فتح فيها مجال الكلام في السياسة قبل انتقال الأمر لمواضيع تنفيذية ولاحقاً في الثورة على النظام. كان التدوين في مصر مجالًا للتعبير عن النفس، ومجابهة الخطاب الرسمي للنظام.

مضمون مدوّنة المرأة...  أظن للبحث عن مدونات المرأة، يجب متابعة التدوين في البلدان التي تعاني فيها المرأة من عدم القدرة على التعبير أو من عدم الحصول على حقوق جذرية أساسية.

ما التغيير الذي يمكن أن تحدثه مدوّنة؟  مثال مصر هو الأوضح. فتحت الحالة التدوينية العامة فضاء الكلام السياسي والاجتماعي. قضمت حقوقًا أساسية من النظام محمية بالمراقبة العالمية. قبل أن ينتقل الكتّاب الناشطون للعمل في السياسة وعلى الأرض. هناك مدوّنات كشفت وجود التعذيب في السجون المصرية. وهناك المدوّنة الأشهر في حينها: منال وعلاء. في لبنان، وبسبب وجود مناخ نسبي للحرية (مع قدرة محدودة على التغيير) يوجد بعض المدونين المتخصصين الذين يتابعون قضايا العمال من مثل مدونة عبير غطاس.


بين «غينيس» و«سبينس» عبير غطاس...

مدوّنتها مدينتها المليئة بالفساد وبعض المساءلة

أنشأت عبير غطاس (26 عاماً) مدونتها عام 2008 المتخصصة بحقوق المرأة والعمال. تواكب الحركات العمالية، وطبعت مدونتها الصبغة الوطنية للطبقة الكادحة بعد تعرّضها للمساءلة في المخافر بسبب أشهر مدوّناتها تلك المتعلقة بعمال «سبينس». تقول عبير التي أطلقت على مدونتها اسمها بالعربية «عبير» : «لم أتراجع عن الكتابة بل بت اكتب أكثر».

الوقائع = قدح وذم

ما الذي حصدته بعد كتابتها عن عمال مهدوري الحقوق؟ «لقد سجلت هيئة التفتيش للضمان الإجتماعي الخروق وتأكدت من المخالفات وكتبت عنها ما لم يعجب إدارة «سبينيس». وهذا ما عرضني للمساءلة بحجة القدح والذم رغم أنني لم أنقل إلاّ الوقائع. لكن في النهاية حصل الحمّالون على جزء بسيط من حقوقهم وأدرج بعض العمال في الضمان الإجتماعي».