مهدي فليفل: همّي الأخير أن أزيد مبيع 'الفوشار' في صالات السينما

مهدي فليفل, مخرج, السينما, فيلم, تصوير

22 ديسمبر 2013

مهدي فليفل مخرج شاب تألق فيلمه الأول «عالم ليس لنا» الذي يحمل عنوان مجموعة قصصية لغسان كنفاني، في أكبر المهرجانات العالمية.
تحدى في فيلمه مقولة ديفيد بن غوريون الشهيرة عن فلسطين: «سيأتي يوم يموت فيه الكبار وينسى الصغار». مخرج همّه الأخير أن يتّجه حاملو «الفوشار» والقهوة السريعة إلى صالة لمشاهدة فيلمه.


- ماذا بعد فيلم «عالم ليس لنا»؟
سأكمل الحكاية، وأروي قصة الهجرة. جاءت الفكرة بعد أن بدأت التصوير في اليونان ولحقت «أبو إياد».

- مرّت عشر سنوات على فيلمك الأول «شادي في البئر الجميل»...
نعم، هو أول فيلم قصير لي. درست في معهد National film&television school في بريطانيا وصنعت عدداً من الأفلام القصيرة، سافرت وكبرت و«نصحت».

- وحصلت على مزيد من الجوائز؟
نعم، بات المكتب ضيقاً.

- هل تقسم حياتك المهنية قبل فيلم «عالم ليس لنا» وبعده؟
لم أتغيّر لكنني دخلت عالماً مختلفاً. فحتى من لم يشاهد فيلمي يعرفني من خلال الجوائز التي نلتها. كنت في بريطانيا مجرّد مخرج يريد تصوير أفلام. نحن اليوم في مهرجان حيث يجتمع من يريد أن يصنع أفلاماً، قد يتقن ذلك وقد لا يتقن.
لم يكن أحد يكترث بأعمالي حتى نلت جائزة أفضل فيلم في «مهرجان إدنبره السينمائي الدولي» و «برلين». فبات يشار إليّ : «آه إنت اللي نلت جائزة إدنبره»، أكثر من التعليق على مشاهدة فيلمي.

- أي مهرجان شاركت فيه وكان ذلك حدثاً استثنائياً؟
حين حصلت على الجائزة الكبرى في مهرجان «ياماغاتا» في اليابان قبل شهر. هو من أهم المهرجانات العالمية للأفلام الوثائقية ويقام كل سنتين. يختارون 15 فيلماً وثائقياً من أفضل الأفلام حول العالم.
مجرد المشاركة في هذا المهرجان الذي تنافست فيه أفلام للفلسطيني ميشال خليفة واليابانية نعومي كاوازي وبيدرو كوستا كان في غاية الأهمية، خصوصاً أنهم أيضاً لم يحصلوا على الجائزة الكبرى كما فعلت منافساً أفلاماً بمستوى Act of Killing وStories We tell...

- لمَ اخترت الإخراج؟
هو اختارني.


لا أعرف ما يمكن أن أفعل ببراد بيت. هو ليس عالمي!

- هل تذكر أول مرة حملت آلة تصوير؟
كان عمري 7 سنوات ربما. كان والدي يهوى التصوير، أي أن الكاميرا كانت دائمة الوجود في العائلة . كبرت مع السينما والأفلام...

- ما كانت فكرتك عن السينما؟
سينما هوليوود ولقطات من فيلم «أبي فوق الشجرة» الذي كانت والدتي تحضره، وسينما متواضعة تقنياً. لكن لا يمكن التقليل من شأن السينما الكلاسكية المصرية بالتأكيد...

- أي سينما تأسرك اليوم أو ترضيك كمخرج؟
أتمنى أن اقدم سينما ترتقي إلى التجربة المكسيكية. هي الأكثر إبداعاً اليوم، ولا أقصد ما قدمه المخرج كارلوس ريغاداس فقط بل ميشال فرانكو ومخرج فيلم Potosi ألفريدو كاسترويتا وآمات إسكالانتي من الجيل الجديد... أظن أنهم أفضل المخرجين اليوم في السينما.

- ماذا يعني لك أن تكون في لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية في مهرجان أبو ظبي السينمائي هذا العام بعدما فاز فيلمك «عالم ليس لنا» بثلاث جوائز العام المنصرم وفي المهرجان نفسه؟
إنها تجربة جميلة خصوصاً أنني أحب زيارة الخليج. ليست المرة الأولى التي أكون فيها في لجنة تحكيم، لكننا شكلنا فريقاً جميلاً في لجنة التحكيم بوجود المخرج ليونارد هيلمريتش الذي أحبه وأحترمه كثيراً وكنت أتواصل معه عن بعد.
هو متواضع وفرحت كثيراً بأننا سنكون معاً في اللجنة. هو الوحيد الحاصل على جائزة التميز السينمائي IDFA مرتين إلى جانب جائزة «صندانس».


أنا ساذج وأعتقد أن السينما تستطيع تغيير العالم

- هل كاميرا مهدي فليفل في تطور مع الزمن أم تعود إلى الوراء على الدوام...
تحدثت عن الواقع والذكريات في فيلمي الأول. لديّ نوستالجيا نابعة من المنفى. أحاول اكتشاف المنفى على الدوام عبرالماضي والحاضر والمستقبل، هذا أنا.

- إلى أي مدى أنت بعيد عن إغراءات السينما التجارية أو سينما النجوم؟
همّي الأخير أن أزيد مبيع «الفوشار» في صالات السينما. أنا ساذج وأعتقد أن السينما تستطيع تغيير العالم. «عالم ليس لنا» غيّر حياة «أبو إياد». حسناً، لا تغيّر السينما العالم لكنها تغيّر حياة شخص. السينما تستطيع، إنما ثمة أفلام حين ننتهي من مشاهدتها تكون النهاية... إذا قال لي أحدهم : «هذا مليون دولار وهذا سيناريو وبراد بيت سيكون نجم فيلمك»، لا أعرف ما يمكن أن أفعل ببراد بيت. هو ليس عالمي!

- تقول عن سينما النجوم والسينما التجارية «عالم ليس لي»...
تماماً.

- كيف تذكر لبنان والذكريات من الطفولة؟
قد يجيب عن هذا السؤال مخرج في السبعين وعجوز يحمل عكازاً وسيجاراً.

- ألم يكن فيلمك نتاجاً منطقياً لطفولتك؟
بالتأكيد، البيئة التي خرجت منها لها دور، والإجازات الصيفية التي كنت أمضيها في المخيم رغم أنني كنت مقيماً في دبي ثم الدنمارك، كانت مختلفة عن «صيفيات» أصدقائي الدنماركيين الذين كانوا يسافرون إلى مايوركا أو جزر اليونان... أما أنا فكنت أركض حافي القدمين وألاحق القطط وأتسلّق شجر التين مع أصدقائي في المخيم، كنا نصاب بالجروح أو يتعرض أحدنا للضرب على يد عمه... كان يمرّ علينا يومان أو ثلاثة أيام دون استحمام وينقطع التيار الكهربائي ..

- كيف تدخل إلى المخيم اليوم؟
أنا لم أتغير، أشعر بأن المخيم هو بيتي. أطلب من أحد الصغار أن يشتري لي «حفاية»، أرتدي الشورت وأرافق الشباب هناك. لم أصبح الشخص الآتي من الخارج أو الغريب صاحب المستوى المختلف.
أنا جزء من الناس هناك. حين يدعوني أصدقائي إلى الحمرا لاحتساء القهوة لا أشعر بمذاق الجلسة لأنني أظل أفكر بأنني قد أشرب ألذ كوب شاي مع أولاد عمي وبنات عمتي في المخيم.

- تقول في الفيلم : «الذهاب إلى مخيم «عين الحلوة» كان أفضل من زيارة «ديزني لاند» بالنسبة إليك كطفل. هل زرت «ديزني لاند» لاحقاً؟
لا ولن أزورها. بالنسبة إلي، كانت هذه العبارة نقل شعور طفل والفرحة التي تنتابه حين يزور المخيم. دخولي كطفل بعمر 8 أو 9 سنوات إلى المخيم كان يوازي حلم طفل غربي بزيارة «ديزني لاند». كنت أمسك سلاح أعمامي وألعب ليلاً وأسهر وأشاهد مباريات كرة القدم وسط الشارع وأطارد القطط...

- هل كنت تشعر بأن السلاح مصدر قوة؟
كنت أخشى السلاح.


لغتنا السينمائية أدبية وليست مرئية

- ما الفرق بين تصويب الكاميرا وتصويب السلاح تجاه الهدف؟
تصويب قد يقتل وتصوير قد ينقذ حياة.

- ما رأيك في واقع السينما العربية؟
لو عدنا مئات السنين إلى الوراء لطالما كنا تحت الوصاية والإحتلال. لم نتحرر يوماً للتعبير عن ذواتنا بأسلوب عملي. ولهذا السبب لغتنا السينمائية لغة أدبية وليست مرئية... بينما السينما المكسيكية لديها عين استثنائية، يتقن مخرجوها التقاط المناظرالطبيعية ونقل عالمهم الداخلي مشهدياً.

- إذا كان الفيلم مملاً يقال إنه يمثل «سينما بوليوود» أو هو فيلم هندي، وإذا كان الفيلم يتخلله إثارة وتشويق بمؤثرات رديئة يقال إنه فيلم عربي... ما تعليقك؟
إن تمكن المشاهد من متابعة الفيلم دون صورة عبر الإصغاء، فهذه ليست سينما. نحن نتكلم كثيراً وأفلامنا مثقلة بالحوارات تماماً كالمسلسلات.
قد يستطيع المشاهد أن يطهو أو يكوي الملابس وهو يتابع المسلسل، لكن يختلف الأمر مع السينما. أعتقد أن أمامنا درباً طويلة لاجتيازها حتى نملك لغة مرئية. لا يمكن متابعة الفيلم السينمائي بعيداً عن الصورة. المضمون مهم لكن الصورة مسألة جمالية نهائية سينمائياً.

- أي تجربة عربية لفتتك أخيراً؟
المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» عن فيلمه «حياة أديل». قدم أكثر من فيلم قوي مثل L›Esquive و»الكسكسي بالبوري»... –


مهدي فليفل
فاز بـ «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان أبو ظبي السينمائي عام 2012، إلى جانب جائزتيَ الاتحاد الدولي لنقاد السينما Fipresci وشبكة الترويج للسينما الآسيوية Netpac عن فيلمه الوثائقي الأول «عالم ليس لنا» A World Not Ours.
«عين الحلوة» قد يترجمها للعالمSweet Spring، هو المخيم الفلسطيني الأكبر.
يعيش فيه أكثر من 150 ألف لاجئ في لبنان في مساحة كيلومتر مربع واحد. حين بلغت «الجزيرة الفلسطينية» المطوّقة بنقاط تفتيش الجيش اللبناني عامها ال65، ولد فيلم مهدي فليفل.
«عالم ليس لنا» هو «بورتريه» حميم وهزلي عن أجيال المنفى الثلاثة في مخيم «عين الحلوة»، جنوب لبنان. مبني على وفرة من التسجيلات الشخصية والأرشيف العائلي ومشاهد تاريخية. الفيلم هو معالجة حساسة وإضاءة على الصداقة والعائلة والإنتماء ومحاولة لتسجيل ما فقدته الذاكرة ودمغ ما لا يجوز مسحه من الذاكرة الجماعية.
ولد مهدي في دبي وكبر في «عين الحلوة» قبل أن ينتقل إلى الدنمارك، لكنه كان يشعر طوال الوقت بأن مخيم «عين الحلوة» هو بيته.
حين كان يعود من إجازات الصيف التي أمضاها في المخيم كان يجد نفسه عاجزاً عن وصف المكان لأصدقائه في المدرسة.
مع مرور الزمن، اقترب من شغف والده التسجيلي. عبر الكاميرا، اكتشف مهدي أنه يستطيع الإضاءة على المخيم لفهم أعمق للحياة التي يعيشها من يسكنون هناك. التصوير كان لحفظ هويته والمكان الذي أتى منه.


شخصيتان في فيلمه

«أبو إياد» - الصديق
هو صديق مقرب من مهدي، بسام اسمه الحقيقي. أما «أبو إياد» فهو اسمه القيادي في إحدى المنظمات الفلسطينية. من سن السابعة كان عضواً في منظمة «فتح»، وحياته كانت مكرسة لـ «القضية».
لقد كبر «أبو إياد» متعباً من حياته في المخيم. زيارات مهدي كانت تذكره بما يمكن أن تكون عليه الحياة خارج المخيم، بينما وجوده الروتيني كان يعكس قيمة ثورية واستفهاماً مخيفاً حول العودة الأسطورية إلى أرض الوطن فلسطين.

«أبو أسامة» - الجد
«أبو أسامة» لا يزال يحلم بالعودة إلى قريته صفورية في الناصرة. جاء إلى «عين الحلوة» في سن ال16 وهو يقيم هناك منذ ذاك الوقت. عمره اليوم 80 عاماً.
رحلت زوجته قبل ثلاث سنوات ويعيش بمفرده حياة هادئة بين الجامع والمنزل. يصلّي ويتابع أخبار «الجزيرة» ويتنقل بين أزقة المخيم. إلى جانب حلم العودة، أكثر ما يريده هو السلام في العالم.