الروائية والشاعرة منى الشرافي تيمّ: لا جواب يشفي في تعريف الحب

إسماعيل فقيه (بيروت) 27 أغسطس 2017


أبدعت الكاتبة الفلسطينية - الأردنية منى الشرافي تيمّ في روايتها الأولى «وجوه في مرايا متكسرة»، فحبكت حكاية الوجوه في شِباك كثيفة، أفضت الى صيد وجوه وأماكن كثيرة ومتنوعة، ثم أصدرت العديد من الكتب، التي تنوعت ما بين الرواية والقصة والشعر والنقد الأدبي. روائية متعددة المواهب، رصينة وجازمة في رأيها، تسعى دائماً الى الكتابة الفاعلة إذ ترى فيها «فعل حياة وضرورة لمواصلة مشروع الحياة والعيش». في حوارنا معها، تتحدث منى عن كتاباتها وتجربتها، فماذا تقول؟


- أطروحتك الأخيرة في الدكتوراه، كيف تبلورت في مشروع الكتابة لديك؟
في رسالة الماجستير، تناولت بالدراسة الأديبة ميّ زيادة... إحدى شهيرات عصرها، التي قدمتْ للأدبِ العربيِّ أعمالاً أدبيّة قيّمة، وحفلتْ صحافة عصرها ووسائلُه الإعلامية، بصور مشرقة من نِتاجها الأدبي، ونالتْ قصب السَّبق في أحاديث كبار الأدباء والشعراء، عن أدبها ومجالسها الأدبيّة، وإسهاماتها الفكريّة، وآرائِها المتنوعة في كثير من قضايا عصرها.
واليوم، في أطروحة الدكتوراه، تناولت بالدراسة الروائية الجزائرية، التي تُعدّ من أبرز المؤلفين في الرواية العربية الحديثة، الذين ذاعَ صيتُهم في الوطن العربي، خلال السنوات العشرين المنصرمة.
واستقطبتْ روايات أحلام مستغانمي الثلاث، اهتمام جمهور واسع، متنوعٍ من القراء، من جميع المستويات الثقافية، واستولدتْ ردودَ فعل مختلفة لافتة؛ كما أثارت حولها جدالاً واسعاً، وحركةً نقديةً ناشطة، بلغتْ شأواً بعيداً من التناقض في الآراء، والتقويمِ، بين مستحسن ومستقبح، ومُعجب ورافض، وأحدثتْ إشكالاً واسعاً، وطرحتْ علامات استفهام كثيرة، وصلت إلى التشكيك بأحلام مستغانمي صاحبة رواية «ذاكرة الجسد»، والذهاب إلى حدود نسبتِها إلى آخرين... ما دفعني إلى التوقف عند تجربتها هذه، وحفزني على التفكير بالقيام بدراسة علمية أكاديمية لتوضيح حقيقة أدب هذه المرأة قي ثلاثيتها الروائية، من خلال إضاءة عدد من القضايا.

- ألم تكوني قاسية في حكمك على أدب مستغانمي؟ وإن كانت دراستك تتصف بالموضوعية الهادئة إلا أن ذلك لا يخفي رأياً رافضاً للكاتبة، ففي محصلة الأمر، أو على الأقل، تقلل أطروحتك من أهمية الكاتبة.
لا تنطبق على هذه الدراسة صفة القسوة أو اللين، لأنها لم تحكم على النصوص بدافع شخصي، بل تعاملت مع النص الأدبي كوحدة منفصلة تماماً عن شخصية أحلام مستغانمي كونها كاتبة مشهورة...  البحث وما توصل إليه من نتائج كان الحَكم والفصل، فكتابي هو دراسة علمية أكاديمية موثقة، توغلت في نصوص أحلام مستغانمي، وحلّلتها وشرّحت بنيتها، ورسمت صورة موضوعية حيادية لفن هذه الكاتبة في ثلاثيتها وبيّنت مقوماته وأوضحت خصائصه. وهذه الدراسة في حقيقتها ما هي إلا إسهام علمي خرج بتقويم حقيقي لنصوص الثلاثية، وربما هناك من وجد أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة لم تصبّ في مصلحة أحلام ككاتبة. أما على المستوى الشخصي، فقد التقيت أحلام مستغانمي في بداية دراستي، مرتين في معرض الكتاب في بيروت، وهي سيدة لطيفة وودودة جداً، وفي مكالمة هاتفية بيننا أخبرتها بأنني أُجري دراسة عن ثلاثيتها ورحّبت بالأمر، واتفقنا على أن نلتقي كي أُجري معها حواراً عن حياتها وشخصيتها، إلا أنني لم أعاود الاتصال بها، لإحساسي بأن عدم التواصل في هذه المرحلة هو أفضل لأكاديمية الدراسة وموضوعيتها.

- كيف تقرئين كتابات المرأة العربية اليوم؟ أين تطورت وتقدمت وأين أخفقت؟
لقد تمكنت المرأة العربية من إثبات وجودها في معظم مجالات الحياة، وعلى وجه الخصوص في مجال الأدب والفكر والكتابة، ولا أحد يستطيع أن يجزم أين تطورت المرأة وتقدمت وأين أخفقت. فالتطور يشمل السلبيات والإيجابيات، وكثيرات هن الأديبات اللواتي جارين التطور، وانفتحن على كل جديد ونهلن منه كما هو، وفي كثير من الأحيان قلدنه تقليداً أعمى، أما التقدم فهو الارتقاء بالعمل وتقديم الأفضل، وكثيرات هن الكاتبات اللواتي انتفعن من التكنولوجيا والانفتاح، وقدّمن أعمالاً جليلة عالجن من خلالها قضايا مجتمعاتهن الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. والإخفاق الوحيد الذي تسجله المرأة في مجال الأدب، حين لا تكون نفسها، أو حين تخرج عن طورها وخصوصيتها وكينونتها، كي تجاري ظاهرة ما، من أجل الشهرة والانتشار، أو تحقيق مكسب مادي.

- اسم الشاعر أو الكاتب أو الأديب هو دائماً الأساس، ونادراً ما يتقدّم اسم الشاعرة أو الكاتبة. أما زال الأدب الذكوري مهيمناً، وهل هناك ما يسمى بأدب المرأة وأدب الرجل؟
أنظر إلى النص الأدبي بحيادية وموضوعية، فقد اطلعت على أعمال أدبية كثيرة لنساء ورجال، ففي كثير من الأحيان قرأت أدب الرجل فأعجبني... وفي أحايين كثيرة قرأت أدب المرأة فاستهواني...
ليس للإبداع هوية، فالإبداع يتجسد حين يتمكن الكاتب أياً كان من أن يبث في حروفه معنى الحياة... حين يحرك النص في مقلتي دمعة... حين يشعر القارئ أن الكاتب عبّر عنه وعما يدور في مكنونات نفسه... حين يعالج الكاتب قضية خطرة تحتاج إلى كتب لتغطيتها فيختزلها في سطور جزلة المعنى، غنية الصورة، عميقة الأبعاد.
أما بالنسبة إلى المرأة المبدعة فهي تطرح في نصوصها همومها وهواجسها ومخاوفها، لأنها تنطلق من ذاتها الأنثوية، التي تختلف عن الذات الذكورية، ولذلك فهي مختلفة، واختلافها لا يُنقص من إبداعها وقدرتها على الخلق والتصوير والتحليق في عوالم لا تصلها إلا المرأة، فليس عيباً أن يتسم أدب الأنثى بالأنثوية.

إن فكرة تحديد هوية الإبداع وحصرها بالرجل... هي من الأسباب التي جعلت بعض الأديبات، وخصوصاً الروائيات يكتبن باسم الرجل، ربما من أجل مناطحته، أو كي يثبتن أنهن قادرات على التحدّث بلسانه والتعبير عن مشاعره والتفوق عليه، الأمر الذي رسّخ هذا المفهوم في أذهان بعضهن. وهذا ما فعلته الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي. فقد عاشت مشاعر الرجل ولبست ثوبه الداخلي، فكتبت بعاطفته وكل ما اعتمل في داخلها من مشاعر وأحاسيس من خلال صورة الراوي الذكر، ثم طغت عليه بعاطفة الأنثى الكاتبة المتمثلة في صورة البطلة.
كثيرون يقولون إن نزار قباني قد تفوق على الأنثى في بعض قصائده التي كتبها على لسانها... وأنا أؤكد أنه لم يتفوق عليها، بل عبّر عنها من خلال عاطفته هو، ومن خلال ما ينتظره منها كرجل، لا من خلال ما تودّ هي تقديمه. أما كون الرجل في أدبه قادراً على التعبير عن احتياجاته الذكورية للمرأة كجسد، وأن المرأة خجولة في هذا المجال، فهذا الأمر لا علاقة له بالإبداع، بل يعود الى المجتمع الذي قد يتقبّل من الرجل الخوض في المواضيع الحساسة، ويحكم على المرأة بالانحلال إن هي تجرأت وكتبت عنها.

- أصدرت أكثر من رواية وكتاب شعر... أأنتِ روائية، شاعرة، أم ماذا؟
نعم لدي ثمانية إصدارات، بينها أربع روايات: الأولى اجتماعية بعنوان «وجوه في مرايا متكسرة»، والثانية سياسية بعنوان «مرايا إبليس»، والثالثة نفسية بعنوان «مشاعر مهاجرة»، والرابعة تعليمية للناشئة بعنوان «العربيزي والجدّة وردة». وكتابان في الوجدانيات: الأول بعنوان «حروف من نور»، والثاني بعنوان «كالمنى اسمي». وكتابان في النقد الأدبي: الأول بعنوان «أدب مي زيادة في مرايا النقد»، والثاني بعنوان «الجسد في مرايا الذاكرة» (الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي، دراسة تحليلية نقدية). أما سؤالك عن هويتي الأدبية، فليس للأديب الذي يملك قماشة الكلمة والأدب هوية محددة، فهو قادر أن يصول ويجول في كل الاتجاهات الأدبية، ويعبّر عن كل ما يدور في خاطره ومِن حوله، أو كل ما يحرك أحاسيسه ومشاعره. ولكن ما أودّ الإشارة إليه هو أنني لا أعتبر نفسي شاعرة، بل أسجل وجدانياتي وأترجم مشاعري ومشاعر الآخرين حين يصلني صدقها. أما النقد الأدبي، فهو ساحتي التي أتحرك فيها بحرية، وخصوصاً حين أتمكن من الغوص في ثنايا النص الذي أقرأه، وغالباً ما يكون النص هو المحفز للنقد... ولكن ليس للانتقاد، فشتّان ما بين المعنيين.

-  لماذا تكتبين، ولمن؟
الكتابة بالنسبة إليّ هي حياة ثانية، ومن عالم الخيال الذي أسافر إليه أثناء الكتابة، أستمد الطاقة الإيجابية التي تساعدني على الاستمرار. وأكتب لأنني أحمل رسالة الحلم والأمل والخير والصلاح والحب.

- ما هو جديدك؟
معلّمات اللغة العربية في المدارس التي أقرّت روايتي للناشئة «العربيزي والجدّة وردة» في مناهجها، يطالبنني برواية جديدة. لذلك أفكر في كتابة رواية ثانية في هذا المجال، وبعد ذلك سأبدأ بكتابة رواية، فكرتها أصبحت مختمرة في ذهني! وفي الوقت الحاضر أكتب مقالات نقدية في الصحافة.

- متى تكتبين الشعر ومتى تكتبين الرواية؟
الشعر الذي هو بالنسبة إليّ «وجدانيات»، أنظُمه في الأوقات التي تتحرك فيها مشاعري وأحاسيسي، لحظات الحب، السعادة، الفرح، الحزن، الرفض، الاستنكار، الألم... أما الرواية فأكتبها حين تنضج فكرتها في ذهني، وحين أرى شخصياتها تتحرك أمام ناظري، وحين ترتسم أحداثها صوراً تعكس الواقع والمجتمع.

- ماذا تقولين في الحب، وماذا قال لك الحب؟
الحب هو الحياة، وهو الصورة الصافية التي يمكن الإنسان أن يتمرأى فيها، فيرى الحياة على أصولها، ويسمع نغمها ببصره وسمعه وكل حواسه. ربما تعريف الحب يبقى سؤالاً مفتوحاً على كل الأجوبة. لا جواب يشفي في تعريف الحب.