صاحبة أول حكم قضائي بحبس متحرش: صمت الفتيات يشجع على التحرّش!

جمال سالم (القاهرة) 01 أكتوبر 2017

رغم أن كثيرات يرفضن التبليغ عن تعرضهن للتحرش خوفاً من نظرة المجتمع إليهن، لم تأبه هند عبدالستار، 29 عاماً، وتعمل مساعِدة مخرج، لنظرات المجتمع والأقاويل من حولها. فبعد أن تعرضت للتحرش، أصرت على الحصول على حقها من خلال اللجوء الى القضاء، وكان لها ما أرادت إذ نجحت في حبس المتحرش خمس سنوات، وهو أول حكم قضائي تحصل عليه فتاة في مصر ضد متحرش. «لها» التقت هند لتعرف قصتها، وكيف قررت تحدي الجميع للحصول على حقها؟


- ما هي باختصار القصة لمن لا يعرفها؟
في الثاني من أيلول/سبتمبر من العام الماضي 2016، وبينما كنت أسير في أحد شوارع حلوان، فوجئت بأنغام موسيقية تنبعث من خلفي. وأنا بطبعي أخشى وسائل النقل التي يركبها الشبان المستهترون، مثل الـ«توك توك» والدرّاجات النارية، ولهذا سرعان ما أفسحت الطريق تماماً، حتى أنني صعدت على الرصيف، لكنني فوجئت بسائق «توك توك» يتتبع خطواتي ويخرج بنصف جسده من الـ«توك توك» ليلمسني ويهرب. رغم ذلك تمكنت من حفظ رقم «التوك توك» وهو ولا يزال محفوراً في ذاكرتي، وتذكّر ملامح سائقه. توجهت فوراً إلى قسم الشرطة وقابلت المقدّم وائل قنديل وشرحت له تفاصيل ما حدث، فتعاطف معي. وبعدما أخذ أقوالي طلبتُ المغادرة، لكنه رفض، وخلال نصف ساعة أحضر «التوك توك» وسائقه، وسرعان ما تعرفت إلى المتحرش، وشرحت تفاصيل ما حدث في المحضر. حاول المتهم الإنكار، لكن بلا جدوى، بحيث أخذ القضاء مجراه وتم حبسه ومن ثم تجديد المدّة، وقد حُدّدت ثلاث جلسات تم في آخرها النطق بالحكم.

- ما بين وقوع الحادث وصدور الحكم، ما الذي حصل باختصار؟
تعرضت لحرب نفسية من أهل المتحرش، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، حيث حاولوا الاعتداء عليَّ بأبشع الألفاظ، مما دفعني لتحرير محضر ضدهم بعدم التعرض لي، ومع ذلك لم يتوقفوا عن غيّهم، بل كانوا يتجمعون في أسفل المبنى حيث نسكن ويمطروننا بالسُباب، فزاد تصميمي على مواصلة القضية، لأنهم بدلاً من الاعتذار عن خطأ ارتكبه ابنهم تمادوا هم في الخطأ. حتى أنني تعرضت لمضايقات كثيرة من أهله، وكان آخرها من أخته، فيوم صدور الحكم بسجنه، اعترضت طريقي أمام المحكمة وتوعّدتني بمزيد من الأذى.

- هل كنت تتوقعين صدور هذا الحكم؟
كنت أتوقع أن تكون العقوبة عاماً أو عامين على الأكثر، وقد أمضى منها المتحرش ثمانية أشهر، ولهذا غادرت المحكمة بعد أن استمع القاضي إلى أقوالي في جلسة سرية حفاظاً على مشاعري. وكانت المفاجأة أن محاميّ الخاص أبلغني بحكم محكمة جنايات حلوان، بسجن المتحرش خمس سنوات وإلزامه دفع تعويض مدني قدره 1000 جنيه. وكان هذا الحكم مفاجأة بالنسبة إليّ، ولم أكن أتوقعه، وهو سيشكّل رادعاً لكل من تسوّله نفسه الاعتداء على الفتيات أو التحرش بهن.

- هناك من ردد أن ملابسك ربما كانت مثيرة أو ضيقة؟
هذا اتهام باطل، لأنني محجبة، وكنت في ذلك اليوم أرتدي ملابس فضفاضة.

- تخاف بعض الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش على سمعتهن خشية رفض الشبان الارتباط بهن مستقبلاً، ألم تخشي هذا الأمر خصوصاً أنك ما زلت عزباء؟
إطلاقاً، حتى لو وصل الأمر إلى حرماني من الزواج. وللأسف هناك الكثير من الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش في الفترة الأخيرة، لكنهن يتخوفن من أخذ حقهن بالقانون، مما شجع المتحرشين على المزيد من التحرش وهتك العرض، وقد يصل الأمر إلى الاغتصاب، ويؤسفني القول إن الكثير من نساء مصر والدول العربية يعانين من التحرش في الشوارع بشكل يومي، ويخفن من اللجوء الى القضاء للحصول على حقهن، مثلما فعلت أنا. وربما الحكم الذي حصلت عليه قد بدّد خوف الكثيرات ودفعهن إلى إعادة النظر في قرارهن عدم اللجوء الى القضاء.

- ألم تفكري بالتراجع عن قضيتك؟
أبداً، كما لم أخجل من نشر قصتي، لأنني أريد تغيير نظرة المجتمع الى الفتيات المتحرَّش بهن وقتل الخوف في نفوسهن. فمع مرور الأيام كنت أصر على الوصول إلى نهاية التقاضي مهما كانت النتيجة، وأؤكد ضرورة تفعيل النصوص القانونية حتى لا تكون حبراً على ورق في ظل نظرة اجتماعية خاطئة تُنصف الجاني على حساب الضحية.

ما هو موقف أهلك؟
لم يطلب أحد مني التنازل عن القضية، كما يحدث في الكثير من قضايا التحرش. وكان والدي على رأس المشجعين لي، حيث قال لي بالحرف الواحد:
«افعلي ما تشائين طالما أنك على حق»، ولهذا كان أول الفرحين بالحكم. وحين نُطق بالحكم قال: «هذا أجمل خبر أسمعه، فليُسجن المتحرش بما فيه الكفاية».