رجاء عبدالرحمن مؤمنة: استثمرت في الفكر السعودي وغيّرت نظرة المجتمع

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 05 نوفمبر 2017

مسكونة بالعلم والتعلّم، منكبّة على العمل المتواصل، وساعية بكل ما تملك لتعليم بنات بلدها وتمكينهن في مختلف المجالات العلمية والثقافية والفنية، لدفع عجلة التنمية في المجتمع السعودي، وتدريب الفتيات للعمل في مؤسساته التعليمية والمهنية والمجتمعية. «لها» جالت في أقسام معهد المستقبل العالي النسائي للتدريب والتقت مؤسِّسته ورئيسة مجلس إدارته السيدة رجاء عبدالرحمن مؤمنة وكان هذا الحوار.


- من مفردات العلوم الطبية إلى أبجدية إدارة الأعمال، ما الذي دفعك لتأسيس المعهد؟
بعد تخرجي وعودتي من بريطانيا، التحقت بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز، ودخلت المختبر فأوكل إليّ الدكتور طحاوي رئيس مختبر الأحياء الدقيقة حينها مهمة الإشراف المهني والتدريب، فأعدت تنظيم المختبر وأعددت برنامجاً تدريبياً لطلاب العلوم الطبية من جامعة الملك عبدالعزيز، فاستحوذ البرنامج على اهتمام الإدارة وطلبوا مني وضع منهجية التدريب لباقي المختبرات. وكانت هذه التجربة هي النواة التي نمّت فيّ حب العطاء في مجال التدريب، وكان ذلك بمحض الصدفة. وبعد ست سنوات رزقني الله طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقدّمت استقالتي لكي أتفرغ لرعاية ابني أحمد، وقد أدركت حينها أن ربّ العالمين قد خطّط لي أن أخوض تجربة التدريب في مستشفى الجامعه ليهيّئني للأيام المقبلة.

- لو استمررت في مجال «الأحياء الدقيقة» لكنت قد قدمت الكثير في المجال العلمي، أليس كذلك؟
ربما، لأنني كنت أفكر بشراكة مع أطباء الجامعة لعمل أبحاث، لكن ظروف الحياة المجتمعية تفرض علينا أحياناً مساراً آخر، لأن ظروفي كانت قاسية، إلا أنني كنت متسلحة بالأمل والإيمان، ووعدت نفسي بعدم الاستسلام لأن طموحي دفعني لتحقيق المستحيل.

- ما الطريق الذي سلكته من أجل ابنك؟
بعدما اكتشفت أن طفلي يعاني التوحّد، وشللاً في الدماغ أثّر في قدرته الاستيعابية وليس الجسدية، سارعت بكل ما أملك من أمل للتعلم ومتابعة كل ما هو جديد في هذا المرض محلياً ودولياً، فخضعت لدورات تدريبية للحصول على مهارات علمية وطبّية حتى أتمكن من التعامل معه، فأدخلته الى مؤسسة في الأردن تُعنى بتلك الحالات، وأخيراً وضعته في مؤسسة تأهيلية في بريطانيا حتى يتعلم الاستقلالية ويعتمد على نفسه ويستطيع مواجهة الحياة، وأنا على يقين بأنه سيتمكن من ذلك يوماً ما.

- ما الذي حققته للسيدات من خلال المعهد؟
منذ بداية تسعينات القرن الماضي وشغلي الشاغل هو تسليح الفتيات بشهادة علمية لينخرطن في سوق العمل، لكن مع دخول الألفية الثالثة تغير التوجه في السعودية نحو المهنية المتاحة للسيدات، والفضل في ذلك يعود الى الملك عبدالله، والأمير عبدالمجيد (طيّب الله ثراهما)، فأصبح تمكين المرأة السعودية جزءاً من منهجية الدوله للتقدم، مما فتح أمامها آفاقاً عملية مختلفة في كل المجالات.

- هذه الجرأة، هل تعتبرينها نقلة مجنونة أم متمردة؟
قد تكون مجنونة ومتمردة خوفاً من الاستسلام! رفضت نظرة الشفقة في عيون مجتمع قد لا ترحم أحياناً، فسعيت جاهدة للتمرد على نفسي لتحقيق ما أصبو إليه، وحققت نجاحاً باهراً في مجال التدريب، وكذلك في العلوم الطبية.

- ما هي التحديات التي واجهتك في افتتاح المعهد؟
تحديتُ الأنظمة والمجتمع حين افتتحت المعهد عام 1991، وحصلت على ترخيص لتدريس اللغة الإنكليزية تحت مظلة الرئاسة العامة للبنات آنذاك ومن ثم الحاسب الآلي، لكن وللأسف كل ترخيص كان يستغرق على الأقل سنتين لاستخراجه، فكان الانتظار صعباً، وكنت أجازف بالبدء بالتدريب قُبيل الحصول على الترخيص، لاقتناعي بأنني لا أقوم بأي عمل خاطئ، بل هم من كانوا يماطلون في منحنا الترخيص، وحين كنت أسافر مع ابني إلى بريطانيا لتلقي العلاج، كنت أطّلع على تخصصات كثيرة تفيد المرأة، فسعيت لتطبيقها بكل ما أوتيت من قوة رغم أنها كانت خارج نطاق الترخيص، لأنها تخصصات لم تكن متاحة للمرأة آنذاك.

- هل من صعوبات تعترض طريقك اليوم؟
معهد المستقبل هو اليوم تحت مظلة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، ونظراً لكونه مرخّصاً من جهات بريطانية، وبما أن منهجية التدريب في بريطانيا تختلف كلياً عن منهجية التدريب في السعودية، فقد شكّل هذا تحدياً لنا في أن نكون قادرين على تطبيق أنظمة المؤسسة مع إبقاء منهجية التدريب لدينا مواكبة للتطور الدولي، ولولا هذا التحدي لكان المعهد اليوم قد افتتح فروعاً له في مختلف مناطق المملكة.

- بدأ المعهد أخيراً بإقامة مسابقات في مختلف التخصصات، لتحفيز الفتيات على التنافس في التميز ولتأهيلهن لسوق العمل؟
الهدف من تلك المسابقات هو استقطاب المتميزات، لأن الشهادة وحدها لا تكفي، بل تحتاج الى التميز، والتسلح بمهارات مهنية وجدية للاستمرار في سوق العمل،  بعدما كَثُرَ عدد الخريجات والمتدربات... فأطلقت مسابقة التميز منذ عام 2014 بالشراكة مع مؤسسات وشركات أهلية في قطاعات مختلفة لتتنافس الفتيات خلالها، ومن ثم تقوم لجنة باختيار الفائزة، ومن تتميز وتفوز تحصل على عرض عمل من تلك الشركة أو المؤسسة.

- هناك بيئات عمل مناسبة للفتيات؟
مع تغير الوعي العملي والثقافي، أصبحت هناك عقود موثّقة، فتغيرت بيئة العمل نحو الأفضل، وأصبحت الفتاة تعرف ما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

- بما أن المعهد يؤسس لسوق العمل، هل تعتبرين ذلك استثماراً في مهارات النساء السعوديات وقدراتهن؟
بالتأكيد، لكوني استثمرت في الفكر السعودي وعملت على تطويره نحو الأفضل، وبالتالي تغيير نظرة المجتمع الى المرأة السعودية ككل.

- كيف تنظرين الى خريجات معهد المستقبل بعين المجتمع؟
لخرّيجات المعهد ثِقَل كبير حين يتقدمن لطلب الوظيفة، ولهن بالغ الاحترام في تقديم سيرهن الذاتية.

- أنتِ امرأة ناشطة اجتماعياً وتعملين على كل الجبهات؟ 
الدور الفعلي لأي رائدة أعمال في أي مجتمع لا يوثَّق إلا من خلال الدور الاجتماعي التطوعي، لأن العمل الميداني مع الأكثرية هو ما يجعلنا نعي احتياجات مجتمعنا. لذا اخترت العمل مع مراكز الأحياء وجمعية اكتفاء، وأنا سعيدة بهذه الشراكات لأنها أتاحت لي فرصة لقاء العديد من الأسر التي لا تستطيع الوصول الى المعهد.

- لديك شراكات دوليه لتوثيق شهادات المعهد؟
لدي شراكات بريطانية توثّق دبلومات المعهد، لكن الخبر الأهم هو توقيع شراكة استراتيجية مع كلية جدةّ الدولية تخوّل الطالبات دخول المعهد بنظام «التجسير» والذي ينص على متابعة الدراسة بعد الدبلوم للحصول على البكالوريوس بعدما كان هذا الأمر حكراً على القطاع العام.

- حدّثينا عن رجاء الإنسانة؟
أنا إنسانة عشت أياماً في غاية الصعوبة، وحاربت على جبهات اجتماعية وفكرية ومهنية عدّة، ولو لم أكن مسكونة بعشق الوطن لما استمررت في مساعيّ، فالأمل يحدوني بغدٍ أفضل.

- ما الذي تطمحين إليه لتكوني الرقم الصعب في مجتمعك؟
أتمنى الدخول الى الدائرة الأوسع في المجتمع، والوصول الى مختلف شرائحه، من خلال العمل التطوعي، خصوصاً بعد توجه الدولة الى تأسيس العديد من المؤسسات الخيرية، والتي تعنى بمختلف المجالات، فهناك مؤسسات متخصصة بالتأهيل، وأخرى بالتطوير المجتمعي، والتطوير الأسري...

- ما الرسالة التي توجهينها الى المرأة السعودية؟
أؤكد لها أننا قطعنا شوطاً طويلاً بعدما وضعنا بصمة مميزة في مجال المال والأعمال، حتى اختلفت نظرة الغرب إلينا وأصبح أهله يحاوروننا بفكرنا الثقافي والمهني. ويعترف الجميع بأن فتيات الجيل الجديد قد حملن أفكاراً جميلة وتسلّحن بثقة كبيرة، وبدأن العمل من بيوتهن، مما دفع الدولة لمنحهن تراخيص العمل في منازلهن، وعرض أفكارهن على وسائل التواصل الاجتماعي.

- نصيحة تسدينها إلى كل أم لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
أقول لها: لا تستسلمي للصعاب، واجهي التحدي وتسلّحي بالإيمان والأمل، لأن الله عزّ وجل ما اختارك إلا ليمتحنك، فهنيئاً لك! أثبتي لذاتك قدرتك، وبالتأكيد سينعكس ذلك على طفلك فيصبح هو الآخر قادراً على التحدي معك!

- ثلاث رسائل... إلى من تحب رجاء توجيهها؟
أوجّهها إلى أبنائي الثلاثة: آية، إبراهيم ومهند، وأؤكد لهم أننا خُلقنا لنكد ونصنع لذاتنا مكاناً نتميز من خلاله. أتمنى أن تسيروا في حياتكم مؤمنين بذلك، والله يمتحن صبرنا من خلال قدرتنا على تحمل الصعاب. وكلّما أتقنّا عملنا، كنا أقرب الى الله وازدادت أواصر محبتنا. 


من هن الفائزات؟

• شيماء أبو بكر أحمد: قسم التصميم الإعلاني والتسويق.

• ملاك أحمد العمودي: قسم تصميم الأزياء.

• عبير نجم الدين الحبشي: قسم التصميم الداخلي.

• زينب شازاد أكرم: قسم التصوير الفوتوغرافي.