طفلي لطيف جداً ولا يعرف كيف يدافع عن نفسه!

الأم والطفل, طفل, نمو الطفل, تربية الطفل / الأطفال, رعاية الطفل / الأطفال

09 نوفمبر 2013

عاد جهاد (8 سنوات) من المدرسة باكيًا لأن صبيًا أهانه على مرأى ومسمع من التلامذة في الملعب، وهو وقف عاجزًا ولم يعرف كيف يدافع عن نفسه، فأمه علّمته أن يكون لطيفًا ومهذبًا مع الآخرين. فهل اللطف والتهذيب هما السبب؟

تخشى أم جهاد أن يصبح طفلها ذا شخصية خاضعة بسبب تنشئتها له على اللطف والتهذيب، وأن يتحول إلى ضحية ولا يعرف كيف يدافع عن نفسه من الاعتداء الكلامي أو الجسدي الذي قد يتعرّض له من التلامذة المشاكسين.
وبحسب الاختصاصيين أن قلق الأم طبيعي ولكن في إمكانها أن تساعد طفلها في الخروج من قوقعته وتعزز ثقته بنفسه لمواجهة كل الصعاب وحده سواء في المدرسة أو مع الأصدقاء أو مع أخوته.

في المدرسة ومواجهة زعيم شلّة
في ساعة الفسحة يشكّل الطفل المهذب جدًا ضحيّة سهلة لشلة التلامذة المتنمّرين. ففي الصف يستعين الأطفال المشاكسون بحدسهم ليتبيّنوا مَن التلميذ الذي سيكون ضحيتهم في الملعب.
فهم يراقبون التلميذ الذي يبدو عليه أنه من النوع المسالم الذي يتجنب الصدام، وتُظهر نظراته أنه غير واثق بنفسه، وعن غير قصد يبعث برسالة مؤدّاها أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

وتسأل الأم لمَ كل هذه السلبية في السلوك؟
يجيب الاختصاصيون ربما لأنه يشعر بأنه عاجز عن السيطرة خلال الشجار وإظهار عدوانيته في مواجهة الأمور، فهذا الموقف لا يشبه الثقافة العائلية، ففي المنزل يتعلّم أن يكون مهذبًا مع الآخرين، ويعبّر عن غضبه بالكلام لا بالضرب. فيستنتج أن عليه تجنب الصراع ولو كان الثمن قبول الاعتداء عليه دون أن يحاول الدفاع عن نفسه.

إذًا كيف يمكن مساعدته؟
يرى الاختصاصيون أنه إذا لاحظت الأم أن طفلها لا يعرف كيف يدافع عن نفسه ويخاف من مواجهة من يؤذونه، فإنه حان الوقت لتشرح فيه له أن لكل قاعدة استثناء. فتقول له: «الأشخاص الذين لا يحترمون الآخرين ويعتدون عليهم، علينا أن نضع لهم حدًا وندافع عن أنفسنا بكل الوسائل المتاحة». ولكن هذا لا يعني أن يصبح الطفل المهذب نفسه شريرًا أو مشاكسًا.
بل الدفاع عن النفس في هذه الحالة هو حق مشروع، فعندما يشاكسه طفل متنمّر، عليه أن ينظر مباشرة إلى عينيه ويحدّق إليهما ويتحدث إليه بصوت حازم قائلاً له: «لا أسمح لك بأن تتخطى حدودك معي»، مما يجعل هذا المتنمّر يتراجع عن موقفه العدواني.
وهذه الطريقة في الدفاع عن النفس تنجح في أغلب الأحيان. ولكن على الأم أن تعلم طفلها أيضًا كيف عليه أن يكون ثابتًا في موقفه الدفاعي بثقة وحزم حتى يتراجع المتنمّر الذي قد يبدي عدم اكتراثه في البداية أو يظهر أنه لا يأخذ تحذير الطفل المُعتدى عليه على محمل الجد.
فتعليم الطفل غير الواثق بنفسه هذه التقنية ونجاحه في تطبيقها يشعرانه بالفخر وشيئًا فشيئًا يتراجع المتنمّر عن موقفه العدواني.

مع الأصدقاء المقرّبين
بين الأصدقاء يكون الطفل المهذّب موضوع المزاح اللاذع أو يكون الحلقة الأضعف في اللعب. فهو يفضّل قبول كل ما يمليه عليه أصدقاؤه، بدلاً من أن يبقى وحيدًا من دون أصدقاء. ومن دون شك فإن هذا الطفل لا يدرك معنى أن يكون شخصًا مهمًا، فتقويمه الذاتي ضعيف جدًا.

ولكن لماذا لا يثق بنفسه؟
من المؤكد أن هذا الانطباع ليس وليد البارحة، بل ترسّخ في أعماق الطفل منذ فترة طويلة. وسببه ربما أن الأم من النوع الذي يفرض على الطفل الكثير من الواجبات و توبّخه إذا لم ينجزها، مما يفقده الثقة بنفسه ويعتقد أنه غير قادر على القيام بأي عمل.
وقد يكون سببه أيضًا أن الخجل أو الانعزال أو ضعف تقدير الذات هي من الصفات الموجودة في عائلة الطفل وبالتالي تؤثر في تكوين شخصيته.

كيف يمكن مساعدة الطفل إذًا؟
على الأم تجنب القول لطفلها: «لماذا لم تبدِ أي مقاومة؟» في كل مرّة يأتيها باكيًا يشكو رفيقه الذي هزأ به أو ضربه، فهذه الجملة تعطيه انطباع الصدمة وتعزّز لديه عدم الثقة بنفسه. لذا عليها أن تحاول أن تسند إليه دوراً مركزياً في العائلة.
مثلاً تشجعه على التحدث أثناء جلوسه إلى مائدة العشاء، فهذه الطريقة تؤكد له أن رأيه مسموع في العائلة وأن حديثه مهم. كما يمكن الأم أن تعطي قيمة لمواهب طفلها مهما كانت، كأن تشجعه على الرياضة إذا كان يحب ممارستها أو تمدح رسمًا أنجزه... كما عليها أن تشرح له أن ولدًا حسن الأخلاق ليس من الضروري أن يمنح أصدقاءه كل ما لديه أو يخضع لطلباتهم كلها لأنهم يحبونه في كل الأحوال.

بين الأخوة والأخوات
عندما يبدأ الطفل اللطيف جدًا الشجار مع أخيه أو أخته يتخلى عن حقه بسهولة ويخرج من معركة الشجار خاسرًا، وعندما يعامل كطفل صغير أو ينعت بالأبله، لا تكون لديه أي وسيلة للرد على هذا النعت.

هل هذا سلوك مفاجئ؟
ليس كما يبدو، فهناك عوامل عدة تجعل موقعه بين أخوته ضعيفًا. فربما كان هو الابن البكر في العائلة، ويطلب منه أنه أن يتحمل حماقات الأصغر منه، أو أنه آخر العنقود في العائلة واعتاد الرضوخ لأخيه البكر، أو أنه تنبّه إلى أن والدته تمنحه كل الحنان عندما يتعرض لإهانة من أخوته فأعجبه لعب دور الطفل المدلل عند أمه، وبالتالي يبدو، في لاوعيه، مرتاحًا للعب دور الطفل الضعيف الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه.

كيف يمكن مساعدته؟
على الأم أن تتحقق من تصرفها الذي يحرّض هذا الشكل من اللامساوة في التعامل وفي المواقع بين الأخوة. فأحيانًا يضع الأهل أحد أبنائهم في موقع الضحية لأنهم هم أنفسهم كانوا كذلك حين كانوا في سن طفلهم، ويسقطون ماضيهم على أحد أبنائهم الذي يكون موقعه في الترتيب العمري هو نفسه في موقعهم العائلة.
أي إذا كانت الأم الابنة البكر أو الوسطى أو صغيرة أخوتها فإنها ستعزز سلوك ابنها أو ابنتها التي تشبهها في هذا الموقع العائلي. لذا على الأم ألا تسقط ماضيها على طفلها وتحاول أن تشجعه على إثبات نفسه وتعزيز موقعه بين أخوته.
فمثلاً إذا نعته أخوه بأنه أبله عليه أن يتعلّم كيف يرد عليه بأنه لا يسمح له بنعته على هذا النحو، أي أن تعلّمه كيف يدافع عن نفسه في المنزل. فالطفل حين يثبت وجوده في العائلة ويعزز ثقته بنفسه فإن ذلك ينعكس إيجابًا على سلوكه خارج الإطار العائلي.

هل للأب دور في تعزيز أسلوب الدفاع عند الطفل؟
بالتأكيد خصوصًا إذا كان ولدًا، فالأب عليه أن يساهم في شكل كبير في تعليم ابنه كيف يدافع عن نفسه، فهو النموذج الذكوري الأول الذي يتأثر به الولد.
لذا عندما يأتي الطفل إلى والده ويشكو له أحد زملائه، على الأب ألا يقول له لماذا سمحت له أو يلومه، بل عليه أن يمنحه تقنيات الدفاع عن نفسه، كأن يقترح عليه أن يعيدا المشهد بشكل فكاهي.
مثلا أن يقوم الأب بدور الولد اللطيف جدًا والإبن بدور الولد المشاكس، ويستمع جيدًا إلى ما يقوله الإبن ليفهم ما الذي يزعجه، ثم يبدأ الأب الدفاع عن نفسه بعبارات قوية.
ثم يسأل الإبن هل شعر بالخوف من نظراته وعباراته، ثم يقول له: «هكذا سوف يشعر التلميذ المشاكس إذا ما واجهته بهذه الطريقة». ثم يقلبان الأدوار فيكون الأب المشاكس والإبن الطفل المهذب.
هذا الأسلوب يمنح الطفل الثقة بالنفس ويعزز لديه شعوره بالقوة وقدرته على الدفاع عن نفسه بالكلام والنظرة، لأن والده علّمه وهو دائمًا إلى جانبه. 

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة