سرطان الجلد

الوقاية من الشمس, العناية بالبشرة, مرض السرطان, سرطان البشرة

07 مايو 2009

يتهافت الجميع للحصول على السحنة البرونزيّة والبشرة السمراء التي توحي بالصبا والحياة! فيما أظهرت الأبحاث والدراسات المتواصلة، مدى الضرر الذي تسبّبه الشمس، ومقدار الأذيّة المتراكمة على مرّ السنين من جرّاء تعريض البشرة مباشرة للأشعّة اللاذعة من دون حماية أو وقاية.
ولعلّ أبرز المخلّفات الوخيمة التي تُلقي بأعبائها على البشرة بسبب الشمس، هي المعاناة من «سرطانات الجلد»، بحيث أنها مرض صامت يتغلغل ولا يلبث أن يفتك بصاحبه ويتركه طريح المرض من حيث لا يدري... لكن تجدر الإشارة إلى أنّ السرطانات التي قد تتعرّض لها البشرة مختلفة الأسباب والخطورة، فمنها ما يُعالج بطرق بسيطة، ومنها ما يستدعي الجراحة والعلاجات الكيميائية، ومنها ما يُميت في غضون وقت قصير! تبقى الوقاية خير من العلاج. لكن، في بعض الأحيان، يتسلّل المرض كالسارق، من دون أن يفقه به الإنسان في البداية، فيؤدّي الإهمال إلى إنتشار المرض من الجلد إلى باقي الجسم. فما هي أنواع سرطانات الجلد؟ وما أسبابها ومدى خطورتها، على البشرة خصوصاً وعلى الصحّة عموماً؟

يشرح الدكتور يحيى البستاني، رئيس قسم أمراض الجلد في مستشفى رزق، في بيروت، وإختصاصيّ الأمراض الجلديّة والزُهريّة، ما يتعلّق بالإصابة بسرطان الجلد. كما يتطرّق إلى العلاجات المختلفة. ومن جهتها، تفسّر الإختصاصيّة في الصيدلة ديانا غانم أهمّية الوقاية من الشمس بغية التقليل من العواقب السلبيّة التي قد تطال البشرة.

سرطانات مختلفة
قد لا يُدرك البعض تشعّبات الأمراض السرطانية الخبيثة. فهي تأتي بأنواع مختلفة، ولها أسباب عديدة، كما لها درجات خطورة متفاوتة.
يقول البستاني: «سرطان الجلد هو، كما كلّ السرطانات في جسم الإنسان، عمليّة تكاثر خلايا عشوائيّة، تسبّب نتائج غير حميدة».
تجدر الإشارة إلى أنّ لسرطان الجلد ثلاثة أنواع رئيسيّة، ألا وهي: الميلانوما، السرطانات الجلديّة البحتة، والسرطانات المتّصلة بحالة صحّيّة في الجسم.

ميلانوما
يفسّر البستاني «يُعتبر الميلانوما Melanoma من أخطر أنواع السرطانات الجلديّة، لا بل من أخطر أنواع السرطانات التي قد تطال الجسم». فهو مرض فتّاك ويؤدّي إلى الموت في غضون أيّام معدودة ما لم يُعالج على الفور. فلولا وجود هذا النوع من السرطانات الجلديّة، لما كانت دعت الحاجة إلى دراسة أمراض الجلد برمّتها. يتأتّى هذا النوع من سرطان الجلد بفعل تحوّل سرطانيّ للشامات الموجودة في جسم الإنسان.
ويضيف البستاني «إنّ أيّة شامة، خالية من الشعر، موجودة في أيّ مكان من الجسم، عُرضة للتحوّل إلى مرض سرطانيّ. فمتى تغيّر حجمها أو لونها أو شكلها، يستدعي الأمر إزالتها جراحياً على الفور. أمّا إذا خُدشت أو جُرحت مثلاً، فهي سوف تتحوّل لا محالة إلى سرطان إذا لم تتمّ معالجتها خلال أربع وعشرين ساعة على أقصى حدّ». إنّ وجود شامة نافرة في الجسم يشكّل مصدر خطر على صحّة المرء، خصوصاً عندما تكون في منطقة حسّاسة مثل الرقبة أو تحت الصدر أو على حافة المايوه، بحيث يمكن أن تُخدش بسهولة بفعل إحتكاك الثياب وحافّة الملابس الداخليّة بها. ويبقى أخطرها وجود الشامة في كعب الرجل إذ من الممكن أن يدوس الإنسان على الأرض ويجرحها بشيء ما من دون إنتباه ولا يشعر بذلك على الفور.
سرطانات جلديّة بحتة
إنّ الفئة الكبرى الثانية من أنواع السرطانات التي قد تصيب البشرة، هي السرطانات الجلديّة البحتة، التي تتشعّب بدروها إلى قسمين:

  •  Basic Cell Carcinoma
  •  Spino Cell Carcinoma

يفسّر الدكتور البستاني «إنّ سرطان ال Basic Cell هو أقلّ خطورة من الآخر لأنه محدود ولا ينتشر في الجسم بل يجوّف في مكانه فقط. ويمكن إزالته جراحياَ، لكن تبقى أسباب الإصابة به غير معروفة تحديداً بعد». فلا مسبّب رئيسيّاً لتحوّل الخلايا إلى خلايا سرطانيّة. لكن هذا النوع من سرطانات الجلد غالباً ما يطال المتقدّمين في السنّ أكثر من الشباب.
يضيف: «أمّا النوع الثاني أي Spino Cell، المُسمّى سرطان «البحّارة»، فهو أكثر خطورة وسببه المباشر هو التعرّض المستمرّ للشمس من دون حماية. يبدأ هذا السرطان بإلتهاب جلديّ Keratose ليتحوّل بعدها إلى مرض سرطانيّ. يمكن أيضاً في البداية إزالته جراحياً، لكن إذا تطوّر إلى مرحلة متقدّمة، يمتدّ إلى مناطق أخرى في الجسم. لذلك يجب تكثيف العلاجات الفوريّة القويّة منهاً لتفشّيه في الجسم وتسبّبه بقتل الإنسان».

سرطانات أخرى
تجدر الإشارة إلى أنّ الجسم كتلة واحدة متّصلة بعضها ببعض. وكلّ الأمراض التي تطال عضواً واحداً قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على منطقة أخرى من الجسم. إذ إنّ بعض أنواع السرطانات الداخلية مثلاً تظهر عواقبها على الجلد أيضاً.
يرى البستاني أنّ بعض السرطانات الجلديّة هي متّصلة بحالة صحيّة، وتكون نتيجة سرطانات أخرى، كسرطان الدم أو الأمعاء أو الثدي، التي تظهر على الجلد أحياناً بعد إنتشارها وتفشيها في الجسم. تترك هذه السرطانات أعراض جلديّة هي عبارة عن بقع أو تجوّفات. ويمكن كشف ذلك بعد أخذ خزعة من الجلد وزرعها، فتظهر مثلاً خلايا للثدي، أو الأمعاء على الجلد. مما يؤكّد أنّ هذا النوع من السرطانات ليس جلدياً بحتاً».
كما أنّ بعض أمراض الدم مثل ال Hematodermia التي هي تراكم خلايا الدم في الجلد إثر الإصابة بسرطان الدم، تترك أيضاً بقعاً أو تجويفات على الجلد.

علاجات
لا يكون علاج السرطانات الجلديّة مماثلاً في جميع الحالات. فلكلّ نوع طريقة خاصة، حسب السبب ومقدار تفشيّ المرض.
يقول البستاني «في البداية، يمكن أن يُكوّى السرطان الجلديّ البسيط بـ Liquid Nitrogen، أو يمكن الإستعانة بمرهم خاص مثل 5FU. كما يمكن اللجوء إلى الجراحة البسيطة. في حال الإصابة بسرطان ال Spino Cell Carcinoma، يكون العلاج هو جراحة بداية، ومن ثمّ علاجات كيميائية أو بالأشعّة حسب الحالة. أمّا سرطان الميلانوما، فيستدعي القيام بحراجة كبرى لا يُستهان بها، بالإضافة إلى القيام بالعلاجات الكيميائية في مرحلة لاحقة".
يجدر التنويه بأنّ الأشخاص ذوي البشرة البيضاء هم أكثر عُرضة من سواهم للإصابة بسرطان الSpino Cell من الأشخاص السمر، بفعل التعرّض للشمس الذي يؤذيهم أكثر من سواهم. فيما تبقى الإصابة بسرطان ال Basic Cell غير واضحة المعالم بعد، فلا إستعداد نوعيّاً أو جلديّاً للإصابة به.

دبوغات، كلف وسرطان
قد يتخوّف البعض فوراً إثر ظهور بعض البقع على جسمهم، ظناً منهم أنها أعراض سرطانيّة جلديّة. لكن هذا الأمر ليس صحيحاً تماماً.
يشرح البستاني «إنّ الفرق شاسع ما بين الدبوغات والكلف وما بين السرطان. ففيما قد تتحوّل بعض دبوغات الكبر إلى نوع سرطان جلديّ، يكون الكلف عبارة عن تراكم خلايا من مادّة الميلانين في الجلد، على أثر تغيّر هرمونيّ أو حالة حمل مثلاً». لذلك لا داعي لإستنتاج الأسوأ دوماً.

وقاية ونصائح
إنّ سرطانات الجلد خطيرة لأنها مرض صامت! فهي لا تسبّب الألم بتاتاً، لذلك قد لا يتنبّه لها المرء دوماً في بدايتها.
ينوّه الدكتور البستاني: «يجب أوّلاً الوقاية من الشمس في حال التعرّض لها. لكن يبقى من الأفضل تجنّبها قدر الإمكان لأنها عدوّ البشرة الأوّل». فللشمس منافع عديدة، لكنها من جهة أخرى تُسيء إلى البشرة وتسبّب الدبوغات والكلف والتجاعيد المبكرة وسواها من الأمراض البسيطة، وصولاً إلى السرطانات الجلديّة.
من جهة أخرى، يجب التنبّه إلى وجود الشامات النافرة في الجسم. وينصح الأطباء الإختصاصيون بوجوب إزالتها جراحياً منعاً لخدشها أو جرحها سهواً.
تكون الحماية من الشمس أكثر فعاليّة عند إستخدام واقٍ خاص، بدرجة عالية، للحصول على الحماية القصوى.
تشرح الإختصاصيّة غانم: «الواقي من الشمس Sunscreen هو فعّال للحماية من خطر أشعّة الشمس التي تؤذي البشرة بشتّى الأشكال. فبالإضافة إلى التسبّب بالدبوغات والإلتهابات الجلدية المتنوّعة، يسبّب التعرّض المستمرّ للشمس بسرطان جلديّ يهدّد حياة الإنسان أحياناً! لذلك يجب توخّي الحذر في كلّ الأوقات».
تضيف: «ثمّة أنواع من مستحضرات الوقاية من الشمس، بحسب نوعيّة البشرة ودرجة الحماية المطلوبة. تبدأ درجة الحماية من 15-20-30 إلى 50 وهي الحماية القصوى (والتي تضاهي ال100). يعمل هذا الواقي كطبقة عازلة ما بين أشعّة الشمس والبشرة، فيقلّل من خطر الإصابة بالأمراض الجلديّة والسرطانات". لكن يجب إعادة إستعماله كلّ أربع إلى ستّ ساعات مداورة أو عند التعرّض للشمس للحصول على قدر الحماية المطلوبة.
يمكن البدء بإستعمال الواقي من الشمس منذ عمر المراهقة. كما توجد أنواع متخصّصة للأطفال، ذات حماية شاملة للجسم كاملاً.
لكن يبقى التقليل من التعرّض للشمس الحلّ الأمثل لتجنّب العواقب الخطرة.
في النهاية، تختم غانم «في حال المعاناة من سرطان جلديّ يقتضي العلاج، يمكن تغطية البقع الناتجة عنه خلال مرحلة العلاج، تأميناً للراحة النفسيّة، ريثما تزول المشكلة، إذ توجد مستخضرات طبّيّة خاصّة لا تؤذي البشرة، وتعمل على تغطية البقع بشكل تجميليّ».
إنّ مفعول الشمس تراكميّ على مدى السنوات. فلا يمكن القول إننا لم نتعرّض للشمس مطلقاً هذه السنة مثلاً. إذ إنّ لكلّ إنسان قدرة معيّنة على إحتمال أشعّة الشمس في حياته. وعندما يتخطّى «رصيده»، يحصل خلل في التركيبة الجينيّة للخلايا الجلديّة، فتبدأ بالتكاثر بطريقة غير طبيعيّة وغير مستوية، وغير منتظمة، مما يؤدّي إلى بروز المشاكل الجلدية والأمراض.