الفنانة التشكيلية رؤى بازركان ترصد الألوان وتعانق الحياة بحبّ كبير

إسماعيل فقيه (بيروت) 19 نوفمبر 2017

ترصد الفنانة التشكيلية العراقية رؤى بازركان صمت الزمن وحركته، تراقب المكان والإنسان، وتعانق الحياة بحب كبير. هادئة جداً، وحركة ريشتها تضجّ بالصوت الخفيض الهامس، كأنها تتخفّى في ومضات ألوانها المبتهجة. ترسم الوجوه وظلالها، الأرض ودورانها، وتسعى للوصول الى أماكن مأهولة بالوقت النابض باللون المفتوح على حقول السعادة والأمل. فاللوحة بالنسبة إليها، هي مدخل الى مداخل أخرى، تدخل الى حيث ترتاح نظرتها وتستقر، وفي النظرة كل النظرات. في هذا الحوار، تتحدث الفنانة بهدوء يشبه خطوط لوحتها، فماذا تقول؟


- من هي رؤى بازركان؟
رؤى إنسانة تعانق الحياة بحب كبير. تطرق أبواب الفرح من دون ملل، وتستبدل الحزن والدموع بالابتسامة والفرح، وتسعى مع الأمل بلا تردد، ولا تسمح للندم بأن يدخل فكرها ويعكّر محاولاتها للنهوض من جديد في كل مرحلة من مراحل حياتها... تحاول رؤى أن تخلق من اللاشيء أشياء مهمة، كاللوحة التي تحقق وجودها في المكان لكي توثّق أن الجمال رؤية حقيقية تضيفه  بصمتها في كل مكان تخطو إليه.

- لماذا فن الرسم في حياتك؟
لكل إنسان طريقته في التعبير وفي الحضور وفي التميز. الرسم اختارني لأكون، لأتميّز من خلاله... وقد قادني الى عالم الفن الذي يزخر بالجمال والعوالم المبهرة. والرسم عندي هو ألوان تخزّن ذكريات جميلة وتجارب ملهمة. فاللون يحاكي الحكايات السعيدة في ذهني. والرسم في حياتي طاقة تتحرك في حيز وجودي. ووجودي يستمد الحياة من هذه الطاقة الملونة والمبهجة  التي أعبّر من خلالها عن تجاربي المبتكرة في خلط  الألوان وتوظيفها، لأروي حكايات المرأة من خلال ملامح وجهها التي تعبّر عن حالاتها المختلفة. المرأة وحكاياتها هي الملهم الأول في عالم الفن والرسم والألوان، وملجأ أركانه في الحلم السعيد. الرسم هو  الفرح الحالم بحياة المرأة.

- كيف بدأت علاقتك مع الفن التشكيلي وسواه، ما هي الظروف أو «الموهبة» التي دفعتك لخوض غمار اللون واللوحة؟
أتذكر جيداً كيف بدأت لحظاتي مع الرسم. كانت متنفساً لحال ضيق يحاصرني. كانت تلك اللحظات بمثابة الهروب من ضجيج يملأ المكان، فكانت أوقاتي مع الرسم تشعرني بالامتلاء وتحثّني على حذف الفراغ  والوحدة، وبتُّ أملأ فراغي بالألوان وأعبّر عن صدقي في تفاعلي مع المادة. واستطعت إغناء اللون، فجعلته ينطق بباقي الألوان. غنائي في اللون هو «إنطاق» الألوان، أو انسجامي مع حركة الفرشاة للوصول الى حالة من الاستقرار النفسي. فالرسم بالنسبة إليّ هو حالة تقوم بتفريغ الشحنات التي تأتي طارئة فتحرّك المشاعر، وتدفعها الى الإمساك بالجمال.

- ماذا ترسمين، وما هو هدفك من اللوحة؟
أرسم نسائي .نسائي هنّ تعابير عن لحظات الحياة المليئة بكل ما هو جميل وملوّن وسعيد. كما أنها تقابل هذه المفردات وتحذف كل ما يحيط بنا من قبح وتعب وعتمة وحزن. ثم أنني أجتهد في إزالتها من طريقي، من عالمي وحتى من خيالي، وألوّن ذكرياتي بالفرح الآتي والمحتمل. كل هدف يحتضن لوحاتي هو أمل يشفي الجروح، وسعادة تُضاف الى المتلقي... فالعين تبحث عن رؤى سعيدة تبدّد القلق والألم.

- تعيشين في الغربة، هل الغربة تحفزك على الإبداع، وكيف؟
للغربة أوقات جميلة، لأنها فعلاً تحفز على الإبداع إذا كان الإنسان مدركاً لما يريد... الغربة هي انتقال مرتبط بالتغيير، والتغيير يعزز الآتي، والآتي هو خليط من الماضي والحاضر والمستقبل... كل ذلك يجعلني أستمد سطوة الاكتشاف من حولي... والاكتشاف يعطيني أفكاراً متجددة عن الحياة، وكل جديد هو إبداع بحد ذاته. ربما هذا جانب من جوانب الغربة الإيجابية، ولا يعني هذا أن الغربة لا تحمل كماً هائلاً من أحلام ضاعت في مكان آخر كان من المفترض أن يكون المحفز الأول للإبداع.

- الحب في ألوان لوحتك يبدو جلياً، هل هو الحب والعاطفة، أم أنه الحب الذي يأتي من مكان خاص بالفنان؟
الألوان بالنسبة إليّ هي أفكار، ذكريات وخبرات. ولكل لون حكاية مع الحب وحكاية مع العاطفة. الحب مكانه واحد عند الإنسان، لكن التعبير عن الحب يختلف باختلاف شخصية الإنسان. الفنان حساس أكثر من باقي أبناء البشر، لذا يكون الحب عنده في مكان خاص، أو في مكانة مختلفة، ومن الطبيعي أن تكون مميزة، فيتجلّى باختلاف الضغوط التي يعيشها، الأمر الذي ينعكس في لوحاته وألوانه... أما أنا، فأجد أنه حين يغمرك الحب ترى كل شيء جميلاً. ورغم احتمال قساوة المحيط الذي تعيش وسطه، تبقى اللوحة معبّأة بالحب الجليّ.

- كيف ترسم رؤى الحب، أم أن الحب هو الذي يرسمها؟
أرسم الحب ويرسمني. مرة أرسم الحب، وفي أخرى هو الذي يرسمني. عندما تحب من تهوى وتهوى من تحب، ستجد متعة الرسم مختلفة. فإذا رسمته أو هو رسمك، سيكون الحب ناشطاً، يملأ المكان والزمان. ولا يمكن أي سلبيات أن تزاحمه في الوجود، بل على العكس، الحب يملأ النفس والروح والمكان، ولا يترك ثغرة لغير الجمال تستحوذ على كل المساحات المرئية أو اللامرئية. الحب هو الذي يتخذ من كياني موقع القوة، ويزيد في تدفق عطائي الفني بلا توقف.

- متى تنزوين لممارسة الرسم، وهل من طقوس معينة في أيامك وحياتك؟
لا طقوس معينة وثابتة في حياتي، لأن الرسم بحد ذاته طقس يتفوق على كل الطقوس. فكل أوقاتي مهيأة للرسم والعزف بالألوان... ولا تزال لحظاتي الأولى في رسم أي لوحة تحمل التوتر والارتباك وكأني أرسم للمرة الأولى. أنسى الوقت والمواعيد، ولا أنتبه للاتصالات، إنما أركز في وقت يجعلني سعيدة، وبعد مضيّه أسعد بما أنجزت.

- الرجل، كيف تراه عين الرسّامة رؤى؟
ما زلت أؤمن بأن الرجل هو الكيان المكمّل لكيان المرأة، ولا يمكن الحياة أن تستمر من دون هذين الكيانين. فالمرأة لا تكتمل إلا بالرجل، ومهما تعالت وكابرت وظنت أنها تستطيع العيش بدونه، فوحدتها ستقضي على نعمة اكتشاف حقائق الحياة الجميلة، ويبقى النقص في داخلها، وهو لن يكتمل إلا مع الرجل، مع الشريك الطبيعي في الحياة.

- إلى أين تريدين الوصول بلوحتك؟
لا أريد الوصول، فكل شيء عندي بلا حدود، والرسم عالم يخترق الزمان إلى ما لا نهاية... وليس لي هدف واحد، بل أهداف كثيرة تحمل كل جمال الكون، ومن خلال الرسم واكتمال اللوحة أشعر بالعطاء... والعطاء حالة لا يمكن أن يحتويها هدف واحد، وإنما هي حالة لا متناهية من الأهداف الجميلة.

- المرأة المبدعة، كيف تحددين معالم حضورها؟
لي مطالعة مختلفة هنا .إذا أردنا التحدث عن جانب معين في معالم حضور المرأة المبدعة، فإننا نصطدم بإشكالية كبيرة تواجه المبدعين بشكل عام. هي إشكالية بحد ذاتها اليوم للمبدعين، وبصورة عامة في كل المجالات الإبداعية، حيث اختلط الجيد بالرديء وأصبح السيئ يضاهي الحقيقي ويتفاخر أمامه. من هنا أستطيع القول: لقد ضاعت اللوحة وتاهت الكلمة وفُبركت الصورة. ولا أعلم هل هذه إشكالية متوارثة من القدم، وعرفناها أكثر من خلال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أم أنها إشكالية قائمة! أما من وجهة نظري البسيطة، فأجد المرأة بحد ذاتها تمثل حالة إبداع فريدة ومميزة. وإذا كانت مبدعة من وجهة نظر المتلقي، فهي حتماً تمتلك زمام الإبداع. إذاً، هي تمتلك خصائص في الحضور تميّزها عن الآخرين أو الأخريات. أقول وأكرر إن المرأة المبدعة هي التي تجتهد في خلق عالمها المتميز والمبتكر بعيداً من سرقة جهود الآخرين حيث يزخر وجودنا بالكم الهائل من المزيف الذي يصفّق له الكثير من أمثاله. المرأة المبدعة هي التي تنظّف مرآتها بعناية، ولا تسمح للغبار بأن يحجب بصرها عن رؤية الصحيح الذي يميزها عن الآخرين.