آمال جديدة في الحرب على سرطان الثدي

صحة المرأة, الوقاية من السرطان, علاج, التدخين, سرطان الثدي, سن اليأس, سلامة الصحة, استئصال الثدي, مرض السرطان, نشاط جسدي, ماموغرام, الاستروجين, فرص الشفاء, علاج هرموني, غذاء صحي, مكافحة السرطان, علاجات السرطان

27 أكتوبر 2009

في كل عام، يحقق العلم تطورات جديدة في الحرب على أنواع السرطان كافة، ولاسيما سرطان الثدي. ويتضح أن الكشف المبكر للسرطان، واختيار العلاجات الصحيحة والمتخصصة، والتعرف بصورة أفضل إلى آليات ظهور المرض هي من أبرز العوامل المسهمة في زيادة فرص الشفاء من المرض القاتل والتغلب عليه...

ليست مصادفة إذا كانت نسبة الشفاء من سرطان الثدي تتخطى اليوم ٨٠ في المئة. إلا أنه يتم للأسف تسجيل كل سنة مئات آلاف الإصابات الجديدة بهذا المرض، لدرجة أن الأرقام باتت توازي ضعف ما كانت عليه قبل خمسة وعشرين عاماً. لماذا؟ لأن أمد العيش ازداد عند النساء، حسبما يقول الباحثون والأطباء، ولأن النساء يتعرضن أكثر فأكثر لعوامل الخطر غير المرتبطة أبداً بالتكوين أو الجينات. بالفعل، تظهر الدراسات أن ١ في المئة فقط من حالات سرطان الثدي لها أصل وراثي، فيما يأتي السرطان في بقية الحالات عن طريق الصدفة، ويصيب امرأة واحدة من كل تسع نساء.

يقول الباحثون اليوم إنه في سن البلوغ ربما تحصل تحولات تكون وراء ظهور سرطان الثدي لاحقاً، السرطان الذي يتسارع ويزداد ظهوره نتيجة التعرض لعوامل بيئية (مثل التدخين، والتأخر في حصول الحمل الأول، وأسلوب العيش الكثير الجلوس، إلخ...).

أسرار الوقاية

يؤكد العلماء والأطباء أنه يمكن تفادي ثلث حالات سرطان الثدي باعتماد أساليب بسيطة، أبرزها:

- إنجاب الطفل الأول في سن مبكرة. ففي هذه الأيام، باتت معظم النساء يحملن بالطفل الأول في عمر الثلاثين تقريباً، الأمر الذي يؤثر سلباً في احتمالات التعرض لسرطان الثدي. بالفعل، حين تكون الفترة السابقة للحمل الأول، بعد سن البلوغ (خصوصاً إذا حصل ذلك في سن مبكرة جداً)، طويلة جداً، يزداد خطر تحول الخلايا في الغدة الثديية. للتخفيف من الإشباع الاستروجيني، الذي يؤثر في نشوء السرطانات "المرتبطة بالهرمونات"، من الأفضل إذاً حصول الحمل الأول بدءاً من عمر ٢٥ عاماً، وإرضاع الطفل بالثدي لوقف إفراز الهرمونات المبيضية وعدد الدورات الشهرية خلال فترة الإرضاع على الأقل.

- اعتماد علاج هرموني طبيعي قدر الإمكان في سن اليأس. فالتأثيرات المؤذية للعلاج البديل للهرمونات في سن اليأس باتت موثقة تماماً. بالفعل، تعزى ٣ إلى ١٢ في المئة من حالات سرطان الثدي إلى العلاج البديل للهرمونات، ويكمن الحل إذاً في الاستغناء عن هذا العلاج عند الإمكان إذا لم تكن الأعراض (مثل نوبات التوهج والجفاف المهبلي....) وخيمة جداً. كما تستطيع المرأة اعتماد الاستروجين على شكل رقعة وهرمون بروجسترون فقط عند المعاناة من نوبات التوهج.

- اعتماد غذاء صحي. فزيادة الوزن بعد سن اليأس تزيد من خطر التعرض لسرطان الثدي، خصوصاً إذا تراكمت الدهون (التي تنتج الاستروجينات المحفزة للسرطان) على مستوى البطن. في المقابل، تبين أن خسارة ٣ كيلوغرامات كفيلة بخفض خطر التعرض لسرطان الثدي بنسبة ٣٠ في المئة. من جهة أخرى، أثبت باحثون أميركيون أن الاستهلاك الكبير للأحماض الدهنية المشبعة (الموجودة في الأطباق الجاهزة والحلويات والمخبوزات الدسمة...) تزيد مرتين خطر التعرض للسرطان في السنوات العشر التالية، إذا كان عمرك ٥٠ عاماً. يجب توخي الحذر أيضاً من الدهون المهدرجة والانتباه إليها على لصائق الأطعمة.

- ممارسة نشاط جسدي منتظم. الرياضة تحرك الدهون في الجسم، وتتيح خفض إفراز الاستروجينات وكذلك خطر التعرض لسرطان الثدي بنسبة ٣٠ إلى ٤٠ في المئة، في حال ممارسة المشي السريع، مثلاً،  لمدة ٣٠ دقيقة، ٥ إلى ٧ مرات في الأسبوع. وكلما كان النشاط الجسدي أكثر حيوية، ازدادت فاعليته، خصوصاً في المرحلة الفاصلة بين سن البلوغ والحمل الأول.

- عدم تفويت صورة الثدي. بفضل صورة الثدي التي تجرى بشكل منتظم بدءاً من عمر الخمسين، يمكن كشف سرطانات الثدي في مرحلة مبكرة، ما يزيد من فرص الشفاء منها. بالفعل، تستطيع صورة الثدي كشف الآفات السابقة للسرطان، ما يدفع الطبيب إلى استئصالها والحؤول بالتالي دون نشوء السرطان. وتقترب نسبة الشفاء هذه الأيام من ٩٥ في المئة. لذا، لا تبتكري الأعذار لتفويت الخضوع لصورة الثدي، علماً أن أبرز الأعذار التي تتحدث عنها النساء لعدم الخضوع لصورة الثدي هي:

  • لا توجد أية حالة سرطانية في العائلة. هذا صحيح، لكن ٩٩ في المئة من حالات سرطان الثدي غير مرتبطة بالاستعداد الوراثي.
  • عمري أقل من ٥٠ عاماً. إذا كان الأطباء يصرّون على إجراء صورة الثدي بدءاً من عمر الخمسين، فذلك لأن الإحصاءات تشير إلى أنه يتم كشف سرطان الثدي عموماً في عمر ٥٥ عاماً. إلا أن ٧٥ في المئة من حالات سرطان الثدي تظهر بين عمر ٤٧ و٦٣عاماً، فيما يتم كشف ٢٥ في المئة من هذه السرطانات قبل عمر ٤٧ عاماً أو بعد عمر ٦٣ عاماً. من هنا ضرورة فحص الثديين في أي عمر، وإجراء الفحص اليدوي على الأقل بشكل منتظم (تحسس الثديين باليدين بحثاً عن أية أورام أو عقد أو نتوءات).
  • كل الصور السابقة كانت ممتازة. هذا صحيح، إلى أن يتم اكتشاف، على مر السنوات والفحوصات، تكلسات مجهرية، أو شذوذ معين، أو درينة صغيرة، ويصبح حينها الشفاء أكثر احتمالاً في حال التدخل بسرعة ومباشرة العلاج في مرحلة مبكرة.
  • لا حاجة للهلع لأن العلاجات تطورت كثيراً. هذا صحيح، لكن العلاجات تكون فعالة في حال الكشف عن السرطان في مرحلة مبكرة، ولاسيما بفضل صورة الثدي.
  • أتحسس ثدييّ بشكل منتظم. هذا أمر ضروري (مباشرة بعد دورة الطمث، بين صورتين للثدي و/أو بين زيارتين للطبيب)، شرط معرفة طبيعة الثديين جيداً. تجدر الإشارة إلى أن الدرينة قد تظهر في صورة الثدي قبل وقت طويل جداً من أن تصبح قابلة للتحسس باليدين. يمكن القول باختصار إن الأصابع أقل فاعلية من صورة الأشعة في كشف الأورام السرطانية.

تطور العلاجات

بين التطورات المهمة التي أحرزها الطب في الآونة الأخيرة، بات باستطاعة الطبيب تشخيص المرض في مرحلة باكرة نسبياً ووصف علاج خاص بحالة المريض لزيادة فرص الشفاء.

- ظهور نتائج التحاليل بسرعة أكبر. ففي حال وجود درينة صغيرة، أو إذا لم تكن نتائج صورة الثدي واضحة تماماً، يمكن إجراء خزعة للخلايا والحصول على نتائج موثوقة بنسبة ٩٩ في المئة. تقوم هذه الطريقة على إزالة بعض الخلايا من المساحة المشكوك بأمرها بواسطة إبرة رفيعة جداً (بعد إجراء تخدير موضعي) وفحصها تحت المجهر. وفي ٩٠ في المئة من الحالات، تظهر نتيجة الخزعة في اليوم نفسه. لكن في حال ظهور تكلسات مجهرية (microcalcifications)، يتم إجراء خزعة للنسيج بحيث يجري استئصال عينة صغيرة من النسيج لفحصها تحت المجهر، لكن النتيجة لا تظهر إلا بعد أسبوع كامل. وتكون هذه المرحلة شديدة التوتر والقلق بالنسبة إلى المريضة وأهلها.

- توقع خطر عودة المرض. اليوم، بعد معالجة السرطان، يتلقى ٨٠ في المئة من المرضى علاجاً كيميائياً بالترافق مع العلاج بالأشعة. إلا أن المرض لا يعود في  ٩٠ في المئة من الحالات! فبين ال ٤٤٠٠٠ جينة الموجودة في د ن أ الخلايا السرطانية، تتعرض ٧٠ إضافية في حال عودة المرض. وتجري حالياً دراسة أوروبية على هذا الأساس البيولوجي (وجود معلم فرضي ينبئ باحتمال عودة المرض). بهذه الطريقة، يمكن تحديد فاعلية اختبار الد ن أ، الممكن إنجازه في تحليل دم بسيط.

- تخفيف جرعات العلاج بالأشعة. حسب خطر العودة الموضعية للمرض، والذي يكون ضئيلاً عند بعض الأشخاص، يمكن تسريع وتخفيف العلاج بالأشعة في الوقت نفسه، بحيث يجرى العلاج على مدى خمسة أيام، بمعدل جلستين في اليوم، وعلى أقل من ربع مساحة الثدي. أما التقنية الأخرى المستخدمة حالياً فتمتد على خمسة أسابيع وتطال الثدي بأكمله. يفترض أن تظهر نتائج الطريقة الجديدة الممتدة على فترة أقل في غضون سنتين تقريباً.

- علاجات متخصصة. كانت العلاجات الأولى لسرطان الثدي تهدف إلى محاصرة عوامل تكاثر الخلايا السرطانية في المساحة الخلوية المتضررة. أما اليوم، فيتوافر علاجان أكثر تخصصاً يتم وصفهما بالترافق مع العلاجات الأخرى. يهدف العلاج الأول إلى التأثير في بيئة هذه المساحة (أو المستقبِل)، أي الأسباب التي تحدد تفشي السرطان، لفصل الورم. أما العلاج الثاني فهو بديل أو مكمّل، يتم خلاله وصف الأدوية المضادة لتكوّن الأورام، بحيث تمنع تكوّن أوعية دموية جديدة هادفة إلى تغذية المرض. وعند وقف مورد الدم، تختنق الخلايا السرطانية وتموت. وعند ترافق هذين العلاجين مع علاجات أخرى ذات آليات عمل مختلفة، يمكن إطالة أشهر عدة في عمر المرأة التي تعاني من سرطان "صعب" ومتقدم والتي فقدت الأمل في أي علاج آخر.