رحلة عبر الحضارات «اللوفر» أبو ظبي

كارولين بزي (أبو ظبي) 09 ديسمبر 2017

قصّة جديدة خطّتها عاصمة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي، تحكي فصولها عن حضارات وثقافات وفنون حطّت رحالها في متحف «اللوفر» في جزيرة السعديات في أبو ظبي، المتحف الذي يُعدّ حلقة وصل بين الشرق والغرب، والذي تم العمل به بموجب الاتفاقية التي وقّعتها حكومة إمارة أبو ظبي مع الحكومة الفرنسية في العام 2007، وقد أُعير اسم «اللوفر» لأبو ظبي لثلاثين عاماً. كما بوشر العمل على تشييد المتحف في العام 2009، وافتُتح أخيراً في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.


المتحف عبارة عن كتاب من اثني عشر فصلاً، يوناني وروماني، مصري وفرنسي، صيني وهندي... ورغم تضمّنه العديد من الحضارات والثقافات، بدا الكتاب بهوية جديدة، حيث إنه يروي مسارات تاريخية متنوعة بأبعاد إنسانية وفلسفية من خلال أكثر من 600 قطعة تتراوح بين مقتنيات أثرية عريقة وأعمال فنية معاصرة، إضافة إلى منحوتات كلاسيكية ولوحات فنية مرسومة بريشة فنّاني اليوم، و300 عملٍ مستعار من المتاحف الفرنسية، التي تمتد على مساحة 6400 متر مكعب من صالات العرض خلال السنة الافتتاحية.  

أسئلة كثيرة يطرحها زائر «اللوفر»- أبو ظبي قبل وصوله إلى المتحف. فعلى بُعد مئات الأمتار يلمح قبّة يحار بماهيتها، وما إن يدنو منها حتى يتعرف إلى قبّة هذا الصرح العظيم المؤلّف من ثماني طبقات استُخدمت في بنائها 7 آلاف و850 قطعة من الأشكال الهندسية الصلبة ونجوم من الألومنيوم، وتوازي في وزنها الذي يبلغ سبعة آلاف طن، وزن برج «أيفل» الشهير في باريس.

ويقول المدير العلمي في وكالة متاحف فرنسا، جان فرنسوا شارنيير: «هدفنا هو أن يكتشف الزائر إجاباته بنفسه، ذلك أن المتحف بمثابة كتاب أو فيلم. إذ عندما نشاهد فيلماً لا نجد المخرج يضع لكل فصل مقدمةً تعرفنا على محتواه، والأمر نفسه ينطبق على هذا المتحف بحيث ندخل مباشرةً في عمق القصة، من دون حاجة إلى تعريف الفرد الى الثقافة أو الحضارة التي تجسّدها قطع المتحف».

ويضيف: «بدأنا ببناء المجموعات في العام 2009، وكلها تتميز بالجودة نفسها التي تتمتع بها مجموعات «اللوفر»، وتحاكي روعة هذا المتحف الفرنسي. فمتحف «اللوفر» في أبو ظبي مساحته أصغر، وبما أننا في أبو ظبي القرن الواحد والعشرين، قررنا أن يكون هذا المكان بمثابة سؤال عن سرّ الكون، لأنه يمتلك قيماً مشتركة وأحياناً أساطير حقيقية».

ورداً على سؤال حول إطلاق اسم «اللوفر» على المتحف، علماً أنه قصة جديدة وليس «اللوفر»، يقول جان: «أردنا الاستعانة ببعض القطع من اللوفر ووضع اللمسات الفنية التي يتمتع بها المتحف الفرنسي، إذ إن ثمة عدداً من الخبراء والقيّميين من اللوفر، كما أن اسمه مرتبط بتقليد المتاحف، وبالتالي يمكن الزائر أن يدرك محتوى الأعمال الفنية المعروضة وجودتها».  


صعوبات:

وعن الصعوبات التي واجهها القيّمون على المتحف، يقول جان: «لم نواجه صعوبات جوهرية ولكن ربما بعض الانتقادات بسبب أقسام المتحف، إذ سأل البعض: «لماذا نقوم بذلك؟». هناك حقبات زمنية مختلفة ومتباعدة، إلا أن كلاً من هذه الأقسام يروي مسارات مختلفة عبر التاريخ، لذا تحولت إلى ساحة تسودها المفاهيم والحضارات، وكان التحدي أن نشيّد هذا المتحف، وبالفعل تمكّنا من ذلك».

كما يتضمن «اللوفر» أبو ظبي قسماً للديانات السماوية كالإسلامية والمسيحية، وآخر للمعتقدات البوذية، ما تطلب وقتاً طويلاً لجمع أعماله وعرضها في مكان واحد. فلكل معتقد رؤاه الخاصة ومواضيعه المختلفة التي تمثل روح المتحف وتساهم في تميّزه. والجزء الثلاثون من القرآن الكريم الموجود في المتحف، يتميز بغلافه الجلدي وأوراقه المذهّبة وهو يعود الى ما بين 1250 -1300.

وتعتبر أبو ظبي السبّاقة في عرض أعمال الفنان ليوناردو دافنشي في «اللوفر»، المتحف الأهم في الشرق الأوسط. يليه رمسيس الثاني الذي فرض حضوره وهيبته بصفته من أهم فراعنة مصر، فجلس على عرش منقوش باسمه معتمِراً قبعة «نيميس» الملكية على شكل أفعى الكوبرا، ومغطياً ذقنه بلحية مستعارة.


أبو الهول ومنحوتات أخرى:

لعل البعض لا يعرف أن «أبو الهول» ليس وحده الكائن الأسطوري الذي يتوسط أهرامات الجيزة، فهناك «أبو الهول اليوناني» الذي اتّخذ من متحف «اللوفر» أبو ظبي مرقداً له. و«أبو الهول» كائن هجين ومخيف له جسم أسد وأجنحة طائر مفترس ووجه امرأة، وقد ظهر نتيجة التقاء الحضارة اليونانية بحضارات الشرق الأدنى القديم، وهو يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. ومن شمال الصين استقدم المتحف تنيناً مجنّحاً يعود إلى حقبة الممالك التجارية 475-221 قبل الميلاد. سقراط حضر أيضاً ليحطّ رحاله بين مئات الحضارات والحقبات الزمنية، بالإضافة إلى فولتير الكاتب والفيلسوف الفرنسي. ومن المتحف الوطني لقصور فرساي وتريانون، عُرضت تماثيل عُرفت بخيول الشمس. كما يجسّد أحد التماثيل صراعاً بين كروغاس وداموكسين، وقد ركّز النحّات أنطونيو كانوفا على بنية الجسم وتوتره وتعابير الوجوه، مما أضفى بُعداً أخلاقياً على هذا الصراع القديم، ومكّنه من تسليط الضوء على القيم البطولية التي ميّزت الفنون في الفترة الممتدة بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، ومن قيم البطولة في تلك المرحلة أن المنتصر هو من يُكتب له الموت في نهاية المعركة.

وفي ركن واحد، وقف رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأول جورج واشنطن، جنباً إلى جنب القنصل الأول وعابر جبال الآلب نابليون بونابرت.

ومن الصوف والحرير جسّد بساط على شكل لوحة، رحلة الإمبراطور الصيني على الشواطئ النائية. كما عُرضت لوحات لبيكاسو، وفان غوغ وبول غوغان. ويضم المتحف مجموعة من التحف النادرة، بما فيها تمثال «أميرة من باختريا» الذي يعود إلى أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، وسوار ذهب إيراني برأسي أسد.


أعمال فنية معاصرة:

أما بالنسبة الى الأعمال الفنية المعاصرة، فيضم المتحف تسع لوحات قماشية من إبداعات الرسام الأميركي «سي تومبلي»، والمنحوتة التذكارية للفنان «أي ويوي»، يقابلها أحد أعماله المهمة والمتمثل بنافورة الضوء المصنوعة من الحديد والبلورات الزجاجية، ويبلغ عمرها سنة واحدة.

في كل عام، يقدّم متحف «اللوفر» أبو ظبي أربعة معارض فنية مؤقتة. وفي إطار التعاون بين حكومتي إمارة أبو ظبي وفرنسا، تجتمع جهود ثلاثة عشر شريكاً من شركاء المتاحف الفرنسية لتقدّم أكثر المعارض تميزاً حصرياً لزوار هذا المتحف.

وتكمل هذه المعارض المؤقتة الحكايات التي تسردها المجموعة الفنية لمتحف «اللوفر» أبو ظبي عبر قاعات العرض، والتي تتمحور على إبراز أوجه الشبه بين الحضارات والثقافات والأحداث المشتركة التي أثّرت في نموها عبر التاريخ.

ويضم فريق العمل بمن فيهم القيّمون على متحف «اللوفر» أبو ظبي 50 شخصاً، على رأسهم المهندس العالمي جان نوفيل، وتُعدّ واجهة المتحف حصيلة التصميم العمراني العربي المتميز والهندسة المعاصرة المدعومة بالتقنيات المبتكرة ذات الكفاءة العالية في توفير الطاقة. كما يمكن الزوّار التمتع بالمشي في الممرات الطويلة والمطلّة على مياه البحر، والتي تظللها القبّة العملاقة التي ما إن تتساقط أشعة الشمس عليها حتى تخلق تأثيراً ملهماً يُعرف بـ«شعاع النور»، بما يعيد إلى الأذهان صورة سعف النخيل المتداخلة في واحات الإمارات.
وجاءت زيارة متحف «اللوفر» أبو ظبي ضمن فعاليات أسبوع دبي للتصميم.