من الظلمة إلى النور كريستين علاوي: معرضي رسالة تحمل كل معاني الأمل

كارين اليان ضاهر 16 ديسمبر 2017

غالباً ما يحمل الموت معه كل معاني اليأس والحزن فيما يفاجئنا بخسارة أحبائنا وكأننا نجد في هذه اللحظات الحياة قاتمة لا قيمة لها ولا معنى. لكن الظروف تختلف أحياناً فيشكّل الموت بداية وانطلاقة أمل جديدة فنجد في كل خطوة نقوم بها رسالة تقدير لمن فقدناه في أصعب اللحظات. هذا ما حصل مع كريستين علاّوي والدة المصوّرة ليلى علاّوي التي عُرفت بأعمالها الإنسانية ودعمها لقضايا اللاجئين والتي اغتالتها يد الإرهاب في واغادوغو. لم تكن كريستين قد عرضت يوماً الصور التي التقطتها في حياتها بنظرتها الفنية المميزة، إلى أن خسرت ابنتها وقررت أن تنفذ وصيتها وتتابع مسيرتها...


- تعشقين التصوير من الطفولة، ولم تفكري يوماً في أن تسلّطي الاضواء على هذه الصور الجميلة التي تلتقطينها بـ«عين المصوّر» التي تملكين ومن دون أن تقيمي معرضاً لها يوماً، ما سر هذا القرار الذي اتخذته أخيراً؟
هذا المعرض هو الأول لي، وأعتقدت أنني ما كنت لأعرض صوري لولا مقتل ابنتي ليلى ورغبتي في تحقيق أمنيتها هذه. لطالما صوّرت، لكنني لم أمتهن التصوير يوماً فيما كانت ليلى وأولادي جميعاً يطالبونني بذلك. كانوا يحلمون بأن أُبرز أعمالي إلا أنني لم أجد ميلاً لدي للقيام بذلك. لكن في أحد الأيام توجهت إلى أحد الاستوديوات لتظهير قسم من صور كنت قد التقطتها، وصودف أن ذهبت ليلى بنفسها لتأخذها على أن تعطيني إياها لدى عودتها من السفر. لكنها اتصلت بي وأخبرتني أنها اختارت لي 16 صورة منها أعجبتها بشكل خاص وطلبت مني ان أضيف إليها أخرى من اختياري لإقامة معرض. وكانت تنوي العودة لتتزوج بعد أسبوع من شاب لبناني وتستقر في لبنان. لكن في اليوم التالي من حديثها معي بشأن المعرض، قُتلت ليلى على يد إرهابيين في واغادوغو وتوفيت متأثرة بجروحها بعد 3 أيام. في ذلك الوقت، لم أرغب في إقامة معرض، كنت يائسة على أثر وفاتها وشعرت بأنني مدمرة ولا لذة لي في الحياة بعد فقدانها. لم تعد تعني لي هذه الامور شيئاً، لكن كل من حولي أقنعني بأن هذه كانت وصية ليلى لي قبل وفاتها، وبإقامتي معرضاً أحقق رغبتها. كنت أشعر باليأس، لكن العائلة دعمتني لأنهض وأتابع الطريق من أجلها.

- ما كان شعورك عندما اكتشفت تلك الصور التي اختارتها ليلى بنفسها في الـLaptop الخاص بها، بعد وفاتها؟
اكتشاف الصور ورؤيتها أثّرا فيّ كثيراً. كان ذلك في غاية الصعوبة بالنسبة إليّ. بدت الأمور كلّها من حولي، بعد وفاتها، من دون قيمة، وكأن الحياة لم يعد لها اي معنى بعد رحيلها. حتى السفر لم يعد يعني لي شيئاً. لكن دعم المحيطين ساعدني على النهوض من أجلها لأنفّذ وصيتها وأحقق رغبتها في إقامة المعرض الذي كان يعني لها الكثير. لذلك بدّلت رأيي واتخذت القرار الصائب لأنها كانت ترغب بذلك وصرت اليوم مستعدة للسفر إلى أقاصي الأرض من اجلها، لأتحدث عنها وعن كرمها وطيبتها والمحبة التي تحملها وأعمالها الإنسانية الهائلة المؤثرة التي تركت بصمتها بعد وفاتها. ويضم المعرض هذه الصور التي اختارتها ليلى، لكن تنقصه صورة واحدة لأننا لم نجدها، لذلك فهو يضم 15 صورة.

- عنوان المعرض Blended، هل اخترته بنفسك؟
لم أختر هذا الاسم، بل اختاره المنظمون من Photomed لأن الصور تقدم مزيجاً من حضارات مختلفة وثقافات متعددة بين الولايات المتحدة والمغرب التقطتها أثناء أسفاري سابقاً. كانت ابنتي قد اختارت عنواناً لهاMorocco USA 70's وكنت أفضّل أن يحمل المعرض هذا الاسم، لكنني لم أعترض على تغييره، ووجدت الاسم الحالي مناسباً.

- ما الذي تحمله معها هذه الصور التي عرضتها؟
هذه الصور هي من اسفاري. فكنت اعيش في الولايات المتحدة الأميركية وزوجي مغربي وأنا فرنسية الأصل وكنا نتنقل في تلك المرحلة، في السبعينات... منها ما هو من المغرب، ومنها ما التقطته أثناء وجودي في الولايات المتحدة. عندما وصلنا إلى المغرب، كانت لدينا مشاريع كثيرة اجتماعية، وكانت حياتنا الاجتماعية ناشطة ولم أكن أملك وقتاً للتفكير في التصوير رغم تشجيع اولادي. التقطت هذه الصور بين عامي 1971 و1977 وبعدها عدنا إلى فرنسا وتابعت التصوير. لكن كما قلت سابقاً، لم أتخذ قرار عرضها إلا بعد وفاة ليلى، وقد مر اليوم على وفاتها سنة.

- ما الذي تعنيه لك هذه الصور التي اختارتها ابنتك قبل وفاتها؟
هذه الصور تعني لي «الأمل» في مكان ما، بعكس ما يتصوّر كثر. فابنتي هي التي اختارتها وأرادت أن أتابع هذه المسيرة. واللافت أنها اختارت صوراً تحمل معاني الإنسانية إذ نرى فيها اشخاصاً يعاملون باحترام وهم في ظروف صعبة. أعترف بأنني عندما كنت في مرحلة اليأس، بدت لي رؤية هذه الصور في غاية الصعوبة. أما اليوم فأنظر إليها بإيجابية كبرى، وأرى من خلالها أن ليلى أرادتني أن أتابع، وهذا ما نويت فعله من أجلها. بالنسبة إليّ، هذا المعرض رسالة مهمة لليلى. أرى محبة الناس لها عندما التقيهم فيتأثرون بشدة من دون معرفة سابقة بأنني والدتها. وأشعر بالفخر عندما ألاحظ كم أن الناس متأثرون بها. حتى أن وزارة الثقافة الفرنسية منحتها وسام Commandeur des arts et des letters وهي الرتبة الاعلى التي تمنح في هذا المجال للأشخاص الذي برعوا في مجال الفن أو الأدب، والذين ساهموا بشكل بارز في إشراقة الفنون والأدب في فرنسا والعالم. هي صفة لا تُعطى لأي كان. لن أتابع المسيرة في مجال عملي فحسب بل في مجالها أيضاً.

- كيف تنوين المتابعة في مسيرة ليلى التي يعرف عنها دعمها للمجالات الإنسانية وتفانيها في عملها؟
بعد وفاة ليلى اكتشفت كمية الحب والاحترام والتقدير التي يكنّها لها الناس في مختلف أنحاء العالم. كانت تقوم بأعمال إنسانية وتدعم هذه القضايا بكل طاقاتها. كانت تقصد مخيمات اللاجئين وتعرّض نفسها للخطر في سبيل تقديم المساعدة والدعم. حتى أنها كانت تعطي دروساً في التصوير للأطفال اللاجئين في المخيّمات. قررت المتابعة في مسيرتها من خلال إقامة جمعية ليلى علاوي، وقريباً سنؤمّن مكاناً مناسباً لإقامة متحف تعرض فيه أعمالها في المغرب وفرنسا. وفي المغرب ستكون هناك مجموعة ثابتة من صورها. وستكون هناك جائزة تحمل اسمها للنساء المصوّرات في أعمال إنسانية. وسنقيم ورش عمل ودروساً في التصوير كما كانت تفعل هي. كما سنعمل على دعم المهجّرين الذين دافعت عنهم ليلى طوال حياتها، سواء في المغرب أو في أي مكان آخر.

- هل تجدين أن ليلى نسخة عنك لجهة عشقها للتصوير؟
شخصياً عشقت التصوير والصور من طفولتي، ووجهت أولادي إلى المتاحف والثقافة فتأثروا بذلك. من الواضح أن ليلى أخذت عني «عين المصوّر» التي أملكها ويؤثر فيّ ذلك بشكل خاص. وقد برعت في عملها بشكل واضح، خصوصاً أنها وجّهته في مجالات إنسانية في الوقت نفسه. وليس كل التقدير لها في مختلف أنحاء العالم والأوسمة التي حصلت عليها إلا أدلة على ذلك.

- هل كنت تنصحينها كأم بألا تعرّض نفسها للخطر وتتمنين لو أنها تجنبت التواجد في مكان خطر حتى لا تُقتل فتبقى بينكم؟
أعتقد اليوم أن وجودها في بلادها كان من الممكن أن يكون اكثر خطورة من وجودها في واغادوغو. لم يكن من المفترض أن يكون المكان الذي هي فيه خطيراً إلى هذا الحد. لكن شاء القدر أن تُقتل بعدما عادت إلى الفندق الذي كانت تنزل فيه، ثم عادت وخرجت مجدداً لتشتري ما تأكله. والمؤسف أننا لم نتمكن من نقلها إلى فرنسا لتلقي العلاج المناسب ولم تحصل على الدعم.