تجربة شخصيّة مع سرطان الثدي... السيدة كريستين شمالي

سرطان الثدي, استئصال الثدي, علاج كيميائي, أمراض جلدية, صورة شعاعية, تساقط الشعر, فحص ذاتي

11 أكتوبر 2010

اكتشفت كريستين شمالي(38 عاماً) أنها مصابة بسرطان الثدي في نيسان/أبريل 2010. ويبدو واضحاً من حديثها أن مرضها لم يؤثر سلباً على نفسيتها بل بدت متفائلة وأكدت أنها لم تشعر يوماً باليأس أو الاكتئاب لإصابتها بالمرض. بل استمرت بحياتها الطبيعية مع عائلتها وطفلتيها الصغيرتين تهتم بأدق التفاصيل المرتبطة بهما. بصراحتها وبتحدثها عن مرضها دون خجل، تمكنت من تخطي هذه المرحلة وها هي الآن تتعافى. أجابت عن كل الأسئلة دون تردد وأظهرت شجاعة نادرة في مواجهة مرض يلعب فيه العامل النفسي دوراً كبيراًوبذلك، تشكل مثالاً للمرأة الشجاعة التي لا تترك المرض يهزمها.

- كيف اكتشفت إصابتك بالمرض؟
كنت قد لاحظت تقرحاً في الثدي أشبه بالجرح. في البداية، لم أفكر أبداً بالسوء في هذا الموضوع. اعتقدت أنه مجرد جرح عادي لا أهمية. لكن بدأ الشك يراودني عندما اكتشفنا إصابة والدي بالسرطان. علماً انه عند اكتشاف المرض، كان قد تفشى في جسمه وتوفي بعد أقل من شهرين.

- هل كنت عندها في سن تدعوك إلى التفكير باحتمال إصابتك بسرطان الثدي؟
كنت في سن 37 سنة. وبالتالي لم أكن أجري الصورة الشعاعية بعد أو أي فحوص أخرى لأني كنت لا أزال في سن صغيرة.

 - بعد اكتشاف مرض والدك، هل فكرت مباشرة أنك قد تكونين مصابة بالسرطان؟
عندما ظهر المرض لدى والدي بدأت أقلق، خصوصاً أن الجرح الذي كان في الثدي لدي التأم ثم عاد وظهر مجدداً. كان أمراً غريباً يدعو للشك. صرت قلقة حيال هذا الأمر.

 - هل أفصحت عن مخاوفك إلى زوجك أو إلى أحد أفراد العائلة؟
أخبرت زوجي عن مخاوفي وقلت له إني أخشى أن أكون مصابة بالسرطان، كان يؤنبني لأني أفكر بهذه الطريقة ويستغرب من أين تأتيني هذه الأفكار السوداء. ويقول لي أن هذه الأوهام نفسية ليس إلا.

 - هل استشرت الطبيب لتتحققي من الأمر؟
استشرت طبيبي الاختصاصي بالأمراض النسائية ونصحني بزيارة الطبيب الاختصاصي بالأمراض الجلدية، ففعلت. فقد اعتقدنا في البداية أني قد أكون مصابة بمشكلة جلدية. لكن الطبيب الذي زرته أكد لي أنه ليس سرطاناً في الجلد ولكنه أخذ خزعة للتأكد. في الوقت نفسه، أجريت لي جراحة لكي الجرح. لكن العملية لم تنجح واستأصل الطبيب الحلمة دون أن يعلمني بالأمر.

- متى اكتشفت أنه تم استئصال الحلمة وكيف كان وقع ذلك عليك؟
اكتشفت الأمر لاحقاً بعد أيام فيما كنت أبدّل الضمادات. لكن عندما واجهت الطبيب بالأمر أكد لي أنه اضطر للقيام بهذه الخطوة ولم يجد حلاً آخر أمامه. لم اكن أملك نتائج الخزعة بعد، وفي أحد الأيام اتصل بي الطبيب النسائي وأعلمني على الهاتف بأني مصابة بسرطان الثدي.

- ما أول ما فكرت فيه عندما أبلغت بالخبر، وهل راودتك فكرة الموت؟
في الواقع، طوال فترة مرضي لم أفكر بالموت. فالجانب الإيجابي في الموضوع أن المرض كان محصوراً في أنابيب الحليب ولم يكن قد انتقل إلى تحت الإبط. كنت أفكر طوال الوقت أنها مرحلة وتمر وأني سأشفى قريباً ولا داعي للخوف. لم أخف إلا في الأسبوع الأول. كما فكرت بطفلتي وخفت عليهما عندما رأيت في إحدى المرات دملة بين الثديين. خشيت أن أموت وصرت أفكر بمن سيربيهما بعد موتي وأنهما ستبقيان دون أم. خفت أن يكون المرض قد انتشر في مواضع أخرى. لكن تبين لاحقاً أن هذا ليس صحيحاً. وفيما كنت أجري الفحوص لاحقاً صرت اكثر اطمئناناً. تأكدنا من النتيجة بعد إجراء المزيد من الفحوص. لكن ظهرت أيضاً دملة أخرى تحت الثدي. وتبين في الفحص أن نوع السرطان الذي أصبت به نادر وسريع الانتشار. خضعت لجراحة تم فيها استئصال الثدي بالكامل وأجريت عملية ترميمية مباشرةً للثدي.

- هل كان من الضروري أن تخضعي للعلاج الكيميائي؟
بصراحة، بدأت مرحلة العذاب بالنسبة عندما تضاربت آراء الأطباء بين مؤيد لخضوعي للعلاج الكيميائي ومعارض للأمر. مررت بمرحلة صعبة أذهب من طبيب إلى آخر، وكل يعطيني رأياً مخالفاً للآخر. هذا كان الأصعب بالنسبة إلي. عشت مرحلة مضنية أتنقل فيها بين طبيب وآخر بحثاً عمن يقنعني دون أن أجد جواباً.  كانت هذه أكثر مراحل المرض صعوبةً ووصلت عندها إلى حد اليأس والإحباط. تلك كانت المرحلة الوحيدة التي شعرت فيها باليأس. عندها أرسلت نتائج الفحوص إلى أميركا. لكن لم أجد من ينقذني من هذه الحيرة. لم أجد من ينقذني من هذا الواقع إلا عندما  قابلت د. دافيد عطالله الذي أرشدني إلى د. جورج شاهين الاختصاصي في الأمراض السرطانية. أكدا لي معاً أني في حاجة إلى العلاج الكيميائي للقضاء نهائياً على المرض وتجنب عودته. ونصحاني بالخضوع للعلاج لأن هذا أفضل لي. وكان علي اتخاذ القرار بنفسي.

- هل كان سهلاً عليك اتخاذ هذا القرار؟
قررت إجراء العلاج لتجنب المخاطرة أياً كانت النتائج. قلت لنفسي أنها ستكون مرحلة صعبة أمر بها أفضل من أن أعرض حياتي للخطر. اقتنعت بفكرة إجراء العلاج الكيميائي ولم أجد مشكلة في ذلك، بل على العكس بدا لي ذلك ضمانةً لحياتي.

- كيف تقبلت فكرة استئصال ثديك؟
من الطبيعي أن أنزعج من الموضوع كأي امرأة تخضع لهذه التجربة. لكن لم تكن لي مشكلة كبرى في الموضوع وتقبلت الفكرة. وخضعت لعملية ترميم للثدي. لكن أمي شعرت بالإحباط أكثر مني عندما حصل ذلك، كنت أحاول أن أهدئها باستمرار لأنها كانت تركز كثيراً على هذه الفكرة. وكنت أؤكد لها أن هذا ليس الأهم، بل الأهم أن أشفى وأعود إلى حياتي الطبيعية. كانت أمي خائفة جداً وتظهر لي قلقها أحياناً وأسعى باستمرار لطمأنتها.

- لديك طفلتان صغيرتان هل أخبرتهما عن مرضك وكيف تقبلتا الخبر؟
ابنتي الكبرى بسن خمس سنوات أما الصغرى فكانت سنها أقل من سنتين وبالتالي هي لن تفهم حقيقة الأمر ولم تدرك أني مريضة. أما الكبرى فأخبرتها أني مريضة وسأعالج وقلت لها أن كل شيء سيعود كالسابق وانه لن يصيبني مكروه. كنت أحرص على التحدث معهما في كل الأمور المتعلقة بمرضي لأني أعرف أن مشاعرهما مشابهة لمشاعر الكبار.

- ماذا عن تساقط شعرك، إلى أي مدى كانت المسألة صعبة عليك وعلى المحيطين وتحديداً على طفلتيك؟
عندما قررت الخضوع للعلاج الكيميائي، لم أقص شعري لأن عمتي كانت قد خضعت للعلاج ولم يتساقط شعرها. وبالتالي اعتقدت أن شعري لن يتساقط كما حصل معها. لكن شعري تساقط وكان أمراً مزعجاً دون شك. كان شعري يتساقط في الحمام وكانت المسالة صعبة عليّ. كنت أحاول أن أخفي الأمر عن ابنتي فأضع الوشاح طوال الوقت في المنزل وتركت القسم المتبقي من شعري من الأسفل حتى تشعران أن شعري لا يزال موجوداً، لكن سرعان ما رأتا ما حصل بشعري عندما كانتا تدخلان إلى غرفتي ليلاً. لم أعر تساقط شعري أهمية كبرى وتقبلت الأمر دون أن أشعر باليأس، فبالنسبة لي هو لا يشكل الجزء الأهم من العلاج والمرض. حتى أن طفلتي تخطتا الأمر دون مشكلة. كما أخبرتهما أن شعري سينمو أجمل من السابق. وبالفعل، صحيح أني انزعجت في البداية من تساقط شعري، لكني وجدت لاحقاً أن الشعر القصير يليق كثيراً بي وأحببته كما هو الآن.

- هل تتمتعين أصلاً بشخصية قوية قبل إصابتك بالمرض لتواجهيه بهذه القوة والتحدي؟
أنا قوية جداً بطبيعتي، حتى قبل أن أصاب بالمرض. وبقيت كذلك حتى بعد مرضي.

- هل كانت رحلتك طويلة وصعبة مع العلاج؟
خضعت لست جلسات من العلاج الكيميائي إلى جانب جلسات علاج محددة لنوع السرطان الذي أصابني والتي لا زلت اخضع لها حتى الآن. لم تكن جلسات العلاج الكيميائي الست كثيرة وبالتالي لم يتعب جسمي كثيراً. لكن شعرت في الجلستين الأخيرتين أني بدأت أتعب. وأعتقد أنه لو دام العلاج لفترة أطول، لكنت عانيت أكثر وتعبت. لا شك أني كنت منزعجة في هذه المرحلة الجديدة في حياتي. كان كل شيء جديد وأواجه واقعاً صعباً. كنت أذهب إلى جلسات العلاج رغماً عني لكني قمت بنفسي بهذا الاختيار وقررت الخضوع للعلاج حتى النهاية. أنهيت الآن العلاج الكيميائي فيما لا أزال أخضع للعلاج المكمّل الذي حدده الطبيب لحالتي .

- كيف كنت تشجعين نفسك على الاستمرار حتى النهاية؟
طوال الوقت، كنت أقول لنفسي هي مرحلة صعبة أمر بها ويجب تخطيها وسيعود كل شيء كما كان.  ومن الأمور التي ساعدتني كثيراً على تخطي هذه المرحلة، أني كنت أتحدث دائماً عن مرضي وأخبر الكل بالحقيقة. لم أترك أحداً لم أخبره بمرضي لأن ذلك كان يريحني. وأنا أصلاً بطبيعتي لا أترك شيئاً في داخلي، بل أتحدث عن كل ما يزعجني. وأنصح كل امرأة تمر بهذه التجربة أن تتحدث عنها لأن هذا يريحها ويساعدها على تخطي هذه المرحلة الصعبة. أشعر بأن تحدثي عن مرضي علناً ساهم في تحسين نفسيتي حتى تمكنت من تخطي الأمر دون مشكلة.

- هل شعرت باليأس أو الإحباط في مرحلة معينة؟
لم أشعر أبداً باليأس بل كنت شديدة التفاؤل لأني اعرف أني لن أموت وأن مرضي قابل للشفاء وان علاجي لن يدوم طويلاً. وكنت دائماً أعد نفسي بأن أنتهي من العلاج فتعود حياتي مع عائلتي كالسابق. كان الكل يأخذني مثالاً في المستشفى لشدة تفاؤلي وحيويتي. كانوا يقولون باستمرار أني متميزة بتفاؤلي.

- هل تابعت حياتك الطبيعية بشكل عادي؟
كنت أذهب إلى عملي بشكل طبيعي حتى في فترة العلاج. وتابعت حياتي الطبيعية حتى لا أشعر بالإحباط.

- هل كنت تفكرين بتفاصيل حياتك الماضية عندما تشعرين بالضعف؟
لم أفكر يوماً بهذه الأمور لأني لم أكن أشعر بالضعف. لكن في فترة مرضي حصل معي أمر دعاني إلى التفكير بحياتنا. فعندما كنت أضع الشعر المستعار،  كان كل من يراني يقول لي كم أبدو جميلة. ففكرت كم أننا نهتم بالمظاهر دون أن نعرف ما في داخل الأشخاص. فهؤلاء الذي يقولون لي كم أبدو جميلة لا يدركون أني في الواقع مريضة وأني أمر بمرحلة صعبة. حتى أنني كنت في حفلة مرة وقالت لي سيدة إني أبدو جميلة جداً وكانت تحسدني على إطلالتي فيما هي أتت بمظهر غير لائق. فأخبرتها بالحقيقة وقلت لها: «أنت تجهلين ما في داخلي».

- من كان يرافقك إلى جلسات العلاج؟
كنت اذهب دائماً برفقة زوجي وأمي وأختي.

- ماذا عن زوجك كيف قدم لك الدعم في هذه المرحلة الصعبة؟
وقف زوجي إلى جانبي طوال الوقت وكان يرافقني دائماً إلى جلسات العلاج ويشجعني لأبقى متفائلة ولا أتأثر بوضعي. وقد قدم لي الكثير من الدعم المعنوي.

- من كان يهتم بطفلتيك في مرحلة العلاج التي تتغيبين فيها عن منزلك وتعودين مرهقة بسبب مضاعفاته؟
عندي مربية في المنزل تساعدني سواء في الأعمال المنزلية أو في العناية بطفلتي. لكن بشكل عام، كنت أعتني بهما بنفسي وألبي احتياجاتهما ولم أقصّر يوماً تجاههما بالرغم من مرضي. كنت أقوم بكل ما يحتاجانه باستثناء الحمام لأنه كان يتطلب مني مجهوداً إضافياً.

- إذا، لم يشعرا بالفرق في العناية التي كنت تقدمينها لهما قبل المرض؟
في فترة مرضي، شعرت انهما لا يتقبلان أن يعتني بهما أحد غيري بشكل أكبر من السابق. كانتا تصران على أن أهتم بهما ترفضان أحداً آخر. وحاولت ألا أخذلهما أبداً. لم تشعرا بالتغيير إلا في بعض الأحيان التي تلاحظ فيها ابنتي الكبرى أني متعبة ولا أملك النشاط لألعب معها كالسابق نتيجة جلسات العلاج. كانت تطرح الكثير من الأسئلة وأجيب عنها كلّها. علماً أني كنت أخضع لجلسة علاج كل ثلاثة أسابيع.
بدت كريستين إيجابية إلى أقصى حد في حديثها وهذا ما أكدته بالقول إنها حافظت على تفاؤلها منذ أن عرفت بإصابتها بالمرض. فهي لم تترك اليأس يتغلب عليها يوماً. ولا بد من أنها تشكل مثالاً بتفاؤلها وحيويتها، لكل امرأة تمر بالتجربة نفسها.

نصيحة إلى كل امرأة مصابة
لتحافظ على هذا التفاؤل الذي تميّزت به، كريستين التي حرصت على التحدث علناً عن مرضها في كل مناسبة وهذا ما تنصح به كل سيدة تعاني مرضها. كما تنصح كل سيدة بأن تجري الفحص الذاتي للثدي باستمرار لأن البداية تكون سهلة جداً. «أنصح كل امرأة ألا تهمل أي تغيّر في جسمها لأنه قد يكون مؤشراً. كما أنصحها بأن تجري الفحص الذاتي باستمرار، وحتى في وضعية الاستلقاء لأنها قد لا تشعر بدملة معينة، كما حصل في حالتي».
أنهت كريستين العلاج الكيميائي في نهاية شهر أيار/مايو الماضي ولا تزال تخضع لعلاج Herceptin بمعدل جلسة كل ثلاثة أسابيع وهي الآن في مرحلة الشفاء.


نصائح سريعة للفحص الذاتي

  • يمكنك القيام بقسم من الفحص أثناء الاستحمام، خصوصاً أنك تسهلين الأمر على نفسك عندما تقومين بالفحص أثناء نشاطاتك الروتينية. احرصي على تدوين موعد إجراء الفحص.
  • قومي بالفحص الذاتي في الموعد نفسه في كل شهر. علماً أنه يجب إجراءه بعد بضعة أيام من موعد الطمث.
  • بلّغي أي تغيير تلاحظينه إلى طبيبك.