الشوكولا: مالئ الدنيا وشاغل الناس!

إسترخاء, شوكولا أبيض, بدانة, استعادة الحيوية, الكافيين , بيتزا, ممارسة الرياضة, وحدات حرارية, كوليسترول / كولسترول, فريز / فراولة, علم النفس, ضغط الدم, زيادة الوزن, مشتقات الحليب, الحديد, الإرهاق, بسكويت دايجستيف, حلويات, تسوس الأسنان, شجرة الكاكاو,

14 ديسمبر 2010

من أشهر النكهات في العالم وأكثرها إنتشاراً بين الناس... يُجمع العديد على طعمه اللذيذ الذي ينساب في الفم ليولّد المتعة في التذوّق والرغبة إلى المزيد... إنه الشوكولا! نكهة فريدة من نوعها...
تُعدّ الحلويات من أشهى الأطايب التي يمكن للمرء أن يتذوقها، لا بل أن يدمنها. ويدخل الشوكولا في الخلطة «السحرية» في معظم أنواع الحلويات. فهو عنصر أساسيّ في قوالب الحلوى أي الكاتو، ويمكن إستخدامه في نكهات البوظة والمثلجات، كما يُستعمل في إعداد الحلويات المخبوزة والسكاكر... والبعض يستعمله كغموس أو يشربه مع الحليب وسواه.
يميل الناس دوماً إلى النكهات الطيبة لكنهم غالباً ما يخشون العواقب التي يسمعون عنها. بيد أنّ للشوكولا منافع عديدة مقارنة ببضع سيئات يمكن تفاديها اذا عرف المرء كيف يستفيد من الطعم من دون المبالغة والإكثار في تناول هذا المكوّن الفائق اللذة.
إرتبط إسم الشوكولا بعدد من المناسبات الكبرى، فصار الضيف الأوّل في الحفلات، والتذكار الرئيسيّ في الأعراس ورمز الهديّة النابعة من القلب. وعمد التجار والمصنعون إلى إبتكار ما لذ وطاب في الشكل والنكهة ليتماشى الشوكولا مع كلّ المناسبات ويكون حاضراً برموز العيد والفرح.
كبار وصغار غدوا من عشاقه. الكلّ يطالب به كتحلية أو كوجبة صغيرة، لما يولّده من شعور بالراحة والنشاط والطاقة.. وللشوكولا خلطات عديدة، كما يمزج مع مواد متنوّعة، لإرضاء أكبر شريحة من الناس.


شوكولا
يتأتى الشوكولا الذي نعرفه ونسعى إلى تذوقه من ثمرة  شجرة «الكاكاو» الإستوائية. فهو مصنوع من الحبوب المحمّصة والمطحونة والمخمّرة لشجرة الكاكاو المعروفة بإسم تيو بروما كاكاو Theobroma cacao التي تتميّز بطعم مرّ منكّه. تعود تسمية هذه الشجرة إلى القرن السابع عشر! وقد كان الشوكولا مخصّص للعظماء والأثرياء والمحاربين لدى الشعوب القديمة، ظناً منها أنه يمنح الحكمة والحيوية وحتى الخصوبة.
تفسّر  ساندرا الحاج، إختصاصيّة صحة وتغذية، أصل الشوكولا الذي هو كناية عن «مزيج زبدة الكاكاو وبودرة الكاكاو، بنسب مختلفة للحصول على تشكيلة النكهات من مادة الشوكولا. كما قد يضاف الحليب وبعض المنكّهات الإصطناعيّة الأخرى والسكر لتكوين النتيجة النهائية ألا وهي ألواح الشوكولا المختلفة».

أنواع مختلفة
لإرضاء أكبر عدد من الناس، بات التفنن في صنع الشوكولا يحاكي جميع الأذواق والطلبات. فلا يقتصر طعمه على مذاق فريد، بل يتعدّاه ، حسب ساندرا الحاج، إلى عدّة أنواع، وذلك بإختلاف توزيع نسب المكوّنات الأساسيّة فيه:

  • الشوكولا الأسود(Dark): وهو المزيج الصافي للشوكولا وطعمه مرّ ويُستعمل في الطهو. فيه النكهة الأصيلة القويّة، إذ يحتوي على نسبة عالية من البودرة مقابل نسبة ضئيلة من الزبدة. ويعتبر من أخف أنواع الشوكولا من حيث الوحدات الحراريّة.
  • الشوكولا الحلو (Plain): وهو الأكثر شيوعاً والذي يميل معظم الناس إلى شرائه. هو خالٍ من الحليب لكنه محلّى.
  • الشوكولا الأبيض (Milk): وهو عبارة عن شوكولا يحتوي على كمية زبدة أكثر منها بودرة. كما يحتوي على الحليب، لذا يعدّ من أكثر الأنواع التي تحتوي على وحدات حراريّة.

لكن هذه ليست سوى الأصناف الرئيسية للشوكولا، ذلك أنّ هناك أنواعاً خاصة في الأسواق، حسب الحاجة. إذ يمكن أن يشتري المرء الشوكولا الخاص بالريجيم أو الحمية (Diet)، وفيه يُستبدل السكر العادي بمنكهات إصطناعيّة لا تؤذي وتكون نسبة زبدة الكاكاو مخففة بعض الشيء. وهناك ألواح شوكولا خاصة بالمرضى الذين يعانون من داء السكري، وهي تكون ملائمة لهم، وإن إختلفت في النكهة بعض الشيء.


في كلّ مكان

تشير ساندرا الحاج أنّه «بالإمكان أن يلجأ المرء إلى إدخال الشوكولا في نظامه الغذائيّ عبر وسائل عديدة. فصحيح أنّ ألواح الشوكولا بنكهاتها العديدة هي أوّل  ما قد يخطر على بالنا، بيد أنّه من الممكن أن يستعين المرء بها أيضاً في الطهو، لإعداد قوالب حلوى، أو سكاكر بطعم الشوكولا. كما يمكن إذابتها لصنع غطاء للحلوى الأخرى كالكاسترد والبسكويت. ويمكن مزجها مع الفاكهة المجففة كالزبيب أو مع البندق أو الكاراميل. ويمكن أن تكون في المثلجات والبوظة».
والشوكولا لذيذ مهما كانت طريقة تقديمه، إذ من الخلطات الطيبة مثلاً مزج بودرة الشوكولا أو إذابة البعض منه مع الحليب للحصول على شراب الشوكولا اللذيذ. ويمكن أن يكون سائلاً ليُستعمل مع مأكولات أخرى. ويرى البعض أن يستعين به كنوع من الغموس أو الصلصة مع الفراولة أو الجزر أو البطاطا وما شابه... ولا حدود للإستعمالات في المطبخ. فالكثيرون يسعون إلى تجربة وصفات جديدة للمأكولات تتضمن مكوّّن الشوكولا، ليس كتحلية فحسب، بل في الوجبات الأساسيّة كالبيتزا بطعم الشوكولا أو الكرواسان أو الكريب...

حقائق طريفة

أظهرت دراسات حديثة من جامعة هارفرد الأميركية أنّه تبيّن أنّ الشوكولا قد يساهم في إطالة العمر! فقد تبيّن أنّ «مدمني» الشوكولا يعمّرون أكثر من الممتنعين عن تناوله. ومن الصدفة أن يكون العديد من المعمّرين في العالم، الذين تخطّوا عمر المئة من محبّي الشوكولا بشراهة! فالسيدة جاين كالمنت التي توفيت عن عمر يناهز 122 عامأ كانت تتناول نحو كيلوغرام من الشوكولا أسبوعياً إلى أن أصرّ عليها طبيبها أن توقف عادتها هذه في عمر ال119.
وينصح للمعمّرين بتناول الشوكولا المرّ الأسود عوض الأصناف المشبعة بالوحدات الحراريّة. وقد عُرف عن العاشق الشهير في التاريخ كازانوفا حبّه الشديد للشوكولا إذ كان يتناوله بكثرة إبّان مغامراته العاطفيّة!

منافع عديدة
تؤكّد ساندرا الحاج أنّ «للشوكولا فوائد عديدة على المستويين الصحي والنفسيّ». فهو يلعب دوراً مهماً في تهدئة الأعصاب وتغيير المزاج والمحافظة على الهدوء والسكينة، وقد يُستعاض عن الأدوية الخاصة بالأعصاب بكمّيات منتظمة لكن مدروسة من الشوكولا، لما فيه من مواد تساهم في التخفيف من التوتر والقلق كالماغنيزيوم. ويولّد الشوكولا طاقة وحيويّة ونشاط، فيشعر المرء بالراحة والتحفيز والقدرة على متابعة العمل. كما أظهرت دراسات في العام 2006 أنّ الشوكولا يعمل على تخفيف ضغط الدم في الجسم، فيحافظ بالتالي على صحّة القلب والشرايين، كما قد يساهم في محاربة ظهور بعض أنواع الأمراض السرطانيّة.
من الناحية الغذائيّة، يوفر الشوكولا بعض المعادن كالحديد والماغنيزيوم والبوتاسيوم والسكر والوحدات الحراريّة الضروريّة للجسم، ويمكن أن يكون السبيل الوحيد لتناول الفاكهة المجففة أو الحليب للأشخاص الذين لا يحبّون الطعم من دون الشوكولا، فهو يعمل إذن كوسيط لتناول الأغذية الأخرى.
من الإعتقادات الخاطئة أنّ الشوكولا قد يسبّب ظهور البثور وحبّ الشباب. وهذا أمر عارٍ عن الصحة! فلا ترابط فعليّ بين هذين الأمرين. كما أنّ الشوكولا لا يسبّب أوجاع الرأس، فهو يحتوي على مادة الكافيين ولكن بنسب ضئيلة. كما أنّه لا يسبّب أمراض الكوليستيرول أو داء السكري، إذا ما تناوله الشخص بإعتدال.

جانب سلبيّ
مع كلّ ما قد يتبادر إلى الذهن عن منافع الشوكولا، ومهما تشجّع المرء لإستهلاكه نظراً إلى لذته، يجب الأخذ بعين الإعتبار أنّ لكلّ شيء، مهما بلغت درجة طيبته، بعض السلبيّات. فمن المعروف، وحسب ساندرا الحاج، أنّ الشوكولا يحتوي على الزبدة التي هي عامل أساسيّ من عوامل زيادة الوزن والبدانة. فكثرة إستهلاك الشوكولا من الممكن أن تساهم في تكدّس الشحوم في الجسم. كما أنّ إهمال فرك الأسنان بإنتظام والإكثار من مادة الشوكولا قد يسبّب تسوّس الأسنان، خاصة عند الأطفال الذين يكونون أكثر حساسيّة.

بين الناس
يعتاد الطفل أن ينال مكافآت اذا أتمّ ما طلبه منه الأهل على أكمل وجه، أو عندما ينجح في المدرسة. وقد يكون  تناول الشوكولا من الوسائل التي يمكن للمرء أن يطبّقها في هذه الحال. كما يمكن أن يكون تبادل الهدايا بين الحبيبين، كناية عن باقة ورود وعلبة شوكولا. وعندما يزور الناس بعضهم، قد يلجأون إلى تقديم الشوكولا كعربون شكر على الضيافة. ويكون الشوكولا مزيناً حاضراً في شتى المناسبات السعيدة، من حفلات أعراس إلى ولادات إلى نجاح في الشهادات إلى رمز للأعياد المباركة. بإختصار، إنّ التحلية بالشوكولا تكون مفاجأة ينتظرها الجميع على أحرّ من الجمر لتكون خاتمة وليمة شهيّة مثلاً. فهكذا، يكون للشوكولا دور حاسم في المجتمعات، ويصبح عادة لا غنى عنها...

ناحية نفسيّة
يميل الناس إلى التعلّق بمادّة معيّنة للهرب من التعب اليوميّ والإجهاد والإرهاق. وقد يتوجّهون إلى عادات سيئة تضرّ بصحّتهم وإن منحتهم الراحة الموقّتة... بيد أنّ للشوكولا تأثيراً أيضاً على الناحية النفسيّة، ذات وجه إيجابيّ وآخر سلبيّ. تفسّر السيدة ناديا سماحة، إختصاصيّة في علم النفس ّأنّ «الأولاد هم غالباً ما يتعلّقون بالشوكولا. فعلى الأهل ألاّ يمنعوهم عن تناول طعامهم المفضل، بل يجب أن يشرحوا لهم أنّه لا يشكّل وجبة متكاملة، إنما هو بمثابة تحلية
أو «عصرونيّة» صغيرة». كما على المرء أن يتعلّم كيف يفرّقٌ بين أنواع الشوكولا العديدة، ليعرف ما الذي يناسب حالته الصحية.
يمكن أن يكون الشوكولا في معظم الأحيان طريقة فعّالة لينغمس الشخص بعيداً عن متاعبه، فيكون هروباً أو تتوقاً إلى طعم لذيذ يذوب في الفم ليولّد الشعور بالنشاط والحيويّة. إنّ الطاقة التي يحصل عليها المرء من جرّاء تناول الشوكولا، وبخاصة عند الصغار مفيدة جداً، لأنّها تدفع الإنسان إلى الحركة وبالتالي إلى ممارسة الرياضة وإن بطريقة بسيطة.
كما أن للشوكولا المأخوذ من ثمرة الكاكاو دوراً مساعداً في تخفيف وطأة القلق. يعمل الشوكولا على تحفيز مشاعر عديدة، منها الحبّ والرغبة والشغف والشوق وقدرة على الإحتمال وطاقة ونشاط وحيوية وراحة وإسترخاء... إضافة إلى كونه يرفع المعنويّات وبخاصة عند النساء اللواتي يعانين من «يأس» أو تقلّبات في المزاج. ذلك أنّه يحتوي على مواد مثل «سيراتونين» (Seratonin) و«فينيليتيلامين» (Phenylethylamine) وهي كفيلة برفع المعنويات وتحسين المزاج. وهذه المواد موجودة أصلاً في الدماغ البشريّ ويضخّها إلى الجسم عند الشعور بالسعادة أو الحبّ، ما يجعل المرء يسترخي! بيد أنّ للشوكولا أيضاً جانباً نفسيّاً سلبياً، ألا وهو الإدمان المفرط عليه. فقد يصل الحدّ بالبعض إلى إعتباره مادة لا غنى عنها أبداً، فيلتهمونه يومياً ولا يستطيعون السيطرة على نفسهم في إستهلاكه. وهنا يكمن الخطر، إذ يجب الإعتدال في كلّ ما ندخله إلى جسمنا البشريّ.

حاجة ماسّة
قد يرى بعض الأشخاص انهم يحتاجون إلى الشوكولا، مهما كلّف الأمر. لأنّ جسمهم يطلب ذلك، إمّا بسبب التعب والإرهاق والتوتر، وإمّا بسبب الإفرازات الهرمونية عند النساء، وبخاصة في فترة ما قبل الدورة الشهريّة. فلا يجوز حرمان الجسم من هذه المادة المفيدة واللذيذة في آن واحد، بل يجب معرفة إستهلاكها، بما يرضي الرغبة ويشبع الحاجة ويتلاءم مع الحالة. تنصح ساندرا الحاج أن يتوجّه محبو الشوكولا إلى ممارسة الرياضة بعد تناول حلواهم المفضّلة، كسبيل لحرق ما قد تناوله، فلا حاجة بعدها للشعور بالذنب جرّاء تناول كمية معتدلة.
من المهمّ أن يتذكّر الشخص أنّ الشوكولا لا يشكّل وجبة، بل هو تحلية أو يؤكل ما بين وجبتين، كونه لا يؤمّن كلّ العناصر الأساسيّة التي يجب أن يحصل عليها المرء في الحصّة المتكاملة. لذا، مهما تعلّق الفرد بهذه المادة، لا بدّ من تناول الطعام الصحي قبل التوجه إلى الشوكولا الشهيّ...

حبّ مطلق
كلّ شخص يميل إلى نوع من الطعام. وكلّ فرد يتميّز بحاسة تذوّق مختلفة. وكلّ إنسان يفضّل عيّنات من الأكل وأصناف متنوّعة. بيد أن ّ ما يجمع عليه الكثيرون، هو أنّ للشوكولا ميزة خاصة غير موجودة في سواه من المأكولات. فقلائل هم الذين لا يحبّون نكهة الشوكولا أو الذين لا يتناولونه بين الحين والآخر.
إنّ النساء اكثر إستهلاكاً لهذه المادة التي غدت رمزاً لإظهار عاطفة الحبيب أو حتى سبيلاً لإغراق الهموم أو ملاذاً يؤمّن الراحة وإن الآنية...
الشوكولا أو «طعم الآلهة»، يعمل أيضاً على المستوى النفسيّ البحت ليكون مزدوج الفعالية ما بين النفس والجسد. فيا له من إختراع مالئ الدنيا وشاغل الناس!