مضاعفات الجراحة والأخطاء الطبيّة

الخطأ الطبي, إجراءات / تدابير وقائية, عملية جراحية, فحوص طبية, مستشفى, علاج بالأشعة, بكتيريا, آثار العملية, رئتين, أخطاء طبية

10 يناير 2011

 صحّة الإنسان عزيزة عليه ولا يوفّر جهداً في الحفاظ عليها. فيقصد أمهر الإختصاصيين والأطبّاء ليعالج بغية القضاء على الداء في مهده. بيد أنّه في بعض الأحيان، يقتضي الأمر الخضوع لجراحة معيّنة، فيقع المرء في حيرة من أمره لإختيار الطبيب المؤهّل والمستشفى المجهّز والطاقم الطبي الكفوء...
كثيرة هي المشاكل التي قد تحدث إبّان الجراحات. لكن ما يُطمئن هو أنّ الخطوات الوقائية التي تُتخذ، باتت الآن تُضائل نسبة وقوع الحوادث والمضاعفات. يبقى الهدف هو «سلامة المريض أوّلاً». ومع المعايير العالمية المفروضة في نظام الإعتماد الإستشفائي والمراقبة الصارمة من وزارات الصحة، أضحى الجسم الطبي أكثر كفاءة وتمرّساً وجودة.


ما هي أبرز المضاعفات التي قد تحدث خلال العمل الجراحي أو حتى بعده؟ وهل من «أخطاء طبية» أم أنها مجرّد مضاعفات خارجة عن إرادة الجميع؟

يشرح الدكتور فادي سليلاتي الاختصاصي الجراحة العامة وجراحة المنظار والبدانة  والشرج، المضاعفات والمشاكل التي قد تحدث أثناء الجراحة وبعدها. كما يتطرّق إلى بعض الأخطاء الطبية الشائعة. ومن جهتها، تفسّر الممرّضة فيفيان حزوري، إختصاصية تمريض في غرفة العمليات وحائزة Diplôme d'Etudes Supèrieur Bloc Opératoire، المعايير الصحية والإجراءات الوقائية المعتمدة في غرفة العمليات بغية تفادي أي مشكلة لم تكن قط في الحسبان.
صحيح أنّ العمل الجراحي لا يخلو من الأخطار، وأنّ الطبّ لم يتوصّل بعد إلى جعل احتمال المضاعفات ينخفض إلى الصفر، لكن مع التقدّم الحاصل، يُقال أنّ نسبة مضاعفات الجراحات باتت أقلّ من نسبة حوادث السير. من هذا المنطلق، يتّبع الأطباء منهجاً واضحاً يقتضي التحضير المسبق والكامل للعملية الجراحية مهما كان نوعها. إذ يشدّد الإختصاصيون على وجوب إجراء كل فحوص الدم المخبرية قبل العملية، وزيارة طبيب البنج قبل أربع وعشرين ساعة على الأقلّ من موعد الجراحة، وإبلاغ الطاقم الطبي بالتاريخ الصحيّ الكامل وبالحساسية تجاه الأدوية. كما يجب تناول كل الأدوية المطلوبة قبل الخضوع لمبضع الجرّاح، تجنباً للمضاعفات. ويتمّ التشديد على أنّ التوجّهات الحالية في نظام الإعتماد الإستشفائي Accréditation تعتمد أولاً على سلامة المريض.

مشاكل أثناء الجراحة
يقول الدكتور سليلاتي إنّ «ما قد يسوء في غرفة العمليات ويؤدّي إلى مضاعفات هي أولاً مشاكل من جرّاء البنج. إذ من الممكن أن يعاني المرء حساسية تجاه البنج من غير ان يدري، خاصة اذا كان يخضع للجراحة للمرّة الأولى. وهذا الأمر قد يتعقّد إلى درجة حدوث تشنّج في قصبات الهواء، مما يمنع حتى فرصة إعطاء التنفس الصناعي لإسعاف المريض. وهذا الأمر قد يودي بحياته. إلاّ أن مشاكل البنج تضاءلت إلى حدّ الزوال تقريباً، بفضل التطوّر الحاصل والتشديد والتمرّس».
أمّا من حيث المبدأ، فلكلّ جراحة مضاعفات خاصة بها حسب نوعيّتها ومدى خطورتها. يتابع الدكتور سليلاتي: «إحدى المشكلات هي احتمال حصول نزف طارئ أثناء الجراحات الكبيرة، تزداد خطورته اذا لم يتمّ تأمين دم بديل. لذلك، لا بدّ من تأمين دم قبيل العملية عند طلب الجرّاح للتحضّر لكل الإحتمالات». ويمكن أن تتأثر أعضاء مهمّة بالعملية، إذ تكون مجاورة للعضو الذي يتمّ العمل عليه. ويرى سليلاتي أنه «من المهمّ الإنتباه أثناء جراحة الغدّة الدرقية مثلاً منعاً لإصابة عصب وتر الصوت الذي يسبّب التغير في الصوت».
من جهة أخرى، قد تحدث مشكلة في المعدّات او الأدوات المستعملة في الجراحة، كأن تشكو من عيب أو لا يناسب الجسم. أمّا الإلتهابات أثناء العمل الجراحي فشبه نادرة لأنها قد تحدث عموماً بعد العملية وليس خلالها.

مضاعفات بعد الجراحة
بعد إنتهاء العمل الجراحي، قد يظنّ البعض أن الخطر زال 100% وأنه لا جدوى من توخّي الحذر لأنّ الإجراء الطبي قد إكتمل على خير ما يُرام. لكن لا بدّ من التنويه ببعض المشاكل والمضاعفات التي قد تحدث حتى بعد إنتهاء الجراحة.
يفسّر الدكتورسليلاتي: «من الممكن حصول قصور في التنفّس بعد العملية أو إلتهابات في الرئتين مثلاً، وهي كلّها مضاعفات ومشاكل عامة قد تصيب أي شخص. أمّا المشاكل الأخرى، فقد تكون إلتهاب الجرح بحدّ ذاته. وقد يكون بسيطاً ويزول من تلقاء نفسه، أو أشدّ خطورة ويقتضي بإعادة فتح الجرح للعلاج. ومن الممكن حدوث نزف بعد الجراحة لمدة يومين إلى أربعة أيام ريثما يزول هذا الإحتمال. وقد تحدث إلتهابات داخل مكان العملية وأكثر شيوعاً في منطقة البطن، إذ تكون القطب غير دقيقة او تكون ظروف الجراحة صعبة أو حالة طوارئ».
وإذا لم تكن القطب سليمة وصحية، قد تحدث إلتهابات بعد خمسة أو ستة أيام تؤدي إلى Septic Shock وبالتالي تسبّب الموت في بعض الحالات المتقدّمة أو المهملة أو عند المرضى ذوي المناعة المتدنية بسبب أمراض مزمنة أو علاجات دوائية.

أخطاء طبيّة!
لا بدّ من التفرقة ما بين المضاعفات الطبية والمشاكل التي هي فوق قدرة تحكّم الجرّاح والطاقم الطبي والتي لا يمكن توقّعها أحياناً أو الوقاية منها، وما بين الأخطاء الطبية الواضحة نتيجة الجهل أو الإهمال أو قلّة النظافة.
يشدّد الدكتور سليلاتي: على أنّ «الخطأ الطبي الأوّل هو قيام  الجرّاح بعملية ليس مخوّلاً إجراءها أو لا يتقنها أو يُجريها للمرّة الأولى دون إرشاد. كما من الممكن حدوث خطأ ألا وهو نسيان شاشة أو أداة معيّنة داخل بطن المريض. لكن الأهمّ هو حدوث مشكلة مهمّة طبية وإختيار الجرّاح عدم إخبار الأهل والمريض بالموضوع. وهنا تكون مخالفة بالخطّ الحمر العريض، إذ إنّ الخطأ ليس طبياً فحسب، بل هو خطأ أخلاقي وإنساني بحت!». اذا تمّ نسيان قطعة شاش أو أداة داخل جسم المريض، قد تحدث إلتهابات أو قيح وترتفع الحرارة من دون سبب واضح. كما قد تؤدي بعض الأدوات الحادّة إلى أذية الأمعاء او الكبد وغيرها من الأعضاء الحساسة. لذلك لا بدّ من توخّي الحذر. لكن ما يُطمئن هو تمرّس الطاقم الطبّيّ والإجراءات الوقائية التي تتخذ قبل العملية وأثناءها وحتى بعدها.

إجراءات وقائية
تفسّر الممرّضة حزوري أنّ «الإجراءات الوقائية والتدابير الخاصة المتّخذة قبل العملية وخلالها، من شأنها أن تقلّل كثيراً نسبة حدوث الحوادث. إذ تتمّ قبل كلّ جراحة عملية عدّ كل المعدات الطبية التي سوف تُستعمل، من الشاشة إلى الإبرة إلى المبضع إلى الخيطان، ويتمّ تسجيل أوّل وثانٍ وثالث للأمر قبل توقيعه. ثمّ عند البدء بالشق، يُكرّر الأمر للتأكّد ممّا يستعمله الجرّاح. وبعد الإنتهاء من الجراحة قبل إقفال الجرح، تُعاد الكرّة، وبعد إقفال الجرح أيضاً».
وتترك الورقة الخاصة بالعدّ في الملّف الطبي الخاص بالمريض، إضافة إلى ورقة أخرى تُسجّل عليها كل الProthesis المستعملة أو الإعضاء الصناعية وسواها. وتوضع بطاقة تعرّف عن كلّ أداة، والشركة التابعة لها وقياسها ودواعي إستخدامها.
كما تضيف الممرّضة حزوري أنه «يتمّ تعقيم كلّ الأدوات المستعملة، وتوضع البطاقة أيضاً داخل الملف الطبي، وتحتوي على مدّة صلاحية الأداة وتاريخ التعقيم وتاريخ الإنتهاء». ويكون عمل الممرّضات المختصات داخل الطاقم الطبي، هو تسجيل كلّ ما يحدث أثناء تخدير المريض وإجراء الجراحة، من نوعية الأدوية المستعملة والبنج وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ «غرفة العمليات تكون أوّلاً نظيفة إلى أقصى الحدود، وثانياً معقّمة، ذلك أنه تتمّ الإستعانة برذاذ معقّم إضافة إلى وجود ماكنة تعقيم خاصة تدخل موادها إلى أصعب الزوايا لتطهّرها. كما لا يجوز الدخول وإلى الغرفة والخروج منها اثناء الجراحة. وتكون الحيطان والأرضية مضادة للبكتيريا. وحتى الدهان وتصميم الغرفة والمواد التي فيها والبنى التحتية تخضع لمعايير خاصة لحماية المريض من الجراثيم». وطبعاً كلّ الأثواب والقفازات والكمّامات معقّمة.

حلول سريعة
تقول الممرَضة حزوري أنه «قد يحدث مثلاً أن تضيع إبرة أثناء الجراحة. فتبدأ هنا عملية حصر أضرار، عبر إعادة عدّ الأدوات، ثمّ البحث عنها مدققاً. واذا لم توجد، تتم الإستعانة بالتصوير X-Ray الذي يُظهر كلّ التفاصيل مباشرة على شاشة، ولا فترة إنتظار مطلوبة». تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ أداة مستعملة في غرفة العلمية هي X-Ray، بمعنى أنها تظهر على الأشعة، من الخيط إلى الشاشة إلى المبضع...

أشخاص أكثر عُرضة
يقول الدكتور سليلاتي إنّ «الجراحات على اختلافها لا تخلو من الخطر وإن بنسب ضئيلة للغاية. لكن الإشخاص الأكثر عُرضة للمضاعفات هم ذوو المناعة المتدنية والكبار في السن، إضافة إلى الرّضع. كما أنّ نسبة خطورة العملية تؤخذ أيضاً في الحسبان. وحسب معايير عالمية ASA, American Society of Anesthesia، يتمّ تصنيف كلّ مريض في أيّ درجة خطر. وذلك إستناداً إلى الأمراض المرافقة والحالة الصحية الأساسية والمناعة وسواها.

نصيحة من ذهب !
يشدّد الدكتور سليلاتي على «وجوب الإستماع إلى إرشادات الجرّاح والقيام بكل الفحوص المطلوبة ومصارحة الطبيب بالتاريخ الصحيّ الكامل وبإختيار مستشفى أو عيادة مؤهّلة لناحية الجراحة المطلوبة. كما على المريض التقيّد بكل إرشادات الطبيب وإن كانت شفهيّة، وتطبيق كلّ التعليمات لضمان عدم حصول مضاعفات لا تُحمد عقباها».
تختم الممرّضة حزوري أنّ «نظام الإعتماد الإستشفائي العالميّ المعتمد في لبنان والمراقبة المتشدّدة من وزارة الصحة، تُلزم الجميع بإتباع معايير عالية وStandard Protocol لتأمين سلامة المريض أولاً. ويتمّ العمل على تأمين الجودة والنوعية للإستشفاء. وبات لبنان من أفضل البلدان في تأمين سلامة المريض والتقليل من نسبة الخطر والخطأ الطبي، وهو متميّز بالجودة العالية والمهارات الطبية التي يُشهد لها».