منال فيصل الهجاري الشريف: السوشيال ميديا هي المارد الذي يحرّك العالم

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 06 يناير 2018

جريئة، مقدامة، ولا تخشى في الحق لومة لائم. تضع النقاط على الحروف، وتستعيد أنفاسها بهدوء مهما صعب عليها الأمر فتعيد تشكيله من جديد لتكسب الجولة وتثبت الحقيقة. تزيّنها أخلاقها، وتشدّ الآخرين بهدوئها، حتى لمع نجمها في سماء الإعلام السعودي فتنقلت على مدى ربع قرن بين الإعلام المرئي والمكتوب، وحققت نجاحات باهرة في أكبر الصحف السعودية، ولم تكتف بذلك، بل جاءت السوشيال ميديا لتكمل مشوارها الطويل. مديرة تحرير جريدة «البلاد» ومجلة «اقرأ» السيدة منال الشريف التقتها «لها» في مكتبها وحاورتها عن مراحل حياتها المختلفة وكيف اخترقتها السوشيال ميديا وأثّرت فيها.


- بعد تلك الرحلة الطويلة، كيف تلقيت نبأ تعيينك مديراً للتحرير في صحيفة «البلاد» بعدما كان المنصب حكراً على الرجال؟
تلقيت الخبر بعد خروجي من مؤسسة «عكاظ» وترشيد الإنفاق في المؤسسات الإعلامية، والاستغناء عن الكوادر في كل المجالات. بعدما فقدت الأمل بمتابعة المسير في طريق سلكته لأكثر من عشرين عاماً، اتصل بي عبدالحفيظ داري مدير عام مؤسسة «البلاد»، مؤكداً أنه سيستخدم في تطوير المؤسسة السوشيال ميديا والـ«ب دي أف» والفيديو كرسالة صحافية جديدة لم تعتد عليها المؤسسات الإعلامية في السعودية ولا حتى في العالم العربي، فاعتقدت أنها نكتة أو مجرد مزاح.

- ما الذي دفع بالمؤسسات الإعلامية الى ترشيد الإنفاق، والاستغناء عن الكوادر؟
بسبب تراجع الإقبال على الإعلان ورواج السوشيال ميديا، فقدت صاحبة الجلالة، وخصوصاً الصحافة الورقية رونقها وشبابها، وهي اليوم في مرحلة الكهولة والعجز.

- إذا كانت الصحافة الورقية قد وصلت الى سنّ الكهولة، ما الذي ستفعلينه في صحيفة «البلاد»؟
حين حضرت الى المؤسسة ورأيت بأم العين أن هناك تطوراً لم يُعلن عنه بعد، أيقنت أنه ستكون هناك انطلاقة كبيرة للصحافة مغايرة للتي اعتاد عليها المتلقي، وسيرى الضيف حواره على فيديو، ومكتوباً في الجريدة، ومنشوراً على السوشيال ميديا والمواقع الالكترونية في قالب جديد متعدد الألوان والأشكال.

- هل تؤيدين السوشيال ميديا بكل مفاصلها؟
شئنا أم أبينا، السوشيال ميديا اليوم هي المارد، وهي الأخطبوط الذي يحرّك العالم، لأنها سحبت البساط من تحت أقدام الصحافة التقليدية، ويجب أن نعترف بأن السوشيال ميديا ستقضي على الصحافة التقليدية.

- من رئاسة قسم نسائي في صحيفة «عكاظ» إلى إدارة تحرير في صحيفة «البلاد»... أليست هذه نقلة نوعية؟
بالفعل، هي نقلة نوعية ومميزة، لكنها مهمة ليست سهلة لأنني لم أوضع في مكان المسؤولية، والذي يُعدّ وضعاً مختلفاً حيث أوليت المرأة السعودية الثقة. ثمة يقين بأن المرأة السعودية قادمة بقوة، ويقين آخر يتمثل برؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان 2030 لمزيد من تمكين المرأة، لأن البلاد تسير بخطى ثابتة، وسيحدث تغيير في الكوادر، وكذلك في المادة المقدّمة للمتلقي.

- هل فوجئت بانتقالك إلى صحيفة «البلاد»؟
لقد فوجئت كثيراً، لأن الجميع كان يتساءل: هل الصحيفة لا تزال موجودة الى يومنا هذا؟ وهل هي بالمستوى المطلوب؟ مع العلم أن «البلاد» كانت الصحيفة الأولى والوحيدة في المملكة التي نشرت أول حوار مع مؤسّس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز (طيّب الله ثراه)، لكن بريقها خفت بعد تراجع قدراتها المادية.

- ماذا وجدت هناك؟
وجدت الوضع مختلفاً تماماً. هناك تقنيات حديثة ومواكبة للتطور، وأعتقد أن في إمكاننا أن نقدم شيئاً مميزاً للمتلقي، لذا وافقت وعُيّنت على الفور.

- هل ستجرين حوارات جديدة؟
ما زلت في طور ترتيب البيت الصحافي من الداخل، ولم أُباشر بعملي الصحافي بعد.  

- ما الذي تبحثين عنه في الإعلام بعد أن رست سفينتك في «البلاد»؟
السنوات التي أمضيتها في الإعلام جعلتني أحلم كثيراً. لكن ما أحلم به قد يتحقق، أو ربما لا يتحقق وسط الهيمنة الذكورية. ورغم ذلك أنا متفائلة كثيراً بأن المرأة سيكون لها مكانها، عاجلاً أو آجلاً.

- ذكرت سابقاً أن صاحبة الجلالة فقدت بريقها، فهل سنحيي العظام وهي رميم في «البلاد»؟
أنا متفائلة كثيراً بالتقنية الحديثة. عندما ننجز موضوعاً وننشره على السوشيال ميديا، فالمتلقي سيتلقفه سريعاً. لكن حين يُنشر في الصحافة الورقية فلن يعلم به إلا عدد قليل، لأن الناس اليوم باتوا لا يقرأون بعدما أصبحنا في عصر الفيديو والصورة التي تلخّص الحدث.

- بمقارنة بسيطة مع الغرب، نجد صاحبة الجلالة ما زالت تتربع على عرشها بسردها الطويل!
الغربيون يقرأون الكتب الثقافية والفنية والاقتصادية، ونحن غارقون في كتب الطبخ وتفسير الأحلام. لذلك نسعى من خلال السوشيال ميديا لأن تستعيد صاحبة الجلالة هيمنتها، ونحلم بأن نحقق شيئاً على أرض الواقع من خلال الحوار والتحقيق المصوّرين، وهذا أمر جديد لم يفكر فيه أحد.

- لكن العالم العربي يشكو من أزمة ثقافة.
بالفعل نحن نعاني أزمة ثقافة، مع العلم أن إحصاءات  معارض الكتاب في العالم العربي تؤكد عكس ذلك، فالبعض يشتري الكتب المتنوعة، لكن هل يقرأها؟ وهل يعي ما يقرأ؟ وهل يطبّق ما يقرأ؟ هنا تكمن المفارقة العجيبة، والتي أحدثت فجوة كبيرة بيننا وبين الغرب.

- قابلت عدداً من الشخصيات السياسية والاقتصادية، المحلية والدولية، لكن من كان أهمها؟
في رأيي، الصادق المهدي وزير خارجية السودان السابق، الذي تحدث عن وحدة الصف ولمّ شمل الأمة، كان من أهم الشخصيات التي أثّرت في نفسي، فهو رجل عربي وقومي يشعر بآلام العالم الإسلامي والعربي.
والشخصية الثانية التي تركت أثراً بالغاً في نفسي، هي الملكة رانيا، لأنها تحاول قدر الإمكان مد يد العون لكل طفل عربي.

- تنقلت بين عدد من الصحف والمجلات، لكن ما أصعب مرحلة في حياتك؟
أصعب مرحلة في حياتي حين كنت مديرة القسم النسائي في جريدة «عكاظ» والتقيت نماذج لنساء بعيدات كل البعد عن العمل الصحافي ويعتمدن على العلاقات العامة وكأن العمل مدرسة... يأتين في الصباح ويخرجن بعض الظهر ويغلقن هواتفهن، فرأيت وجوهاً جديدة لم أرها أبداً في الميدان الصحافي للأسف؟

- حين ظهر «تويتر»، قلت إنه سيعلّمنا الاختزال الصحافي، ماذا تقصدين بقولك هذا؟
السرد اليوم فاشل بكل المقاييس، والصحافي المخضرم الذي يسرد، يستطيع أن يضغط معلومته في كبسولة صغيرة ليجعلها فيتامين، ومهارته تكمن في جعل المتلقي يفهم ما بين السطور باحترافية عالية مع الصورة التي تكشف عن ماهية الحدث، مما يدفع المتلقي للبحث عن تلك الشخصية في السوشيال ميديا وكأنها شفرة أو «كود» ليعرف كل شيء.

- كم بلغ عدد متابعيك على «تويتر»؟
لي أكثر من أربعين ألف متابع، وأفتخر بهم جميعاً.

- هل حققت حضوراً قوياً على السوشيال ميديا؟
حققت تفاعلاً كبيراً، وكسبت الكثير من الأصدقاء الذين أعتبرهم تاجاً على رأسي. وإذا تعرضت لمضايقات من البعض، أمسحهم بكبسة واحدة «بلوك».

- أهم عبارة كتبتها وحققت تفاعلاً قوياً؟
«محرومة من الكتابة لأنني لا أنتمي الى شلّة رئيس التحرير»... فكان لهذه العبارة وقع الصاعقة على المجتمع السعودي، والكل يسأل عن الخاص حين تم تحويلي من قسم التحرير إلى قسم التسويق الذي بقيت فيه خمس سنوات ونصف السنة، وكان هذا ظلماً بالنسبة إليّ، لكنني تجاوزت المرحلة وبقيتُ منال الصحافية ومدير تحرير في مؤسسة «البلاد»، والتي تقدّم المزيد من العطاء.

- هل كنت تخططين لذاك الحضور القوي؟
لم أخطط له أبداً، وإنما حصل بالمتابعة. كتبت خلجات النفس، ونقلت ما يعجبني، فأنا أعشق الشعر والخواطر والأخبار المميزة... لا أحب الجدال السفسطائي، وأعشق السلام.

- هل حققت على السوشيال ميديا ما لم تحققيه في الصحافة المكتوبة؟
لو لم يكن لي حضور قوي في الصحافة المكتوبة، لما عرفتني السوشيال ميديا.

- هل تعتبرين أن المرأة على «سناب» تسليع لها؟
المشكلة ليست عندي، وكل ما يهمني هو رأي المتلقي فيّ، وعلى سبيل المثال، الحوار الذي تجريه مجلة «لها» معي، فهي تحاورني كمدير تحرير في صحيفة «البلاد» وتصوّرني، وربما يفهم المتلقي ذلك بأنني أروّج لنفسي، وهنا تكمن المشكلة في الفهم، ففي الترويج للمنتجات الكل يبحث عن الجمال أولاً، لذا يجب أن يتسلّح المتلقي بالفهم، ويتمتع بالأخلاق الحميدة والعلم، ليرى الأمور على حقيقتها.

- إذاً، البعض يحتاج الى فهم ثقافة جديدة من السوشيال ميديا.
الناس أعداء لما يجهلون، ولما ألفته أسماعهم وأعينهم، وما علينا إلا تثقيف المتلقي.

- قابلت العالِمة السعودية غادة المطيري، ما الذي لمسته في تلك المقابلة؟
حدّثتُ غادة المطيري هاتفياً، ذلك بعدما طلبت مني والدتها التي كنت قد تعرفت إليها في النادي الرياضي، أن أُجري حواراً مع ابنتها، التي تفتخر بها بسبب حصولها على أكثر من عشر براءات اختراع أميركية ودولية، منها اثنتان مرخّصتان للصناعات الدوائية.

- بعد زياراتك المتعددة الى دول العالم، ما أوجه الاختلاف بين المرأة السعودية ونساء العالم؟
الفارق في ما بيننا أننا نعلم خباياهن ونستوعبهن، وهنّ لا يعلمن أي شيء عن نسائنا، وهذا يعود الى الإعلام.

- هل تعتبرين أن الإعلام العربي عامةً والسعودي خاصةً مقصّر في إبراز دور المرأة العربية؟
إعلامنا يتلقف أي شيء عنهن ويحصل في مجتمعهن، لكنّ إعلامهم هو المقصّر ولا يهتم بنا، وسبق أن قلتُ للسفير الأميركي في الرياض إن إعلامكم لا يعرف عنا شيئاً، فأنتم المقصرّون وليس نحن.

- أنتِ صحافية جريئة ولا تخشين في الحق لومة لائم، هل كان لذلك تأثير في عملك؟
برز التأثير الكبير في الخبطات الصحافية في عناوين الصفحة الأولى، لكن هذه الجرأة لا يتقبّلها الرجل، وربما يتقبّلها حين يرى امرأة صلبة تمهّد الطريق لمثيلاتها، امرأة رافعة لواء الإعلام النزيه الحضاري الذي يترجم فكر المرأة ووعيها في المجتمع السعودي...
فالذكورة لا تحتمل المرأة القوية التي تفرض رأيها في المطبخ الصحافي، بل تريدها تابعاً لها بغض النظر عن الحرفية والمهنية.

- هل دفعتِ ثمن جرأتك؟
مُنعت من الكتابة بعد كل سنوات الخبرة الطويلة والحرفية، وعملي في مجال التسويق كان أكبر دليل على هذه الجرأة، ومكوثي في البيت لمدة دليل واضح على أن هناك مشكلة بيني وبين الذكور.

- ماذا عن هاجس الإعلام لديك؟
أطلق عليه أحد الأساتذة في مصر «فايروس الإعلام»، وأنا أصابني «فايروس» الصحافة والإعلام.

- ما هو طموحك؟
أريد أن أعمل لأنقل كل ما ترصده عيني في الشارع والبيت بصدقية عالية، وأصرخ صرخة ألم وأمل وفرح جميل. 

- بعد تلك الرحلة الطويلة في الإعلام، ألم تفكري في عمل يخصّك وحدك؟
الكل يسألني عن هذا الأمر، لكنني لم أفكر فيه بعد. قد لا أجيد التجارة ولم أُخلق لها، لذا أحب العمل في مؤسسة إعلامية وتطويرها.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟
أتمنى أن أدخل أي وزارة في المملكة وأجد المرأة السعودية أمامي فاعلة وقوية وجديرة بالكرسي الذي تجلس عليه.