الكابتن سوسن القحطاني في حكاية غوص الأعماق

عزيزة نوفل (جدة ) 20 يناير 2018

حورية البحار، هكذا لقّبت نفسها منذ بداية مشوارها الذي بدأ عام 2006، في هواية لاطمتها أمواج المغامرة والمخاطرة، طافية بهاعلى سطح تملأه فقاعات من الأحلام والأماني، راسية على فكرة دمجت ما بين الهواية والعمل، لتستثمر سنوات تدريبها وخبرتها في مجال قد لا تكون الأولى أو الأخيرة فيه، إلا أنها تميّزت بكونها السيدة الأولى في السعودية، التي تحمل رتبة كبيرة مدربين معتمدة دولياً من «منظمة بادي» للتدريب على الغوص، والتي أهّلتها لتصل إلى عمق 140 قدماً تحت سطح البحر في الغوص الترفيهي، إضافة إلى حصولها على شهادات أخرى في الغوص التقني. الكابتن سوسن القحطاني تحكي حكاية إدمانها الغوص وشغفها في فتح مجال التدريب للعائلات والسيدات وحتى الأطفال في المملكة.


كوني امرأة لم يشكّل عائقاً أمام شغفي بهذه الهواية

- قبل ما يزيد عن عشرة أعوام مضت، كانت هواية الغوص في المملكة هواية ذكورية غالباً، كيف كسرتِ هذا الحاجز لدخول هذا المجال؟
البداية في هذا المجال كانت شرارة من دون أي مقدمات أو تخطيط، ووجدت أن شغفي وحبي لهوايتي وتدريبي على السباحة سارت بي إلى أبعد وأعمق من حدود بركة السباحة. وبعد تشجيع بسيط من إحدى قريباتي، وجدت نفسي بعد جولات غوص في البحر، أعشق هذه الهواية، لأفكر وقتها بجدية في الخضوع لدورات أهّلتني للحرفية والحصول على لقب «كبيرة مدربين» في الغوص، وكان رد فعل الناس إيجابياً، وقد نلت الكثير من التشجيع على المضي في هذا المجال، سواء من عائلتي أو أصدقائي وزملائي، ولم أشعر يوماً بأن كوني امرأة سيشكل عقبة أمام طموحاتي، بل على العكس تمكنت من إتاحة الفرصة للسيدات للتدرّب والتمتع بهذه الهواية.

- ما المراحل والمستويات التي يتدرّج فيها المتدرب على الغوص؟
مستويات تعلم الغوص تبدأ من مستوى الغواص المبتدئ، والذي يشتمل على دورات نظرية وغطس عملي ابتداءً من بركة السباحة وصولاً إلى البحر المفتوح بعمق لا يتجاوز 60 قدماً، من ثم يأتي المستوى الثاني وهو مستوى الغواص المتقدم، والذي بعده من الممكن أن يتخصّص المتدرّب في مجال من خمسة مجالات من الغوص، مثل غوص الملاحة والغوص الليلي، وهذا المستوى يتيح للمتدرب الوصول إلى عمق 100 قدم، في حين يتمكن من تجاوز هذا العمق إلى حد 130 قدماً لو تخصص في مجال الأعماق، يأتي بعد ذلك مستوى الغواص المنقذ، ويليه مستوى كبير الغواصين. هذه هي المستويات بالنسبة إلى الغوص الترفيهي، وتأتي بعدها مستويات أخرى في الغوص التقني التي تتدرّج من مرشد غوص إلى مساعد مدرب، ومن ثم مدرّب لتصل إلى مستوى مدرّب مدرّبين كأعلى مستوى. ورغم حصولي على شهادات في الغوص التقني، فإن تدريبي على الغوص مختصّ فقط بالغوص الترفيهيّ والحرّ.


كوابيس القروش كانت تلاحقني في بداياتي

- للبحر ومخلوقاته العجيبة والمفترسة رهبة، ألم تصابي بالهلع والخوف في بداياتك؟ وما أنواع الأسماك الشرسة التي قابلتها خلال رحلاتك في الغوص؟
لا أنكر أنني في بداياتي، كنت أشعر بالخوف من الأسماك المفترسة التي كنت أصادفها أثناء الغوص، الى درجة أنها كانت تأتيني في منامي على شكل كوابيس، لكن مع الوقت اكتشفت أنها على رغم شكلها المخيف غير مؤذية أبداً، حتى أنني أصبحت في رحلاتي التي أقوم بها مع  زملائي الغواصين المحترفين، أبحث عن الأماكن التي توجد فيها هذه القروش لأستمتع بمشاهدتها عن كثب، فطالما لم يكن معي صيد أو دم، فلا يمكن أن تتعرّض لي أو تؤذيني، المهمّ هو عدم الإفراط في الحركة أو مهاجمتها والالتزام بالهدوء. وخلال رحلاتي قابلت أنواعاً عدة من القروش وأسماك «الباركودا» والكثير غيرها، وتأمل هذه المخلوقات يمنحني الشعور بعظمة الخالق وإبداعه، فالغوص بالنسبة إليّ إدمان يمدّني بالقوة والراحة النفسية أكثر من كونه مجرد مهنة وتدريب.

- في عملك بمجال التدريب على الغوص الترفيهي، من هم أكثر المقبلين على هذه الهواية؟ وهل هناك موانع أو شروط؟
رغبة التدرب على الغوص ليست مقتصرة على جنس أو فئة أو حتى سنّ معينة، فهناك تزايد مستمر في عدد الفتيات وحتى العائلات التي تود تمضية وقت ممتع في التدرب على الغوص في عطلة نهاية الأسبوع، وتأمّل أعماق البحر وما فيه من أحياء وشعاب مرجانية ومناظر خلابة، وسط رحلة بحرية أنظمها أنا وفريقي مع توفير كل المعدّات اللازمة، والتي أحرص فيها على الالتزام بقوانين السلامة والأمان المفروضة علينا من منظمة الغوص كمدربين، فلا يمكن تدريب الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن العشر سنوات كحد أدنى، مع ضرورة وجود أوليائهم أثناء التدريب. كذلك لا بد من التأكد من عدم وجود مانع صحي لأي شخص يود التدرب على الغوص كإجرائه عمليات جراحية أو إصابته بأمراض مثل الضغط أو القلب.


حوادث وفيّات الغوص غالبيتها بسبب التحديات المتهورة

- «البحر غدار»، جملة كثيراً ما تُردّد على مسامعنا... حوادث وفيّات الغوص ما أسبابها في رأيك؟
بصفتي مدربة، أرى أن إجراءات السلامة واتباع قواعد الغوص وقوانينه، تطيح أي فرصة لحدوث مكروه، فغالبية حوادث الوفيات بالغوص عالمياً يعود سببها إلى عدم الالتزام بالقوانين، والتحديّات المتهورة، فالغوص مثل قيادة السيارة تماماً، فكلما أخذ الشخص في الاعتبار إجراءات الأمان والسلامة، والتزم القوانين المرورية وحدود السرعة، قلّل من فرص الحوادث، التي تعود أسبابها في الدرجة الأولى إلى تجاوز الغوّاصين العمق المسموح به أو العمق الذي تدربوا عليه كنوع من التحدي والمغامرة، أو عدم أخذ الاحتياطات اللازمة مثل التأكد من عدّادات الهواء، وتعبئة أنابيب الأوكسجين من أماكن موثوقة، كما أن عدم التقيد بأوامر المدرّب من ناحية الرجوع التدريجي عند انتصاف عدّاد الهواء، أو الغوص في شكل فرديّ من دون زميل أو مرافق، يعد مجازفة، ومخاطرة لا تُحمد عقباها، وقد تسبب وفيات أو تشنجات وشللاً في الأطراف.


في هذا العام حقّقنا حلمنا كمدربات لقيادة رحلات نسائية

- منذ بداية عملك في مجال التدريب حتى الآن، ما التغيرات التي حصلت على كل الصعد في المجتمع، بدءاً بإجراءات السلامة وصولاً إلى الرقابة عليكم، وهل هناك أي تعقيدات تواجهنها كمدربات غوص في المملكة؟
بالنسبة إلى المجتمع، أصبح أكثر تقبّلاً لمهنتنا ونشاطاتنا وهواياتنا في مجال الغوص الترفيهي. ومما لا شك فيه، تطورت بعض إجراءات السلامة التي تفرضها علينا منظمة الغوص بهدف الحصول على مستوى عالٍ من الأمان، إذ أضافت مهارات أكثر بالنسبة إلى مستويات غوص المبتدئين، وشددت على أهمية توفير بعض المعدّات لضمان سلامة المتدربين، ويتم متابعة نشاط مدربي الغوص من جهات رسمية مثل منظمة الغوص السعودي، لضمان التزام المدربين والمتدربين بالقواعد والأنظمة، كما أنه خلال هذه السنة أصبحنا كمدرّبي الغوص تحت راية الاتحاد السعودي للرياضات البحرية، بعد أن كنا تابعين لوزارة الزراعة سابقاً. في شكل عام، اختفت معظم التعقيدات والعثرات، وتحديداً بعد منحنا كمدربات غوص سعوديات فرصة قيادة رحلة بحرية نسائية من دون محرم. قرار جاء بعد مطالبات عدة من المدرّبات، والذي تم السماح به أخيراً ليفتح المجال في شكل أكبر للنساء الراغبات في تعلم الغوص بخصوصية وراحة ومن دون تعقيدات.

- ما النشاطات التطوعية التي تقومون بها وتجدون فيها دعماً وتغطيات إعلامية؟
أنا وزملائي من مدربي ومدرّبات الغوص، نقوم بحملات دورية تطوعية في مجال تنظيف الشاطئ، كل شهر أو شهرين، في محاولةً منا لتوعية المجتمع والحفاظ على الشواطئ، وهناك جهات داعمة تلفت النظر إلى مجهوداتنا، وتعطينا دفعاً للمتابعة والاستمرار، وأحاول في رحلاتي للغوص مواكبة المناسبات والقرارات في المملكة، من خلال التقاط صور تذكارية في عمق البحر، غمرتني بالفرح والسعادة في أكثر من محفل، كان أهمها اليوم الوطني السعودي، ومبايعة الملك سلمان حفظه الله، وأخيراً دعم قرار قيادة المرأة السعودية السيارة في المملكة، كلفتة جريئة أقدّمها إلى الوطن في هذه المناسبات السعيدة.

- لا تزال هناك مستويات أعلى في مجال الغوص التقني، إلى أين تطمحين في الوصول في مجال التدرّب، وهل هناك خطط مستقبلية على صعيد التدريب؟
منذ بداياتي وأنا أطمح للوصول إلى رتبة مدرّب مدرّبين في الغوص، ولا يزال هذا الطموح موجوداً، لكنه في حاجة إلى سفر وتكاليف لا يمكنني الالتزام بها في الوقت الحالي، لكن النية موجودة، كما أتمنى أن أتمكن من إنشاء مركز للتدريب النسائي في مجال الغوص، وإلى أن يحين الوقت أنا مستمرة في ممارسة عملي وهوايتي في الغوص.