سفيرة الأزياء التراثية الحجازية ريم عُسيْلان: أغارُ على حضارتنا الحجازية من إحداثياتِ الزمن الحاضر

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 18 فبراير 2018

فنانة من طراز رفيع، تنبش في أخاديد الآباء والأجداد لتوثِّق ما زرعوه في ماضٍ مجيد ليبقى مشرقاً في حاضر تليد، يبعث الأمل في نفوس الأجيال لتتناقله بعشق، ويظل عبقه يملأ الزمان والمكان. ريم عُسيْلان سفيرة الأزياء الحجازية التراثية، اهتمت بالتفاصيل الدقيقة لكل مرحلة، ودخلت بجمالياتها وأكسسواراتها، وما كان معهوداً عند المرأة الحجازية من أناقة جذابة تتلاعب بها الألوان وتتداخل بين طياتها التصاميم التي تدل على إرث تاريخي عميق بعمق الحضارة الحجازية المتّسمة بالحشمة والثراء. «لها» الساعية الى الجمال دائماً، التقت ريم عُسيْلان لترصد جماليات تلك التصاميم.


- من أين ينبع عشقك للأزياء الحجازية؟
أعشق الزمن الجميل، وأغار على ثقافتنا من إحداثيات الزمن الحاضر، وأتمنى أن أكون سفيرة للأزياء الحجازية.

-  ما الذي قادك إلى تلك الملابس؟
الحنين إلى الماضي الجميل، عشتُ في تفاصيله طفولة سعيدة، مليئة بالحب والمحبّة والحنان. كان جدّي لأبي رحمه الله يحمل في صدره قلباً كبيراً نقياً حنوناً. صورته لم تفارق مخيلتي، وكان يقطن في الأماكن القديمة بين حارة السلطانية وباب المجيد في المدينة المنورة، مما جعلني أذوب عشقاً بتلك البيوت القديمة وأشمُّ رائحتها العطِرة، وبقيت مرتبطة بتلك الحقبة الزمنية رغم انتقالي إلى مدينة جدّة، إثر زواجي وأنا في السادسة عشرة من عمري.

- ألم ينسكِ الزواج تلك الطفولة البريئة الحالمة بالحارات القديمة؟
وهل يستطيع النهر تحويل مجراه؟ لم أستمتع بطفولتي التي عشتها بكل جوارحي مع حنان ومحبّة «آنّا» جدّتي لأبي... هكذا كنا نناديها باللهجة التركية. رغم قدومي إلى جدّة، حيث وجدت نفسي وحيدة في ذاك الزمان الخالي من الهواتف الأرضية وشاشات التلفزة إلاّ من قناتين منفردتين. لكن الحلم القديم تمدّد في داخلي إلى أن بدأ يكبُر مع أولادي رغم انقطاعي عن العالم، والحنين سكن خلايا جسدي، والروحانية سافرتْ بي إلى المدينة المنورة، فتفتَّقت مواهبي عن عطر تراثي أصيل حرّكته الرغبة الذاتية في الإبداع.

- تفردت نساء الحجاز بإتقان الخياطة، هل أنت واحدة منهن؟
اعتمدت الحجازيات على أنفسهن حين ركّزن بثقافتهن على التعامل مع الأزياء التراثية، كنتيجة حتمية لتوارثها من الأمهات والجدّات، وأنا أتقنتها من والدتي منذ كنت طفلة، وبقيتْ راسخة في ذاكرتي لتحثَّني على البدء بمشروعي الذي يعيدني إلى ماضٍ مجيد وحاضرٍ تليد، حيث كانت هديتي في الابتدائية ماكينة خياطة جميلة «Brother»، لأن الخياطة سمة مميزة عند المرأة الحجازية تتوارثها من الجدّات، وكل العائلة تجيد الخياطة، وما زالت تلك الماكينة في حوزتي. 

- ما أهم ما يميز الملابس الحجازية؟
جمعتْ الملابس الحجازية ثقافات عدة، وامتلكتْ ثراءً، نظراً إلى بعض القطع المطرَّزة بالذهب واللؤلؤ الأصلي، والتي يُطلق عليها «ميداليون»، أو المطرّزة بالألماس ويُطلق عليها «فَلَمَنك». لذا يجب أن تكون ملابس العروس مكتظة بالذهب والألماس فتعكس بريقاً أخّاذاً، مع تميزها بالحشمة، نظراً الى قطع الفستان المتعددة فوق بعضها البعض والطويلة، كما وتتصف بالذوق الرفيع ومتانة الحياكة، وجمال الألوان وتناسقها وبهاء طلّتها، والتي تُحاك يدوياً مع جودة التطريز والتزيين واختيار أجود أنواع الأقمشة المرصّعة ببعض الحجارة والذهب والفضة والحرير.

- لا يزال التصميم القديم موجوداً، هل غيّرت فيه شيئاً؟
إن تغيَّر التصميم لا يعود فستاناً حجازياً، وإذا وقعت عيني في بعض المعارض على أخطاء في تلك الملابس الحجازية، أُصحح الخطأ وأُحدد مكامن التغيير. لكن في العصر الحديث استطعت التغيير في اللون بناءً على رغبة العروس ليبقى قلب التصميم محافظاً على هويته من الاندثار.

- إلى أي حقبة تعود تلك الملابس؟
بحكم تعدد الحضارات التي تعاقبت على الحجاز، تعود تلك الملابس إلى آلاف السنين ما قبل الرسالة المحمدية، حيث كانت هناك رحلة الشتاء والصيف، فتنقل إليها كل شيء عبر اليمن والشام حين تحطّ الرحال في المدينة المنورة. وبعد ذلك بُنيت محطة الحجاز، والتي كان يُطلق عليها قديماً «الاستسيون»، وما زالت شاهدة على العصر في المدينة المنورة، لأن خط الحجاز ينطلق من المدنية المنورة إلى الشام وصولاً الى تركيا، ومن ثم العودة بالثقافات إلى المدينة المنورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تأتي الأقمشة من الشام، أما «الأويا» التي توضع على أطراف غطاء الرأس فتأتي من تركيا، والسروال والسديري من الهند.

- هذا يعني أن كل بلد حمل ثقافته إلى الحجاز؟
نظراً الى تعاقب مواسم الحج، حمل الحجّاج إلى المدينة المنورة الثقافتين الشامية والتركية، حتى دخلت مفردات الكلام إلى المجتمع المدني، وما زالت آثارها بادية إلى اليوم، بينما حمل الحجّاج إلى مكة المكرّمة الثقافة الجاوية، وفي جدّة كان الميناء يستقطب الثقافتين الهندية والمصرية من خلال التُّجار والبحّارة.

- ما هي أنواع الملابس الحجازية؟
هناك أنواع عدّة بين ملابس أفراح وأعراس وملابس يومية تقليدية، منها المديني وسلطانة المجلس، وصدر المحل، والزبون، والمنثور، ودرفة الباب المجيدي، لكن المشترك بين معظمها هو الكرتة والمحرمة والمدورة والسروال والسديري.

- بمَ يتميّز اللباس المديني؟
يتميز بالتاج الذي يكلّل رأس العروس، وهو يُحشى بالورد والفل المجفّف، وتوضع قطعة على الصدر تكون ممتلئة باللؤلؤ والذهب والألماس، ويتدلى من الرأس إلى الرقبة طوق من الفل يُطلق عليه «الحدارج والمدارج»، وهو عبارة عن ضفيرتين من الفضة، ويزيّن يد العروس سوار الثعبان من الألماس، بينما يطوّق كاحلها خلخال من الذهب.

- ما لون الفستان المديني؟
بدأ بلون وردي فاتح جداً، ومع الزمن أخذ لون الفوشيا، يُلبس يوم الفرح صباحاً ويُطلق عليه «قيْلة الحناء»، أو تلبسه العروس في الليلة التي تسبق زفّة الفستان الأبيض.

- بمَ يختلف عن الفستان المكّي؟
الألوان هي نفسها، لكن أهل مكة يضعون طوقاً طويلاً يسمّى «الحدارج»، مؤلفاً من التفاح الصغير والهيل والقرنفل، أما «المدارج» فهو عبارة عن كتلتين من اللؤلؤ.

- لماذا يُطلق على بعض الملابس الحجازية درفة الباب المجيدي؟
هذا الاسم مأخوذ من نقشة باب المجيدي في المدينة المنورة، تلك الأبواب القديمة، وكانت تلبسه العروس عادةً في أول دعوة بعد الفرح.

- من أين تأتين بالقماش؟
بعض الأقمشة أطرّزها هنا، وأستورد البعض الآخر من الهند والكويت، وأصمّم بعض الأقمشة وأرسلها لتعود إليّ كما أريد، وكانت الملابس الحجازية تتميز بـ«الزري»، وهو عبارة عن خيط ذهبي مطاطي، أو «الكنتيل»، وهو كناية عن «شريط مطاطي» باهظ الثمن.

- ماذا تلبس العروس في «الصباحية»؟
تلبس الزبون وله أنواع عدة: «المنتور» الذي يتصف بالشغل المنثور الخفيف، «المكمم» الذي يتميز بتطريز أكمامه بكثافة، و«المشبّر» الذي يكون الشغل فيه شبراً شبراً... وهي تُزيَّن بكل الذهب والمجوهرات التي قدمّها العريس.

- لماذا سُمّي بعض الأثواب بـ»المنصوص»؟
في اعتقادي، لكونه ناقصاً عن المديني وأخفّ منه، ويختلف عنه، وليس فيه «حدارج» ولا «مدارج»، ويكون شعر العروس ظاهراً نوعاً ما، أو سُمّي «منصوص» لأن العروس تجلس على المنصّة، وتلبسه العروس في الشمال، أي الأقرب إلى تبوك، وما يميز تلك المدن الكبيرة ارتداء العروس الذهب واللؤلؤ لكونها أقرب إلى الساحل، أما المدن الصغيرة فتكتفي فيها العروس بالذهب.

- هل تختلف ملابس بدو المدينة عن ملابس بدو مكة؟
ملابس بدو المدينة المنورة بعضها شفاف ليظهر السروال والسديري وفوقه شيلة سوداء طويلة مثل العباءة والمحرمة المدورة، كما أنهم يكتفون بالذهب. أما ملابس بدو مكة المكرّمة فتشبه ثوب الزبون، وتحته فستان مزموم بطراز فلاّحي مع الذهب فقط.

- هل تهتمين بأدق تفاصيل الثوب الحجازي، وهل ثمة من يقتني الثوب اليوم؟
هناك عودة الى ارتداء تلك الملابس التراثية في الأفراح بعد انقطاع طويل عنها في المدينة المنورة، لكن تكلفتها المادية عالية جداً، وكل ما أقوم به هو الاجتهاد للتركيز على أدق التفاصيل حتى لا تخرج التصاميم الحجازية مشوّهة وخالية من الروح التراثية القديمة.

- هل هناك من يعمل على توثيق تلك الملابس؟
إلى حد ما، لكنهم أقليات، وأتمنى أن توثّق بدراسة صحيحة مئة في المئة.

- إلامَ تطمحين؟
ما زلت طالبة مبتدئة في مدرسة التراث الحجازي، وأعمل جاهدة للوصول الى العالمية من خلال التراث الحجازي، كما وأسعى الى دراسة كل منطقة على حدة، عاداتها وتقاليدها والفرح بكل تفاصيله، وعادات أهل الفرح وتقاليدهم.

- قبل العالمية، ألم تصلي الى الجنادرية؟
الجنادرية حلمي وأتمنى أن يتحقق بعمل خط حجازي كامل. وحلم حياتي أن ترتدي سيدة من تصاميمي التراثية في تلك التظاهرة الثقافية.

- الى من تتوجهين في رسالتك؟
الى المهتمين بالتراث الحجازي، وأدعوهم الى عقد لقاء ثقافي تنتج منه مشاركة حقيقية يراها العالم، من خلال معارض المملكة الثقافية في الخارج، نظراً الى توجه الحكومة الرشيدة للحفاظ على جدّة التاريخية وترميمها وإقامة المعارض فيها.

- ما أهم ما يميز المدينة المنورة؟
وجود الحرم النبوي الشريف يمنح المدينة المنورة روحانية رائعة وهادئة تُميّز أهلها بالطيبة والترابط الاجتماعي.

- كلمة أخيرة؟
أوجّهها إلى المرأة السعودية، وأقول لها: «مثّلي منطقتك بثقافة حضارية مدروسة من دون تشويه لمعالمها، واعرفي كل شيء عن مدينتك».