معرض «المشترك... العرب وأوروبا» على هامش مؤتمر مواجهة التطرّف بمكتبة الإسكندرية

طارق الطاهر (القاهرة) 03 مارس 2018

عقدت مكتبة الإسكندرية على مدار ثلاثة أيام، مؤتمرها السنوي الرابع لمواجهة التطرف، في حضور ما يزيد عن أربعمائة مثقف وباحث وأكاديمي وإعلامي، تحت شعار «الفن والأدب في مواجهة التطرف». وعلى هامش المؤتمر، افتتح الدكتور مصطفى الفقي، مدير المكتبة، ولويس رابوزو، رئيس المنظمة الأوروبية للمتاحف، معرض «المشترك... العرب وأوروبا»، استمر حتى 10 شباط فبراير، وهدف إلى البحث عن المشترك عبر العصور بين العرب وأوروبا، هذا المشترك الذي بدأ منذ عصور مبكرة عندما اتخذ الفن الهلينسيتي من شجرة الحياة رمزاً قوياً يعبر عنها، حيث يقدم المعرض نموذجاً لشجرة الحياة من حضارة بلاد الرافدين، ويؤكد أن انتشار الإغريق في مصر سبق دخول الإسكندر الأكبر، كما يعرض «المشترك» نماذج من العصر الآشوري، وكذلك طبقاً من الخزف صُنع في قبرص في أواسط القرن.


وأشار الدكتور خالد عزب، رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف، إلى أن متحف المتروبوليتان والمتحف البريطاني وكنيسة بردي في فلورنسا ومتحف تاريخ الفن في فيينا ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، قدمت العديد من القطع للعرض في هذا المعرض، مضيفاً: «تعد هذه أول بادرة تعاون بين مكتبة الإسكندرية والمتاحف الأوروبية لبناء جسور من التفاهم بين العرب وأوروبا عبر الفن».

على جانب آخر، قدم متحف المخطوطات في مكتبة الإسكندرية مجموعة من مقتنياته للمعرض، وصرح الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي في مكتبة الإسكندرية، أن المتحف يقتني مجموعة من المخطوطات النادرة، ويضم أيضاً مخطوطة كتاب الحشائش لديسكوريدس، التي ترجمت من اللاتينية الى العربية، كما يحتوي على مجموعة من المطبوعات التي تكشف التبادل الثقافي بين العرب وأوروبا، ومنها قاموس إيطالي عربي طبع في مطبعة بولاق، والذي يعرض للمرة الأولى أمام الجمهور في هذا المعرض.

وعبّر الدكتور مصطفى الفقي عن سعادته بإقامة المعرض، الذي يختص بكل ما يتصل بالإبداع والتميز، ويعكس فنوناً وجنسيات متعددة، مؤكداً أنه في مثابة تعبير صحيح عن مكتبة الإسكندرية التي عُرفت منذ بدايتها بالعمل على نشر التسامح والسلام، ليس في محيطها العربي فقط لكن في العالم أجمع. وأوضح: «ستخصص مكتبة الإسكندرية عام 2018، ليكون عاماً لمواجهة التطرف، من خلال اتباع أسلوب متجدد لا يعتمد على تنظيم المحاضرات والندوات فقط، بل استهداف الأطفال من مختلف محافظات جمهورية مصر العربية، حيث ستقوم المكتبة بإحضارهم لتمضية يوم كامل فيها، مما سيكون له عظيم الأثر عليهم».

وأشار الفقي الى أن مؤتمر التطرف يأتي في وقته تماماً، حيث يموج العالم بتيارات الفكر المظلم والمتطرف، التي ينبغي علينا أن نواجهها معاً، معرباً عن سعادته لوجود هذا الجمع الهائل من الحضور. وشدّد على أن المكتبة ستوجّه طاقاتها خلال العام الحالي نحو الشباب والفئات العمرية الأصغر، وستعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية بهدف تنظيم زيارات مكثفة وبرامج خاصة لهم في المكتبة، بهدف تقديم برنامج ثقافي مدروس فكرياً وتنويرياً، يواجه آفة التطرف، ويعمل على نشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر في المجتمع، وأضاف: «أهدت محافظة القاهرة مكتبة الإسكندرية قصراً في حلوان، سيتم تحويلة إلى متحف للأديان في التاريخ المصري، بداية من الحضارة الفرعونية، مروراً باليونانية والرومانية والتراث اليهودي والحقبة القبطية، وصولًا الى التراث الإسلامي، ليكون في مثابة انعكاس للوجه الحقيقي لمصر والروح الحقيقية للتسامح والتعايش».

وفي كلمته، أكد الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أن مدينة الإسكندرية هي موطن الاستنارة ومنبع التسامح، ففيها ظهرت مجلة «الفتاة»، وجريدة «الأهرام»، ومجلة «الجامعة» التي ظهر فيها مفهوم التسامح للمرة الأولى على يد فرح أنطون، وظلت الإسكندرية موطن الكثير من الأعمال الأدبية التي رسخت قيم التسامح وقبول الآخر. وشدد على أن هذا «الخلل» المسمى بالإرهاب عمره قصير، والجرائم التي يرتكبها تؤكد روح التحدي لدى المصريين، كما أن الكتاب والأدباء كانوا أول من تصدوا له. وأضاف: «جئنا لنتحدى قوة شديدة تصادر حق الحياة، بأن نؤكد المعاني العظيمة للإنسانية».

وقدّم الدكتور محمد الرميحي، عالم الاجتماع والمفكر الكويتي، بعض الأفكار التشخيصية للوضع القائم، لتتم مناقشتها في جلسات المؤتمر، وقال: «إن العالم في القرن الحادي والعشرين بالغ التعقيد، استطاع المتطرفون فيه تحقيق أهدافهم، إما بالسلاح أو بالأفكار التي تمثل خطراً أكبر، كما أن العولمة تبشرنا باحتمالات متزايدة من الأخطار التي ستؤدي الى فوضى عارمة لو تم تجاهلها». وأكد الرميحي وجود مجموعة من التساؤلات التي تنبغي مناقشتها، ومنها: «ماذا يستطيع أن يقدم الأدب والفن في مواجهة خطر التطرف؟ ما هو نوع هذا الفن وما موضوعه؟ ما هي الرسالة التي ينبغي أن يقدمها؟ وكيف يجب أن تكون العلاقة بين الأدب المحلي والعالمي؟».

في اليوم الثاني، أقيمت ندوات عدة، من أبرزها ندوة تحت عنوان «الثقافة والتقدم في العالم العربي»، والتي أدارها الدكتور جابر عصفور، وتحدث فيها كل من يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، والمفكر والأديب العراقي نجم والي، والدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، والمفكر المغربي عبدالسلام الطويل، والدكتورة دانيال الحويك المحامية اللبنانية والناشطة الحقوقية.

استهل شقرة حديثه بأن الإعداد للثقافة يجب أن يبدأ من تكوين النشء وتربيته على مكارم الأخلاق، فهذه المرتكزات هي الأساس في بناء الثقافة والمنطلق لبناء الدولة ككل، مستطرداً: «إذا عدنا إلى العصر العباسي على سبيل المثال، لوجدنا الاهتمام بالتربية والثقافة، حيث كان الإنتاج الفكري يوزن بالذهب، وهذا بالطبع أعطانا أمة راسخة ثقافياً». وأضاف شقرة أن الجدلية بين الثقافة والتقدم تشير إلى أن كلاً منهما يصنع الآخر ويكمله، بخاصة في المجتمعات المتقدمة.

وأشار الدكتور نجم والي إلى ثلاثة أنواع من الثقافة، وهي: ثقافة الغنيمة وثقافة الكذب وثقافة العنف، حيث تأتي ثقافة الغنيمة من عدم إخلاص المثقفين لأنفسهم وتلوُّنهم الدائم مع الأنظمة السياسية المختلفة، أما ثقافة الكذب فتأتي من ازدواجية المثقفين تجاه قضايا معينة، مثل المجتمعات الذكورية التي تدافع عن حقوق المرأة، بينما تنبع ثقافة العنف من استخدام بعض الأنظمة السياسية لغة الإرهاب نفسها عند معالجة قضايا التطرف. وأكد والي أن السلام هو موقف إنساني وسلوك ثقافي، وأن المثقفين يجب أن يحافظوا على إنسانيتهم وأن يعترفوا بالسلام، فالانتصار على الإرهاب والتطرف سيكون بالحوار.

بينما تحدثت الدكتورة نيفين مسعد عن الإرادة السياسية وعلاقة التأثير المتبادل بين الثقافة والتقدم من خلال المشروعات التنويرية عبر التاريخ المصري الطويل، والتي كانت لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فمحمد علي باشا هو مؤسس الدولة الحديثة، وكان شديد الاهتمام بإيفاد المصريين الى الخارج لتعلّم الحرف والصناعات وإعادتها الى الداخل، وكذلك الاهتمام بحركة الترجمة والانفتاح على الثقافات الخارجية، مما أدى إلى الاهتمام بالمنتج الثقافي. لكنها أشارت إلى تراجع الحركة الثقافية في مصر في الوقت الراهن، مؤكدة أن الدولة والمجتمع قادران على التغيير، من خلال التعليم والثقافة، فهما الرافعتان الأساسيتان لنهضة أي دولة.

أما الدكتور عبدالسلام الطويل، فأكد فرضيتين أساسيتين: الأولى، أن العنف والتطرف والإرهاب والتشدد هي كلها نتيجة مباشرة لفشل مشروع الثقافة، والثانية أن مظاهر العنف والتطرف هي نتيجة لفشل مشروعات الإصلاح والتجديد على مدار عقود ما بعد الاستقلال. وأشار إلى أن ظاهرة انفجار العنف هي مؤشر الى الخلل الذي أصاب النظام الثقافي داخل المجتمعات، وأنه كلما زادت القدرة على السيطرة وتوجيه العنف ازدادت قيمة الثقافة وأثرها لدى أفراد المجتمع، وتراجعت مظاهر العصبية والنفاق والضغينة، وتعززت فكرة التسامح والتقدم.

بينما أكدت الدكتورة دانيال الحويك في الختام، أن تقدم المجتمعات لا يأتي إلا بإعطاء المرأة حقوقها كاملة، كشريك أساسي وفاعل في المجتمع.