برامج موضة

المصمّمة العالمية ريم عكرا: لو كنتُ مصمّماً رجلاً لحقّقت نجاحاً أكبر بجهد أقل!

فاديا فهد 02 مارس 2018

تطلّ ريم عكرا، المصمّمة الأميركية من أصل لبناني، في مقابلة خاصّة مع «لها»، مع انطلاق برنامجها الشهير «فاشن ستار» بموسمه الثالث على شاشتَي Dubai TV  و Dubai One، لتتحدّث عن فصول من حياتها المهنيّة والشخصيّة وتفضيلاتها وأحلامها الذهبيّة وسرّ نجاحها الكبير في مدينة نيويورك، عاصمة الأزياء الجاهزة... كلّ لقاء مع ريم هو إضافة للقارئ كما للصحافيّ الذي ينهل من خبراتها المهنيّة وفلسفتها الحياتية والإنسانية العميقة. قد يكون أجدّ ما في لقائها هذا، خبر زواجها من جرّاح التجميل الأميركي- اللبناني الشهير نيكولا طبّال، أما أجرأ ما قالته فهو اعترافها بالتمييز الذي يلحق بالمرأة المصمّمة في عالم الموضة. هنا نصّ الحوار.


- تعودين الى بيروت، الى الجذور، الى الذكريات... ماذا حفظت من بيروت في قلبك وعقلك؟
بيروت بالنسبة إليّ هي أمّ الدنيا. علّمتني كل شيء، وأكثر ما تعلّمته من بيروت، هو عدم الاستسلام: عندما يُقفل باب في وجهك، لا بدّ من أن يُفتح آخر. لا شيء يمكن أن يوقف مسيرة امرئ شرط ألاّ يستسلم، كذلك علّمتني بيروت حبّ الحياة رغم الحرب والقتل والموت والدمار. الحياة ثمينة ورائعة، وعلينا أن نتمسّك بها حتى آخر رمق.

- ماذا أخذتِ عن هذه المدينة، وكيف شكّلتك؟
أخذت عن بيروت القوّة والقدرة على الاستمرار رغم المصاعب والمشاكل التي قد تواجهني. كلبنانية، أسير قُدماً ولا أخشى شيئاً! والأهمّ، لا أستسلم...

- ماذا عن مدينة نيويورك التي تعشقين؟ ماذا علّمتك؟
نيويورك من أجمل مدن العالم وأكثرها حيويّة وتقدّماً، علّمتني الكثير، وأهمّ ما علّمتني إياه هو اقتناص الفرص. إنها مدينة الفرص المتتالية، مدينة لا تهدأ، وهو ما يجعل ساكنيها في حركة دائمة ومتعبة. لا شيء يأتي بالسهل في نيويورك. سكنتُ نيويورك قبل 34 عاماً، وقد اعتدت هذه المدينة وعشقتها من كل قلبي، لكنها أتعبتني كثيراً في الوقت نفسه.

- تردّدين دائماً أن الخريف فصل يشبهك، ألأنه فصل الحنين تحبّينه، أم لألوانه الذهبية المتوهّجة، والذهبي هو اللون المفضّل لديك؟
أحبّ الخريف لأنه فصل فيه الكثير من الدفء، وأعشق ألوانه الذهبية وتدرّجات الأصفر والبرتقالي والأخضر الأكثر عمقاً فيه. أنا مصمّمة عُرفت بقوّتها في مزج الألوان وتدرّجاتها بأسلوب متداخل وطبيعي فيشعر المرء كما لو كان أمام لوحة فنيّة رائعة، أو عصفور ملوّن الريش. الخريف بألوانه المتمازجة مصدر وحي لا ينتهي بالنسبة إليّ.

- هل استطاعت ريم أن تحقّق كلّ أحلامها الذهبية؟ إلامَ تتطلّعين في هذه المرحلة من حياتك مهنياً وشخصياً؟
أحلامي كثيرة، لذا أقول إنني لم أستطع تحقيق كل أحلامي، بل جزءاً منها. وهذا ما يدفعني لمواصلة مسيرتي وتحقيق المزيد من الأحلام التي تراودني. الحلم هو المحرّك، وأجدني أستنبط الأحلام باستمرار، كي أُكمل المسيرة بشغف وحب.

- تقولين إنك دفعت حياتك ثمناً لنجاحك، بمعنى أنك ضحّيت بحياتك الشخصية في سبيل نجاحك المهني...
صحيح، النجاح ثمنه غالٍ جداً، وقد تأخرت في بلورة حياة شخصية لي بسبب انهماكي في تحقيق ذاتي مهنياً. اليوم أُعلن أنني تزوجتُ من جراح تجميل أميركي من جذور لبنانية مشهور جداً، هو نيكولا طبّال. وأرى في زواجي المتأخّر هذا عبرة لنساء كثيرات انهمكن في تحقيق ذواتهن، وأهملن حياتهن الشخصية، إذ لا بدّ من أن يلتقين بنصفهنّ الآخر، ولو بعد حين. أنا سعيدة لأنني وجدتُ نصفي الآخر الذي يشبهني في أسلوب تفكيري ونظرتي للمرأة والحياة والنجاح والجمال، وأعيش سعادة كبيرة إلى جانبه.

- ألف مبروك... أليس هناك من نجاح بلا ثمن؟
لا نجاح من دون ثمن. النجاح هو نتيجة عمل يوميّ دؤوب ومثابرة دائمة وحلم يحدّد أهدافنا المستقبلية. لكن الحياة تكافئنا على تفانينا في الوقت المناسب، وتُهدينا السعادة التي نستحقّ.

- أنتِ امرأة عصامية صنعتِ نفسك بنفسك، هل ثمة ما تندمين عليه في مسيرتك الطويلة؟
لا أندم على أي شيء في مسيرتي المهنية الطويلة، فالأخطاء هي دروس نتعلّم منها كي نحسّن أداءنا، ولولاها لما أتقنّا عملنا.

- ما الذي صنع أسلوب ريم عكرا ونجاحها في عالم الموضة؟
ليس هناك من خلطة سريّة للنجاح، ولا أسرار يمكن أن أكشفها قائلةً إنها أسباب نجاحي. ما قمتُ به هو تطوير موهبة منحني إياها الله كي تصبح نجاحاً كبيراً. لقد وهب الله كلاً منّا مواهب عدّة يجب أن يطوّرها ويعمل عليها كي يحقّق نجاحه الخاص، ويعرف ما يستطيع أن يبدع به.

- التطريزات والمشغولات هي سرّ كلّ فستان من فساتين ريم عكرا. ما حكاية كلّ تطريز من الرسم الى التطبيق؟ هل تشرفين بعد على كلّ الرسوم والتفاصيل؟ وهل تملكين الوقت لذلك؟
أحرص على الإشراف على كل رسم وتفصيل في مجموعتي، وأضع من روح ريم عكرا في كل قطعة وتطريز. ولو لم أكن كذلك لسمحتُ بتوسيع الدار لتصبح علامة تجارية استهلاكية. لكنني أحرص فعلاً على الطابع الحرفي الخاص والراقي الذي تتميّز به تصاميم ريم عكرا، والذي صنعَ بصمتي في عالم الموضة.

- تعيرين كلّ الاهتمام لفساتين الأعراس ومنها كانت انطلاقتك ونجاحك الأول... تُحيكين للفتيات فساتين زفاف تحاكي أحلامهنّ. هل هذه موهبة بالفطرة أم اكتسبتها مع الوقت والعمل عن كثب مع العرائس؟
إنها مزيج من الموهبة والخبرة في آن واحد. بالنسبة إليّ، فستان العرس ليس فستاناً أبيض مع الكثير من التول. لقد نجحت في إعطاء كل فستان عرس شخصية معيّنة. عندما أصمّم فستان عرس، أفكر في شخصية الفتاة التي سترتديه وأدخل أحلامها وأتخيّل حفل الزفاف الذي ستُقيمه بأدقّ تفاصيله، وأتوقّع هويات المدعوّين وأناقتهم وأذواقهم... وإن لم تكن العروس معي لتخبرني بكل هذه التفاصيل. أتخيّلها وأتخيّل ما تحلم به وأصمّم لها كما لو كانت موجودة معي. أحرص في كل فستان على أن أُبرز جمال المرأة وشخصيتها ودورها المهمّ في مجتمعها. أريد لمن ترتدي فساتيني ليس فقط أن تكون جميلة وأنيقة، بل مكتملة الأنوثة.

- تحبّين أن تقدّمي نفسك كامرأة واقعية، تجيد الإدارة والإبداع معاً. لكن من يرى فساتينك، يجدها تفيض أحلاماً... أليس في ذلك تناقض وتنكّر للمرأة الحالمة فيك؟
أنا امرأة واقعية وحالمة في الوقت نفسه، لأن الحلم هو الاستمرارية والأمل. الأحلام تعطي بعداً خاصاً لكل ما نقوم به في حياتنا اليومية. نستمدّ من الحلم قوة كي نكمل طريقنا ونحقّق أهدافنا. لكن الحلم وحده من دون خطوات عملية، أو تخطيط جيّد لا يمكن أن يُبصر النور. لذا فإنّ التوازن بين الحلم والواقع مطلوب لتحقيق النجاح الكبير.

- ما الأسهل: تقديم فساتين مترفة، أم فساتين راقية حسب الطلب؟
أعشق تصميم أزياء راقية حسب الطلب، لأنه المجال الذي أُبدع فيه أكثر. تصميم الأزياء الجاهزة أصعب بكثير من تصميم فستان لشخص محدّد، لأن الفستان الجاهز الذي أصمّمه عليه أن يحاكي نساء بشخصيات متنوّعة، وجنسيات وثقافات متعدّدة، ومقاييس جمال وأعمار مختلفة. النجاح في هذا المجال معقّد وفي غاية الصعوبة، خصوصاً في ما يتعلق بفساتين الأعراس. وهو ما أطلقته قبل عشرين عاماً في نيويورك من مجموعات فساتين أعراس جاهزة، واستطعت خلاله أن أغيّر مفهوم فستان العرس الجاهز ونظرة العروس إليه. وقد مهّد الطريق لمصمّمين آخرين لتحقيق نجاحات في هذا المجال.

- تعرضين في نيويورك، فهل تُغنيك عن باريس عاصمة الموضة؟
أحياناً يراودني السؤال: ماذا لو وقع خياري من البداية على باريس للانطلاق منها؟ هل كنت لأحقّق نجاحاً مختلفاً؟ ما الذي كان قد تغيّر في مسيرتي المهنية؟ لكنني سرعان ما أعود عن أسئلتي تلك، لأن المرء لا يستطيع العيش في احتمالات الماضي. لقد اخترت نيويورك عن قناعة، خصوصاً أنني أقرب إلى الثقافة الأميركية مني إلى الأوروبية. ونيويورك مدينة جذابة برّاقة لا تستطيعين أن تقاوميها. عندما اخترت نيويورك لم تكن عاصمة يقصدها المصمّمون لدراسة الأزياء، لكنني راهنتُ على الطابع العملي الذي تتميّز به، وآمنت بها كمدينة عصريّة للموضة والحداثة، وحقّقت نجاحي الكبير فيها. لا أخفي عليكِ أنني اليوم أجد أن أسلوبي الشخصي في التصاميم الحالمة والتطريزات الدقيقة والحرفية العالية يتماشى أكثر مع ما تقدّمه باريس عاصمة الموضة الراقية. لكنني لا أندم على خياري الأول: نيويورك.


التمييز ضد المرأة

- هل في مهنة تصميم الأزياء تمييز ضد المرأة المصمّمة؟
سؤال مهم ورائع وفي محله. لو طرحتِ عليّ هذا السؤال قبل عشرين عاماً، لكنت قد جاوبتُ: لا تمييز على الإطلاق في مهنة تصميم الأزياء! وأحمد الله أنني لم أكن أؤمن بأن هناك تمييزاً في هذه المهنة، وإلا لأُحبِطتُ وما كنت حقّقت نجاحي الكبير هذا. اليوم، إجابتي عن سؤالك هذا تختلف تماماً عنها قبل عشرين عاماً. أجدني أعترفُ وبكلّ ثقة أن المرأة في مجال التصميم تواجه مصاعب أكبر بكثير من الرجل المصمّم. ما تقدّمه هذه المهنة للرجل المصمّم من تسهيلات واعترافات سريعة بموهتبه، لا يشمل المرأة المصمّمة. كذلك فإن نظرة المجتمع للمرأة التي تدير مؤسّستها وعملها بنفسها، لا تشبه أبداً نظرته إلى الرجل في مجال الأعمال. على سبيل المثال لا الحصر، لو علّقتُ في ما يختصّ بمهنتي، لن يؤخذ على محمل الجدّ كما لو كان صادراً عن رجل مصمّم. هذه المهنة تقدّر الرجال الذين يخوضون غمارها، حتى لو كانت موهبتهم متوسّطة، أكثر من النساء المصمّمات ذوات المواهب الخارقة. ليس من السهل أن أدلي بهذا التصريح الخطير، لو لم أكن متأكدة من تداعيات هذا التمييز على مسيرة كلٍ منا نحن النساء المصمّمات.

- هل وجدتِ صعوبات ما كانت لتواجهك لو كنتُ رجلاً مصمّماً؟
طبعاً وجدتُ صعوبات ما كانت لتواجهني لو كنت رجلاً مصمّماً، لكنني لم أستسلم لها ولم أتوقّف عندها ولم أتركها تتغلّب عليّ. تابعتُ مسيرتي بعزيمة وإصرار على النجاح، ولم أدع شيئاً يؤثر في تقدّمي واستمراريتي. لكنني أُعلن اليوم من هذا المنبر أن البيئة المهنيّة لا تعطي المرأة الفرص نفسها التي تعطيها للرجل في مجال تصميم الأزياء ومجالات عملية أخرى.

- هل مهنة تصميم الأزياء وفيّة، أم ذاكرتها ضعيفة وتحتاج الى تغذيتها بشكل دائم؟
هذه المهنة ذاكرتها ضعيفة جداً جداً، وعليك أن تغذّيها باستمرار. على المصمّم أن يسير قُدماً، ولا يتوقّف أبداً، لأن التوقّف يعني التراجع والعودة إلى الوراء. الأمر يشبه صعود السلالم: يجب أن تواصلي الصعود دائماً، ولا تتأخّري أو تتباطئي أو تتوقفي في مسيرتك التصاعدية. صعود هذه السلالم لا يترك لك سوى خيارين لا ثالث لهما: مواصلة التسلّق صعوداً، أو العودة أدراجك.

- أين هي ريم المرأة من المصمّمة؟
ريم المرأة هي شخصية حالمة ورومانسية، أما ريم المصمّمة فهي شخصية عمليّة وحيويّة وتجيد فهم الشقّ التجاري من عالم الموضة. والتوازن بين هذين التناقضين هو ما صنع ريم عكرا اليوم.

- هل تخافين من العمر؟
لا أخاف العمر، لا بل أجد فيه خبرة أكتسبها. أحب ريم اليوم أكثر مما أحببتُها قبل عشرين عاماً. أقدّر ما حقّقته مع السنوات والمرأة التي صرتُها بعدما صقلتني الأيام والخبرات.

- وما الأشياء التي بتُّ تقدّرينها أكثر مع السنوات؟
صرت أقدّر أكثر حياتي الشخصية، بعدما كنت أُهملها في السابق على حساب حياتي المهنية. خصوصاً أنني اليوم متزوجة وأحرص على علاقتي بشريك حياتي وتمضية الوقت اللازم إلى جانبه، كي تتعزّز علاقتنا وتُزهر.

- الحياة مشوار، كيف تصفينه؟
الحياة مشوار بتشعّبات ومفارق كثيرة. يمكنك أن تذهبي يميناً أو يساراً. في هذا الطريق صعود وفيه منحدرات أيضاً. الطريق يفرض عليك خيارات تتّخذينها في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان، وهي من شأنها أن تغيّر المسار جذرياً... أو ربّما كانت كل الخيارات والطرقات تؤدّي إلى مكان واحد. لا أحد يستطيع أن يجزم في هذا المجال. والقناعة مهمة جداً.

- أمنية أخيرة
أنا مقتنعة بنصيبي في الحياة، وأمنيتي أن أظلّ مقتنعة بما حقّقته وما قُسِم لي.

CREDITS

تصوير : محمد داهش