Home Page

ما معنى الحياة إذا لم يقم فيها الأبناء إلا بما قام به آباؤهم؟

دور الأهل, غرفة الأولاد

08 يونيو 2010

هذه العبارة جعلتني أستحضر موقفًا طريفًا حصل في عائلتي، إذ أن أختي شعرت بالغضب العارم عندما سألت ابنها الصغير البالغ ثلاث سنوات: «ماذا تريد أن تعمل حين تصبح كبيرًا» فأجابها بكل عفوية الأطفال وبراءتهم: «إن شاء الله فنان» لم تصدق أختي ما سمعته أذناها وهي التي تخطط لأن يكون ابنها مهندسًا مثل أبيه. والمفارقة أنها بدأت تمنعه من العزف على «الكلافييه» خوفًا من أن تتطور موهبته ويصبح فنانًا، ولكن والحق إنها يقال تشجعه على الرسم والتلوين لأنهما على علاقة بالهندسة.  أمام هذا الموقف الطريف لم أستطع أن أكبت نوبة الضحك التي انتابتني وأغيظ أختي الحاصلة على «الماجستير في إدارة الأعمال». فعلقت قائلة: «لمَ تريدين أن تقتلي موهبة طفلك في مهدها؟ فهو طفل صغير ويصعب عليه تحديد ميوله وما يريد، ولا يزال يكتشف هذا العالم  الكبير الغامض المحيط به، وسوف تفاجئين بأن ميوله ستتغير بحسب المكان والزمان.
وإذا كان موهوبًا في الموسيقى فلمَ لا! أليسوا قلة المهندسون الذين أنجزوا أعمالاً يذكرها التاريخ! لمَ يربط معظمنا الموهبة بالفنون التشكيلية أو الرياضة أو الموسيقى، فيما كل ما نفعله في الحياة يحتاج إلى موهبة وإلى شغف؟ فالموهبة لا يمكن خلقها ولكن يمكن صقلها، وعلينا أن ندرك أن كل ما ندرسه في الحياة ونبرع فيه هو موهبة. فالطبيب الناجح هو الذي لديه شغف الطب.للأسف فرغم التقدّم الذي عرفه المجتمع الإنساني على مختلف الأصعدة، ورغم وعي الآباء لحاجات أبنائهم، لا يزال الكثيرون منهم يصرّون على أن يدرس أبناؤهم اختصاصات درسوها ويعملون فيها.
 وفي بعض الحالات يخضع الأبناء لرغبات الأهل وقد يبرعون في هذا  الاختصاص وقد لا يبرعون، وفي حالات أخرى ينشب الصراع بين الأبناء والأهل، وهذا ما يبرر رسوب المراهقين المتكرر في المدرسة وتسربهم مما يؤدي إلى فشل ذريع.
 ولكن قبل أن يخضع الآباء لرغبات الأبناء عليهم أن يجعلوا أبناءهم متأكدين من ميولهم ومنحهم الفرصة لبلورتها، فهناك فرق بين الرغبة والموهبة، فالكثير من المراهقين يهوون الموسيقى لأنها موضة  بين أصدقاء الشلّة، ولكن عندما يبدأون دراستها يكتشفون أنهم ليسوا موهوبين، ويعزفون عن الأمر جملة وتفصيًلا. لذا لا تخشوا أيها الأباء إذا عبّر أبناؤكم عن رغبتهم في ممارسة موهبة بعينها، خصوصًا في سن المراهقة. ففي هذه المرحلة سوف يكتشف المراهق قدراته وميوله وهوّيته الحقيقية، ومنعه عما يحب سوف يعرقل مستقبله الجامعي ظنًا منه أنه لو كان يدرس ما يحب لبرع، فيما قد تكون الحقيقة عكس ذلك. أما إذا كانت لديه موهبة حقيقية فإنه سوف يبرع وبالتالي سوف تشعرون بالفخر بما يفعل. وتذكّروا أن هناك الكثير من عظماء التاريخ لم يحترفوا مهن آبائهم.