قصص الأطفال الكلاسيكية...

المجتمع السعودي, نمو وتطور الطفل / الأطفال, منافسة, كتب الطفل / الأطفال, القصص الخرافية, الكتاب والأدباء, طفل / أطفال, رواية / قصة, القصص الخيالية, أسئلة, الاختصاصيين, مجموعات قصصية, عيد الأمهات, قصص

16 مايو 2011

'ليلى والذئب'، 'سندريللا' و'بياض الثلج' ... قصص من أدب الطفل الكلاسيكي   لا يزال لها وقعها الجميل في نفس الطفل. غير أن هناك بعض الأهل يرون فيها قصصاً خيالية تحتوي على الكثير من الشر كزوجة الأب التي تريد التخلص من 'بياض الثلج' والذئب الذي يلتهم الجدّة في 'ليلى والذئب' والساحرة الشريرة التي تغذّي هانسل لتأكله في حكاية' هانسل وغريتل'. وأحياناً تعمد بعض الأمهات أثناء القراءة لأطفالهن إلى تحوير بعض أحداث القصّة ظناً منهن أنهن يجنبن أطفالهن الشعور بالخوف. وهناك من يرى فيها قصصاً مرّ عليها الزمن ولا تمت إلى الواقع بصلة لذا يفضّلون عدم اقتنائها في مكتبة المنزل. وفي المقابل نجد أن الطفل لا يملّ الطلب من والده و والدته أن يقرآ له قصة 'ليلى والذئب' مثلاً مرّة ثانية، وفي كل مرّة يتوقّف عند حدث معين ويسأل.


وهنا يطرح الأهل الأسئلة عن الأهمية التي يمثّلها هذا النوع من القصص بوجود قصص معاصرة تتناول مواضيع واقعية على صلة بحياة الطفل اليومية. والجواب، بحسب الاختصاصيين، أن قصص أدب الأطفال الكلاسيكية قريبة إلى خيال الطفل، وفيها الكثير من المعاني الإنسانية التي تعني الطفل بغض النظر عن سنّه وجنسه، ويمكنه أن يجد العديد من الأفكار التي تساعده في تخطي الصعاب التي يواجهها والنمو بسلام.


الطفل ليس 'نهرًا طويلاً هادئًا'

منذ نعومة أظافره يواجه الطفل الكثير من الصعاب: الفشل، المنافسة الأخوية، مواجهة العالم الخارجي، تحمل المسؤولية... هكذا يمكن أن يشعر بالوحدة والقلق. ويظن بعض الأهل أنه يجدر بهم حماية طفلهم قد الإمكان من كل ما يسبب له اضطرابًا، وأن يعرضوا له كل ما هو إيجابي في الحياة، وإبعاده عن كل ما يشعره بالاستياء.
فيما يرى الاختصاصيون أن هذا التصرّف يؤدي على عكس ما يريده الأهل، ويعزز عند الطفل مخاوفه، وذلك لأن الطفل يدرك جيّدًا أن الحياة ليست فقط مفاجآت سارة. وقصص الأطفال الكلاسيكية تساعده في مواجهة الصعاب، فهي تحدّثه عن الحياة وتعكس كل وجوهها بحلوها ومرّها وتحفزّه على خوض التجربة مهما كانت.


قصص أدب الأطفال الكلاسيكي نقاط مرجع

توضح قصص الأطفال الكلاسيكية بطريقة مسلّية مخاوف الطفل وتهوّنها. موت الأهل في قصة 'بياض الثلج'، قوّة الراشدين تجاه الطفل في 'ليلى والذئب'، الغيرة الأخوية في 'سندريللا'. تتحدث هذه القصص عن قساوة الحياة والصراعات الداخلية بإعطائها شكلاً يلامس الواقع مما يقلص خوف الطفل.
فمثلا الذئب حيوان مخيف بلا شك ولكن يمكن الطفل أن يهزأ به ويحلم بأن يركله وينتصر عليه، وبالتالي يتمكن الطفل من التحرر من مخاوفه لا سيما الخوف من الالتهام. وتساعد قصص الطفل الكلاسيكية في الربط بين ما يشعر به وما يقرأه في شكل منطقي
. فتعطيه أفكارًا تساعده في حل مشكلاته. ما هو السيئ وما هو الجيّد؟ هل من الأفضل أن يكون طفلاً سيئًا أم طفلاً طيبًا؟ كيف يمكن أن يجد الحب عندما يكبر؟ إذن تكوّن هذه القصص النقاط المرجع أثناء تطوره وسيره نحو المستقبل.
فكلها تبعث بالرسائل نفسها، بشكل بسيط ومشجع، مفادها أن  الصعاب في الحياة لا تنتهي ولكن بدل الهروب منها يجب مواجهة المشكلات غير المتوقعة والتي غالبًا ما تكون ظالمة، لأنه، أي الطفل، سيفوز و يجتاز كل العقبات ويحصل على كل ما يريده.


اختيار مواضيع القصص

ليس من الصعب أن تعرف الأم أي قصة تناسب طفلها واختيار ما يناسبه وقراءتها له. إذ أن كثافة انفعالاته العاطفية تبرهن ما إذا كان متأثرًا بالقصة أم لا. والأفضل أن تبدأ بقراءة القصة المفضلة لديها، وإذا لم يتفاعل معها الطفل فإن هذا مؤشر لأن موضوع القصة لا يتماشى مع اهتماماته الحالية
. أما إذا تعلّق بها الطفل فإنه يُظهر ذلك بحماسة فيطلب من والدته إعادة قراءتها له مرّات عدة إلى أن يحصل على كل المعلومات التي يريدها.
وإذا تغيّرت اهتمامات الطفل فإنه يطلب قصة جديدة تناسب المرحلة الجديدة التي يمرّ بها. كما أنه من المفضّل أيضًا أن تترك الأم لطفلها حرية اختيار موضوع القصة، فهذا يساعدها في فهم ما يمر به. وفي الوقت نفسه عليها ألا تهدم اهتمامه بها بشرح تفاصيلها، فالقصة الكلاسيكية إذا كانت تغني مخيّلته وتسعده فذلك لأنه لا يعرف لماذا وكيف بدأت على هذا النحو.
أي لماذا هناك ساحرة، أو بيوت من الشوكولا والحلوى، وكيف طارت الساحرة بعصاها السحرية. فهذه الصور تبهج الطفل لأنه يتخيلها.

لكل قصة سن يمكن تصنيف القصص بحسب سن الطفل

في الثالثة يفضل أن تٌقرأ للطفل القصص التي تحتوي على معنى الالتهام أو تلك التي تحتوي على فكرة الانفصال عن الأهل فمثلاً تدور قصة 'هانسيل و غرتيل' حول فكرة هجر الأهل للطفل.
وكل الأطفال في العالم لديهم قلق من تخلّي الأهل عنهم عندما يشعرون بأن أحداً لا يفهمهم وبأن أهلهم غير منصفين معهم، وعندما نقرأ للطفل 'هانسل و غريتل' يجد انه ليس وحده من يشعر بذلك فهذا مكتوب في القصص. أما الفكرة المحورية الثانية فهي أهمية  أن يكون للإنسان أخ  يلجأ إليه و يساعده على تخطي الصعاب. صحيح أن هناك غيرة أخوية ولكن تضامن الأخوة يساعد في مقاومة الشر.

 في السادسة يميل الطفل إلى التعرف إلى معاني الحب والزواج. فمثلاً قصة 'بياض الثلج' مناسبة لهذه السن لأنها تحوي الكثير من المعاني العاطفية، الأمير والحب والزواج وهناك دائماً زوجة الأب، وفي علم النفس هذه مواضيع واقعية. ففي قصة 'السندريللا' هناك زوجة الأب والشقيقتان الشريرتان اللتان تشكّلان منافسة لأنوثتها. وعندما تكبر تجد حبيبها. وتتحوّل زوجة الأب في قصة 'بياض الثلج' إلى ساحرة شريرة تعطي بياض الثلج تفاحة مسمومة، ومن المعلوم أن التفاحة رمز العلاقات العاطفية. فبمجرد أن أكلت بياض الثلج التفاحة تحوّلت إلى امرأة.
كما أن هذه القصص تجيب عن أسئلة الطفل في ما يتعلّق بالعائلة والإنجاب والحياة والموت، فمثلاً  حين تنتهي القصة بالقول إن الأميرة والأمير تزوّجا وعاشا سعيدين حتى نهاية العمر، يفهم الطفل أن للحياة  نهاية حتى ولو كنا سعداء. إذاً نعطي الطفل فكرة عن مفهوم الموت.
والقول انهما أنجبا الكثير من الأطفال، يعني أن الطفل هو ثمرة الحب الذي يجمع الأم والأب، وأنه مهم بالنسبة إلى والديه وإن كان يقوم ببعض الأمور الشقيّة، فالرسالة لها معان كثيرة.

تعكس القصص الكلاسيكية الحياة الواقعية، واللافت أن الشخصيات الموجودة فيها لا توصف في شكل مفصل. مثلاً إذا وصفت القصة شكل الصبي أنه ذو شعر أسود، فهذا التفصيل لا يشدُّ اهتمام الطفل، في حين أن الشخصية في القصص الكلاسيكية توصف على أنها أمير أو أميرة أو فارس ... ليس هناك مواصفات محددة لها لذا من السهل أن يتماهى معها الطفل.
والتماهي مع الشخصيات يكون بحسب السن والحالة النفسية عند الطفل، فمثلاً قد يتماهى مع الذئب في حكاية 'ليلى والذئب' إذا كان يشعر بالغضب من أخيه أو أحد والديه، وبعد فترة قد يتماهى مع ليلى إذا كان يشعر بالخوف... وعندما يدرك معنى العلاقات العاطفية يتماهى مع الأمير أو البطل الذي يتمتع بقوة.


- هل هذا يعني أن القصص العصرية لا تحاكي الحالة النفسية عند الطفل؟
هناك قصص عصرية جميلة مفيدة، ولكن في الوقت نفسه هناك الكثير من الكتب التي لا تضيف شيئاً إلى الطفل. فمن الملاحظ أن بعض الكتب أو القصص العصرية ترتكز على الصور والرسوم لشد انتباه الطفل.
صحيح أن الصور عنصر ضروري في القصة،  لكنها ليست كافية لإشباع عاطفة الطفل، لأن المضمون  لا يعبّر عن مشاعره الدفينة. وهناك كتب تهدف إلى تقوية لغة الطفل وعباراته، لكن  هذا النوع يحاكي عقل الطفل وذكاءه أكثر من عاطفته. فمثلا القصص التي تتحدث عن الصداقة أو الأشخاص المعوقين تعلّم الطفل طريقة  التعامل مع هذه الفئة.

كما أن القصص العصرية ترتكز على الحوار الذي على الأهل أن يجروه مع طفلهم بعد القراءة، في حين أن القصص الكلاسيكية تتوجه مباشرة إلى عاطفة الطفل وليس هناك ضرورة لمناقشته الأحداث التي حصلت. لذا نجد  الطفل يطلب إعادة قراءة القصة نفسها من دون ملل. ومن الملاحظ أنه يريد أن تُقرأ له  بالطريقة نفسها،  فمثلاً يقول لوالدته: 'في المرة السابقة قلت إنه كان متوتراً لمَ لم تذكري هذا الأمر هذه المرة!'. فهناك تفاصيل تشبع رغباته، لذا من الضروري أن تعتمد الوالدة أسلوباً واحداً أثناء قراءتها القصة نفسها.

- إلى ماذا تشير أسئلة الطفل الكثيرة أثناء قراءة القصة فيسأل لمَ فعل ذلك، ولم تصرف بهذه الطريقة؟
من الطبيعي أن يسأل الطفل أمه أثناء قراءتها له قصة إذا لم يكن متمكناً من القراءة، فهذا مؤشر لأنه يريد فهم العبارات  الأدبية فتتحوّل الأسئلة  إلى نشاط  فكري. هذا من جهة. أما من جهة أخرى فالطفل يحاول أن يجد صلة بين الواقع وما يحدث في القصة.

- هل من المفيد مشاهدة الأفلام التي تعرض هذه القصص؟
تكون جيدة إذا نقلت القصة كما هي دون تحريف، وإذا كان الطفل يفهم اللغة جيداً. فمعظم هذه الأفلام ناطقة باللغة الأجنبية وقد لا يستطيع الطفل قراءة الترجمة خصوصاً إذا كان في سن صغيرة. ولكن أهمية الكتاب تعود إلى أنه يغني مخيّلة الطفل.

ويحذّر الاختصاصيون  الأهل من تحوير أحداث القصة بحجة أن أحداثها قد تسبب القلق والخوف للطفل، في الوقت الذي يرغب في إسقاط هذه المشاعر من خلال القصة. فإظهار الشر في سياق القصة هدفه التمهيد إلى نهاية يكون فيها الخير هو المنتصر. كما من الضروري أن تقرأ القصة حتى نهايتها، أما إذا نام الطفل قبل ذلك فيمكن الأم أن تقرأ القسم الباقي في اليوم التالي حتى يعرف النهاية فيشعر بالطمأنينة.


إعتراض:'القصص الكلاسيكية لا تعكس صورة مجتمع الطفل'

قد يكون اعتراض الأهل على القصص الكلاسيكية مثل 'السندريللا' أو 'بياض الثلج' أو غيرهما من القصص العالمية من منطلق أن لا علاقة لها بالمجتمع الشرقي. فيما يرى الاختصاصيون أن اللافت في هذه القصص أنها لا تتوجه إلى مجتمع محدد، فهي لا تحدد التفاصيل فمدنها وأحداثها وشخصياتها خيالية، إضافة إلى أن هناك الكثير من القصص الكلاسيكية في التراث العربي موازية لهذه القصص من حيث الشكل والمضمون مثل قصة 'علي بابا والأربعون حرامياً' و'علاء الدين و ياسمينة' والتي هي عالمية أيضاً.
وشخصيات هذه القصص خيالية يحبها الطفل. الجامع، بين كل هذه القصص المضمون الذي يحكي عن ثنائية الخير والشر، القبح والجمال، الأخذ والعطاء... لهذا يبقى سر استمرارها كل هذه العصور أنها تخاطب عاطفة الطفل.