رئيسة جمعية «حواء المستقبل»الدكتورة إقبال السمالوطي: أمي أقسمت أن تجعلني وشقيقاتي أقوى من ألف رجل

جمال سالم (القاهرة) 25 مارس 2018

تعد الدكتورة إقبال السمالوطي، أستاذة علم الاجتماع ورئيسة جمعية «حواء المستقبل»، نموذجاً للمرأة العربية الناجحة التي تكافح من أجل حصول النساء على حقوقهن ومكانتهن الاجتماعية، بالتعاون مع الرجل وليس الصراع معه، لهذا ناضلت على المستوى المحلي، ثم انطلقت منه إلى الساحتين العربية والعالمية لتحقيق ما تصبو إليه.

فما هي قصتها؟ وكيف حققت النجاح في مجالات مختلفة؟ وكيف استطاعت قهر الصعاب التي واجهتها؟ «لها» التقتها في حوار، تكشف فيه الكثير من أسرارها، وآراءها في التحديات التي تواجه المرأة العربية.


- في البداية نود التعرف على أهم محطات مشوارك.
أنا سيدة مصرية عربية، وُلدت في ظل ظروف خاصة لأبوين من ثقافتين مختلفتين، فأمي تركية كانت تعمل في مجال التربية والتعليم، وخرجت على المعاش بدرجة مدير عام، أما والدي فهو مهندس اتصالات جذوره صعيدية، وكانا يتصفان بالحنان والحسم والوعي، وهذا ما أثر في نشأتي وشقيقاتي الثلاث «دلال وإجلال وجمال»، ومن الغرائب أن أمي ولدت قبلي طفلاً اسمه كمال، إلا أنه مات صغيراً، وانتظرت الأسرة والعائلة أن يكون المولود القادم ذكراً، وحزنوا جداً حين جئت أنا، وكان موقف والدتي شجاعاً جداً، فقالت سأجعلها بألف ولد، وكان هذا نهجها في تربيتي أنا وشقيقاتي، حيث وصلنا إلى أعلى الدرجات العلمية في تخصصاتنا، إضافة إلى حب العمل الخيري وخدمة المجتمع. على هذا تمت تربيتي، وهذا هو السر في ما حققته من نجاح داخلي وخارجي.

- كيف جاءت خدمتك في القوات المسلحة؟
بعد تخرّجي في قسم علم الاجتماع، لم يكن هناك تعيين معيدين في تلك السنة، فالتحقت بالخدمة في القوات المسلحة وتقلّدت منصب ملازم أول، وأمضيت عامين في القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، كأمر تكليف، وكم كنت سعيدة أثناء خدمة وطني في هذه الحرب المجيدة، وقد تركت هذه الخدمة بصمة كبيرة في حياتي العملية من حيث الجدية والانضباط والانتماء، ثم رجعت إلى المعهد وتقلدت المناصب من معيدة إلى عميدة في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، وأنا أستاذة فيه منذ 17 عاماً. أما الصلة غير المباشرة بالقوات المسلحة، فكانت من خلال زوجي المرحوم اللواء طبيب أحمد مختار، وقد تزوجته وكان ملازم أول طبيباً، وكان نعم الزوج والرفيق في رحلة حياتي.

- كيف وفّقت بين حياتك الأسرية والعملية حتى حققت النجاح فيهما؟
أنا لم أنجب، لكن لي مئات بل الآلاف من الأبناء الروحيين ممن درّستهم أو عملت معهم أو تعرفت إليهم في كل مكان عملت فيه، ووصفي لهؤلاء بأنهم أبنائي وبناتي حقيقة وليس مجازاً، وينادونني حباً بـ «ماما»، كما أن هناك من تربوا في بيتي من أقاربي وأقارب زوجي، وظلوا معنا في بيتنا من الطفولة حتى تزوجوا وأنجبوا لنا أحفاداً يعيشون معنا. والشيء الذي أسعدني جداً عندما أطلق هؤلاء على أبنائهم وبناتهم اسمي واسم زوجي، وبالتالي فهم بناتي وأبنائي بالفعل، وأنا فخورة بهم جداً وبوجودهم في حياتي. والكل يعلم هذا وأنا راضية وسعيدة جداً.

- تعتزين بتأسيسك ورئاستك لجمعية «حواء المستقبل»، فما هي أهم نشاطاتها؟
أسستها عام 1996، كمطلب من مطالب المجتمع. لهذا كانت بداية انطلاقها من العشوائيات. وتحارب الجمعية كل ما يؤدي إلى انهيار المجتمع، مثل الأمية – البطالة – التسرب من التعليم – الفقر المدقع، وتعتبر نشاطاتها انعكاساً حقيقياً لاحتياجات المجتمع ومطالبه الأساسية. وتضم الجمعية العديد من الكوادر، بخاصة العلمية، ولها خبرات سابقة من خلال العمل الميداني واكتشاف القيادات وتدريبها، بخاصة النسائية، لتحقيق هدفنا «أسرة سعيدة... بيئة صحية... مجتمع أفضل».

- تقودين مشروع «الحد من العنف ضد المرأة»، فكيف تقاومن هذا العنف من خلال ممارستكن الميدانية؟
قمنا من خلال جمعية «حواء المستقبل»، بالتعاون مع هيئة كير الدولية، بتدريب متطوعين للعمل في مشروع «الحد من العنف ضد المرأة» في المناطق العشوائية. ونستهدف تنمية قدرات أفراد المناطق العشوائية ودمجهم لتنفيذ نشاطات توعية ودعم للحد من العنف ضد المرأة داخل مجتمعاتهم، وهذا من خلال محاور مختلفة، منها المسرح التفاعلي والرياضة والعلاج بالفن والحكي، ولقاءات وندوات توعية.

- كيف تتواصل المرأة المعنّفة مع حملتكم؟
لدينا قسم خاص بتلبية احتياجات النساء اللاتي يتعرضن للعنف، وذلك من خلال خط ساخن يردّ على جميع الاستفسارات الخاصة بهن، وتوجيههن إلى أماكن الدعم التي تستطيع مساعدتهن، مع توفير جزء خاص للتأهيل النفسي، لمحاولة إدماج النساء داخل هذه المجتمعات مرة أخرى.

- يحاول البعض ربط العنف ضد المرأة بالدين، فما هي خطورة ذلك، وكيف يمكن تصحيح هذا المفهوم الخاطئ؟
الأديان بعامة، والإسلام بخاصة، بريئة من أي إهانة للمرأة، لأنها جاءت لتكريم النساء وتصحيح التقاليد الخاطئة، ولهذا من الظلم للدين أن يتم ربطه به، على رغم الوصية الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت: «استوصوا بالنساء خيراً»، والآية القرآنية التي تتحدث عن ضرب المرأة الناشز، وضع الفقهاء ضوابط لها حتى وصلوا إلى الضرب بالسواك، لأن العنف ضد المرأة ليس عنفاً بدنياً فحسب، بل هناك عنف نفسي وحقوقي من منظور خاطئ تماماً للدين، ولهذا فإن النشأة الاجتماعية هي التي تحدد نظرة الرجل الى المرأة من البداية. وللأسف، فإن الأم هي التي تربي ابنها على التمييز والعنصرية من خلال تفضيله على أخواته من الفتيات، والحل الوحيد لحل قضية العنف ضد المرأة يأتي بالتكامل، فالرجال والنساء ليسوا أطرافاً متنازعة، بل خلقنا الله ليكون بيننا تكامل ومودة ورحمة.

- هل لهذا المفهوم علاقة بالعديد من المبادرات الإيجابية التي شاركت فيها، مثل مبادرة «المعروف منهج حياة»؟
نعم، لأنها مبادرة تدعو - على المستويين المصري والعربي - إلى العيش في محبة وأمان، وكل ما يحقق الأمن الإنساني والارتقاء بالسلوكيات والمعاملات الإنسانية، بل ومع كل مكونات البيئة المحيطة من البشر – الكائنات الحية، الجمادات وغيرها -، إنها مبادرة لإحياء الأخلاق، التي هي رسالة كل الأديان السماوية، لنثبت للعالم أننا قوم أصحاب أديان وحضارات راقية منذ أقدم العصور، واسألوا التاريخ وما تركه لنا من آثار شامخة تؤكد عظمة ورقي أجدادنا الذين دعوا إلى الخير وعمارة الأرض.

- تشاركين في مشروع دولي لإيجاد «مدن آمنة للمرأة»، فما هي القضية بالضبط؟
بالتعاون مع منظمة كير الدولية، والتي تمتلك خبرة واسعة في مجال محاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ننفّذ برنامجاً أممياً من خلال إنشاء وحدات بقيادات شابة في مدن آمنة، برعاية الأمم المتحدة، لتكون خالية من العنف ضد النساء والفتيات، ويتم تصميم وتنفيذ تمكين المجتمع المحلي من خلال تحويل الناجيات من العنف إلى منسقات بعد أن تتم مساعدتهن، وبناء قدرة أفراد المجتمع المحلي وزيادة وعيهم للحد من العنف ضد المرأة.

- ترددين دائماً «البشر أولاً»، فما فلسفة هذا الشعار الذي تصرين عليه؟
إيماني بهذه الحقيقة أن نهضة أي شعب تبدأ من «البشر»، وأمامنا نموذج عملي في «الشعب الياباني» الذي يعيش في أرض فقيرة من حيث الثروات الطبيعية، ووضع غير آمن من حيث كثرة الزلازل والبراكين، لكنه عن طريق التعليم والعمل والتربية الصحيحة والانتماء، استطاع أن يسود شعوب العالم، والحال نفسها عبر التاريخ حصلت مع أجدادنا العرب الأوائل، الذين كانوا يعيشون في صحراء جرداء، ومن خلال التعليم والأخلاق والعمل أقاموا أعظم حضارة في تاريخ البشرية، امتدت من المغرب إلى حدود الصين ولأكثر من خمسة قرون، ولهذا أطالب المسؤولين العرب بالاهتمام بالبشر قبل الحجر.

- يطلق عليك البعض «صانعة الأمل»، فما سر هذا اللقب؟
لأنني أرى الحياة حلوة ولا مجال فيها للمستحيل، ويجب أن يكون الإنسان معطاءً لكل المحيطين به، حتى الحيوانات، ويربطه البعض بدعوتي إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، باعتباره المدخل الصحيح للتنمية، وقد قمنا بجمع مئات السيدات المعيلات ودربناهن وعلمناهن ووفرن لهن فرص عمل كريمة ومتنوعة، ويربط آخرون هذا اللقب بحملة محو الأمية، التي استطعنا من خلالها محو أمية عشرات الآلاف، وواصل كثير منهم تعليمه حتى التخرج في الجامعات.

- باعتبارك الأمين العام للشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار التي تضم 15 دولة عربية، وترفع شعار «التعلم مدى الحياة»، نود التعرف بالأرقام على كارثة الأمية في الوطن العربي، بخاصة بين النساء؟
قضية محو الأمية مرتبطة بالعديد من العوامل، أهمها ظروف التنشئة والنظرة إلى الشابات من دون تمييز الذكور عليهن، وتصحيح المفاهيم الاجتماعية، والإيمان بحقوق الطفل بصرف النظر عن نوعه، لأنه من المؤسف أن بعض أشكال التمييز ضد النساء يتم من خلال سلوكيات المرأة نفسها، مثل تفضيل الأم ابنها على ابنتها، ولهذا لا بد من إعادة بناء الذات وإيقاظ الأمل والحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة، بخاصة أن الإحصائيات الرسمية تؤكد أنه يوجد في الوطن العربي 96 مليون أمي عربي، غالبيتهم من النساء والشباب، والغريب أن هذا الرقم في تزايد بسبب الزيادة السكانية التي تؤدي إلى تراجع جودة التعليم، بالتزامن مع الفقر ونقص العمل اللائق والتهميش وفجوات العدالة الاجتماعية وتدني الدافع الى التعلم وعدم ارتباطه بالتنمية، فمثلاً عدد الأميين في الوطن العربي ارتفع من 50 مليون أمي عام 1970؛ إلى 61 مليوناً عام 1990؛ ثم 75 مليون أمي عام 2008؛ ليصبح 96 مليون أمي عام 2014، وأكثر من مئة مليون حالياً.

- ألا ترين أن هذه المأساة تزايدت في ظل كثرة مناطق الصراع في عالمنا العربي، إذ تدفع المرأة وأطفالها ضريبة ذلك؟
لا شك في أن تزايد معدلات العنف بكل أنواعه؛ وصولاً إلى حمل السلاح، أديا إلى حدوث تحولات نوعية وتبعات تربوية نتيجة للنزوح واللجوء وتدهور الأوضاع الاقتصادية في هذه المناطق، والغريب أن أعلى معدلات للأمية في المغرب والسودان ومصر، في حين يتميز الأشقاء في فلسطين بأن لديهم أعلى نسبة تعليم، وبالتالي أقل نسبة أمية، بل إن إحدى المدرسات الفلسطينيات فازت بجائزة أفضل مُدرّسة في العالم، لأن الأشقاء تحت الاحتلال الصهيوني يرون التعليم خياراً استراتيجياً وسفينة البقاء والهوية والمقاومة.

- كيف تم اختيارك نائباً لرئيس اليونسكو الإقليمي؟
شُرفت باختياري بالإجماع نائباً لرئيس اليونسكو الإقليمي عام 2016، والحمد لله هذه المكانة لم تصل إليها امرأة عربية أو مصرية من قبل، بفوزي بالإجماع كنائب رئيس هيئة اليونسكو لمجموعة الدعم لتحقيق هدف التعليم 2030، وذلك في اجتماع بالأردن ضم الشركاء والأطراف المعنيين وطنياً وإقليميا ودولياً، وهذا يمثل دفعة قوية لدور المجتمع المدني في الوطن العربي.

- هل ترين أن التشريعات المصرية والعربية تطورت لمساندة المرأة؟
لا شك في أن التشريعات المنصفة للمرأة أمر جيد، لكن يجب تطبيق هذه التشريعات على من يمارس أي عنف أو تهميش للمرأة، والأهم من التشريعات، الوعي والتنشئة الصحيحة القائمة على احترام المرأة، وأنها مثل الرجل ومكمّلة له.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب