الفن الساخر وأهميته في المملكة العربية السعودية

آمنة بدر الدين الحلبي 01 أبريل 2018

الفن الساخر أو «الكوميديا» هو نوع من أنواع التمثيل، سواء كان مسرحية أو مسلسلاً أو عملاً أدبياً يهدف من خلال أسلوب عرضه إلى التسلية والترويح عن النفس بإضفاء شعور بالفرح.
انطلق هذا الفن في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان الهدف منه انتقاد الأوضاع العامة، من دون أن ينال الفنان أي عقاب.
أما الـ «ستاند آب كوميدي»، الذي هو نوع من أنواع الفن الكوميدي يقتصر تقديمه على ممثل واحد يقف على خشبة المسرح ليناقش مواضيع مختلفة بأسلوب ساخر... وقد انتشر في البلدان العربية السعودية،لذلك التقت «لها» الفنانيَن محمد هلال وشاكر الشريف، والدكتور بتّار البتّار ليحدّثونا عن هذا الفن وأهدافه ويكشفوا ما إذا كان يحمل في طيّاته رسالة هادفة تُحدث تغييراً في المجتمع من النواحي كافة.


الفنان الكوميدي محمد هلال  

نظراً لدخول الفن الكوميدي أخيراً إلى السعودية، أكد الفنان محمد هلال أن الـ«ستاند آب كوميدي» فن رائع ومن أصعب فنون المسرح بعد الارتجال، ويلقى ردود فعل إيجابية في المجتمع إن قُدّم بتقنية عالية، وهو يسير بخطى معتدلة في السعودية، وحقق نجاحاً باهراً بفضل الفنانين الكوميديين، وفي مقدّمهم ياسر بكر، حيث دخل الفن الساخر الى الخليج العربي متأخراً بعد أن تطوّر في أميركا، وهو يعتمد على جهود الفنان الفردية، حيث يتوجب عليه أن يكتب وينتج ويمثّل».
وبما أن للفن الكوميدي أنواعاً عدة، أشار محمد إلى بعضها قائلاً: «أعتمد كوميديا الموقف، وكوميديا الملاحظات لكي أُثير ضحك الحاضرين، وآخر ما قدّمته الكوميديا السوداء التي تتناول مواضيع ساخنة يعمل الكوميديان على تحويلها إلى مادة للسخرية بأسلوبه الخاص، وقد قدمتُ عرضاً منها حول تربيتي، وما تعرّضت له في طفولتي حين ذبحت جدّتي الأرنب الذي كنت أربّيه وسلخَتُه أمام عينيّ.
هذا الموقف القاسي لا يزال راسخاً في ذهني، فنقلتُه بأسلوب ساخر إلى المتلقي من خلال خشبة المسرح، باعتبار أن النكتة حاضرة ولا ترتبط بنص مكتوب على الورق، بل هي خليط متجانس يجمع ما بين النص والأسلوب والأداء».
ولأن الـ «ستاند آب كوميدي» من أصعب أنواع الفنون المسرحية، لفت محمد هلال إلى «أن ياسر بكر هو مؤسّس الفن الساخر في دول الخليج العربي، وقد عمل على تطويره بتقديمه المزيد من «الاسكتشات» المسرحية، ودرّب الكثير من الشباب السعودي على أداء هذا الفن».
وفي ما يتعلق باستمرار الفنان بالسير في هذا الاتجاه، أكد محمد: «على الفنان أن يتفرّغ لـ «ستاند آب كوميدي»، لكي ينمّي موهبته ويطوّرها، وبالتالي يتمكن من الاستمرار في هذا الخط، ويقدّم لجمهوره أي جديد كلما اعتلى خشبة المسرح، ذلك أنه يكتب نصوصاً للاسكتشات والمسلسلات ويشارك في أفلام ويُلقي نكاتاً ويؤدي عروضاً مسرحية، وإلى جانب النكتة يمرّر إعلانات تكون حاضرة في ذهنه وحواسه، بأسلوب جميل ليُضحك جمهوره».
وبما أن الفن الساخر يعرض مواضيع مجتمعية شتى، أوضح محمد أن «الكوميديا وُجدت لإثارة الضحك والترويح عن النفس، من خلال مناقشة بعض القضايا. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الفنان عادل إمام يتعرض لقضايا مجتمعية وغير مجتمعية، واستطاع أن يضع بصمة، واليوم تمكن الـ «ستاند آب كوميدي» في السعودية من تغيير الصورة النمطية الراسخة في الأذهان بعدما بدأ الجمهور يستوعب هذا الفن الجديد والصعب، بحيث يلتقط الكوميديان المشهد من الحضور ويُمثّله أمامهم، وهناك الكثير من القنوات التلفزيونية التي بدأت تهتم بهذا الفن وتقدّم الـ«كوميدي شو»».
ولكونه فناناً كوميدياً، يرتجل ويكتب نصوصاً ساخرة، أكد محمد أن «هذا النوع من الفن يخدم كل شرائح المجتمع، والكوميديان الناجح هو من يستطيع إضحاك الجمهور من خلال استعراض نكتة بسيطة عنه يحلّ بها مشكلة الآخرين. هو بالأحرى فنان مجنون ينسى العالم بأسره ويغرق في كتابة النكات، ويتدرّب باستمرار ليحقق ما يصبو إليه من نجاح».

الفنان الكوميدي شاكر الشريف
يقول الفنان الكوميدي شاكر الشريف «إن الفن الساخر مهم ويؤثر في المجتمع، وأصبح اليوم فولكلوراً عالمياً بحيث يمثل الكوميديان المنطقة أو البلد الذي ينتمي إليه، لكون الكوميديا تحمل رسالة، وتعبّر عن رأي، ولها أهداف في كل العالم، وتحظى بإقبال كبير إذا استطاع الكوميديان أن يُضحك الجمهور من خلال حركة أو نكتة يلقيها بصوت صادق وجاد في أثناء مناقشته قضية ما أو موضوعاً يطرحه، أو مادة محضرة مسبقاً».
وبما أن الفنان شاكر على تماس مع المجتمع فقد أكد أنه يستلهم تجاربه على خشبة المسرح من مواقف تعرض لها في الواقع. أحياناً يطرح مشكلة عائلية ويوضح كيفية التعامل معها، وفي أحيان أخرى، بدلاً من إلقاء النكتة بأسلوب مباشر، هجومي ويراوح ما بين التهديد والوعيد، يضطر للذهاب الى الأشياء الخاطئة ليصل الى الهدف المنشود».
ولأن هناك أنواعاً عدة من الكوميديا، لفت شاكر إلى «أنه يرى في نفسه خليطاً منها، فتارة يقدّم كوميديا الموقف، وتارة كوميديا الملاحظات، وأحياناً الكوميديا السوداء. هو لم يُلزم نفسه بنوع محدد من الكوميديا، بل يؤدي في العرض المسرحي الواحد مزيجاً منها، حتى النكتة تجمع ما بين الحركي والكوميديا السوداء، ذلك نظراً إلى مراحل نشأته التي تأرجحت بين ابن بار يُعاقب إن أخطأ في الزمن الماضي، وبين ولد عاق يرفع قضية على والده في الزمن الحاضر. شتّان ما بين جيل الأمس وجيل اليوم، مما يحصل على الصعيد الاجتماعي».
وكلما كان حضور الكوميديان قوياً، تمكن من تكوين قاعدة جماهيرية عريضة، وإيصال صوته الى أكبر شريحة في المجتمع. فمن خلال أدائه الجيد وصوته القوي يُضحك المتلقي ويغيّر الصور النمطية الراسخة في ذهنه».
وبما أن الفنان الكوميدي يتولّى بنفسه القيام بكل شيء، نوَّه شاكر بأن «كتابة نص النكتة صعبة ومتعبة جداً، وما على الفنان إلاّ التدرّب على الأداء قبل مواجهة الجمهور، والتأكد من الحالة التي عليه الظهور بها... كأن يكون هادئاً أو غاضباً، وربما يلجأ أحياناً للوقوف أمام المرآة ليقوم بتجربة أو أكثر. فالموقف الذي يقدّمه الكوميديان يجب أن يكون نابعاً من داخله ليبدو صادقاً ويتلقّفه الجمهور بحماسة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن كان غنياً وحكى عرضه عن الفقر، لا يستطيع إيصال مشاعره إلى الجمهور».
وبما أن الـ «ستاند آب كوميدي» فن قوي وله أسلوبه الخاص في التقديم، يؤكد شاكر أن على «الكوميديان أن يحكي من صميم معاناته حتى يصل بحواسه إلى المتلقي بصدق، وتكون إطلالته مميزة على المسرح ليثير انتباه الجمهور، فالإطلالة أهم من النكتة، كذلك عليه أن يعرف كيف يسيطر على الجمهور، لأن بين الجمهور من يقاطع الفنان، وما على الأخير إلا أن يكون سريع البديهة فيدخله في جو النكتة، وبالتالي تبدو مبادرته مداعبة لطيفة مع الجمهور».
وأوضح الفنان شاكر أن الـ»ستاند آب كوميدي» هو فن الشارع، ويمسُّ الشارع نفسه أكثر من أي فن آخر، ذلك أن الكوميديان شخص عادي، ويعاني كأي إنسان في الحياة، ولذلك يعيش شاكر تلك المعاناة بحس عالٍ، فهو لا يزال منذ ست سنوات يقف على المسرح ليقدم هذا الفن الرائع بعد مشوار طويل من العمل في مسرح ياسر بكر بدأه بفن النكتة وصولاً إلى الارتجال والاسكتشات، فهذا الفن يختلف من فنان إلى آخر، فثمة فنان كل همّه إضحاك الجمهور، وآخر يحمل أجندة معينة، أو ينقل معاناته... كل حسب رسالته، والمتلقي هو الحكم».

الفنان الكوميدي الدكتور بتّال البتّال
نظراً لأهمية فن الـ «ستاند آب كوميدي» في المجتمع السعودي، أكد د. بتّال البتّال أن «كل أنواع الفنون مهمة، لأنها مرآة تعكس واقع المجتمع، وتروّح عن النفس، وتلقي الضوء على حالات مجتمعية، مما يؤدي الى الارتقاء بالذائقة العامة.
ولأن الفن الساخر يختلف من فنان إلى آخر، أرى أنه وُجد لإثارة الضحك والترويح عن النفس في الدرجة الأولى».
ورغم التنوّع في فن الـ «ستاند آب كوميدي»، اهتم د. بتّال بالكوميديا السوداء لأنها تتيح نقد الذات والمجتمع، وفي كثير من الأحيان يضع الفنان نفسه مكان أي فرد في المجتمع ليكون النقد بنّاءً من دون المساس بالخطوط الحمر.
مثلاً، حين قدّم د. بتّال كوميديا حول أخلاقيات المجتمع وتفكير أفراده، وما يحصل في الإدارات العامة من سوء تفاهم».
وبما أن الفن الساخر يعتمد على سرعة البديهة في حضرة الجمهور، أشار د. بتّال إلى «أن ردود الفعل تختلف من عرض إلى آخر، ومن جمهور إلى آخر، ومن مكان إلى آخر مع الكوميديان نفسه... وهذا كله يعود الى موقف الكوميديان ومزاجه وصدقه في ما يقدم، وكيف يسيطر على الجمهور من الإطلالة الأولى».
ولكون الصدق في الكوميديا ينبع من المعاناة، نوّه د. بتّال بأنه «يمكن تقديم كوميديا صادقة خارج نطاق المعاناة، إذا كان الفنان مؤمناً بالقضية التي يحكي عنها وإن لم يتعرض لها.
وعلى سبيل المثال، إذا كانت حالة الفنان الاجتماعية ممتازة وتكلم عن معاناة الفقراء بصدق وحمل همومهم وآمن بقضيتهم، فهو بذلك يوصل إحساسه الصادق الى الجمهور ويحقق مبتغاه».
ولأن طبيب الأسنان د. بتّال يعشق الكوميديا منذ طفولته، فقد أعرب عن «سعادته بالانضمام الى «ستاند آب كوميدي»، فأصبح يكتب ويمثّل ويفعل كل شيء بنفسه، لأن الفن الساخر يعبّر عن الذات الإنسانية بكل صدق ويستقطب جمهوراً لا بأس به».
وبعدما اهتمت هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية بكل أنواع الفنون، بات د. بتّال ينظر بتفاؤل الى مستقبل الـ «ستاند آب كوميدي» في المملكة إثر العروض التي قدّمها الفنانون الكوميديون، ومشاركتهم في المهرجانات التي أُقيمت في مدينة الرياض بدعم من الهيئة العامة للترفيه، حيث شارك د. بتّال في أربعة عروض نجح في بعضها فيما أخفق في بعضها الآخر، لكون الجمهور لا يحب الكوميديا السوداء، علماً أن الفنان يؤمن بالهدف الذي يعمل من أجله، لأن المأساة في الكوميديا السوداء تتحول إلى نكتة، وبعض الناس يضحك من الألم وبعضهم الآخر يحزن، لكن في النهاية ينجح الكوميديان في إيصال فكرته».
واختتم الدكتور بتّال البتّال حديثه مؤكداً أن «الكوميديا بشكل عام، استطاعت تغيير الصورة النمطية الراسخة في ذهن المتلقي في المملكة العربية السعودية بعد ثماني سنوات من دخولها إلى المجتمع، نظراً لوجود أناس متعلّمين ومثقفين... ومع دعم هيئة الترفيه سيتحقّق الكثير».