عازفة البيانو مي محمد عالِم الموسيقى إيقاع ضابط للحياة

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 01 أبريل 2018

الموسيقى لغة الشعوب، وقد بدأها الإنسان البدائي بتقليد أصوات الطبيعة ليعبّر عن ذاته الإنسانية، وبدأ يتناغم مع تلك الأصوات فطرِب لبعضها وتغنى ببعضها، وتطورت الموسيقى مع تطور الإنسان فصنع من القصبات ناياً ليسمع صفيرها، واخترع طبولاً ليقرعها، وأخذ يميز في ما بعد بين الأصوات والإيقاع، إلى أن وصل إلى ما يريد من اختراع للآلات الموسيقية ليجعل الموسيقى لغة لكل زمان ومكان يعبر فيها عن ذاته الإنسانية، وعن مشاعره وأحاسيسه. مجلة «لها» التقت عازفة البيانو مي محمد عالم، لتعزف على أوتار صفحاتها بلغة الشعوب وتعبير إنساني يحيي الروح، ويسعد النفس.


- الموسيقى لغة الشعوب لها وقعها في النفوس، معنى ومبنى، كيف تفسرين ذلك؟
الموسيقى لغة التعبير العالمية، ويستطيع فهمها كل إنسان في العالم ويتفاعل معها، تشغل كل أحاسيس الفنان ومشاعره، يجمعها في داخله ويوصلها الى الناس، وتُبنى الموسيقى على قواعد استراتيجية تنطلق من ذات الإنسان المحب للموسيقى، لأنها تؤثر إيجاباً في دماغ الإنسان، حيث تجعل مناطق محورية تتحكم في مزاجه وتبدأ في تعديله الى الأفضل.

- متى تسللت إلى روحك وفكرت بالعزف؟
قبل أربع سنوات، شاركت في مسابقة وفزت بجائزة مالية من فرجن، ما دفعني بعد ذلك للذهاب إلى فرجن وشراء آلة الأورغ، وعزفت أول معزوفة عليه للعازف والملحن المشهور بتهوفن «Beethoven - Fur Elise». بعدها، أحسست بانتماء إلى البيانو وتشجّعت لأتعلم معزوفات أخرى.

- كيف تعلمت العزف؟
بدأت العزف من خلال التعليم عن بُعد، ومن خلال «يوتيوب» الذي جعلني أكتشف نفسي المُحبة للموسيقى، والعاشقة لها، والتي أعطتني دافعاً للاستمرارية.

- بعد أن يتفاعل الإنسان مع تراتيلها ويتذوق صوتها، هل تصاحبه في كل مراحله العمرية؟
أكيد، ولن أتوقع تركها، فالموسيقى إيقاع ضابط للحياة، وغذاء للروح، تسمو بها، وتترك أثراً كبيراً فيها، وهي ملهمة للإنسان والفنان، وشفاء للنفس، ومهدئة للأعصاب.

- ما الذي كانت تعانيه مي، حتى جعلت الموسيقى دربها؟
منذ أربع سنوات، أُصبت بحساسية عالية وصلت نسبتها في الدم إلى 6000، ما اضطرني للسفر إلى ألمانيا بقصد العلاج، وبين الداء والدواء كان العزف يرافقني، والموسيقى رفيقتي، لا أرى أحداً ولا حتى صديقاتي، فأطلقت أول معزوفة سمّيتها «الأمل»، ومستمرة حتى الآن بالتأليف الموسيقي، كما عدت لأتابع دراستي الجامعية بتخصص «إدارة نظم معلومات».

- هل من مشاريع تخطّطين لها؟
أخطط لألبوم موسيقي من تأليفي قريباً، فقد بدأت العزف في بعض فنادق جدة وبعض الفعاليات العامة، وأطمح الى الحصول على شهادة معتمدة في الموسيقى، وكلما ازددتُ دراسة وعزفاً للموسيقى ازددتُ ارتباطاً بها، وحباً لها.

- ما الشعور الذي تمنحك إياه الموسيقى؟
الموسيقى تعدّل مزاجي كونها تساعد على إفراز هرمون «الإندروفين»، وهو الهرمون المسؤول عن السعادة، ويعتبر من أقوى المسكنات الطبيعية للألم، التي يفرزها الجسم من تلقاء نفسه، ويمنح شعوراً بالراحة، والسعادة، والاسترخاء، وبما أنني إنسانة مزاجية فالموسيقى تنقلني من الحزن إلى الفرح وتساعد في شفاء آلامي، وحين تحاكي فكري نغمة معينة أستجيب لها وأجلس لأعزفها على البيانو وإن كان ليلاً، فأنا عاشقة الليل.

- منذ متى بدأت العزف والتأليف على البيانو؟
منذ عام 2013، بدأت العزف على الأورغ، وبعدها اشتريت البيانو وأصبحت أعزف يومياً ما يقارب الأربع ساعات كلها سماعي، بعد ذلك استعنت بمدرّسة خاصة لقراءة النوتة.

- أين وصلت في العزف على البيانو؟
ما زلت أحبو في العزف على البيانو بين مجموعة الشباب والفتيات في المملكة العربية السعودية، كما أعمل حالياً مع دارة صفية بن زقر على إنشاء منصة تجمع جميع براعم الموسيقى. وما أحلم به هو العزف في صالات الأوبرا داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

- الموسيقى أنواع، أي نوع تحبين العزف عليه؟
أحب الموسيقى الكلاسيكية الغربية على رغم أنها الأصعب، وتجسد الفن العقلاني، وأعزف لبعض العازفين والمؤلفين أمثال «Beethoven, Chopin, Yann, Bach»، وعزفت للعازف Paul de Senneville   ـ Mariage d'amour.

- ليس لديك مزاج لعزف موسيقى عربية كلاسيكية؟
هي أغنية وحيدة عزفتها سماعي، «نسم علينا الهوى» للسيدة الكبيرة فيروز.

- ماذا تمنحك الموسيقى في الحياة العملية؟
تأخذني إلى عالم آخر أسرح معه في مخيلتي، كما تساعدني على أن أتحكم بتصرفاتي، لا سيما أن التدريب على أداء مقطوعات موسيقية معينة، ما هو إلا عملية تتضمن وضع هدف معين والتخطيط لطريقة الوصول إليه وتصحيح الأخطاء والرقيّ به.

- لِم تحبين العزف على البيانو؟
مهما كنت متوترة فبمجرد البدء بالعزف على آلة البيانو أشعر بالارتياح النفسي والسلام الداخلي، وأهم ما يميز آلة البيانو، إمكانية العزف عليها منفردة، إذ أستطيع من خلالها عزف أي مقطوعة أو أي أغنية، كما أن العزف عليها يجعلني أكثر انتباهاً ودقة وتركيزاً.

- هل ألّفت مقطوعة خاصة ولمن أهديتها؟
أعمل على مقطوعة مهمة جداً لم ترَ النور بعد، ستكون إهداءً وخصيصاً لأطفال التوحد، نظراً الى حبي الشديد لهم، كوني عملت متطوّعة معهم منذ طفولتي، وحضرت غالبية حفلاتهم، فهم يستحقون الاهتمام بكل معانيه، والموسيقى تساعد أطفال التوحد على التفاعل وزيادة الوعي الاجتماعي، كما تعد أداة مفيدة للاسترخاء.

- العمل التطوعي من أولوياتك؟
التطوع عمل إنساني وجميل جداً، ويشعرني بالفخر في وطني، كونه يعبّر عن مدى تقدم الأمم وازدهارها، إضافة إلى أن الانخراط فيه مطلب من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية والتطور السريع في كل المجالات. ولا أتردد دائماً بالعزف في الكثير من الجهات الخيرية.

- ما أهمية العمل التطوعي للمجتمع؟
إبراز الصورة الإنسانية للمجتمع وتدعيم التكامل بين الناس وتأكيد اللمسة الحانية المجردة من التفضل على الآخرين، كما يُعتبر ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية العاملين في هذا المجال وإيجابية عملهم، ليكون مؤشراً إلى مدى تقدم الشعوب.

- ماذا تحب أن تقول مي لـ «لها»؟
كوني أماً مراعية لاهتمامات طفلك، واعملي على تنمية مواهبه، خصوصاً الموسيقية، ولا تحرمي طفلك من العزف أياً كان نوعه، لا سيما على البيانو، ليتدفق نشاطاً وحيوية، ويعيش سلاماً مع ذاته.

- ما تأثير الموسيقى في الأطفال؟
تبدأ علاقة الأطفال بالموسيقى حتى قبل ولادتهم، إذ يستطيع الجنين في بطن الأم استيعاب المقطوعات الموسيقية والنغمات. كما تساعدهم في تحفيز القدرات التعليمية والذهنية منذ نعومة أظافرهم، وتطوير قدراتهم الاجتماعية، والاستماع الى الموسيقى يؤدي إلى تنشيط مراكز معينة في المخ من شأنها تحفيز التفكير المعقد. ووفق الباحثين، فإن العزف على آلة موسيقية يزيد من الذكاء بمعدل سبع نقاط عند كل من الأطفال البالغين.

- نهاية المطاف؟
كل الشكر لمجلة «لها» التي تنشّط الحوارات الفنية وتسلّط الضوء على المواهب السعودية الشابة.