عندما يُحرج الطفل والديه أمام الآخرين

تربية الطفل / الأطفال, رعاية الطفل / الأطفال, غذاء الطفل / الأطفال, التواصل الإجتماعي, الأم والطفل, طفل / أطفال, مشكلة / مشاكل محرجة

26 فبراير 2013

«ماما ولكنك قلت إن الحلوى التي أرسلتها جدتي ليست لذيذة! بابا ولكنك كنت في البيت عندما اتصل بك خالي!...». هذه العبارات التي يتفوّه بها الطفل عندما يسمع أحد والديه يقول عكس حقيقة ما يعرفه لأحد الأشخاص مثل الجدة أو الخالة أو الأصدقاء...، تُشعر الأهل بالإحراج، ويحاولون إسكاته إما بنظرة قاسية تشير أحيانًا إلى عقاب ينتظره في البيت، أو بالطلب منه بنبرة قاسية أن يسكت ويخرج من الغرفة الموجود فيها.
تبدو عبارات المجاملة التي يقولها الأهل في كثير من الأحيان كذبًا بالنسبة إلى الطفل فهو لا يفهم بعد أنها لباقة إجتماعية، ويُحرج أهله أمام الآخرين إذا سمعها.
فهل يقصد الطفل إحراج أهله؟ وكيف على الأهل التصرف أمام الموقف المحرج الذي وضعهم فيه ابنهم أو ابنتهم؟ ومتى يكون تصرّف الطفل عفويًا وطبيعيًا، ومتى يصبح مقصودًا؟ وإلى ماذا يشير هذا التصرّف؟
«
لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى الإختصاصية في علم النفس التربوي فرح تميم.

- لماذا يُحرج الطفل أهله عندما يقولون عبارة مجاملة؟
في البداية علينا أن نؤكد أن الطفل بين الرابعة والسابعة لا يفهم المجاملات الإجتماعية، وهو بالتالي يعبّر عما يشعر به بصراحة وعفوية تامة. فإذا لم يكن يحب شخصًا ما يقول له بصراحة «أنا أكرهك»، وبالتالي يفترض أن الراشدين من حوله، خصوصًا والديه، عليهم قول الحقيقة كما هي.
لذا وبطريقة عفوية يحرج والدته عندما يسمعها تقول عبارة مجاملة لإحداهن، فيقاطعها بالقول: «ولكن هذا ليس صحيحًا، أنت قلت عكس ذلك».
لذا من الأفضل للأم الإبتعاد عن عبارات المجاملة في حضور الطفل، إذ عليها منذ البداية ألا تعوّد تطفلها على مفهوم الكذب الأبيض.

- ولكن لا يمكن أن نربّي الطفل بأسلوب مثالي، فالواقع ليس مثاليًا ورديًّا، والمطلوب أن نربي الطفل على الواقعية؟
صحيح، ولكن من المعلوم أن الوالدين هما النموذج المثالي الأول بالنسبة إلى الطفل وبالتالي يظن أنهما صادقان في كل ما يقولانه، ففي الخامسة لا يفهم الطفل معنى المجاملة بعد، وبالتالي يظن أنه على الراشد قول الصراحة.
لذا من الأفضل أن يتجنب الوالدان عبارات المجاملة في حضور أطفالهما، والكلام على الأمور كما هي من دون زيادة أو نقصان خصوصًا.

- غالبًا ما يحرج الطفل والديه بحضور الأقارب مثل الجد أو الجدة أو الخالة وقد يسبب هذا الإحراج توترًا في العلاقة بينوالدته وجدته مثلاً. ماذا على الأم أن تفعل في هذه الحال؟
بالفعل قد يسبب الطفل إحراجًا لوالدته عندما تقول لجدّته مثلاً إن «قالب الحلوى الذي أرسلته كان لذيذًا»، فيما الطفل قد يقاطعها بالقول: «ولكن ماما لم يكن لذيذًا ولم نحبه».
 أمام هذا الموقف على الأم أن تبتسم وتحاول أن تؤكد كلامه: «معك حق نسيت، ربما لم تحبه لأن كمية السكر فيه قليلة. ولكن في كل الأحوال شكرًا لك أيتها الجدّة».
بهذه الطريقة لا تشعر طفلها بأنها تعمدت الكذب وتتخلّص من الموقف المحرج الذي وضعها فيه بلباقة. كما عليها تجنّب النظرة القاسية التي تهدده بعقاب ينتظره في المنزل. بل عندما يعودان إلى المنزل عليها أن تشرح له أن جدته تعبت في تحضير قالب الحلوى، و»ليس لطيفًا أن نكون صادمين معها إذ يكفي أن نقول شكرًا لأنها فكّرت فينا».
من الضروري تعليمه اللباقة في الكلام وليس المجاملة. كما يمكن الأم أن تجعله يتوقع أو يتخيل الموقف إذا ما حدث مع صديقه، فهل يقبل؟ من الضروري أن تشرح له الفرق بين الصراحة الجارحة أو عدم التعليق.

- هناك بعض الأمّهات ينبّهن أطفالهن قبل زيارة أحد الأقارب، بأن يجيبوا دائمًا بعبارة «لا أعرف» مهما كان السؤال. هل هذا أسلوب صحيح؟
غير تربوي على الإطلاق، فهذا يحدّ من تفكير الطفل. فهل من المعقول أن يجيب الطفل مثلاً بعبارة «لا أعرف» إذا سألته جدّته «ماذا تناولت خلال الغداء؟». من المهم أن يشرح الوالدان للطفل الفرق بين العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة والمجتمع.
«أنا والبابا وأخوتك عائلة صغيرة، وهناك أمور تخصنا ولا يجوز أن نتحدث عنها أمام الآخرين، حتى إلى الجدة أو الجد أو الخالة...». لذا من الضروري أن تضع الخطوط العريضة لخصوصية العائلة وما يمكن التحدث عنه، وما هو ممنوع التحدّث عنه، مثلاً يمكنه الإجابة عن الأمور العامة ماذا أكلت، وكيف كانت المدرسة... ولكن من غير المسموح التحدث عن شجار حصل في البيت.

- أحيانًا فضول الراشدين الكبار يدفعهم إلى سؤال الطفل طبقًا للمثل «خذوا أسرارهم من صغارهم»؟
صحيح، لذا يمكن تعليم الطفل إذا حاول أحدهم سؤاله عن أمر خاص يتعلّق بعائلته الصغيرة أن يجيب «إسأل أمي أو أبي». فبهذه الطريقة يتعلّم كيف يضع حدودًا للآخرين، وبالتالي احترام خصوصية عائلته الصغيرة، وأنه غير ملزم بالكذب أو التحدث عما يحصل في المنزل.

- ماذا على الأهل أن يفعلوا لتجنّب الإحراج؟
غالبًا ما يسبّب الطفل إحراجاً لوالديه أثناء اجتماع الأقارب أي العمّات والخالات والجدين والأخوال... فأثناء مناسبات كهذه تقال عبارات مجاملة.
لذا فخلال اجتماع العائلة الكبيرة من الضروري أن يسمح الأهل لأطفالهم بالتعبير عن أفكارهم والتحدّث عن أمورهم الخاصة، مثلا ماذا حدث معهم في المدرسة، أو الألعاب التي يحبّونها... فعندما تتاح الفرصة للطفل ليعبّر عن نفسه لن يركّز على أحاديث الكبار، وبالتالي لن يقاطع والده أو والدته بشكل محرج بل يهتم باللعب مع أقاربه من الأطفال.

- متى يكون الإحراج مؤشرًا لمشكلة ما؟
كما ذكرت سابقًا الطفل دون الثامنة لا يدرك معنى المجاملة، وبعد هذه السن يكون الإحراج في بعض الأحيان متعمدًا لا سيّما بعد سن العاشرة.
أي في المرحلة التي تسبق المراهقة، فالطفل يدرك تمامًا معنى الإحراج أمام الناس ويكون سلاحه لابتزاز أهله. لذا يستعمله في كل مرة يريد شيئًا ما أو تحقيق طلب ما. وهذا مؤشر لعلاقة غير سوية بين الطفل وأهله.

- ما هي أسباب هذه العلاقة المتوتّرة التي تدفع الطفل لإحراج أهله في شكل متواصل؟

هناك أسباب عدة منها       

  • يريد استفزاز أهله لجذب الإنتباه، بسبب غياب التواصل بينه وبينهم.
  • لا يعرف الطفل الحدود في علاقته مع والديه، ولا يعرف الصح والخطأ، لأنه لا توجد حدود للتعامل بينه وبين أهله.
  • قد يكون الأهل ممن يتحدثون دائمًا بشكل سلبي عن ابنهم أو ابنتهم أمام الآخرين. فيكون الإحراج وسيلة دفاعه يستعملها في كل مرة تتاح له الفرصة. وبالتالي يتعمّد أن يُظهر للآخرين أنه مظلوم لا سيما الجدين، فنسمع عبارة «حرام اتركوه» إذا ما حاول الوالدان إسكاته بأسلوب عنيف.
  • تقليد والده أو والدته، فأحيانًا يكون أحد الوالدين يتعمد إحراج شريكه أمام الآخرين. مثلاً عندما يحرج الزوج زوجته أمام الآخرين وبحضور الإبن أو الإبنة، يحاول هذا الأخير تقليده فيعمد إلى إحراج والدته، لأنه يظنها شخصًا ضعيفًا وبالتالي يستطيع أن يحقق كل ما يطلبه منها في حضور الغرباء.