شقيقة الأسيرة إسراء الجعابيص: أصعب لحظات حياتي عندما رأيت شقيقتي بعد الحادث

امتياز المغربي (القدس) 15 أبريل 2018

بعد فترة طويلة من تعرّض الأسيرة المقدسيّة المعتقلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي إسراء الجعابيص للحادث الذي ادّعت إسرائيل أنّه عمليّة «انتحارية» والذي تعرضت بسببه إلى تشوّه شديد في وجهها وجسدها، سُمح لها برؤية طفلها الوحيد عصام، فاضطرّت إلى ارتداء قناع نمر حاكته مع زميلاتها في السجن كي لا يصاب ابنها بالذعر. وحين رآها لم يستغرب ذلك لأنها كانت تقوم بصناعة الأقنعة وتضعها على وجهها عندما كانت تسرد له حكايات الأطفال قبل وقوع الحادث.


بعد أسابيع عدّة تخللها أكثر من محاولة للوصول إلى أحد أفراد عائلة الأسيرة إسراء الجعابيص، تمكنّا من مقابلة شقيقتها منى، التي حدثتنا عن إسراء الأم والإنسانة فقالت: «هي إنسانة تحب الحياة وملتزمة دينياً. وإلى جانب متابعة دراستها الجامعية في مادة التربية، تشارك في الكثير من الأعمال التطوعية في المسجد الأقصى. وإسراء تحب الرسم وتهوى إعادة تصنيع الأشياء أو تدويرها، وقد علّمت ابنها الرسم وتحرص على تزويده بأدوات الرسم باستمرار، كما أنها تجيد تقمّص شخصية المهرّج في المناسبات الخاصة بالأطفال».

«الأم تبقى أمّاً حتى لو انفصلت عن زوجها»، تقول منى وتوضح: «بعدما انفصلت إسراء عن زوجها، بقيتْ مع طفلها الوحيد معتصم لتربيته، فهي أمّ حنون تخاف على ابنها كثيراً، يدلّ على ذلك اعتناؤها الشديد بملابسه الشتوية وحرصها على حمايته حتى من نسمة الهواء الباردة، كما أنها تقيم له في أعياد ميلاده الاحتفالات وترتدي زيّ المهرج، حتى تُدخل الفرح إلى قلبه الصغير... ما عدا الاحتفال في عيد ميلاده الفائت!».

«حتى الأحلام تنبئ أحياناً بما سيحدث»، تقول منى لتوضح: «قبل الحادث بيوم، كنت أنا مشغولة كثيراً، وهي كانت منهمكة بالاستعداد لامتحاناتها الجامعية، كما أنها كانت تنقل أغراض بيتها من أريحا إلى القدس، فكان من الأيام النادرة التي لم نلتقِ فيها. لكن شاهِد قولي، أنني في تلك الليلة رأيت إسراء في المنام بشكلها كما أصبحتْ بعد الحادث! واستيقظت مذعورة».

«كان يوماً فظيعاً»! تقول لتتابع: «في صباح 11/10/2015 استيقظت على صوت قرع شديد على باب البيت، وكان الطارق أخي أنس الذي طلب مني، والرعب بادٍ عليه، أن أشاهد صورة السيارة المنشورة يومها على صفحات الفايسبوك، وكأنه يقول: «هذه هي سيارة شقيقتنا إسراء»، وتجادلنا حول ذلك، حتى صرخ أخي في نهاية المطاف قائلاً «هاي سيارتْها أنا وإنتي متأكدين منها».

وتابعت منى: «بدأنا نصرخ بدون وعي، وأجرينا العديد من الاتصالات مع إخوتي الذين ذهبوا إلى مكان الحادث بالقرب من الحاجز الإسرائيلي كي يستفسروا عمّا حدث هناك، وكنا نحاول إخفاء الأمر عن والدي حتى نتأكد من صحة الخبر لأنه مريض بالقلب».

وأضافت: «عندما اتصلنا بالطبيب كي يعطي الدواء المخصص لوالدي في البيت، طلبنا منه أن يخبره، بأسلوبه، بأن إسراء تعرّضت لحادث، أجاب بأن إسرائيل تدّعي أن إسراء قامت بعملية انتحارية. وكان وقع الخبر علينا قاسياً، لأننا لم نكن نعلم إن كانت لا تزال على قيد الحياة. وفي المساء علمنا بأنها في مستشفى هداسا الإسرائيلي تخضع لحراسة مشدّدة، وقد مُنعت عنها الزيارات».

«أصعب لحظات حياتي كانت عندما رأيت شقيقتي للمرة الأولى بعد الحادث»، قالت منى ثم أكملت: «كنّا نعلم خلف أيٍّ من أبواب المستشفى كانت إسراء، وذلك من خلال الحراسة الشديدة أمام ذلك الباب، وبدأنا بالتفكير كيف يمكننا رؤيتها. اقترحت على أخي أن يقف أمام كاميرا المراقبة، ولففتُ غطاء رأسي بالطريقة التي تعتمدها المتديّنات اليهوديّات، وهكذا تمكّنت من الدخول إلى غرفة العناية المكثّفة حيث بدأت البحث عن أختي مستخدمةً اسماً مستعاراً... إلى أن رأيتها فعلاً. كان شكلها أقرب إلى شكل الـ«بالون»! تمالكت نفسي بصعوبة إلى أن خرجت من الغرفة».

تقول منى: «لم أجرؤ على إخبار أهلي بما رأيت، بل قلت لهم إنها بخير و«لا تقلقوا فقد تحدثت معها»، فيما كنت تحت تأثير الصدمة، وعندما ابتعدت عنهم أجهشت بالبكاء».

تحدثت منى عن تعرض «العائلة» للعديد من الاعتداءات على يد الاحتلال الإسرائيلي، من جرف بيوت ودفع غرامات جائرة واعتقال شباب وتعذيبهم، «لكنّ ما فعلوه بإسراء يفوق الوصف والاحتمال».

 «ذات يوم، اتّصل بي محامي إسراء وكلّمني بصوتٍ متهدّج وهو يكاد لا يستطيع التقاط أنفاسه، وطلب مني أن أبتعد عمّن يجلس بقربي حتى لا يستمع أحد الى الحديث. ولمّا ابتعدت عمّن كان حولي من أفراد العائلة، سألته ما الأمر؟ فطلب مني أن أتماسك، ثم أخبرني بصوتٍ يقطّعه البكاء، أن أصابع إسراء قد بُترت!».

تقول منى: «وبين البكاء والضحك الهستيري، أخبرت أفراد العائلة المجتمعين في غرفة الصالون، ومن ضمنهم أمي، بما سمعت».

وأكملت: «وفيما نحن منخرطون في حفلة البكاء والضحك الهستيرية العائلية، دخل علينا أبي وأختي عائدَين من الحرم إثر زيارة في ذكرى المولد النبوي، وعندما علم والدي بالخبر قال مواسياً وداعياً إيّانا إلى الصبر: «أصابع إسراء سبقتْها إلى الجنّة».

وعن الزيارة الأولى لإسراء في سجن هاشرون الإسرائيلي، قالت منى: «بعد مرور 4 أشهر ثقيلة، تمكّنا من زيارة إسراء فاجتمعت الأسرة: أمي وأبي وأخي عبدالرحمن وإسراء ومنى. عندما دخلت إسراء على كرسي متحرك، منعت نفسي من البكاء وقلت لها راسمةً ابتسامة على وجهي: الحمد لله على رؤيتك، نحن نحبك كيفما كان شكلك».

وتتابع منى: «لكن المشهد كان فظيعاً جداً بالنسبة إلى أمي وأبي وشقيقي، فكان أبي يذرع الغرفة جيئةً وذهاباً كأنه يبحث عن شيء ضيّعه ويسأل نفسه بصوت مسموع: مَن هذه؟ أين ابنتي؟ فسمعتْه إسراء وصرخت «أنا إسراء يابا، والله أنا إسراء، صحيح تشوهت بس قلبك وعقلك بحكولك انني إسراء». وأجهشت أمي بالبكاء فيما جلس أخي في إحدى الزوايا خائفاً».

«وفي الزيارة الثانية»، تقول منى، «بقيت أنا خارج السجن لأن عدد الزائرين المسموح به لم يكن يتيح لي الدخول، وعندما خرجوا من عندها أخبروني بأنه لم يزل لإسراء إصبعان في يديها، فبكينا وحمدنا الله على ذلك».

ابتكرت إسراء طريقة كي لا تخيف ابنها الذي كان سيراها للمرة الأولى بعد الحادث. عن هذا الابتكار، تحدثنا منى: «بعد مضي سنة وأربعة أشهر، تمكّن ابنها الطفل معتصم من رؤيتها، لكنّها لم تلتقِ به إلّا بعدما وضعت قناع النمر على وجهها الذي حاكته مع صديقاتها في السجن كي لا يخاف ابنها من شكلها الحالي، وعندما رآها ابنها بهذا الشكل لم يستغرب لأنها كانت دائماً ترتدي مثل هذه الأقنعة عندما تروي له الحكايات».

وحول إجراءات المحكمة العسكرية الإسرائيلية وحكمها على إسراء، قالت منى: «لم تُشكّل لجنة للتحقيق في الحادث وتعامل القضاة معها كعملية انتحارية حسب ادّعائهم، وقد عُقدت جلسات عدّة وحُكم عليها في نهاية الأمر بالسجن 11 عاماً، وقد تم تقديم استئناف للمحكمة ولكن قوبل بالرفض».

تطالب عائلة الأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص بضرورة علاجها. تقول منى: «أصيبت شقيقتي إسراء بحروق في جميع أنحاء جسدها بنسبة 65% وقد بُترت أصابعها الثماني، وهي بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية في مناطق الأنف والأذنين الملتصقتين برأسها، كما أن الرقبة ملتصقة من الخلف، وهناك التصاق تحت الإبط الأيمن، إضافة إلى ضرورة معالجة عينها اليمنى، كذلك يلزم إجراء عمليات جراحية أخرى تمكنها من التعايش مع حالتها، من دون أن نذكر عمليات التجميل! لذلك نطالب وعلى نحو عاجل، بالإفراج الفوري عنها وتوفير العلاج اللازم لها».