الفنانة التشكيلية ريم الديني الإيقاع ينبض من القلب حين يفوح منه عطر الحياة

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 22 أبريل 2018

ابتسامتها لا تفارق محيّاها، لأن قلبها يعرف في السكينة كيف يكشف الأقنعة لتترجم ما تحتها في مشهد بصري تُسمع سمفونياته المحمّلة على الريح لتصل إلى المتلقي مرتلة أغنية العاشقين، وإيقاعاً ينهب الأرض بحركة الراقصين.
الفنانة التشكيلية ريم الديني مسكونة بالإيقاع، مستريحة في كينونة من النغم الأصيل، تعزف لوحاتها أجمل السمفونيات وتضرب بالحركة أجمل إيقاع يجعل البصيرة تبحث عن المساحة الغائبة في أعمالها التشكيلية، حين ترصد الحياة بحلوها ومرها، وبمعاناتها، وتبحث عن ذاتها الإنسانية بصمت السالكين. التقتها «لها» لتسمع صوت موسيقاها من لوحاتها التشكيلية، وتراتيل آلاتها.


- خربشات أسبوعية يتلقفها المتلقي ليسمع صوت الناي أو الكمان من معزوفتك التشكيلية، ما السر الذي يربطك بالآلات الموسيقية؟
الآلات الموسيقية عشقي وغرامي، وهي لغة الشعوب تعبر عن ذاتها بروح جميلة تجذب أصحاب القلوب المرهفة، وتنسجم معها، كونها اللغة الوحيدة التي تشترك فيها إيقاعاً ونغماً.

- ما فلسفة ريم في الإيقاع؟
الإيقاع ينبض من قلب الإنسان حين يفوح منه عطر الحياة، ويخرج أجمل معزوفة تعلن الأمل للنفس حين تخفق بتراتيل تصبُّ في اللوحة.

- أيهما تحبين: الناي أم الكمان؟
الناي يمنحني الشجن، ويحلّق بي في الفضاء الرحب، فالشاعر الصوفي جلال الدين الرومي يقول في قصيدة الناي: أنصت إلى الناي يحكي حكايته، ومن ألم الفراق يبث شكايته...
أما الكمان فأحنّ الأصوات وأرقى الآلات الوترية ذات القوس، وهو الأكثر تعبيراً بينها، فيجمع الشجن والفرح.

- «مو حزن لكن حزين» يقول الشاعر العراقي مظفر النواب، للتعبير عن الذات الإنسانية في لوحاتك.
الحزن الموجع في حياتي كله فقدان والديّ، لكن ما يتشكل في لوحاتي هو من معاناة الآخر سواء كان رجلاً أو امرأة، وكثيراً ما يصعب عليّ حين أرى البعض يهمس في أذن الرجل «لا تبكِ أنت رجل»، كيف لا يبكي وهو كتلة من الأحاسيس والمشاعر؟! إضافة إلى قضية المرأة في العالم العربي التي حملتها منذ الخليقة، وأنا أعيش معها لحظات الألم والوجع والفقد والموت والقهر والحرمان والحرب والتشرّد، المرأة هي الدنيا كلها.

- بين خربشات وخربشات معاناة يقرأها المتلقي من نظرات العين الباهتة التي تنم عن الوجع، ما الذي يوجعك ويؤلمك حتى في حركات العين؟
الحزن يسكن في بؤبؤ العين، ويمتدُّ إلى المآقي، فالعين تقرأ ما في العين، وتحاكيها، لتنقل المعاناة الحقيقية التي يعيشها الإنسان في هذا العالم المليء ظلماً وقهراً وتشريداً، براعم الورد تموت كل يوم قبل أن تتفتح على الحياة، هذا ما تراه العين، وما يلامسه الإحساس أنقشه في اللوحة تشكيلاً ولوناً، وكل ما أملك من طاقة إنسانية أفرّغه ضمن مساحة تمتلكني بكل ما تعجُّ من أحداث.

- حدثينا عن ينبوع الفن الكامن في أعماق الذات، متى سينفجر ليعزف سمفونيته الفريدة؟
في أعماق نفسي مخزون كبير لا يرتضي الألفاظ ثوباً ليخرج الى العلن، بل ينتظر الاشتعال اللوني لينفجر بركاناً من خلال فكرة لم تختمر بعد، أو ربما لاحت بوادرها.

- من خلال فكرة مايسترو الأخيرة ألم يتحرك البركان؟
ربما، إذا اكتملت عناصر الفكرة بكل أحاسيسها ومشاعرها، بكل إيحاءاتها الجسدية والروحية، فلا تسيل مع اللون على اللوحة قبل أن تحيط بعواطفي كغلاف شفاف.

- ألم يخرج جزء من المايسترو؟
خرج جزء من الفكرة بدراسة واعية، لكن ما أحتاجه أكثر، أتنهّد الفكرة بالبحث والتدقيق وأخاف عليها من دقائق الأثير، حتى أنشدها إحساساً وتعبيراً تشكيلياً متكاملاً بلقائي يتكور في لوحاتي.

- خضت تجارب عديدة ومختلفة، وعزفت على إيقاع الإيحاءات الجسدية، ماذا تعني لك لغة الجسد بالمفهوم التشكيلي؟
لغة الجسد هي التي تحرك فرشاتي، وتجعلها تعزف على إيقاع الحياة، لتأخذني إلى الحلم، وللتحليق في فضاءات الروح، وكلما ازدادت الروح تحليقاً، تناثر الفن إبداعاً.

- للرقص مساحة غائبة في تشكيلاتك واستحوذت الأعمال على ضربات إيقاع الأرجل، هل هي مظاهرة احتجاج على واقع مر؟
حين يتألم الإنسان تعلن رجلاه في بعض الأحيان الحرب على من آلمه ويبدأ بالتعبير بضربات موجعة، لذلك يخرج ليتنفس في حلبة الرقص معلناً الغضب بالإيقاع، ويشترك في ذاك الرجل والمرأة على حد سواء، لا فرق بينهما مطلقاً، وكلٌ يعبر عن واقع مر.

- نسمع سمفونية تعزفها أقدام العاشقين، حين تكون «المساحة» الحاضر الغائب.
في المعرض ذاته «مساحة غائبة» ثمة مجموعة مختلفة من الأعمال التشكيلية وبواقع مختلف، فكان الحالمان يتحاوران بصمت، والعاشقان يرددان أغنية الحب، والأعمال التشكيلية مجموعة من الانفعالات والأحاسيس تغصُّ بالفرح والحلم والألم والمعاناة.

- هي معاناة تشكلت على مر الزمن، لكن اللون يشحذها لتبدو مشرقة جميلة، تعبيراً عن الذات الإنسانية بصمت.
الصمت لغة العارفين، وهو الكهف الذي ألوذ به من صخب البوح وضجيجه، لتظل صفحات البوح فارغة لا تملؤها كل تلك الثرثرة التي أحدِّث بها نفسي، بل أنقشها بفرشاتي وألواني وجعاً وألماً من سطور الدمع الذي ذرفته أعين المعاناة، هو ذاك عالمي.

- هذا المخزون البصري كيف تشكل عند الفنانة ريم؟
من سفري المتعدد واختلاطي بالمجتمعات المختلفة ثقافة وفناً، من بلدان زرتها وعرفت عادات أهلها وتقاليدهم، من كل شيء حولي تعلمت، حتى من حجر الأرض تشكل مخزوني البصري وكل ما تقع عيناي عليه.

- أين افتتحت معرضك «إيقاع» في القاهرة أم في جدة؟
معرض «إيقاع» تم افتتاحه في جدة وعزف إيقاعه على يدي أمي رحمها الله، وهي من افتتح أول معرض شخصي، أما معرض «ظل» فقد افتُتح في جدة ونُقل إلى القاهرة.

- ما الذي منحك إياه معرض «إيقاع»؟
منحني حافزاً أكبر للتقدم، وأعطاني طريقاً للاستمرارية في الفن التشكيلي.

- ماذا حصدت في معرضك الأخير «مساحة غائبة»؟
هذا المعرض كان ناجحاً بكل المقاييس، كان يحمل فكرة جديدة، فاشتغلت عليها كثيراً وبحثت عن الفكرة التي تمثلت بالرقص، حيث منحتني ثقافة متفردة، عرفت من خلالها أين بدأ الرقص، وكيف تطوّر، وما هي أنواعه، وكيف أصيغه بتلك المساحة الغائبة إلا من الأرجل التي كنت أسمع وقع ضجيجها من خلال ألواني، وصوت معاناتها من تشكيلاتي المتناغمة مع الحركة المدروسة، وهي حالات للتعبير.

- معرض «ظل» شهد حضوراً كثيفاً بوجود خمسين عملاً تشكيلياً، فهل تعتبرينه كنز النجاح؟
كل معرض قدمته حقق نجاحاً باهراً، لكن ما زالت كنوزي مخبأة ولم تظهر بعد، ولدي أفكار كثيرة أعمل على دراستها لترى النور.

- لِم أخفيت الواقع وتركت العمل ظلاً مختفياً يحكي معاناة إنسانية؟
كل إنسان لديه جزئية يخفيها عن الآخرين ولا يحب البوح بها، لأنها تخصه وتمس ذاته الإنسانية.

- نستطيع سبر أغوار المتلقي بقياس محدود، كون الذات بحراً عميقاً؟
الذات ليس لها مقياس وليست لها حدود، وتشكل ذلك الشيء الثمين لصاحبها، وتقديرها مهم جداً لأنها البوابة لكل أنواع النجاح الأخرى المنشودة، وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة رد فعله تجاه التحديات والمشكلات في حياته.

- لأعمال ريم الديني مفردات خاصة بها من اختزال الشخوص بكتل لونية، وصولاً إلى الضبابية المعلنة، لماذا؟
تعتمد على الحالة النفسية التي أكون عليها، تارة أخفيها ولا أستطيع إخراجها، فتبقى في داخلي ولا أحد يعرف بها.

- ريم، على مَن أعلنت الحب؟
أغنية الحب لا تغادر حياتي، وأعلنها من خلال سمفونياتي الموسيقية التي تتشكل من ألواني على العالم الذي خلقه الله عز وجلّ، ولا وجود لمفردة الكره في قاموسي مطلقاً، لأنني أعيش من خلال الحب والمحبة التي تختبئ بين ألواني.

- شاركت في معارض عدة، في أيها كان الحضور طاغياً؟
حضوري، يهمس له المتلقي، لكن لي مشاركات سنوية تتلقى أعمالي، حيث شاركت في معرض مختارات عربية، ومعرض لوحة في كل بيت.

- حين تكون الفرشاة بين أناملك ما هو الحديث الذي يتم بينكما؟
الفرشاة تسرح بين اللون محددة مسارها وأترك لها العنان كي تدلني على الطريق الصحيح، لثقتي الكبيرة بها، كونها جزءاً من أحاسيسي ومشاعري.

- لك خصوصية متفردة في الفن، من أين لك هذا؟
الحب هو الذي يربطنا بالأشياء كلها، حين يؤلف كيمياء بينه وبين اللون، حين تداعبه الفرشاة، فيسيل نقياً صافياً على اللوحة بصفاء النفس التي أحبته وتعاملت معه.

- ما هي ألوانك المفضلة.
أحب كل الألوان وألامسها بشفافية، لكنني أفضل اللون الأزرق، لون النقاء والسماء حيث تحلق الروح.

- على مدى خمسة عشر عاماً، مَن وراء هذا النجاح المبهر؟
والداي الحبيبان رحمهما الله، وإخوتي وأصدقائي، والمتلقي الذي منحني الدعم الكبير بحضوره، أوجه له الشكر أيضاً، من خلال «لها» المجلة العريقة.

- ماذا تقول ريم للمرأة؟
لكل سيدة في العالم، افتحي نوافذ الموهبة أمام طفلك، واعملي على تنميتها، وامنحيه الفرصة الكافية ليكون فناناً كبيراً إن كان يمتلك تلك الموهبة، فالأطفال أحباب الله وهم الحياة والمستقبل الجميل، لذلك أقيم كل عام معرضاً للأطفال تحت عنوان «فن x فن».