'حب بيروتي'.... بنَفسٍ شاب مغاير

السفارة الباكستانية في بيروت, سحر مندور, معرض الكتاب في بيروت, كاتبة, قصة حب , رواية / قصة, جائزة الشيخ زايد للكتاب

11 مايو 2009

كتاب: «حب بيروتي»

الكاتبة: سحر مندور

الناشر: دار الآداب، ‏2009‏‏


بعد روايتها الأولى «سأرسم نجمة على جبين فيينا»، أصدرت الكاتبة والصحافية في جريدة السفير اللبنانية سحر مندور روايتها الثانية «حب بيروتي» عن دار الآداب للنشر. ومن خلال هذه الرواية الجديدة التي تقع في 159 صفحة من القطع المتوسط، واصلت مندور تقدّمها وكانت على قدر ثقة من راهن عليها منذ عملها الأول، كما فاجأت في المقابل كل من اعتقد أنها مجرد تجربة عابرة لن تؤثّر على الساحة الأدبية والروائية في شيء.... فروايتها الأخيرة تصدّرت المبيعات في معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت (بدورته الأخيرة) ونافست كبار الأسماء المعروفة في عالم الكتابة الروائية اللبنانية والعربية مثل حسن داوود وربيع جابر وغيرهما... فما الذي يُميز الرواية؟ أين تكمن أهميتها؟ وما سرّ نجاحها؟ هل إنّ عمل كتابتها الصحافي ودائرة علاقاتها ساعداها في تسويق روايتها أم أنّ الرواية بالفعل تُشكّل عملاً أدبياً يستحق الوقوف عنده والتصفيق له؟...

هناك مجموعة عناصر ساهمت في إنجاح هذا العمل وإيصاله إلى الناس أوّلها «النَفَس الشبابي» الذي تتمتع به الرواية. ففي «حب بيروتي» ابتعدت الكاتبة عن كلّ شكل من أشكال الكلاسيكية وخصوصاً في مسألة تقنية الكتابة. فالقصة في شكلها العام لا تقدّم الكثير من «التجديد»، لا من ناحية الموضوع ولا الطرح، فهي تروي قصة حب جميلة جمعت بين شاب (أحمد) وفتاة (جمانة) لمدّة أربع سنوات. وبعد أن أصبحا على مقربة من الدخول في عقدهما الثالث اقترحت جمانة على حبيبها فكرة الزواج انطلاقاً من ضرورة وضع علاقتهما في سياق محدّد وواضح. إلاّ أنّ أحمد يرفض اقتراح حبيبته ويبدأ كلّ منهما ببناء علاقات غرامية بعيداً عن الآخر، جمانة تتعرّف إلى مروان، وأحمد إلى كارمن إلاّ أنهما يظلاّن يتواعدان ويُخبران بعضهما عن حياتهما الجديدة إلى أن يُقرّرا في نهاية الرواية وبطريقة هزلية ساخرة أن يتزوجا في سنّ الأربعين إذا لم يُغرم أحدهما بأي شخص آخر، وهذا له بالتأكيد دلالة ضمنية على الخسارة الحتمية لهذا الحب، لأنّ النهاية المفتوحة في مثل هذه الحالة لا تدلّ سوى على أنّ الشخصيتين (أحمد وجمانة) لعبا بالحب حتى خسراه.

القصة يرويها أحمد عبر استخدام ضمير المتكلّم «أنا»، وهذه نقطة تُحسب للكاتبة (المرأة) التي اختارت أن يكون الراوي- البطل رجلاً. ولكن مندور لم تستغلّ هذه النقطة لصالحها حتى النهاية، إذ ربما وجدتها لُعبة شاقّة، فكانت تُبعد أحمد بين الفترة والأخرى لتترك المجال لشخصيات أخرى كي تتدخل وتروي قصصها ومشاعرها. كما أنها سنحت لنفسها الفرصة أيضاً بأن تتدخل في الرواية ككاتبة وليس كواحدة من شخصيات النص. وتواصل المؤلفة مسيرة «التجديد» في روايتها، فنراها تثور على اللغة العربية وتكسرها باللغة «الدارجة» أو اللهجة اللبنانية المحكية. فهي لا تتقيّد بإدخال اللغة المحكية في مقاطع الحوار فحسب، بل إنها تكتب فيها وتمزجها باللغة العربية الفصحى.

ورغم أنّ هذا الأسلوب قد يُضعف قيمة النص لغوياً ويُبسّطه إلاّ أنّه في هذه الرواية لعب دوراً مميزاً إذ جعلنا نشعر بأننا نحيا في بيروت، مع شخصيات وعادات ولهجة «بيروتية» خالصة. وعملية إدخال بعض العبارات الأجنبية من اللغتين الإنكليزية والفرنسية أضفت إلى النص المزيد من الواقعية إذ نشعر ونحن نقرأ الرواية وكأننا نمشي في شوارع بيروت ونسمع أحاديث المارّة التي تختلط فيها العربية المحكية بالفرنسية والإنكليزية. والمُلفت في النص الروائي لسحر مندور أنه مزدحم بالمعارف الفنية سواء كانت سينمائية أو غنائية، الأمر الذي يزيد من واقعيته، كما أنّ  مثل هذه المعلومات المشتركة بين القارئ وشخصيات النص تُقلّص المسافة بينه وبينها.

وهنا نقول إنّ المؤلفة نجحت أيضاً في أن تستخدم التفاصيل الصغيرة للعبور منها نحو القضايا الأوسع والأهم. فهي تصف يوميات الشخصيات بتفاصيلها الدقيقة أحياناً والباهتة أحياناً أخرى بذكاء من أجل تمرير رسالة ما. فمثلاً قد يرى البعض في الحوار الأخير بين أحمد وجمانة الذي يُقفل الرواية مجرّد حديث تافه لا يخدم الرواية بشيء، إلاّ أنّ القارئ المتنوّر قد يفهم من وراء ذلك أنّ ذاك الكلام السطحي الذي ينمّ عن استهتار الشخصيات هو في الأساس السبب وراء فشلهم في تحقيق استمرارية العلاقات بينهم. ذلك تأكيداً على فكرة مفادها أنّ اللعب بالحب لا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى ضياعه. وقد نجحت الكاتبة في أن تُدخل «العِبرة» إلى نصّها دون إعتماد الخطابة، بل أدخلتها بين السطور ليستخلصها القارئ عبر بعض الدلالات الرمزية. وربما تكون هذه ميزة «حب بيروتي» التي كُتبت بنَفس شاب ومغاير...