الطفل لا يكذب وإنما يخفي الحقيقة... أما المراهق فيتعمّد الكذب

ديانا حدّارة 21 أبريل 2018

«أنا لم أرسم على جدار الغرفة بل رامي»، «أنا لم أضرب صديقي بل هو الذي تهجّم علي»... بهاتين العبارتين وغيرهما يحاول الطفل أن ينجو بنفسه من العقاب المحتمل نتيجة خطأ ارتكبه. فهل يُسمّى ذلك كذبًا؟
فيما تظاهر الابن المراهق بالنوم في منزل صديقه المفضّل، الذي بدوره روى القصة نفسها لوالديه، وهما في الواقع أمضيا ليلتهما مع صديق ثالث... عرف الوالدان «الكذبة» في بضع ثوانٍ، وبدأت الأسئلة تنهال: كيف يمكن أن يكذب بهذه الوقاحة؟ هل هذا كذب عادي أم مؤشر الى مشكلة ما؟
يؤكد اختصاصيو علم النفس، أن الطفل الصغير لا يعرف معنى الكذب، وإنما ينكر فعلته ليتفادى اللوم أو العقاب، فهو في هذه السن لا يدرك الفرق بين الانكار والكذب، فيما المراهق تكون كذبته عن سبق إصرار وترصد. ولكل منهما، أي الطفل الصغير والمراهق أسبابه التي تدفعه إلى الكذب.


الخوف من العقاب
يرى علماء النفس أن الطفل دون الثلاث أو الأربع سنوات لا يعرف الكذب بالمعنى الحقيقي كما يعرفه الراشدون، بل جُلّ ما يفعله هو إخفاء الحقيقة هربًا من العقاب.
ولكن رد فعل الأهل على الأخطاء أو السلوك السيئ الذي يقوم به الطفل قد يؤدي إما إلى تحفيزه على الكذب أو الجرأة على قول الحقيقة. فمثلاً إذا عاقبت الأم طفلها بعدما اعترف لها بأنه كسر الإناء، لا بد له في المرة المقبلة إذا قام بعمل سيئ أن ينفي الأمر و «يكذب».
لذا، من الضروري جدًا أن يعوّد الأهل طفلهم على قول الحقيقة من دون خوف، فقد أظهرت دراسة بحثت في تأثير ردود فعل الأهل في وتيرة الكذب عند أبنائهم، أنّ معدل الكذب عند الأطفال الذين تكون ردود فعل أهلهم هادئة وترتكز على شرح مساوئ الكذب، هو أقل بكثير منه لدى الأطفال الذين يستخدم أهلهم العقاب كحل لعادة الكذب.

الاحتفاظ بمحبة الأهل
بيد أن الهروب من العقاب ليس وحده سببًا للكذب، فقد يلجأ الطفل إلى الكذب ليحتفظ بمحبة أهله. فمثلاً إذا قام بعمل سيئ، يعرف مسبقًا أن ذلك سوف يثير غضب أمه، ويظن أنه سوف يخسر محبتها وحنانها. لذا من الضروري أن تؤكد الأم له محبتها غير المشروطة، وتوضح له أن العقاب سببه تصرفه السيئ وأنه غير موجّه ضده هو كـ«ابن محبوب».

والدان يكذبان... أبناء كاذبون
وتفيد أبحاث أخرى بأن الوالدين هما النموذج الذي يحتذي به الطفل، فعندما يرى الطفل والده مثلاً يدّعي أنه غير موجود في المنزل، لا بد له من أن يقلّده.
وعندما يقول الطفل أمورًا غير صحيحة، قد يكون السبب أحيانًا أنه سمع والديه يقولان ذلك، إما من قبيل المجاملة أو من باب ما يقال عنه «الكذب الأبيض». لذا على الأهل التنبّه إلى تصرفاتهم قبل لوم طفلهم أو معاقبته.

اختلاق الطفل للقصص لا يعني كذبًا
وقد يظن البعض أن اختلاق القصص هو نوع من الكذب، فيما يؤكد التربويون أن اختلاق الطفل قصصًا من نسج خياله قبل سن السابعة هو أمر طبيعي. ولا يعني ذلك أنه خالٍ من المشاكل. فمثلاً قد يتحدّاه أصدقاؤه أن يثبت صحة ما يرويه من حكايات، ويسبّب له هذا التحدي قلقًا. فمثلاً قد يدّعي الطفل أمام أترابه أنه يمارس رياضة التزلج، ولكي يُثبت لهم ذلك قد يسرق مزلاجَي شقيقه عن غير قصد مدّعيًا أنهما ملكه.
لذا، على الأهل التنبه إلى ما يدّعيه طفلهم، والأفضل أن يأخذوا الأمر بجدية، وكبداية عليهم أن يدرّبوا أنفسهم على التعرف إلى الفارق بين القصص الخيالية لطفلهم وقصصه الواقعية. يبدو هذا الشرط ضروريًّا للقيام بالخطوة التالية وهي تعليم الطفل نفسه على وضع حد بين الحقيقة والخيال.
ويُفترض بالوالدين أن يشرحا للطفل لماذا يُعتبر الكذب فعلاً سيئًا، وكيف أنهما إذا لم يميّزا بين ما هو جاد في كلامه وما هو مختلق فلن يتمكنا من مساعدته إذا حدث أي مكروه.
وفي إمكان الأم أن تحكي له مثلاً قصة الولد الذي كان يصيح دومًا «ذئب» فيركض أهل القرية لإنقاذه، لكنهم كانوا في كل مرة يكتشفون كذبه، إلى أن أتت اللحظة التي هجم فيها الذئب فعلاً على الولد ولم يأتِ أحد لإنقاذه.

ويجدر بالأهل ألا يتّهموا طفلهم بالكذب لأنه في هذه السنّ لا يكون لديه مفهوم واضح عن الكذب. وأحيانًا يستفيض الطفل في اختلاق القصص لأنه يحاول لفت الأنظار إليه، ويمكن أن يكون الأمر إشارة إلى أنه يشعر بالتعاسة. وربما كانت لديه مشكلة في تكوين علاقات مع أترابه. ولتلافي هذه الأمور، يتوجب على الأهل مواصلة الحوار مع الطفل.

ماذا عن المراهق الذي يعرف معنى الكذب؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق، أن المراهقين يتطلعون إلى الحصول على استقلالهم، وإلى الهروب من قبضة الوالدين والتفلّت من سلطتهما. ومن هنا، تظهر بين سنَّي الـ 12 والـ13 الأكاذيب الصغيرة وغيرها من الأسرار، التي تهدف إلى إيجاد مساحة من الحرية. وفي مقابل هذا الميل إلى إخفاء الحقيقة واختراع الأكذوبات، يشعر الأهل بخيبة أمل تجاه ابنهم المراهق، ويستشيطون غضباً لخداعه لهم، وبالتالي يفقدون الثقة به «أشعر بخيبة أمل كبيرة» و«أريد أن أعرف أين أنت ومع من»... فيما يكون رد فعل المراهق أمام مواجهته بالحقيقة دفاعياً يخفي الرغبة في الإبقاء على السيطرة.
وفي المقابل، من المعلوم أن المراهقة تتميّز بمرحلة الدخول في عالم من الغموض النسبي، وبالتالي فإن المراهق يرغب في بعض الخصوصية والأسرار التي يجب احترامها، وهذا جزء من بناء استقلاليته. لذا يجدر بالأهل الفصل بين كذب المراهق الخطر وأسراره.
فتزوير توقيع أو سرقة نقود من محفظة والده هو أكثر خطورة من تمزيق ورقة عقوبة مدرسية بسبب ثرثرة، أو الزعم بأنه بات ليلته عند صديقه للتحضير للامتحان فيما خرج للسهر عند صديق آخر. لذا فإن على الأهل التفكير مليًا في أسباب الكذب عند ابنهم أو ابنتهم المراهقة.

فغالبًا يكذب المراهق لأن والديه لا يثقان به، أو لأنهما لم يوفّرا له الوسائل التي تعزّز استقلاليته. فيما بعض المراهقين يكذبون بشكل مستمر، ويخترعون قصصًا مثيرة ليلفتوا اهتمام أقرانهم ويثيروا إعجابهم. وقد يكون الكذب وسيلة لإخفاء أسرار أو مشكلات يراها المراهق في الغالب معيبة، وهو من دون وعي، يحاكي سلوك والديه اللذين يتصرّفان على هذا النحو، فبدل أن يكذبا، عليهما مواجهة المشكلة بشكل إيجابي.

ماذا يجدر بالأهل فعله حيال كذب ابنهم المراهق؟
إذا كان الأهل متأكدين من أن ابنهم المراهق يكذب أو فعل شيئًا خاطئًا، عليهم ألا يشرعوا في التحقيق معه في شكل صارم يشعره بأنه متهم ووالده محقق شرطة، إذ لا يجوز أن تصبح العلاقة بينهما على هذا النحو، خصوصًا عندما يكشف له الأهل الأدلة التي تدينه، فالمراهق سيشعر بأن أهله تحوّلوا محققين في مركز للشرطة، وهو المتهم الذي عليه الدفاع عن نفسه، فكلّما عمل الأهل على استجوابه بشكل قاس، دافع عن نفسه بشكل عنيف إلى درجة حدوث شجار بينه وبينهم، وهذا قد يجعل المراهق أحيانًا يبحث عن الوسيلة المثلى لجعل كذبه أكثر احترافاً، ويتفادى العقوبات التي قد تكون قاسية وفي غير محلها.
لذا من الأجدر بالأهل أن يتحاوروا مع المراهق في شكل هادئ، ويتحرّوا منه عن الدافع وراء كذبه، بدل الصدام العنيف المتبادل بين الطرفين. فمثلاً عندما يعلم الأهل أن ابنهم قد طُرد من المدرسة مدة أسبوع، وهو خلال هذا الأسبوع كان يدّعي أنه يذهب إلى المدرسة، بدل الشجار معه ومعاقبته بحرمانه من مصروف الجيب أو منعه من الخروج، عليهم في البداية معرفة أسباب الطرد، ثم الدافع الذي جعله يكذب، وتشجيعه على قول الحقيقة مهما كانت. فالمراهق الذي يتمادى في كذبه قد يكون يعاني قلة ثقة إما بنفسه أو بأهله أو بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش في إطاره.