أحدث الجراحات للجنين في الرحم وسائل متطورة تزيد فرص النجاة للطفل

كارين اليان ضاهر 05 مايو 2018

ثمة تشوّهات عدة يمكن أن تظهر لدى الجنين، وكثير منها لا يظهر قبل الولادة، وعندها لا يبقى أمام الأهل إلا الندم والإحساس بالذنب في كثير من الأحيان من دون إمكانية العودة إلى الوراء.
الطبيب الاختصاصي بالتوليد والجراحة النسائية وتشخيص ما قبل الولادة وجراحة الجنين في الرحم نديم حجل يتحدث في هذا الحوار عن أحدث التقنيات المتاحة لكشف التشوّهات لدى الجنين في الرحم وطرق التدخل المتطورة التي تسهّل الكثير على الأم والطفل والعائلة ككل.

- في أي مرحلة من الحمل يمكن أن تظهر تشوّهات معينة لدى الجنين؟
قد تظهر هذه التشوّهات في أولى الصور المهمة التي تُجرى للحامل مع فحوص الدم. فتُقاس بين الأسبوعين الحادي عشر والرابع عشر سماكة الشفافية القفوية، وبمقدار ما تزيد سماكتها يزيد احتمال التشوّه في الجينات.

- ما الذي يمكن فعله في هذه الحالة؟
يُجرى الـ Triple Test للتأكد من عدم وجود تشوّهات جينية، تليه صورة صوتية قد تظهر فيها تشوّهات في القلب أو الكلى أو الرئتين أو أصابع الساقين أو الرأس. تبرز هنا أهمية إجراء هذه الفحوص والصور للتأكد من عدم وجود مشكلة حتى يتم إرسال الحامل إلى الاختصاصي في الجراحة الخاصة بالحامل والجنين لاكتشاف المشكلة في حال وجودها ومعالجتها في الوقت والشكل المناسبين.

- هل يمكن الطبيب الاختصاصي في جراحة الجنين أن يتدخل ويجد حلاً لكل الحالات؟
يسمح التعاطي المباشر مع المشكلة بكسب الوقت، لأن إضاعة الوقت تجعلها أكثر سوءاً فيما من حق كل أمّ وجنين الحصول على الرعاية المناسبة للعيش بشكل طبيعي.
أما في حال كشفها في مرحلة مبكرة والتدخل في الوقت المناسب فتُتخذ القرارات المناسبة، سواء بالتدخل أو بتأجيل الموضوع حتى وقت آخر يتم فيه التدخل بشكل مباشر في توقيت معين. هذا من دون أن ننسى العامل النفسي الذي يلعب دوراً مهماً أيضاً حيث يسمح إجراء الفحوص وكشف المشكلة في مرحلة مبكرة بالعمل على الناحية النفسية بالنسبة الى الأم والمحيط. وتجدر الإشارة إلى أن بين الأسبوعين العشرين والثاني والعشرين تُجرى صورة تفصيلية للدماغ والأنف والأذنين وسقف الحلق تسمح بكشف أي مشكلة. وهي تُظهر أيضاً الغدة والصدر والشرايين والقلب بالتفصيل للتأكد مما إذا كانت كل الأعضاء تعمل بشكل طبيعي وصحيح.
قد يُجرى أيضاً منظار للجنين في الرحم فيمكن عندها رؤية مختلف الأعضاء ووظائفها، والكلى من ضمنها للتأكد من سلامتها. أمراض كثيرة ومشكلات وتشوّهات يمكن كشفها بهذه الطريقة في الرحم. حتى أنه يمكن اكتشاف سرطانات أو تفتت في العظام أو نقص في الأعضاء.

- هل الجراحة هي الحل الأمثل؟
إضافة إلى الجراحة التي قد تُجرى في حينها أو في وقت لاحق مناسب، يمكن اللجوء إلى بعض الأدوية التي قد تعالج مشكلات معينة.

- كيف يُتخذ القرار باللجوء إلى أي تدخل كان عند كشف المشكلة؟
قبل اتخاذ أي قرار بمتابعة الحمل أو وقفه، ثمة احتمالات عدة حول طرق المعالجة ووسائل متطورة تسمح بذلك، منها تقنيات تصوير متطورة تتيح رؤية الجنين بشكل واضح واكتشاف المشكلة ومراقبة تطورها. عموماً، في حال وجود مشكلة، تبدو المراقبة الدقيقة للحالة في غاية الأهمية، علماً أن المراقبة تصبح أكثر دقةً مع مرور الوقت.

- كيف تتم المراقبة؟
تتم المراقبة على ثلاث مراحل أساسية بين الأسبوعين الحادي عشر والرابع عشر أولاً، وبين الأسبوعين العشرين والثاني والعشرين ثانياً. أما المرحلة الثالثة فهي بين الأسبوعين الثلاثين والثاني والثلاثين، وتكون المرة الأخيرة قبل الولادة، وتظهر فيها أي مشكلة بشكل أوضح. كما أنه في هذه المرحلة يتم التحقق من وزن الجنين، ومما إذا كان طبيعياً ومن تطور المشكلة.
عندها لا بد من إرسال توصية إلى الطبيب الذي سيتولى الولادة للتشديد على الطريقة الأنسب لولادة طفل يواجه نوعاً معيناً من المشاكل. كما يذكر عندها الموعد المناسب للولادة لحمايته وزيادة فرص نجاته، إضافة إلى كل التفاصيل المرافقة. علماً أنه أثناء المراقبة طوال فترة الحمل، يتم التدقيق أيضاً في العمود الفقري لكشف أي مشكلة يمكن أن تظهر فيه. وقد تظهر مشاكل عدة لدى الجنين أثناء الحمل يمكن التدخل فيها واستخدام وسائل كثيرة لزيادة فرص نجاته بدلاً من التأخير حتى ما بعد الولادة أو حتى مرحلة لاحقة.

- في حال عدم توافر وسائل التصوير المتطورة، هل يمكن كشف التشوّهات الخلقية بوسائل التصوير العادية؟
عند إجراء الصور الصوتية العادية لدى الطبيب، قد لا تظهر المشكلة في حال عدم توافر التجهيزات اللازمة. من هنا أهمية التصوير بأساليب متطورة.

- ما العمليات التي يمكن أن تُجرى في الرحم؟
ثمة تدخلات عدة ممكنة في الرحم، في أوّلها يتم إدخال المنظار من فم الجنين إلى القصبة الهوائية حتى لا تؤثر مشكلته، وهي «الفتق» في الحجاب الحاجز Ernie diaphragmale في الرئتين لضمان نموّهما واكتمالهما بشكل صحيح. ثم بعد فترة معينة، وقبل الولادة يتم نزع البالون الذي زُرع في هذا الموضع بعد أن تكون الرئتان قد اكتملتا.

- هل من خطورة في هذا النوع من العمليات؟
ثمة معدل محدد من الخطورة في هذه العملية، وهذا أمر طبيعي وهي تُجرى في بلدان معينة ومنها لبنان حيث ستُجرى قريباً في مستشفيات مجهزة بأحدث المعدّات.

- ماذا عن العملية الثانية التي يمكن أن تُجرى في الرحم؟
إذا كان الجنين يعاني مشكلة الأكياس على المبيض، يمكن في حال إهمال هذه المشكلة أن يكبر حجم الأكياس وتنزف ويعقد المبيض على نفسه وقد يموت.
وفي هذه الحالة قد تعجز المرأة عن الإنجاب بعدها. لذلك تهدف العملية التي تُجرى في هذه الحالة إلى الحد من الألم. تجرى صورة صوتية، وفي الوقت نفسه يتم اللجوء إلى حقن تساعد في سحب التكيّس، مما يسمح باكتمال الحمل بشكل طبيعي. إضافةً إلى ذلك، في حال وجود مشاكل معينة في المثانة كأن تكون متضخمة أو إذا كان هناك انسداد في المسالك البولية، يمكن التدخل. وفي حال وجود عدد من الأجنّة مع ما يترافق مع ذلك من مشاكل، تحديداً في حال وجود خلاص واحد، يمكن التدخل لفصل الخلاصين لتعيش الأجنّة بأمان. قد تظهر في الصور أيضاً مشكلة في القلب كالانسداد في بعض الشرايين.
في هذه الحالة أيضاً يمكن إدخال المنظار، وبمرافقة الصورة الصوتية يتم إدخال البالون لتوسيع الشرايين حتى لا يموت الجنين داخل الرحم في حال تركه. يترك عندها البالون إلى أن يحين موعد الولادة ويتم التدخل مجدداً.

- هل من خطورة تنجم عن هذه العمليات؟
تترتب عن هذه العمليات خطورة معينة، لكن في كل منها نقيس المنافع في مقابل السلبيات وتتم مقابلتهما معاً قبل اتخاذ قرار التدخل.

- هل الخطورة هي على الأم أيضاً؟
الخطورة على الأم محدودة، وتُجرى العملية بالتخدير الموضعي في البطن.

- ما العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى حصول هذه التشوّهات لدى الأجنّة؟
ثمة مشاكل جينية عدة تؤدي إلى تشوّهات خلقية، إضافة إلى العوامل الطبيعية والغذائية والتدخين والأدوية التي يمكن تناولها خلال الحمل. ومن الأسباب المهمة أيضاً زواج القربى.

- عملياً، ما فوائد كشف هذه المشكلات في مرحلة مبكرة؟
من الناحية العملية، يساهم الكشف المبكر في توعية الأهل ومساعدتهم ليعوا الوضع ويعرفوا واجباتهم للمتابعة والاستعداد للمرحلة المقبلة. فالعامل النفسي يلعب دوراً مهماً.
بهذه الطريقة يستقبلون الطفل بحب وعاطفة بغياب عنصر المفاجأة الموجود عادةً. كما أنهم هنا يملكون القدرة على تأمين كل حاجات الطفل، ويمكن زيادة فرص النجاة بالتدخل السريع. وتجدر الإشارة إلى أن التشخيص لا يقتصر على الصورة الصوتية، بل يتم التعامل أيضاً مع معالج نفسي وطبيب أطفال وجرّاح وطبيب متخصص. فالفريق كاملاً يتعاون لمواجهة المشكلة. وفي هذه المرحلة يجب مساعدة الأم لتقبّل الوضع الذي هي فيه لتتخطى كل الصعاب التي يمكن أن تواجهها من دون أن يترك ذلك أثراً نفسياً فيها أو في طفلها عندما تُحسن التعامل معه والتأقلم مع الوضع، ويمكن متابعة الحياة بشكل صحيح وطبيعي. وتتوافر مجموعات يشارك الأهل فيها بتجاربهم. ولا بد من التشديد على أن لكل كائن الحق في النمو السليم والعلاج وفرص العيش كأي بالغ، ولا بد من المساهمة في تأمين ذلك له.

- هل الولادة هنا تتم دائماً بعملية قيصرية؟
ليس هذا ضرورياً، بل يُتخذ القرار على أساس المراقبة والحالة ويقرّر الفريق الأنسب استناداً إلى كتاب التوصية. لكن أياً كانت طريقة الولادة، يسمح الكشف المبكر عن المشكلة بتسهيل الولادة وتحسين طرق التعاطي معها.

- هل من وسائل تسمح بالوقاية من هذه التشوّهات أو الحد من حصولها على الأقل؟
قبل أن تتخذ المرأة قرار الإنجاب، تُنصح بتناول الفيتامينات اللازمة، خصوصاً حمض الفوليك للحد من الخطر، إضافة إلى اللقاحات. وتجدر الإشارة إلى أهمية عدم التهاون وإهمال أي من العوامل التي يمكن أن تساهم في حصول التشوّهات كالتغذية والمحيط والتدخين وغيرهما. هذا ويُنصح بعدم اللجوء إلى خلطات وأعشاب معينة خلال الحمل إلا بعد استشارة الطبيب.