أول مرشدة سياحية سعودية عبير أبو سليمان: الإرشاد السياحي جعلني أعتلي أهم المناصب العالمية

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 28 أبريل 2018

مع انطلاق رؤية 2030 تغيرت المفاهيم بالنسبة الى المرأة السعودية، وما كان في الأمس حكراً على الرجال، أصبح اليوم متاحاً للنساء وفي متناول يد كل واحدة منهن وفق اختصاصها، سواء في المجال الأكاديمي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الفني أو السياحي، والذي يُعتبر من المجالات المهمّة في المملكة العربية السعودية لما تتمتع به من آثار وكنوز مخبّأة خلف أحجارها وبين معالم بيوت جدّة التاريخية والتي تروي الإرث الحضاري والثقافي لسكانها. عبير أبو سليمان خرّيجة الأدب الإنكليزي، هي المرشدة السياحية التي مارست المهنة قبل أن يصدر قرار بتعيينها في ذاك المنصب نظراً لأهمية دورها في مرافقة الزائرين والمعتمرين لرؤية الأماكن الجميلة في جدّة التاريخية والتي تضم إرثاً ثقافياً عريقاً. اصطحبت عبير «لها» في زيارة سياحية الى معالم جدّة التاريخية لترصد عدستها كل ما هو ثقافي وتاريخي وحضاري.


- كيف كانت بدايتك مع الإرشاد السياحي؟
قبل سنوات عدة، أحببت أن أزور قلب جدّة التاريخية فوجدتها بحالة يُرثى لها. كنت أُقيم خارج المملكة العربية السعودية بحكم عمل والدي في السلك الديبلوماسي، ومع ذلك عشقت هذه المدينة منذ زيارتي الأولى لها، لكن انفطر قلبي من شدة الإهمال الذي لحق ببيوتها ومرافقها، خصوصاً حين عرفت أن أهلها هجروها منذ ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، نظراً للحراك الاجتماعي الأفضل، بعدما أصبحت البيوت العامرة قبل 800 عام متهالكة وخالية من التسهيلات الحديثة ولم تمتد إليها يد الترميم، مما دفعني وبالتعاون مع مجموعة للبدء بحراك جماعي تحت عنوان «قلب جدّة التاريخية» لجذب سكان المنطقة الأصليين وورثتها لإحيائها من جديد.

- ماذا اكتشفت؟
اكتشفت أننا نعمل كمجموعة ولا أحد يعرف عنّا شيئاً، والبيوت في غالبيتها أبوابها مشرّعة للغبار والطيور، ويشغل بعضها عمال من جنسيات أخرى غير السعوديين.

- وماذا فعلت؟
طلبت من بعض الأساتذة الأفاضل من أمثال الدكتور عدنان اليافي والدكتورة لمياء باعشن أن يقيموا المحاضرات الثقافية عن جدّة التاريخية، وذهبت إلى الفنانين المهتمين بجدّة التاريخية كالفنان ضياء عزيز ضياء، لأن أعماله كانت تجسد الحياة الاجتماعية الماضية، واستمررت في البحث حتى أصبحت لدي قاعدة بيانات كبيرة، وبدأت حكايتي مع الإرشاد.

- أليس الوقت متأخراً؟
كل ما في حياتي جاء متأخراً، حيث كنت مشرفة تربوية لمادة اللغة الإنكليزية في وزارة التعليم، فحصلت على تقاعد مبكر لأتفرغ للإرشاد وأنمّي موهبتي التي أحب. وأكثر ما صدمني في عام 2011 أن الإرشاد السياحي كان حكراً على الرجال، لكنني خضته من دون استئذان، لأن ليس هناك ما يمنعني من مزاولة تلك المهنة... لا أعراف ولا قوانين ولا دين، كما أملك مهارات لغوية كوني أجيد إلى جانب العربية، الإنكليزية والفرنسية.

- حتى أنك بدأتِ الدراسة متأخرة؟
بدأت دراسة الماجستير في سنّ الخامسة والأربعين، وحصلت عليها من كلية إدارة الأعمال والتكنولوجيا في جدّة، وقد التقيت بطالباتي اللواتي علّمتهن في المدارس وأصبحن في ما بعد زميلاتي في الجامعة.
كما فتحت مجال التدريب أمام طالبات كلية الإرشاد السياحي بعد تخريج 7 دفعات على مدى سبع سنوات وأنا أدرّبهن، ليتخرّجن ويذهبن للعمل في مكان آخر بعد أربع سنوات من الدراسة. تُصدمين حين تعملين في مكان آخر، وتُظلمين.

- اليوم حان الوقت ليعملن إلى جانبك...
حين فُتح باب التسجيل الرسمي، كانت فرحتي عظيمة، خصوصاً بعدما وضعت بطاقتي الشخصية في خانة مخصّصة للإناث.

- كيف تلقيت خبر التعيين؟
تأكّدت من خبر تعييني، لكن لم أتسلّم بعد الرخصة بشكل رسمي. بدأت العمل منذ 4 سنوات مع هيئة السياحة، كما كانوا يطلبونني لمرافقة كبار زوّار الدولة في جولات سياحية.

-  مهنة المرشدة السياحية صعبة، أليس كذلك؟
الإرشاد السياحي ليس مهنة أساسية بحد ذاتها وإن كانت حكراً على الرجال في مجتمع ذكوري ما قبل رؤية 2030، لكن ما بعد هذه الرؤية تغير الوضع وفُتحت آفاق جديدة أمام المرأة السعودية، نظراً لاهتمام الرؤية بالقطاع السياحي حيث سيدرّ أرباحاً مادية للدولة، وقد بدأت التأشيرات السياحية تخرج الى العلن في كل أنحاء المملكة العربية السعودية لاعتبارها بلداً مترامي الأطراف.

- لكن مدينة جدّة التاريخية تتسم بإرث حضاري كبير؟
تقع جدّة التاريخية في وسط مدينة جدّة، وتُعرف بجدّة البلد، ويبلغ عمرها حوالى 300 ألف سنة.

- من أين اكتسبت جدّة أهميتها التجارية؟
نقطة التحول في تاريخ مدينة جدّة كانت في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عندما اتخذها ميناءً للعالم الإسلامي في عام 26 هـ الموافق 647م. وقبل 511 عاماً، حاول البرتغاليون غزوها نسبةً الى موقعها الجغرافي، فطلب السلطان قانصوه الغوري من الأمير حسين الكردي بناء سور وبوابات لحماية حارات المدينة من هجمات الأعداء.

- ما هي حارات مدينة جدّة التاريخية؟
تضم جدّة التاريخية عدداً من المعالم والمباني الأثرية والتراثية، مثل آثار سور جدّة وحاراتها التاريخية، وهي: حارة المظلوم، حارة الشام، حارة اليمن، وحارة البحر... وفيها أيضاً عدد من المساجد التاريخية، والتي أبرزها مسجدا عثمان بن عفان والشافعي، هذا إضافة إلى الأسواق التاريخية. وفي 21 حزيران/يونيو 2014 أُدرجت ضمن مواقع التراث العالمي.

- كيف تترجم عبير كل هذا العشق لمدينة جدّة التاريخية؟
هو عشق لحضارات تعاقبت وانسكبت في منطقة صغيرة، وتركت بصمة يجب الحفاظ عليها. عشق لتاريخ نفخر به أمام العالم قاطبة، ولإرث حجازي ومعماري وهندسي وفني، يجمع فنون العمارة الإسلامية والهندسية، بكل جمالياتها وتنسيقها... بكل خطوطها التي تركت روايات إنسانية فيها، ولم تكن مهيّأة للسياحة، لكن بالإصرار استمررت في العمل، فتقاعدت باكراً لأتفرّغ للإرشاد السياحي، وأتّخذه مهنة احترافية وليس هواية.

- هل تقبّلك المجتمع قبل أن تُفتح لك الأبواب؟
تقبّلني المجتمع بصدر رحب، لكن بعض المرشدين الذكور لم يعجبهم عملي في مجال كان حكراً عليهم، واعتبروا نجاحي تهديداً لمستقبلهم، لأنني امتلكت مفاتيح المهنة واستطعت توصيل المعلومة بطريقة جميلة، خصوصاً وقد جئت من سلك التعليم الذي يحرص العاملون فيه على التدريس بإخلاص، بخلاف بعض الزملاء الذين كانوا يفتخرون بوجودي ويقدمونني الى ضيوفهم بفخر بصفتي أول سيدة سعودية تعمل في مجال الإرشاد السياحي.

- كم طالباً وطالبة درّبتِ؟
درّبت خمساً وعشرين طالباً وطالبة من جامعات المملكة العربية السعودية، عدا عن طالبات كلية الإرشاد السياحي، وننتظر كلية السياحة للفتيات التي ستفتح أبوابها العام المقبل 2019 بعد افتتاح كلية السياحة للشباب، كما أنني عضو في المجلس الاستشاري في كلية السياحة لنكون مواكبين لرؤية 2030.

- ما هي سمات المرشدة السياحية؟
ثمة تعريف ورد على صفحة هيئة السياحة والآثار الوطنية، يصف المرشد السياحي بأنه «سفير لوطنه». وبمقدار ما يشكّل هذا الوصف عبئاً على المرشد السياحي، نراه جميلاً جداً إذ يعطي صورة حضارية ومشرّفة للذين لم تتسنّ لهم زيارة المملكة بعد. على المرشدة السياحية أن تتمتع بالأخلاق العالية والصبر الطويل، وترحّب بالسيّاح الذين ينتمون إلى مجتمعات وديانات ولغات مختلفة، فما عليها إلا احترام عاداتهم وتقاليدهم، وأن تنقل لهم صورة جميلة عن المنطقة التاريخية لتبقى محفورة في أذهانهم، وتجيب عن كل الأسئلة بصبر وإن كانت استفزازية.

- وهل هناك أسئلة استفزازية؟
«السيدات السعوديات مكانهن في البيوت»... تلك هي الفكرة المسبقة، فأهمس بابتسامة «أنا معكن، منكن وإليكن، لأقدم لكنّ كل ما تحتجنه في تلك الرحلة». لكن للأسف، وصلنا الى الألفية الثالثة، والإعلام الغربي لا يزال مصرّاً على وضع صورة المرأة السعودية في إطار قاتم، وإلباسها السواد من رأسها إلى أخمص قدميها، وقفل دماغها لشلّه عن التفكير.

- ما الذي يجب أن تتمتع به المرشدة السياحية؟
يجب أن تتمتع بثقافة عامة، وثقافة تاريخية وجغرافية عن الحضارات المتعاقبة في المملكة، وأن تجيد اللغة الإنكليزية. وبحكم عمل والدي جميل أبو سليمان في السلك الديبلوماسي، اضطررت لتعلّم لغات الدول التي كنا ننتقل إليها.

- الزيارات الى بلدان مختلفة، ماذا أكسبتكِ؟
هذه الزيارات أطلعتني على حضارات الشعوب، وجعلتني أُمتّع نظري بمعالم التراث، وزادت إعجابي بالبلاد التي حافظت على تراثها وآثارها. لذا عملت على جذب الشباب إلى هذه المهنة، لأنهم سيأتون من بعدي ويحافظون على التراث مثلي.

- بحكم سفرك خارج البلاد، ماذا تعلّمت من المرشدين الأجانب؟

تعلّمت منهم أن أحترم كل من تطأ قدماه أرض وطننا، وأقدّر كل الزوّار بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، وأُرافقهم إلى كل الأمكنة، سواء كانت دينية أو ثقافية. كما لمست الاحترام من النساء الأجنبيات حين يزرن مسجد الشافعي، فيضعن غطاء الرأس والفرحة مرتسمة على وجوههن، وهن معتقدات أنهن ممنوعات من الدخول إلى المساجد لاختلاف ديانتهن.

- ماذا عن أبواب جدّة؟
كل باب يختلف عن الآخر ويعطي هوية تاريخية تدل على تلك الآثار القديمة التي تركت بصمة، مثل باب مكة وباب شريف وباب المغاربة وباب البنط الذي تغير مكانه في ما بعد، وكان لدينا من 6 إلى 12 باباً تُفتح وتُغلق وفقاً لحاجة السكان. أما باب المدينة والذي بات اسمه في ما بعد «باب جديد» فقد أُعيد بناؤه وأصبح البوابة الرئيسة لمدينة جدّة التاريخية.

- كيف تتطلع عبير إلى تلك المهنة؟
أتطلع إليها بفخر بعد رؤية 2030، فالإرشاد شغف وحب للتراث والإرث الحضاري، واليوم مسؤوليتي أن أكون جزءاً من رؤية 2030، وما عليّ إلا أن أساهم في هذا التطور بأسلوب حضاري جنباً إلى جنب الرجل، لتطوير قطاع السياحة في السعودية، ودوران العجلة الاقتصادية، وجلب موارد إضافية، وتمكين المرأة السعودية في هذا القطاع الجميل، والذي سيؤمّن فرص عمل كثيرة للشبان والشابات.

- حين تدخلين البوابة، ماذا تشمّين؟
أشمّ رائحة ثراء الحضارة والتاريخ وغنى الجمال. سكّانها بنوا بيوتاً من خمسة أدوار مع حمّام تركي في الأعلى. حين غرقت جدّة بالأمطار، لم تتأثر تلك المدينة بالسيول، وصمدت في وجه العواصف رغم إهمال سكانها الأصليين حين أداروا لها ظهورهم. هي امرأة صامدة، فرغم الخطوط التي حفرها فيها الزمن، استطاعت أن تحتفظ بجمالها وتتحدّى كل ظروف الحياة وتبقى شامخة تستقبل ضيوفها بابتسامة.

- ما الصعوبات التي تواجهينها في تلك المهنة؟
لكل مهنة صعوباتها، لكن المرأة التي تصر على العمل الجاد وإنجاز مهمتها على أكمل وجه، وتفرض احترامها على المجتمع، تذلّل العقبات التي تعترض طريقها، وفي ظل رؤية 2030 اختفت كل المعوقات.

- هل المرأة السعودية قوية؟
المرأة السعودية كائن قوي، تملك إرادة صلبة وتؤكد على  الإصرار، وإن أحبّت تحقيق هدفٍ ما، لا شيء يقف في وجهها.

- هل تستطيع المرشدة السياحية أن تصبح علامة فارقة في هذا المجال؟
لمّا دعتني وزارة الخارجية لأتحدّث عن السياحة باللغة الفرنسية في الأونيسكو في مدينة باريس مع وفد من السيدات السعوديات، علمت أن الإرشاد السياحي مهنة أخذتني إلى حلم كبير وجعلتني علامة فارقة أعتلي أهم المناصب العالمية.

- هل ساعدتك وسائل التواصل الاجتماعي في مهنتك؟
وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لي المجال للتعرف إلى الشعوب، وجذب الكثير من السيّاح من مختلف أنحاء العالم.

- هل تشجّعين السعوديات على الاقتداء بكِ؟
هذا ضروري، وخاصة بعد افتتاح كلية السياحة، لأن الإرشاد السياحي واجب وطني.

- أيّ المدن تركت أثراً في نفسك؟
دمشق، رأيت في مبانيها الشموخ، وفي تفاصيلها العظمة، وأشم رائحة الياسمين حين أسمع باسم دمشق، ولا يستطيع كتاب أن يصف جمالها، وأتمنى أن تحذو جدّة حذوها.
القاهرة، جعلتني أتخيل عصر الفراعنة وعراقة الحضارة المصرية، وعظمة المتاحف الجميلة، وطبيعة الحياة في تلك الحقبة.
أما اسطنبول فأذهلتني قدرة أهلها على جعلها منطقة جذب سياحي بطرق بسيطة. 

- كلمة أخيرة لـ «لها»؟
تجربتي في الإرشاد السياحي لم تكن سهلة، وقد لا تكون الأصعب، وكلمة مستحيل غير موجودة في قاموسي طالما أنني محافظة على عاداتي وتقاليدي.