لميا جريج

ثقافة, حربي العامري, لميا جريج, موقع / مواقع إلكترونية, فنانة / فنانات تشكيلية

01 أكتوبر 2009

«أيلول 1978...

في أحد أحياء بيروت عند خط التماس يتحرّى رجل عن اختفاء أو إحتمال مقتل وحيد صالح: ثلاثيني، أسمر البشرة وملتحٍ. في ذلك اليوم كان يرتدي سروالاً رمادياً وقميصاً أبيض... كان ذلك في 15 حزيران 1986».

هذه هي قصة وحيد صالح التي شغلت المخرجة والفنانة التشكيلية لميا جريج، فكتبتها عام 2003 تحت عنوان «هنا أو ربما هناك»، وكذلك صوّرتها فيلماً يحمل العنوان نفسه. وهي اليوم تُطلق موقعاً إلكترونياً بالإسم نفسه لتتوسّع بالفكرة أكثر من خلال طرح رواية إلكترونية مشوّقة ومغايرة في شكلها ومضمونها.

تعود جريج إلى زمن الحرب الأهلية اللبنانية وإلى منطقة خط التماس أكثر المناطق خطورة خلال تلك المرحلة، فتتقمّص روح ذاك الزمان بلغته وألوانه وصوره وقسوته. إذ يُفتتح الموقع على صورة بالأبيض والأسود لأرض قاحلة مدمَّرة، في وسطها فتحة الصرف الصحي  وتحوطها أسماء شخصيات الرواية التي تتولّى تقديم شهاداتها للمخبر عن المفقود وحيد صالح. وبعد ضغط الإسم الذي يختاره القارئ، يدخل هذا الأخير في عالم الشخصية التي تسرد علاقتها أو معلوماتها عن المفقود.

وهكذا تتضارب الأقوال والشهادات حتى يلتبس الأمر أمام القارئ الذي يتابع القصة، فيجد نفسه مع القنّاص مرّة ومع الضحية مرّة أخرى. وهنا تكمن مهارة جريج في تقديم حبكة قوية تأسر القارئ وتُقنعه. ورغم أنّ القصّة هي ثمرة خيال الكاتبة إلاّ أنّ القارئ يشعر في متابعته الدقيقة للنص أنّه أمام قصة واقعية لا تنتمي إلى الخيال بصلة. وارتأت جريج تعزيز هذه الفكرة لدى القرّاء، فاختارت أمكنة كانت مسرح الأحداث الأليمة خلال الحرب اللبنانية مثل «خط التماس وراس بيروت»، وشخصيات سمعنا عنها كثيراً خلال تلك المرحلة مثل «القناص، رجال الميليشيا»... وكذلك لم تشأ جريج أن تفصل بين الكاتبة والمخرجة المجتمعتين في ذاتها، لذلك نراها إلى جانب السرد ركزّت على المادة البصرية في الرواية فقدّمت صوراً حيّة من ذاك الزمان لمنازل مدمرّة وشهداء وسيارات مقصوفة ورشاشات وغير ذلك. وقد لعبت هذه الصور التي تحمل ألوان الحرب الأهلية ورائحتها دوراً في تفعيل النص والزيادة في واقعيتة، بالإضافة إلى أنّها أضفت بعض الحركة والإثارة على السرد الذي يتصّف بالتقريرية والجمود.

وبالرغم من أنّ قيمة الحرب الأهلية استُثمرت كثيراً في الأدب والفنون عامّة، إنما استطاعت لميا جريج شحذ انتباه الجمهور لهذا الموضوع الذي قدّمته في أسلوب جديد ومغاير من خلال رواية إلكترونية تُدخل القارئ في عوالمها المعقدّة وئُشركه في فك ألغازها. حتى تغدو كلّ قصة من القصص التابعة لإحدى شخصيات النص: «آمنة، القناص، المرأة، رجل الميليشيا نبيل...» أشبه بقطعة «بازل» يجمعها القارئ لتنجلي أمامه الصورة التي يراها  أخيراً بحسب البيئة التي ينتمي إليها.