أحلام مستغانمي في 'نسيان com'

أحلام مستغانمي, جائزة الشيخ زايد للكتاب

07 أكتوبر 2009

الكتاب: «نسيان com» 

الكاتبة: أحلام مستغانمي

الناشر: دار الآداب، ٢٠٠٩ 

يبدو أنّ عبارة «يُحظّر بيعه للرجال» التي احتلّت رأس غلاف «نسيان com» باللون الأحمر مُدرَجة ضمن خطّة دعائية تنظّمها الكاتبة الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي، بهدف تسويق «رباعية الحب» التي بدأتها مع «النسيان» ليليها بعد ذلك كتاب عن «الفراق» وآخران عن «اللقاء» و«الغيرة». وبالرغم من الهدف الدعائي الماثل  في العبارة انطلاقاً من أنّ «كلّ محجوب مرغوب»، إلاّ أنّها تعكس في المقام الأول اختياراً ذكيّاً ومناسباً لفحوى الكتاب ولمسيرة الكاتبة النسوية على حدّ سواء.

أمّا العنوان فيستوقف القارئ أيضاً لأكثر من سبب يأتي في طليعتها انطواؤه على لفظة مستقاة من عالم التكنولوجيا والإنترنيت «com» والتي تومئ مباشرة إلى الموقع الإلكتروني الذي أطلقته الكاتبة تزامناً مع صدور الكتاب www.nessyan.com. ولكن تعريب هذه اللفظة الدّال على ضمير المتصل «كم» (للمذكر-الجمع) يُضفي إلى العنوان معنى ضمنياً آخر يتولّد من قراءة جديدة للعنوان «نسيانكم»، ما يُكرّس جليّاً هدف الكاتبة في التأكيد على أنّ «النسيان» المقصود هنا ليس سوى نسيان المرأة للرجل.

الكاتبة الجزائرية التي احتلّت المرتبة 49 بين أقوى ١٠٠ شخصية عربية حسب مجلّة Arabian Business تُكرّس في كتاب النسيان هذا نفسها لمساعدة المرأة وترويضها على النسيان الذي تراه من اختصاص الرجل وحده. إنّها تُنصّب نفسها أميناً عاماً ل«حزب النسيان» الذي أسّست له موقعاً إلكترونياً تلتقي فيه كلّ نساء العالم اللواتي يعشن أسيرات علاقاتهن مع الرجل ويردن التحرّر من قيده الدامي. فتفرض على قارئات الكتاب أو المنتسبات إلى الحزب من خلال الموقع توقيع ميثاق شرف أنثوي يرتكز بصورة أساسية على الإلتزام بمجموعة شروط تتقدّمها الثقة بأنه لا وجود لحب أبدي، وضرورة اكتساب حصانة الصدمة أو بمعنى آخر توقّع كلّ شيء من الحبيب، وبالتالي عدم البكاء من أجل أي رجل لأنّه لا يستحق دموع المرأة ولو كان يستحقها لما أبكاها. وهي تطلب أيضاً من المرأة المنتسبة إلى حزبها أن تكون جاهزة للنسيان كما ينسى الرجال.

تعتبر الكاتبة أنّ اختيارها لموضوع «النسيان» كفصل أوّل من فصول الحب المتداخلة أصلاً هو ضرورة لأنّه لا بدّ أولاً أن يتعافى المعذّب من جروح الماضي وأن يضمّدها ويوقف نزيفها حتى يتمكّن فعلاً من مغادرة «شتاء الحبّ إلى ربيعه». وتؤكّد أنّ «النسيان» مهارة بالنسبة إلى الرجل ولكنّه في الوقت نفسه «مطلب نسائي جماهيري لا يستدعي ترويجاً ولا تهريجاً».

إذاً، تعمد الكاتبة التي اختارتها مجلّة Forbes  الأميركية بين النساء العشر الأكثر تأثيراً في العالم العربي والأولى في مجال الأدب، من خلال كتابها الداعي والداعم لقضية «النسيان» أن تُعمّم هذه الفكرة في المجتمع النسائي وألاّ تبقى حكراً على الرجل الذي يتعامل مع النسيان على أنّه مكمن من مكامن قوتّه وسر من أسرار موهبته ومهارته.

 

«نسيان com» ليست رواية جديدة لصاحبة الثلاثية الشهيرة «ذاكرة الجسد» و«فوضى الحواس» و«عابر سرير»، بل إنها نصائح أو وصفات سحرية تُقدّمها مجاناً للنساء المغبونات بالذكريات كي ينتفضن على ضعفهنّ ويُكملن حياتهنّ بقوة وثقة.

تتوجّه مستغانمي في كتابها إلى كلّ النساء من خلال النصائح التي تُسديها إلى صديقتها بعدما فشلت في نسيان من تركها صريعة ذكريات «هاتف الساعة التاسعة صباحاً». وهي لا تُحاول الأخذ بيد المرأة لكونها امرأة مثلها وإنما تحاول جاهدة تفعيل دورها الجوهري ككاتبة فتقول:« في النهاية، ما النسيان سوى قلب صفحة من كتاب العمر، لكن ما دمت لا تستطيع اقتلاعها ستظلّ تعثر عليها بين كلّ فصل من فصول حياتك... ودور الكاتب تخفيف وزن هذه الصفحة ما استطاع، وقلبها نيابة عنكم. دعوني أحاول، ربما استطعت قلب صفحتكم هذه. ذلك أنّه من الأسهل قلب صفحة الآخرين» (ص ١٩).

لقد أصابت أحلام مستغانمي حين وصفت كتابها ب«دليل النسيان». وبعيداً عن الطرق التي طرحتها الكاتبة على قارئاتها تحت شعار «انسيه كما ينسى الرجال»، إنها تجمع كل معارفها الثقافية المتعلقة في ثيمة «النسيان» وتستشهد بمقولات وحكم وأبيات كتّاب وشعراء وفلاسفة عرب وأجانب تعكس آراءهم في مسألتي الحب والنسيان.

ولكن المفارقة أنّ الكاتبة التي تحظّر بيع كتابها للرجال والتي تحرّض النساء على نسيان الرجل كما ينساهنّ والتي تصف صديقتها المعذبّة وبالتالي كلّ امرأة تعيش أسيرة حبّها وذكرياتها المرأة ب«الحمقاء» أحياناً و«الغبية» أحياناً أخرى، هي نفسها التي تدفع المرأة في كلمة التقديم إلى أن تحب الرجل كما لم تحب إمرأة. كما أنّها تهدي الرجل كتابها قائلة: «إلى الرجال الرجال الذين بمجيئهم تتغيّر الأقدار».

وبالرغم من أنّها تُعلن جهراً رغبتها في إطاحة شهريار من خلال هذا الكتاب، إلاّ أنّها لا تنظر إلى الرجل كعدو المرأة ولا تُصارعه وإنما تُقارع رجالاً نصبوا عداءهم للمرأة وأرادوها ضحية رغباتهم وشهواتهم، مؤكّدة أنّ كتابها ليس سوى «جردة نسائية ضدّ الذكورة، دفاعاً عن الرجولة، تلك الآسرة التي نباهي بوقوعنا في فتنتها، إذ من دونها ما كنّا لنكون إناثاً ولا نساء» (ص ١١).

وهي توضح ذلك في كلمتها للرجال المتسللّين إلى هذا الكتاب: أيها «الرجال الرجال» سنصلّي لله طويلاً كي يملأ بفصيلتكم مجدداً هذا العالم، وأن يساعدنا على نسيان الآخرين».