السوريات في مصر... قصص كفاح وتحدٍّ للصعوبات: نحن منتِجات وشعارنا «العمل كرامة»

جمال سالم (القاهرة) 26 مايو 2018

في الأوقات العصيبة، تثبت المرأة العربية دائماً قدرتها على تحدي الظروف الصعبة التي تواجهها، وهذا ما فعلته الكثيرات من اللاجئات السوريات في مصر.
«لها» عايشت قصص كفاح السوريات اللواتي لجأن إلى مصر بعد اشتعال الحرب في بلادهن، فوجدتهن «نساء من فولاذ»، رفعن شعار «نحن منتِجات ولسنا لاجئات»... احترفن مهناً لكسب لقمة العيش وتربية الأولاد، سواء كان الزوج مهاجراً معهن أو ترمّلن بعد استشهاده على أرض الوطن، ليقمن بدور الأم والأب في الوقت ذاته، مطبّقات المثل الصيني الشهير «لا تعطني سمكة لكن علّمني الصيد حتى أعتمد على نفسي».


في البداية، تتضارب أرقام اللاجئات واللاجئين السوريين في مصر، بين ما هو رسمي وما هو غير رسمي، لكن هناك ما يشبه الإجماع على أن عددهم يقارب نصف المليون، ويصل عدد المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى 150 ألف شخص، علماً أن تسجيل اللاجئين لدى المفوضية يمنحهم حق الإقامة فترة ستة أشهر قابلة للتجديد عقب انتهائها، إلى جانب مساعدة مالية شهرية بعد البحث الاجتماعي اللازم، ولا تحبذ مفوضية اللاجئين إقامة مخيمات لهم، إضافة إلى سياسة مصر التي لا تؤيد إنشاء مخيمات، وإنما تسعى إلى احتضانهم وصهرهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتعليمي المصري، المتعاطف بطبعه معهم.


العمل كرامة
استهلت السيدة هالة فوزي، رئيسة رابطة السوريات في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، حديثها قائلةً: «شخصياً، أنا من المطبّقات عملياً لشعار «العمل كرامة»، حيث تعلمت من خلال برنامج مفوضية الأمم المتحدة مهنة «الموزاييك»، التي هي عبارة عن كسر السيراميك الذي يتم لصقه بالغراء في لوحات وبراويز خشبية، لصنع ديكور رائع في المنزل، لهذا يتهافت المصريون على شرائها، والحمد لله تمثّل دخلاً جيداً لأسرتي».
وأشارت هالة إلى أنها من خلال عملها الرسمي، تتعاون مع المجلس القومي وحكومة اليابان وهيئة «كير» الدولية، وهي هيئة عالمية تضم اثنتي عشرة منظمة وطنية تعمل معاً للقضاء على الفقر في أكثر من 90 دولة، ويستفيد من خدماتها قرابة المئة مليون شخص في المجتمعات الأكثر فقراً في العالم، لهذا فهي منظمة إنسانية رائدة في مجال مكافحة الفقر العالمي.
وعن المهن التي تُقبل عليها السوريات المقيمات في مصر، أوضحت هالة فوزي أنه يتم تقديم الخدمات للمرأة السورية اللاجئة في مصر، ليس من خلال مساعدات إنسانية عاجلة فقط، وإنما عبر تعليمها مهناً تتناسب مع هوايتها ورغبتها، وأكثر المهن التي تشهد إقبالاً، الخياطة وحياكة الصوف وتصفيف الشعر والأكسسوارات النسائية ومستلزمات الديكور والزينة المنزلية والمأكولات والمشروبات الشامية والمصرية، ويتم تسويقها في شكل فردي أو من خلال شركات متخصصة في توفير المواد الخام والتسويق بعد التصنيع. أما المساعدة الأخرى للوافدات فتكون من خلال الدعم الاجتماعي والتأهيل النفسي للمرأة وأطفالها، بمجرد وصولهم إلى مصر هاربين من مناطق الصراع الدامي.
وأنهت هالة فوزي كلامها، مؤكدةً أنها تجمع بين الصفتين كامرأة سورية عاملة تعلمت مهنة «الموزاييك» لمساعدة أسرتها في النفقات، وكذلك التعاون مع الهيئات الرسمية المختلفة في تنظيم معارض لبيع المنتجات، وهناك إقبال كبير عليها، إلى درجة أنه يتم تنظيم بعضها في الملحقات الخاصة بالمساجد والكنائس، باعتبار الشعب المصري متعاطفاً مع مأساة السوريات، ويعمد الى تشجيعهنّ بشراء مختلف السلع التي يحتاج اليها البيت المصري.


الأكسسوارات النسائية
تروي الشابة آيات حسن قصتها قائلةً: «جئت إلى مصر هرباً من لهيب الحرب قبل ست سنوات، وانتظرت طويلاً للحصول على الإقامة، وهي فترة  تتعب فيها المرأة السورية، بخاصة التي جاءت برفقة أولادها فقط، بعد أن فقدت عائلهم، فتصبح في حاجة ماسة إلى تعلّم مهنة تتيح لها الإنفاق على نفسها وأولادها، في ظل غلاء المعيشة في مصر، علماً أن غالبية الهاربات من أتون الحرب السورية لا يملكن مالاً يساعدهنّ على العيش الكريم لفترات طويلة».
تتذكر آيات الأيام الأولى لهربها من سورية إلى مصر، وتقول: «عانيت كثيراً، لأن هذا القرار مصيري، وبعد تردّد طويل قرّرنا الهرب وترك كل ما نملك حفاظاً على أرواحنا، وقد تفاعلتُ إيجاباً مع الواقع، فقررت تعلم صنع  الأكسسوارات النسائية، التي تجد لها سوقاً رائجة في أي مجتمع، لأن النساء بطبعهنّ يعشقن الزينة، ولهذا كان اختياري موفّقاً، فهذه المهنة تدرّ دخلاً يساعد أسرتي، وأنا شخصياً أرفض أن أكون عالة على أحد، لأن كرامتي وعزّة نفسي لا تسمحان لي بذلك، ولهذا تؤذيني رؤية الأخوات السوريات وهنّ يتسوّلن أمام المساجد أو الكنائس، لذا أنصحهنّ بتعلم مهنة ليتحوّلن من متسوّلات يبحثن عن الرزق السريع والمريح، إلى منتِجات، وهؤلاء الأخوات شكرنني على طول صبري عليهن وإصراري على تحويلهنّ إلى منتجات، ولهذا أصبح عدد السوريات غير العاملات في تراجع، وأحلم بأن يأتي يوم تتحول فيه السوريات اللاجئات في كل الدول إلى منتجات، فهذا يحفظ لهنّ كرامتهنّ ويساعد أسرهنّ في المعيشة، وفي الوقت ذاته يفيد اقتصاد الدول التي يُقمن فيها».


تعمير لا تدمير
اختارت عبير محمد زياد، وهي امرأة متقدمة في السنّ وجاءت إلى مصر قبل ثلاث سنوات، تعلّم مهنة الأكسسوارات النسائية أيضاً، وتروي قصتها قائلةً: «هربت إلى مصر للحفاظ على ولديَّ، أحدهما عمره 24  سنة والثاني 16  سنة، وهما يعملان في مصر في سوبر ماركت ويتاجران بالعطور. ورغم تقدّمي في السن، أصررت على أن أكون إيجابية في حياتي فتعلّمت صنع الأكسسوارات، المهنة التي أعشقها منذ الصغر، والحمد لله هي تدرّ عليّ أرباحاً تؤمّن لي ولأسرتي العيش الكريم، وهذا جعل الشعب المصري يتعاطف معنا ويُكثر من الشراء منا، ما أنعش حالتنا الاقتصادية».
وأوضحت السيدة عبير أنها تؤمن بأن العمل الشريف، أياً كان نوعه، أفضل ألف مرة من الجلوس في البيت أو انتظار المساعدة من أحد، حتى لو كان أقرب الأقارب، لأن النفْس العزيزة ترفض نظرات الشفقة أو قبول مساعدة، ولدينا نماذج كثيرة من السوريات الناجحات في مختلف المهن التي تعلّمناها من خلال مفوضية اللاجئين وهيئة « كير» والمجلس القومي للمرأة والمنظمة العربية لحقوق الإنسان».
واختتمت السيدة عبير زياد كلامها متمنيةً العودة إلى سورية بعد أن تنتهي الحرب التي تدفع فيها المرأة السورية الثمن الأكبر، بخاصة إذا فقدت عائلها ولها أولاد وتحولت إلى لاجئة في دولة أخرى.


المأكولات الشهية
اختارت الشابة السورية شيرين محمد، تعلم مهنة إعداد المأكولات المنزلية بأنواعها المختلفة، بخاصة المخبوزات، وتقول: «أعشق تحضير المأكولات السورية واللبنانية منذ الصغر، وقد علمتني والدتي إياها، مما ساعدني كثيراً في اختيار هذا المجال الذي أجد فيه نفسي، وبما أن لا غنى للأسرة المصرية عن المأكولات، تعلّمت أيضاً إعداد المأكولات المصرية عندما جئت إلى مصر، حتى أُتيح لمنتجاتي فرصاً أكبر في التوزيع والربح».
وكشفت شيرين عن إيجابيتها أكثر، من خلال التعامل مع المطاعم التي تطلب منتجاتها، التي أثبتت جدارتها، لأنها تجمع أفضل وألذ ما في المأكولات المصرية والسورية، إضافة إلى تقديمها هذه المأكولات بنفسها في المعارض التي تنظّمها المؤسسات النسوية المصرية والدولية، التي تهتم بشؤون الوافدات السوريات في مصر.
وأنهت شيرين كلامها مؤكدةً أنها سعيدة جداً بنجاح مشروعها وممارسة العمل الذي تعشقه منذ الصغر، وفي الوقت ذاته تعتمد على نفسها وتساعد زوجها الذي يمارس مهنة النجارة في الإنفاق على تعليم بناتها الثلاث الصغار، موضحةً أن الحكومة المصرية تعامل أبناء السوريات في المدارس كالطلاب المصريين تماماً، بل إنها تيسّر معاملات تجديد الإقامة سنوياً للأسر التي فيها طلاب أكثر من غيرها.


تصفيف الشعر
قراءة الواقع جزء أساس من حل المشكلة، هذا ما أدركته الشابتان السوريتان عبير ثابت وراما سليمان، حيث قررتا احتراف مهنة تصفيف الشعر للنساء، وأوضحتا أنهما تعارفتا في الغربة، وتلاقت رغبتاهما في تعلم هذه المهنة التي تجد رواجاً في أي مجتمع، لأن المرأة بطبعها تحب التبرّج، ولهذا فضّلتا العمل في مجال تصفيف الشعر الذي يدرّ عليهما أرباحاً جيدة تساعدهما في تحمّل مصاعب الحياة. وأكدتا أن إجادتهما المهنة جعلت كثيرات من المصريات يفضّلن الذهاب إليهما، لأنهما تتعاملان مع السيدات برقّة وديبلوماسية توفران لهنّ الراحة النفسية، فيصبحن زبونات دائمات لهما، بخاصة أن كثراً من الرجال المصريين يفضلون أن تذهب زوجاتهم وبناتهم إلى صالون حلاقة مخصص للنساء، لاتفاقه مع الطابع الشرقي والغيرة عليهن.
واختتمتا حديثهما مؤكدتين أنهما تحلمان بالعودة إلى سورية وممارسة النشاط ذاته فيها، لأنه مجال يتناسب مع طبيعة المرأة من جانب، ويوفّر دخلاً جيداً يساهم في تربية أولادهما ومساعدة زوجيهما من جهة أخرى.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب