آنّا عبس في أوّل معارضها وآخرها...

متحف غاليريا بورغيزي, معرض فني تشكيلي, الرسم , لوحة / لوحات فنية, أنا عبس

28 يوليو 2010

إنّ رحلة الطائرة الأثيوبية المشؤومة التي تحطمت بعد بضع دقائق على إقلاعها قبالة شاطئ بيروت فجر الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2010، حطّمت معها آمال وأحلام وطموحات عدد من خيرة الشباب اللبناني ومن بينهم الشابة اللبنانية أنّا عبس التي قضت في حادث الطائرة المنكوبة. ولم يعرف اللبنانيون الذين تابعوا قضية الطائرة وركّابها، أنّ إبنة طرابلس المولودة في روسيا والتي تعمل في مجال الإتصالات والتي لاقت حتفها في رحلتها المتوجهة إلى الغابون للإشراف على التحضيرات الخاصة بافتتاح شركة «بنتل» للإتصالات هناك هي فنانة تشكيلية موهوبة ومتميزة. هذا لأنّ الراحلة ارتأت أن يبقى الرسم هوايتها وليس مجال عملها. إلاّ أنّ الإحتراف الذي لم تسع إليه في حياتها سعى إليها بعد مماتها، إذ أقام لها أهلها وأصدقاؤها معرضاً خاصاً بلوحاتها المتعدّدة التي عُرضت في «غاليري عايدة شرفان» في وسط بيروت، كتكريم لها ولأعمالها التي بقيت لتُخلّد حلم أنّا عبس الفني.

رحيلها كان أكثر عبثية من الحياة التي رسمتها في لوحاتها
إنّ اللوحات المعروضة على الواجهة في «غاليري عايدة شرفان» تُمارس عليك إغراءً لا يسعك إلاّ أن تضعف أمامه وتلج المكان قاصداً إيّاها للتأمّل فيها والإستمتاع بإبداعها الذي يحوي في داخله الكثير من الغرابة والإنفراد والإختلاف... وما إن تعرف هويّة صاحبة المعرض وترى صورتها وتسمع قصتها حتى يأخذ المعرض الذي أُقيم تحت عنوان «تحيّة إلى أنّا» طابعاً آخر وتأخذ اللوحات التي تملأ بألوانها النارية أرجاء المكان أبعاداً أخرى أكثر عمقاً ورمزية... فالحياة العبثية التي صوّرتها بالألوان المائية والباستيل رافقت الراحلة في موتها لتختم حياتها بموت هو أكثر عبثية من تلك الحياة نفسها.
«الإنسان» هو بطل لوحات أنّا عبس، وهذا «الإنسان» هو نفسه في كلّ اللوحات. إنّها الشخصية التي لا يختلف شكلها كثيراً بين إمرأة ورجل ولا تتغيّر تعابيرها بين سعيد وحزين ولا تتبدّل ملامحها بين مُتعب ومستريح... إنّ شخصيات عبس هي عبثية بامتياز، في انتظارها الإعتباطي وتأملّها الفارغ وغرامها العابر وحلمها الضائع... لوحات عبس التي أبصرت النور في أوّل معرض لها والأخير للأسف ليست سوى انعكاس لحياة أُناس يعيشون اللحظة بكلّ ما تحمله من تفاصيل واقعية وحميمية مثل لوحة «القيلولة» التي تُجسّد شاباً متمدّداً على أريكة وهو يأخذ قيلولته أو «لعبة الورق» التي تُصوّر حياة إمرأة ورجل يقتلان وقتهما بلعبة الورق أو تلك التي تُصوّر شاباً وهو يستحمّ في المغطس وآخر يحلق ذقنه.
تضعنا لوحات أنّا عبس أمام شخصيات مسكونة باللامبالاة والعبث والفراغ والإنتظار غير المجدي وكأنّها أرادت أن تطرح علينا سؤال «الحياة» التي غادرتها باكراً تاركة وراءها أثراً فنياً كرّس اسمها كواحدة من الفنانات اللبنانيات الشابات اللواتي يفخر بهن وطنهن وأبناؤه.