'مؤسسة كارتييه للفنّ المعاصر'... متنفس الإبداع العالمي

التصوير الفوتوغرافي, كارتييه, الرسم , عروض باريس, الفن المعاصر, جان نوفيل, تاكيشي كيتانو

16 أغسطس 2010

جميل كيف يهتمّ الغرب بالفنّ العالمي المعاصر. ليست هذه زيارتي الأولى لمقرّ «مؤسسة كارتييه للفنّ المعاصر» Fondation Cartier Pour L' Art Contemporain في باريس، لكنها الزيارة التي طبعتني أكثر لجهة أهمّية الإستثمار في الفنّ المعاصر، وهو ما يفتقده عالمنا العربي. فنحن إذ ننهل من تاريخنا الفنّي الغنيّ، لا نعير الإهتمام الواجب إعارته لأعمال جيل مخضرم كامل عبّرت وتعبّر عن عصرنا هذا. وينظر بعض النقّاد الى هذه الأعمال بدونية تغفل، في الكثير من الأحيان، حقّها في النقد والتغطية الإعلامية. وقد يكون اللغط القائم حول معرفة الفنّ المعاصر تمام المعرفة، سببه تخلّي وسائل الإعلام، من التلفزيون الى الصحف والمجلات وحتى الكتب، عن دورها الرئيسي في تثقيف الناس، وحصر اهتمامها بتحقيق أرقام عالية من المبيعات، وهو ما اضطرّها للجوء الى العناوين والأخبار البرّاقة والمثيرة. وهذا لم يتحقّق إلا على حساب الفنّ ومفهومه الأسمى الذي جعل منه منارة للإنسانية عبر العصور.

 وقد ساهم غياب الإعلام والنقص في المعرفة في انتشار فطريات من الفنانين المعاصرين، على حساب الفنانين الحقيقيين. ومثلما لا نستطيع معرفة الفنان الحقيقي من المتطفّل على الفنّ، كذلك لا يمكننا أن نعرف القيمة الحقيقية الكامنة في قطعة فنّية، فنكتفي بمعرفتها المحسوسة السطحية. هنا يبرز دور مؤسسات مثل «مؤسسة كارتييه للفنّ المعاصر» التي عملت منذ تأسسيها عام 1994 كي تكون مساحة لإبداع الفنانين العالميين، ومكاناً لتقديم أعمالهم الى الجمهور الكبير والتي تراوح بين التصميم والرسم والفيديو والتصوير الفوتوغرافي، وبين الإستعراضات الفنّية الحيّة. وهي تنظّم دورياً المعارض المختلفة، كما تنظّم السهرات الفنيّة الحرّة. وتهدف دار كارتييه من مؤسستها هذه الى جعل الفنّ المعاصر فنّاً متاحاً للجميع. وهي تعبّر عن انحيازها الكبير للإبداع العالمي المعاصر على اختلاف مجالاته وانتماءاته الفنّية، مبلوّرة بذلك روح اكتشاف مواهب جديدة ومختلفة. 

في مبنى المؤسسة القائم في باريس، مدينة الأنوار، والذي صمّمه المهندس الفرنسي المعاصر جان نوفيل، كانت  جولتنا في معرض للمخرج الفنان الياباني تاكيشي كيتانو Takeshi Kitano، ذي الأسلوب الطفولي الساخر اللاذع في التعبير عن العادات والتقاليد الخاصّة بمجتمعه. المعرض مخصّص للأطفال، وقد استخدم الفنان رموزاً يابانية لتعريف هؤلاء على المجتمع الياباني بأسلوب ساخر. هنا مجسّم لأول مجرم ياباني استطاع أن يفلت من حكم الإعدام بعدما انكسرت المنصّة من ثقل وزنه، وفي هذا المجسّم إشارة الى عقوبة الإعدام شنقاً التي ما زالت تطبّق في اليابان. وهناك ماكينة خياطة ضخمة جداً تستخدم لتطريز قطعة قماش صغيرة، في إشارة واضحة الى الثورة الصناعية في اليابان التي بدأت بماكينات ضخمة للقيام بأعمال جدّ بسيطة. كذلك يبثّ الفنان فيلماً ساخراً من إخراجه يعرض فيه للأفكار المسبقة المطبوعة في أذهان الغربيين عن اليابان.

 لقد ضمّن كيتانو معرضه هذا أحلامه وشغفه وألعابه الطفولية وشيئاً من تاريخه الشخصي، خصوصاً في المجسّم الذي يمثّله والذي يظهر فيه مقطوع الرأس وقد أخرج دماغه وحمله بيده، وفي ذلك إشارة الى الجراحة الدقيقة في دماغه التي كان الأطباء ينوون إخضاعه لها بعد حادث السير الخطير الذي تعرّض له، لكنه واجههم بالرفض. وأمضى فترة نقاهته في الرسم، إذ كان يرسم يومياً لوحة كاملة طوال فترة مكوثه في المستشفى، وهو ما ساعده على الشفاء والتعافي.المعرض الذي يستمرّ حتى 12 أيلول/ سبتمبر، فرصة للتعرّف الى المجتمع الياباني من منظور فنان «مجنون» استطاع أن يجمع بين المرح والجدّية، ليوصل رسائل معيّنة الى الجمهور الواسع.