«رحيم» لياسر جلال... توازن الـ «الأكشن» في الدراما

24 يونيو 2018

كتب الناقد الفني أمين جمادة في الشقيقة "الحياة" تحت عنوان «رحيم»... توازن الـ «الأكشن» في الدراما:

لا يغرّد مسلسل «رحيم» منفرداً خارج سرب «الأكشن»، الحاضر بقوة في الموسم الدرامي المصري المنصرم على الشاشة الصغيرة. لكنه يُشكل نموذجاً درامياً فريداً عام 2018، بتحقيق التوازن بين الـ «حركة» والقصة الإنسانية، والربط بينهما على أساس «الإثارة»، من دون طغيان واحدة على أخرى، مستنداً إلى فضاء ملتصق بالواقع المحلي اجتماعياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً، من دون إغفال تبني كثير من وجهات النظر التي قد تعتبر «وطنية» او مؤيدة للسلطة الحاكمة حالياً، وتحديداً إبراز صورة لامعة للأجهزة الأمنية. 

تبدأ أحداث المسلسل بتاريخ 11 شباط (فبراير) 2011، يوم تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك إثر ثورة شعبية عارمة ضد نظام حكمه، بإلقاء القبض على «رحيم السيوفي» من تجسيد الممثل المصري ياسر جلال، وهو رجل أعمال ينشط في مجال تبييض الأموال وتهريب الدولارات الأميركية واليوروات (العملة الصعبة) خارج البلاد، لحساب رجال النظام. ترصد المشاهد الأولى الفوضى التي تعم البلاد لحظة التنحي، في مشهدية المظاهرات، ومن ثم تلف الملفات في أروقة الأجهزة الأمنية. 

يخرج «رحيم» من السجن بعد سبع سنوات، اي زمن السلطة الحالية، ليجد أن من حوله استولوا على كل ممتلكاته، وشرّدوا أفراد أسرته، فيباشر رحلة الانتقام واستعادة ما خسر، والأهم لم شمل أسرته، وكما يتبين لاحقاً، استرجاع مبلغ 700 مليون دولار لمصلحة خزينة الدولة من الأموال المهربة، بالتعاون مع ضباط من جهاز الأمن الوطني، والذين هم انفسهم قبضوا عليه في المقام الأول، ولم يتغيروا مع تغير اسم الجهاز من «أمن الدولة». حبكة درامية واضحة في إظهار سعي السلطة الحالية في تحصيل «أموال البلد» ولمّ «أولاد البلد»، بعد دوامة انهيار النظام السابق، و «سجن البلد» في زمن «الإخوان المسلمين»، والأوضح تحييد الأجهزة الأمنية عن مسؤولية ما حصل، من دون غض النظر عن وجود ضابط فاسد بين مجموع الضباط الصالحين. 

من ناحية الإخراج، تحضر «تيمة الأكشن» في كل مراحل الرحلة، باحتراف كبير من حيث الشكل في عدسة محمد سلامة، في تجربته الإخراجية الأولى لمسلسل درامي، فسارت كاميرته على وقع التشويق والشك والتوتر، مع لجوئه إلى الكثير من المشاهد الخطرة والقائمة على المجازفات، من دون اسراف في المبالغة. وعلى رغم أنها لم تخل من بعض الأخطاء، لا سيما مشهد قفز «رحيم» من سطح أحد المباني الى شرفة آخر، إلّا أن الهفوة كان بالإمكان تلافيها عبر عمليات المونتاج، لتصبح كاملة وصحيحة. وأما النص، فيمتاز بتصاعد الأحداث بوتيرة لا تتوقف، لا سيما إقفال كل حلقة بالقطع على حدث جديد مترقب، الى جانب التشويق في كشف خيوط مخفية بالتتابع بعد تحضير أرضيتها، كتعامل «حلمي» من أداء محمد رياض، مع الضابط «أحمد الديب» (إيهاب فهمي).

ولكن الخاصية تكمن في إيجاد حيوية فاعلة للشخصيات كافة مع خلفية درامية كاملة، على رغم دوران الأحداث حول محور «الشخصية البطلة»، مع الاستناد على الثنائيات، بخاصة الأكثر نجاحاً والمتعلقة بين «رحيم» و»حلمي». يختلف نص محمد اسماعيل امين في تعامله الثاني مع جلال، عن نظرائه في «الأكشن»، في حمل العصا بالمنتصف بين «الحركة» و «الدراما»، فيركز بجدية على القيم العائلية وأهمية الأسرة، بخاصة في مشهد غسل «رحيم» لوالده، الى جانب العمق في العلاقات الإنسانية في الصداقة والعداوة، وآفات الثأر والمخدرات والفساد وغيرها، مع تفضيل قاعدة المحاسبة على «خارقية البطل» الذي ينتهي مضرجاً بدمائه، مع خضوع كل مذنب لعملية محاسبة مختلفة.

من حيث الأداء، يثبت ياسر جلال أقدامه في النجومية المستحقة، بعد بطولته المطلقة الأولى والمتأخرة في «ظل الرئيس» خلال موسم 2017 الماضي. يستعين بـ»لوك جديد» شكلاً، مستعيناً في أدوات الشخصية على تغيير طفيف في نبرة الصوت، وحركة مشدودة تتناسق مع حسمه وثباته وثقته العالية بالنفس، كما تتناسق ببعض الارتخاء في لحظات الضعف القليلة. هذه الصفات الموجودة ابتداءً، تُبرر تباعاً مع الأحداث التي تكشف مظلوميته في سن صغيرة ووضعه في سجن الأحداث. يُحسب لجلال أيضاً اداء المجازفات بنفسه من دون الاعتماد على بديل. ومن أكثر ما يميز شخصيات مسلسل «رحيم» أنها تمثلت بـ»كراكتيرات» من الداخل والخارج كـ»سيد» (طارق عبد العزيز) و «عماد» (صبري فواز) و «أمينة» (ياسمين غيث) و «حنان» (دينا)، مكتملة وواضحة من ناحية جميع الممثلين المشاركين في البطولة، ما عدا الممثلة اللبنانية نور في شخصية «داليا» معتمدة على الإنطلاق من الداخل حصراً.

وتكسر بعض الشخصيات حدة «الدراما» و «الأكشن» بنكهة كوميدية، لا سيما عبر شخصية «بدر السيوفي»، من تجسيد الممثل القدير حسن حسني، بقدرة عالية على رمي الـ»ايفيهات» مع الانتقال من الكوميديا الى التراجيديا بسلاسة. وأيضاً تبرز موهبة عبد الرحمن القليوبي «شبورة» باستخدام بارع لقاموس خاص ولغة جسد كاملة مستمدة من أبناء الأحياء الشعبية، مع لازمة «عظمتو» التي تعلق على رغم صغر مساحة الدور. في جانب نقاط القوة في الأدوار، يجذب «رحيم» عدداً كبيراً من الفنانين المصريين الذين حلّوا كضيوف شرف في حلقات محددة ومشاهد قليلة جداً، إلا أنهم يظهرون بملامح مكتملة ومقنعة فنياً بقدر يفوق حجم ظهورها. من أبرز هذه الأسماء، أحمد السقّا وأحمد زاهر وهالة صدقي وإدوارد وفتحي عبد الوهّاب.