'المزافن': فن يستعيد جمهوره في أحضان قلعة الفجيرة الإماراتية

حسين الجسمي, الإمارات العربية المتحدة, قناة سما دبي, شعراء, أغنية شعبية, موسوعة غينيس, الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان, المزافن

24 يناير 2011

لم تعد الحفلات الغنائية الجماهيرية والخاصة هي همزة الوصل الوحيدة بين المطربين وجمهورهم في الإمارات التي بدأت المسابقات التراثية فيها تأخذ زخماً مغايراً، فبعد النجاح الملحوظ التي حققته بطولات «اليولة» المختلفة التي تخصصت في نقلها قناة «سما دبي» الفضائية بكامل فقراتها ، والتي تجمع دائماً بين نجوم الأغنية الشعبية الإماراتية ونخبة من أبرز الشعراء، وفي مقابل ازدهار فن «اليولة» في دبي خصوصاً، أحيت الفجيرة فناً قديماً يعتمد على مهارات المنازلة بالسيف، وهو فن المزافن» الذي يضم حركات استعراضية تتواءم مع الموسيقى والإيقاع.

لم يكن أكثر المتفائلين بقرار إقامة  بطولة تراثية تحت مسمى «السيف» يتنافس عبرها الشباب على مهارات فن تراثي كاد يطويه النسيان وهو المنازلة بالسيف، أو «المزافن»، يتوقع أن تحظى البطولة بكل هذا الاهتمام الجماهيري والإعلامي، رغم أن اللجنة المنظمة احتاجت الى وقت طويل لتجميع نحو 150 متسابقاً على استعداد للتنافس بالسيف، بعدما عقدت لهم لقاءات تدريبية مع ممارسين لهذا الفن المنحدر من قبائل استقرت خصوصاً قرب قمم رؤوس الجبال في كل من الفجيرة ورأس الخيمة والشارقة قبل انتشارها في سائر إمارات الدولة.
ونجحت الجولة الافتتاحية للبطولة البالغ مجموع جوائزها مليون درهم بخلاف سيوف ذهبية وفضية وبرونزية لأصحاب المراكز الأولى، في استقطاب 35 ألفاً ما بين مشارك في التصويت المحدد لهوية الفارسين المتسابقين من بين 8 أشخاص جمعتهم المنازلة، عبر الرسائل النصية القصيرة، وجمهور فضل أن يعيش المغامرة نفسها في مدرجات استوعبت نحو ألفي شخص وفدوا من مختلف أنحاء الإمارات للتعرف على هذا الفن الذي سينافس من دون شك الحضور القوي لأحد أكثر الفنون الادائية المرتبطة بالتراث الإماراتي، وهو فن «اليولة».
وقد سعى الكثير من الفنانين بعد التأكد من جماهيرية البطولة إلى إيجاد موطئ قدم لهم في فقراتها الفنية. وبينما انفرد المطرب الإماراتي حسين الجسمي بالأغنية الرسمية التي جاءت بعنوان السيف، وتم توزيعها على الحضور في آلاف الاسطوانات المدمجة، ذهبت أغنية ختام البطولة لمواطنه «هزاع». وعلى مدار البطولة كان هناك حضور لعدد كبير من الفنانين مثل حربي العامري، وعبد المنعم العامري، وأريام، ومنصور زايد، وغيرهم من الذين برعوا في الأغنية الشعبية الإماراتية المنسجمة مع إيقاع هذا الفن التراثي.
وتنافست فضائيات محلية كثيرة على نقل وقائع البطولة، قبل أن يُحسم الأمر بشكل نهائي لصالح قناة «سما دبي» التي تتولى نقلها أسبوعياً مساء كل جمعة على الهواء مباشرة، في حين تم الاتفاق على أن تكتفي سائر القنوات بتقارير عن البطولة، مما يعني أن «المزافن» مرشحة بقوة لأن تستعيد ألقها فناً ممارساً بين قطاع عريض من الجمهور ما بين مؤدٍ لطقوسها، ومتابع لها.

فن أصيل وتفاصيل
لا يعتمد هذا الفن الأصيل خلافاً  لما قد يتبادر إلى الذهن على المهارة القتالية بين شخصين ، بل يعتمد على عدد كبير من التفاصيل الفنية، لكل منها مصطلحات محددة، بدءاً بالصيحات التي تنم عن الشجاعة والإقدام، وحالة الاعتزاز التي يبدأ بها المتسابق المنازلة، والأهم خفة الحركة، مروراً بحالة التناغم والتجانس مع الإيقاع الموسيقي المصاحب، والقدرة الفائقة على التحكم في السيف في أوضاع مختلفة وتنقله بسلاسة بين كلتا اليدين، فضلاً عن مهارة دفعه رأسياً وإعادة تلقفه بأمان وسلاسة، وغيرها من المهارات التي تخطف الأبصار وتحبس أنفاس جمهور هذا الفن التراثي.
وقال رئيس لجنة التحكيم مدير مكتب وزارة الثقافة في الفجيرة سلطان بن مليح إن هناك قوانين تحتكم إليها اللجنة في آلية تصنيف المتسابقين، مشيراً إلى أن هناك درجات محددة لدى لجنة التحكيم جرى توزيعها على مختلف التفاصيل الفنية للمزافن، منها ما يتعلق بإحكام قبضة المتسابق على السيف مع احتفاظه بالمرونة، ومدى اعتزازه بذاته أثناء حركته بالسيف،والإقدام، والمهارة في الاستدارة بالسيف، والانسجام مع الإيقاع، ومرونة تداوله من يد إلى أخرى، وصيحة الشجاعة التي يلفت بها أنظار منافسه والجمهور، والابتعاد عن الهجوم العشوائي الذي يؤشر له تكرار 3 محاولات هجوم فاشلة على المنافس في وقت قصير للغاية، فضلاً عن الابتكار في الفنيات التي توقع أن تكون أحد محاور الإثارة في المسابقة، في مقابل درجات تحسمها ترشيحات الجمهور عبر الرسائل النصية القصيرة.
وشدد  رئيس اللجنة العليا المنظمة للبطولة الشيخ عبد الله بن سيف الشرقي على أن أحد الأهداف الرئيسية التي انطلقت من أجلها السيف هو ترجمة توجيهات ولي عهد الفجيرة الشيخ محمد بن حمد الشرقي لبذل مزيد من الجهد للحفاظ على هذا الفن الذي يمثل جانباً أصيلاً من الموروث الإماراتي، رغم محدودية انتشاره حالياً، لافتاً إلى أن المشاركة مفتوحة لكل الجنسيات شرط الالتزام بتقاليد المشاركة في البطولة التي تعكس جانباً مهماً من جوانب الموروث الإماراتي، وتجاوز الاختبارات الأولية التي تكشف عن مدى التمكن من المهارات الأولية للمزافنة.

أرقام في غينيس
وفضلاً عن تسجيل رقمين قياسيين لبطولة السيف في موسوعة غينيس العالمية، وهي أعلى رمية رأسية للسيف التي تعد إحدى مهارات المتسابقين المعروفة، بشرط إعادة تسلمه بسهولة، وأكبر تجمع لممارسي «اليولة» في العالم، فإن منظمة اليونسكو العالمية أرسلت مندوبيها لتلاوة كلمة شكر وتقدير لجهود البطولة في حفظ أحد أهم ملامح التراث الثقافي غير المادي الخاص بالإمارات من الاندثار، ممثلة في مندوبين حضرا وقائع الحفلة الختامية ونقلا تحيات الأمين العام لليونسكو. وهذا مثل أحد أهم إنجازات البطولة في نسختها الأولى التي أسدلت ستارها بمنح سيوفها الذهبية والفضية والبرونزية على التوالي لكل من عدنان الحبسي وسلطان الشحي وياسر الشحي، علماً بأن قبيلتي «الحبوس» و«الشحوح» من أبرز القبائل الإماراتية ارتباطاً بالفنون التراثية المتوارثة.
وقد تم التتويج في ليلة أكد حضورها أنها استثنائية وشديدة الخصوصية في ليالي إمارة الفجيرة التي تحولت أقدم قلاعها إلى منارة مشعة بسبب تتابع الألعاب النارية الكثيفة التي بدت وكأنها ثياب فرح تزينت بها قلعة الفجيرة التاريخية التي كانت الخلفية الحاضرة دائماً لأحداث البطولة على مدار 35 يوماً.

جائزة للزواج
قال صاحب السيف الذهبي الفائز بالمركز الأول في بطولة السيف لـ «لها» أنه سيستعين بالقيمة المالية لجائزته البالغة 60 ألف درهم على نفقات الزواج، اذ يعتزم الحبسي البالغ من العمر 23 عاماً التقدم لخطبة فتاة إماراتية، علما أن الجائزة التي تشمل أيضاً سيارة دفع رباعي موديل العام الجديد.

أخطاء مرفوضة
حذرت لجنة التحكيم الرباعية من أخطاء قاتلة على المتسابق تلافيها، أهمها سقوط الغترة (غطاء الرأس للرجال) الذي يستوجب حسم 200 نقطة من رصيد المتسابق، في حين أن سقوط المتسابق نفسه لا يستدعي سوى حسم100 نقطة، وهي الدرجات التي تحسم في حال استقبال المتسابق للسيف من الخلف بعد رميه بشكل رأسي.

الجسمي
صوت الفنان الإماراتي الشهير حسين الجسمي يتردد أثناء كل جولة 4 مرات، كونه مطرب الأغنية الرسمية للبطولة التي جاءت أيضاً باسم «السيف» ، ويؤدي على إيقاعها جميع المتسابقين استعراضاتهم، فيما تستحضر كلماتها ملامح من أمجاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع حاضر إمارة الفجيرة بقيادة الشيخ حمد بن محمد الشرقي ، وسط تفاعل جمهور غفير من الجنسين  استقر في المدرجات لمعرفة تقاليد هذا الفن التراثي. فيما تبقى أغنية الختام حاضرة دائماً بصوت الفنان الشاب هزاع .