المصوّر الفوتوغرافي ماهر عطار شاعر بألم وألق...

التصوير الفوتوغرافي, تصوير تقليدي, حكاية, ذكرى سنوية, محمد المنصور, مركز المشاعر الإنسانية, الصور الفوتوغرافية, موقع / مواقع التصوير, كوستو برشلونة, جائزة الشيخ زايد للكتاب, صورة, ماهر عطار

18 فبراير 2011

شَعَرَ بالشارع باكراً ... فبيروته بَرْؤها محال، حتى أمسى شاهداً شاهراً كاميرا احترفها ولم يُحرّف حقيقة التقطتها. حقيقة اقتحمها تارة واحتفى بها تارة أخرى طوال 28 عاماً. ماهر عطار، شاعر بألمٍ وألقٍ وألوان دون قلم... وحبره اليوم سائلُ المسيرة القطرية، تلوّن بالبحر والصحراء والحجر الجيري وضوء النهضة، زوايا ذاكرة وحقيقة تستحق القراءة في كتاب DOHArama.

الصورة تساوي ألف أغنية ...
«الصورة تساوي ألف كلمة»، لكن هذه العبارة لا تشمل أعمال ماهر عطار، فصورة غلاف كتاب DOHArama تساوي ألف أغنية، إحداها «يا مركب الريح» للسيّدة فيروز في قسمها الأول، أما الجانب الأيسر من الصورة فهو حتماً نتيجة «وطن الموج».
قطرياً، يصدر منها صوت النوخذة والطوّاش والنهّام، تراث حياة لم تطارده ناطحات السحاب بعد اكتشاف النفط. وقد جمع ماهر عطار وجهين للدوحة لا الأمس والحاضر. فالأمس حاضرٌ والحاضر مسار الأمس، متلازمان ومتناصفان بمتعة في صورة ماهر عطار.
«هدية ثمينة» من قطر ولها، هو كتاب ماهر عطار الذي صدر في احتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010.
فقد أوحى صديق لوزير الثقافة والفنون والتراث الدكتور حمد بن العزيز الكواري بعمل فني يجيب عن سؤال مفاده: كيف كانت الدوحة وكيف أصبحت؟ «فكانت ولادة هذا العمل الفني الذي ناقش موضوعه مع المصوّر المبدع ماهر عطار الذي أبدى  استعداده للتصدّي لهذه المهمة الكبير، فكان هذا المطبوع». كلمة «تصدّي» يردّدها الوزير الكواري على الدوام، فهو رجل ثقافة فائق. وقد سأل ماهر عطار يوم توقيع كتاب DOHArama عن توقيت نشر الجزء الثاني.

التقاط الماضي بآلة لوموغرافيا متواضعة لا يتجاوز ثمنها 20 دولاراً
خمس قطريات لم يتعدّين عمر الست سنوات بلباس تقليدي وعصري، هنّ قطر. افتتح ماهر عطار كتابه بهذه الصورة التي جسّدت طفولة عاصمة تنضج بتوازن وتزاهر.
بالأبيض والأسود، يلتقط ماهر عطار إطاراته راضخاً لعشقه اللوني غير المتضارب. فرمادية الصورة تمجّد سُمْرة الأجداد. ولعلّ لقاء التناقض غير المتضارب الذي يسيطر على لقطات ماهر عطار - بمعزل عن واقع قطر - هو ثمرة مسرحه في وكالة Sygma، حيث تأثر بأحد أهم مصوّري العالم، هيلموت نيوتن عن كثب.
من العام إلى الخاص، اتّسعت عدسة ماهر عطار وحواسه في الدوحة، بعدما وثّق «سوق واقف» في عمل سابق صدر بأربع لغات، العربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية.
اختار ماهر عطار استخدام طريقتين للتصوير، فالماضي الذي يستحضر الحلم والخيال والرومانسية، التقطه بآلة لوموغرافيا متواضعة، استرجع من خلالها نصف قرن وسائر العيوب التي تسعى آلات التصوير الحالية جاهدة إلى تصحيحها، من الغشاوة إلى الإنارة الرديئة... واستكمل التصوير يدوياً بآلة لا يتجاوز ثمنها عشرين دولاراً. «تنظيف يدوي» في عصر الفوتوشوب الذي يصف استخدام تقنيته بنسبة 5 % بالمعيب، حين شاهد عيّنة من المجلات اللبنانية وجلسات تصوير فنانيها التي لا تتوخى ثوابت المهنة، ثوابته: «المسؤولية والدّقة حتى الإحتراف. لا رفعاً للوجنتين. في شي إسمو حقيقة !».
أما الطريقة الثانية، فبواسطة كاميرا لينوف، تلتقط صوراً قياسها 6 x 17 سنتمتراً، وهي مثالية لإلتقاط صور بانورامية شاملة عالية الجودة. وكم تألق بإطاراتها وامْتدّ متحف الفن الإسلامي والمدينة التعليمية التابعة لمؤسسة قطر والمجمعات الرياضية والتجارية والشوارع ... حين استحالت الصورة المتواضعة إنصاف حاضر متحرّك بجنون. ولعل هذه الدينامية الشاملة حضرت في بعض الصور، حركة الأفراد والخيول والسيارات لتجسّد الدوحة- العداءة.
وقد ألقى عنوان الكتاب «دوحة راما» تحية للتصوير البانورامي، خصوصاً أن كلمة «راما» تعني بالإغريقية القديمة «رؤية». وعليه، «دوحة راما» تعني «ما نراه من الدوحة» حيث تتسع الرؤية.

مساجد تَساجَل على بقائها الزمن والذكرى
 في ديوانه الخاص بالدوحة، دنا ماهر عطار من تفاصيل العاصمة على مدى سنتين. أحاط بالصحراء والبحر والمراكب والأحرام المقدّسة وتلك المكرّسة للمعرفة.
ما أكثر العناوين التي وقف عندها، فخطواته واجهت «وجهات مُربكة»، فهنا برج Aspire خلف استاد خليفة، وهناك مربط الخيل العربي وميادين المنافسة، خصوصاً أن لقطر دوراً ريادياً في عملية تناسل الخيول العربية الأصيلة.
بالأسود والأبيض مجدّداً، علّق الساجدون غترتهم وعقالهم ريثما ينهون صلاتهم. فيما أطلال البساطة ترفع أذان النهار من مساجد تساجل على بقائها الزمن والذكرى.
كوّة متشظّية ترسم إطاراً داخلياً لمئذنة، ولعل عطار أسقط عبرها واقع رصده لسنوات في بيروت المتوترة.
ففي حين كانت الميليشيات اللبنانية وغيرها تتقاتل في بيروت، كان يصوّب  ماهر عدسته لسرقة «أقسى اللحظات» وأقصاها خطورة، «كنت في موقع تصوير فيلم سينمائي طويل». توسّل سبقاً صحفياً في البدايات، وأصيب  برصاصة في رأسه عام 1983 ومرة أخرى في ساقه ثم تعرّض لحادث سيارة. وسافر إلى باريس، حلمه و«عاصمة الصورة» مثقلاً بجصّ أبيض  و... جزاء.
ولحكاية سمر في مخيم صبرا وشاتيلا سرد طويل. وتتخطى بصمته الصامتة والصادقة «أرشفة الحرب» اليوم: «لم تغرِني حرب تمّوز 2006 لتصويرها، رغم وجودي في تلك الفترة في بيروت لتقديم عمل مسرحي مع الموسيقي غي مانوكيان».
استعادت عقارب الساعة اللبنانية سنواتها العشرين، حين أربكت ماهر عطار وحين هجر الوطن، لكن هذه المرّة غادر عبر سورية ثم أمستردام ثم باريس. وهو مقيم في الدوحة حالياً.

طيفُ حمامة بيضاء يهمّ بالخروج من الصورة
لا بدّ أن تُغرمَ بكتاب Doha rama حين تلمح طيف حمامة بيضاء يهمّ بالخروج من الصورة. وكأن أبراج الحمائم تصدر من قمرياتها صوت فيروز مجدداً وقصائد محمود درويش، ولادة الماضي برؤية بيضاء تعود أدراجها على الدوام وأبراجها كما الحمائم. وإن ارتفعت أبراج أخرى، فولاذية وزجاجية «تدغدغ السحاب» بتعبير الكاتبة الأميركية باتريسيا ديفيس التي يرى عطار في كتابتها الوصفية حرصاً على قلم أجنبي صادق وموضوعي. فقد وصفت الدوحة ب«المدينة الصحراوية الخلابة بروحها الريّانة والمخضرمة، البريئة والحكيمة».


كم تتزامن ملامح صور 2010 و1950 في مملكة الصيّادين
أتصفّح كتاب «سوق واقف» الذي حضرت جلبته الجميلة في الإصدار الجديد. ولا يمكن إلاّ أن يتوقف المرء عند صورة Le Passage  التي فرضت نسخها الست «نفسها» في لندن وباريس (الأونيسكو) ونيويورك. وقد اشترتها شيخة قطرية ب27 ألف دولار في مزاد علني يعود ريعه لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان. لقد انتظر أكثر من ثلاث ساعات ريثما يمرّ المرئي ويقطف اللقطة.
كسائر كتبه الخمسة، كتاب Doha rama صادر عن دار نشر Art&Privilège التي يملكها ماهر عطار. يوضّح باللهجة اللبنانية : «عملت دار نشر حتى طلّع كتبي أنا ... على ذوقي أنا».
أجوبة متكاملة حرص على تلبيتها ماهر عطار في الصفحات الأخيرة من كتابه لكل سائل عن الدوحة. فقد نشر بين دفّتي فضائه الضوئي صوراً لدوحة الخمسينات التي يحتفظ بها الديوان الأميري. وكم تتزامن ملامح صور 2010 و1950 في مملكة الصيّادين، تلك التي التقطها ماهر عطار والأخرى التاريخية التي رصد الجيش البريطاني بعضها من الجو.

لأنه ماهر عطار ..
لأنه  قرّر احتراف التصوير لا دراسة إدارة الأعمال كأي لبناني كما كان شائعاً في تلك الفترة هو ماهر عطار. ماهر عطار الذي يصم أذنيه عند امتناع البعض عن التصوير حتى اليوم. وماهر عطار الذي يبكيه المكان حين لا يلبّي رغبة البقاء في رصيده، «بكيت  في برلين وسط الأجواء الماطرة التي منعتني من التصوير أخيراً». يصوّر بقلب عربي وعقلية غربية، «لا يمكن أن أتلاعب بالصورة. أفتخر بعروبتي، ولم أدخل لبنان بجواز سفري الفرنسي إلاّ مرة واحدة حين كنت برفقة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. شعرت بالخجل حينها».
«أنا شاهدٌ، لست مصوراً»، يقول المصوّر الفوتوغرافي ماهر عطار الذي لا يحبّذ صفة مصوّر. فهي «دون قيمة ومهنة مجهولة في العالم العربي للأسف». لم يدرس التصوير بل مارسه كمصوّر تقارير لبنانية. «التصوير هو كالركوب على صهوة جواد، يحتاج إلى الحس والإتجاه». قادم من عالم التقارير، كان يصطحب كاميرته في نزهة في الشارع، فهي «رفيقتي البيروتية في البدايات».
هل تجذب بيروت ابنها اليوم ؟ مكث في بيروت 10 أيام لإنهاء إجراءات شحن كتابه الجديد، لكنه شعر بالتعب من مدينة قرّر أن يطلق اسمها على ابنته يوماً. لكلمة بيروت نغمة جميلة. ماذا عن مشهدية نغمتها ؟ يفتقد سحرها، ويفضل الخروج إليها ليلاً لئلا يرى عيوبها. يشعر بضيق شديد من عشوائية نهارها، يعبر شوارعها بصعوبة. لم يعتد حتى اليوم السير بغير منطق خطوط التماس. رغم كل ذلك، بيروت تستحق أن يوثقها، « لم تغبْ عن ذهني منذ نهاية الثمانينات، مذ وثّقت قصر بيت الدين الشهابي بناء على طلب النائب وليد جنبلاط». وكان قد طبع من العمل ألف نسخة خلال فترة الحرب، قدّمها جنبلاط كهدايا لرؤساء وزعماء دول.
و«ابتدى المشوار» ...

«سوق وافق» حكاية قرية صغيرة يقسمها «وادي مشيرب»
لا تزال «العماير» والدكاكين والبسطات في الدوحة حين كانت قرية صغيرة يقسمها «وادي مشيرب» الصغير والعميق إلى نصفين. وكان أهالي الدوحة الذين سكنوا على ضفتي الوادي يجتمعون على ضفافه للبيع والشراء. ولم تترك مياه البحر الدافقة سوى ممر ضيق دفع بالباعة للوقوف طيلة النهار لاستحالة الجلوس على الحواف نظراً لضيق المكان، ولذا سُمّي ب«سوق واقف... ولذا وثّق ماهر عطّار عراقته في كتابَيْه، «يُحكى عن ... سوق واقف» وDOHArama.

يوثّق المشهد القطري بالكلمة أيضاً ...
تخوض قطر اليوم رحلة تغيير، وتتقدّم بخطوات جبّارة نحو المستقبل. ومدينة الدوحة ما هي سوى قلبها النابض. وقد أمسى الحاضر قطعة تشارك في رسم أحجية المستقبل، فيما استحالت الحياة دوّامة دوّارة. غير أنّ ماضي المدينة يأبى أن يضيع في غياهب النسيان ويصرّ على متابعة المسيرة، ليوجّه خطانا في لحظات الحاضر.
بين السطور غير المكتوبة التي خطّتها صوري، أدعوكم لنعيد ربط مفاصل الزمان. فعملي محاولة لسبر الآثار التي خلّفها التاريخ وتجربة تصوّر زوايا ذاكرة هذه المدينة، بدون أن يغيب عنها عرض أسلوب عيشها الحاليّ.
ماهر عطّار

ماهر عطار ...  صورة قلمية
ماهر عطار مصوّر فوتوغرافي  منذ أكثر من 28 عاماً. بدأ مشواره في وكالة الصحافة الفرنسية   AFP، مكتب بيروت. وتركّز عمله كمراسل حرب (أزماتAchille Lauro والحرب في المخيمات الفلسطينية وعملية اختطاف طائرة TWA). ثم انتقل إلى مكتب وكالة الصحافة Sygma في باريس حيث مدّ أعرق المطبوعات والدوريات بصور تقارير ومشاهير،Paris Match  وLife وFocus وNewsweek وTime وBusiness Week... وقد عمل فيها كمراسل حرب في الشرق الأوسط  مقيم في بيروت، ثم في عمّان لتغطية حرب الخليج. أسّس دار نشره الخاصة Art&Privilège عام2006، وقد نشر العديد من الكتب الموثّقة لأعماله الفوتوغرافية. وفي العام نفسه، تمّ تكريمه في بيروت خلال معرضBorn in Lebanon . وفي الفترة نفسها، برعاية البرنامج البيئي للأمم المتحدة وبشعار Desert&Desertification، استعرض عمله de mon arbre Auprès في باريس عبر تسعة أعمال. عام 2008، وثقّ أبرز الشخصيات الفنية والإقتصادية والأدبية في كتابه ..Lebanon. Portraits.
وقد أذهلت مرحلة إعداد الأخير زوجة ماهر العطار حين تمنّعت بعض الأسماء الفنية عن نشر صورتها في حال سيضم الكتاب صورة شخصية «منافسة».
وهذا ما عبّرت عنه في مقدمة الكتاب الذي حمل تصميمها. يقيم في قطر حالياً، حيث يدير مكتبة الصور الرقمية للشيخة موزا بنت ناصر وهو مصوّرها الشخصي. يعالج القضايا الإنسانية والتعليمية بأعماله... ولعل أبرزها كتاب On the road to school برعاية مؤسسة قطر ومنظمة «أيادي الخير نحو آسيا» التي أسّستها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني. وقد طبعت صفحات الكتاب صوراً التقطها أطفال من النبال وأدونيسيا وكمبوديا، حين شاركهم ماهر عطّار تجربة «أفضل ما يملك».