أعمال «خايمي هامون»: خلطة سرية من الحلم والفكاهة والجدية!

نجاة شحادة (باريس) 21 يوليو 2018

هو واحد من جيل «المصمّمين الطليعيين»، هؤلاء المبدعين الشباب الذين يبشّرون بعودة أسلوب التوقيع الفردي والمتفرد... «خايمي هامون» نفسه يجد صعوبة في رسم «بروفيل» له وفي توصيف تصميم يستدعي الغرابة والجمال، الأشكال والوظائف. وبخطاب غير معقد، يستحضر ينابيع إلهامات متعددة، فيبدأ بـ«جيف كونس» وصولاً الى «سلفادور دالي» من دون أن يغفل المرور بزملائه الكبار أمثال «جاسبرموريسون» لبساطته المينيماليست وراديكاليته البصرية، «جوزيف هوفمان» الجدير بتمثيل الخط المفصلي بين الفن الجديد والـ«آرت ديكو». وعليه فليس مستغرباً أن نرى في هذه المرجعيات الخط القوي الذي يُلهب أفكار «هايون»، هذا المبتكر الذي لا يقف عند حد في أعماله الغريبة والمسلية: إنه في الواقع مبتكر تسالٍ.

الرغبة في التصميم، اكتشفها «خايمي هايون» في نفسه في سنّ السادسة عشرة، خلال إقامته لسنة في الولايات المتحدة. هناك انتهز فرصة سنحت له للاتقاء بعدد من الأشخاص الذين كانوا على صلة بجامعة كاليفورنيا في باسادينا. هؤلاء الأشخاص أنفسهم اكتشفوا في «خايمي» روح الفنان، وقد نصحوه آنذاك بمتابعة مجال «ثلاثي الأبعاد». وهذا ما كان له بعد عودته الى إسبانيا لمتابعة دراساته العليا، حيث التحق بمدرسة افتتحت للتو قسماً متخصصاً بالتصميم الصناعي. وفي تلك المدرسة اكتشف مشهداً مفتوحاً وآسراً.

وحين نقول إن «هايون» من جيل الطليعيين، فذلك يعني أن أعماله تشكّل مرآة لأعمال جيل كامل من المصمّمين الذين يصعب تصنيفهم. هم مصمّمون أم فنانون؟ ربما من الأفضل القول إن هذه الأعمال تجمع الفني والعملي وليس الجمالي والوظيفي. فالتصميم بالنسبة الى «هايون» وأقرانه هو عبارة عن منصة للتفكير الذي يحلّل عاداتنا وسلوكياتنا، وبالتالي يعمل على إيجاد طرق ووسائل تعطي شكلاً للمشروع وتضخ العاطفة فيه... وبالطبع ضمن احترام الوظيفة. فالتصميم، وهو اليوم الأكثر مباشرةً، يتطلب كثافة ثقافية تمكنه من الديمومة، أن يكون جيداً ويستمر في طرح نفسه كتجربة مستدامة تحافظ على جماليتها ونقائها.

لقد منحت إبداعات «هايون»، ومعه أبناء جيله، التصميم معانٍ جديدة لم تكن متداولة من قبل. ولم يقتصر الأمر على المعاني الجديدة، بل وصل الى طرائق مبتكرة، جعلت تعريف التصميم أكثر اتساعاً وحيوية. فالعمل على الفكرة يتم في معزل عن التفكير بالمادة... بالطبع ليس إلى النهاية، ولكن مما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي والقدرات غير المسبوقة في تطويع المواد المختلفة والتي كان لا يمكن تصورها حتى سنوات قريبة، كذلك طرح مواد جديدة وتصنيع المدهشات فيها، منحت الحرية القصوى للتفكير بالتصميم، وأعطت المصمّم فرصة نادرة لكي يطلق العنان لمخيلته.

ومن خلال أعمال «خايمي هايون» سيمكننا ملاحظة أشياء مثيرة تجسّد المنحى الذي تتخذه هذه الأعمال، ليس من حيث أشكالها وألوانها أو موادها، وإنما أيضاً من حيث دلالاتها ومضامينها، فهي هنا تكاد تشارك الفرد ليس في حيز المساحة والمكان فقط، وإنما أيضاً في العادات والسلوكيات والرغبات. لذا فإن قراءة هذه الأمور على ملامح التصميم كوحدة متكاملة، تفسّر الكثير من خيارات الشكل واللون والمواد. فنحن أمام قطع لا تنتمي بالكامل إلى الأثاث أو الأكسسوار أو الداخل بشكل عام، بل هي هنا من أجل رفد الحياة اليومية بمعانٍ ودلالات تسمح للفرد بأن يقيم عبرها عالمه الخاص جداً، وأن يبتكر أيضاً أجواءه الخاصة والتي ستشبهه أكثر مما كانت توفّره له التصاميم التقليدية.

يبدو أن طواعية المواد المستخدمة في التصاميم الطليعية قد انعكست على الأفكار نفسها، وأيضاً على كل الخيارات المتعلقة بها من لون وشكل وحجم وأبعاد. ولهذا سنجد أن التحولات التي يمكن أن تتيحها هذه المبتكرات لا حدود لها، وطواعيتها في الفضاء والمساحة تسمح بتجديد دائم ليس لأجواء الداخل فقط، وإنما أيضاً للأجواء «النفسية» ودعم تمنياتها وتطلعاتها وتحقيق رغباتها إلى أقصى حد.

لقد بات واضحاً أن «تيار» هؤلاء المصمّمين الجدد أو المصمّمين الأحرار الطليعيين، يحتل مساحات جديدة في عالم الداخل، يوماً بعد يوم، وهذا يدل على مدى جدية أصحابه ومقدار الجهد الذي يبذلونه من أجل إنجاز مبتكرات على علاقة وثيقة بالحياة المعاصرة ومتغيراتها، مع مراعاة كل الأصول والقواعد والمعايير التي تجعل من هذه القطع ليس مجرد كماليات أو أكسسوارات في مشهد زخرفي مرتجى، بل أداة ووسيلة تواصل بين داخل المنازل ووجدان الأفراد...