هل أصبح الدوبلاج في سوريا دراما بديلة؟ صناعة الأعمال المدبلجة في سوريا...

دمشق ـ «لها» 21 يوليو 2018

لم يعد خافياً على أحد، أن دوبلاج الأعمال التركية والهندية وغيرها من أنواع الدراما، أصبح الأشهر عربياً بصوت الفنان السوري، الذي أثبت منذ أكثر من عشر سنوات، براعته في الدوبلاج.

وعلى رغم وجود تجارب عربية كثيرة في هذا المجال، وما زالت مستمرة الى الآن، إلا أن المحطات والمشاهد يطالبان بالدوبلاج السوري، وبحسب رأي الجميع، فالسبب يعود إلى أن اللهجة السورية مفهومة وسلسة وأقرب إلى اللهجة البيضاء. 

من خلال تحقيقنا التالي، نتعرف أكثر على مهنة الدوبلاج التي تعيش نهضتها اليوم في سوريا، والتي بات البعض يعتبرها بديلاً عن الدراما السورية، وعلى صاحبي الأصوات التي تعودنا عليها في أهم الأعمال المدبلجة، والصعوبات التي يواجهونها.


غارب حمود، هكذا كثرت شركات الدوبلاج من سوريا 

يقول غارب حمود، مدير شركة للدوبلاج: «بدأتُ مع انطلاق موجة الدوبلاج في سورية، وأسستُ شركة تقدم خدمة الإعداد لشركات الدوبلاج باللهجة السورية، كما عملنا بالفصحى، ومع شركات في مصر والأردن ولبنان.

أما عن بدايات الدوبلاج في سوريا، فقد كان المرحوم أديب خير أول من بدأ هذا العمل من خلال شركة «سامة»، التي كانت رائدة وسباقة في المجال، وتبعتها مجموعة شركات، وشكّل إقبال الجمهور العربي على الدوبلاج السوري المشجع الأول للمحطات العربية على استقطاب كل أعمال الدوبلاج، التي بدأت بالتركية، وتبعتها أعمال أميركية مشهورة، مثل «لوست» و«توينتي فور»، والتي دُبلجت باللهجة السورية، وأخيراً الدوبلاج الهندي، وأيضاً اللاتيني والمكسيكي.

وهكذا، كثرت شركات الدوبلاج في سورية، الى مرحلة أصبح فيها نوع من الانحدار بمستوى الجودة، لكن لم يكن هناك انحسار بالكم، وهذا أمر طبيعي في ظل الأزمة الحالية. واليوم، ثمة نهضة حقيقية في مهنة الدوبلاج في سورية لعوامل عدة، أهمها تحسن أجور الممثلين في هذه المهنة، بعد أن أسسوا تجمع «صوتنا الفن»، إذ حددوا من خلاله الحد الأدنى للأجور، كما أن الدوبلاج السوري صناعة محلية بمواصفات تقترب من العالمية، ولولا الحرب لكانت المهنة اليوم متطوّرة بشكل أكبر».

وعن انتشار الدبلجة السورية أكثر من باقي اللهجات، يوضح حمود: «لا أحد ينكر أن اللهجة السورية انتشرت في فترة التسعينات ومع بداية الألفية الثانية، وكانت من أهم اللهجات الدرامية المحبّبة عربياً، فعندما بدأت الخطوات الأولى للدوبلاج باللهجة السورية، كانت مقبولة ومرغوبة من الجمهور الذي أحب هذه اللهجة لسهولتها وسلاستها ووضوحها، كما أنها من أكثر اللهجات المفهومة في الوطن العربي، والأقرب من باقي اللهجات العربية التي استقدمتها المحطات للدوبلاج، بالإضافة إلى الحرفية التي يتم بها الدوبلاج السوري.

فضلاً عن أن هناك بعض المحاور المشتركة بين الأعمال اللاتينية والأوروبية وبين المجتمع السوري، مما ساهم في أن تكون اللهجة السورية في الأعمال المدبلجة أقرب إلى المشاهد العربي. علماً أننا عربياً، لم نكن السباقين في الدوبلاج، إذ سبقنا لبنان والأردن إلى هذا المجال، لا سيما في الدراما باللهجة الفصحى، وأعمال الكرتون، حتى المصريين سبقونا في دبلجة أعمال ديزني بلهجتهم، ثم بعد عام 2005 انتشرت الدبلجة السورية عربياً».

وعن كيفية اختيار الفنانين لتقديم الشخصيات بصوتهم، يلفت حمود الى أن «اختيار الفنان لدوبلاج شخصية ما، يعتمد على حرفيته، ومدى ملاءمة الدور له، حتى أننا أحياناً لا نعتمد على خامة الصوت لدى الفنان الحقيقي، بل نذهب باتجاه أن يكون الصوت مطابقاً للشكل».

وفي ما يخص تحضيرات عملية الدوبلاج، يشير حمود الى «أن التحضير للدوبلاج يبدأ من مرحلة الترجمة من اللغة الأم إلى اللغة العربية، ونحن من يترجم النص بالطبع، والذي يمر بمرحلة إعادة ترجمة بأسلوب درامي صحيح، فيدخل الى الاستديو معالجاً درامياً بطريقة الدوبلاج الصحيحة، وهذه المرحلة في سلسلة العمل غير موجودة في الوطن العربي، رغم أنها تتيح للمخرج والفنان تقديم الأداء المميز، فمثلاً في لبنان والأردن، يعمل الممثل والمخرج داخل الاستديو، فيفقدان حرفية العمل بإعدادهما للنص.

بعد ذلك، تأتي مرحلة اختيار الفنانين، ثم مرحلة التسجيل، ثم مرحلة المكساج الحساسة جداً، وهي مهمة وضرورية. وهناك مرحلة تتّبعها بعض الشركات، وهي مراقبة جودة العمل، فإن كان هناك أي خطأ في أي مرحلة من المراحل، يتم تصحيحه، أما المرحلة النهائية فهي مرحلة العرض».

أما في ما يتعلق بتسويق العمل المدبلج، فيقول حمود: «تسويق الدراما السورية اليوم يختلف عن تسويق الأعمال المدبلجة في سورية، وبالنسبة الى العوامل الأساسية التي تدخل في اختيار العمل المدبلج، فأؤكد أن المشكلة مرهونة بسياسة المحطات التي تختار الأعمال، وتنفّذها شركات سورية، ومنذ عام 2010 وحتى اليوم، لم تعد الشركة السورية صاحبة القرار في اختيار العمل لدبلجته».

وعن التغييرات التي يمكن أن تطرأ على العمل بعد الدوبلاج، يشير حمود: «أحياناً، يتم تغيير المصطلحات في العمل لتلائم مجتمعنا.

وفي ما يخصّ فناني الدوبلاج، يؤكد حمود «أن هناك فنانين تخصصوا في الدوبلاج، وأصبح مصدر رزق لهم، بخاصة في ظل هبوط سوق الدراما، والدخل المرضي بالنسبة إليهم، إضافة الى أن طبيعة العمل أكثر راحة للممثل، فما من ظروف تصوير قاسية يتقيد بها، مما أوجد نوعاً من الترف، لذلك هناك فرق في الأجور بين التمثيل والدوبلاج، لكن هذا ليس مقياساً بل يعتمد على طبيعة المهنة».

الفنانة مهجة الشيخ: أغار من فناني الدراما 

تقول فنانة الدوبلاج مهجة الشيخ: «من أهم الأعمال المدبلجة التي شاركت فيها، المسلسل البرتغالي «أحببت أعمى» الذي جسدت فيه شخصية «هالة»، والمسلسل التركي «زواج مصلحة» في شخصية «فتون»، والمسلسل المكسيكي «العاصفة» في شخصية «ريما»، ومسلسل «بنات الشمس» في شخصية «سيرين»، كما قدمت شخصيات عدة في مسلسل «حريم السلطان».

تضيف مهجة: «بالنسبة إلي، أعتبر أن الدراما فن مختلف تماماً عن الدوبلاج، بخاصة في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها الدراما السورية، لكن هذا لم يؤثر على عمل الدوبلاج الذي يتبع لطابع البيئة التي ينتمي إليها المسلسل».

وعن تصنيف فنان الدوبلاج باعتباره فئة ثانية نسبة الى الممثل الدرامي، تلفت مهجة: «للأسف هذا الأمر موجود، وأنا أغار من البعض، لأني فنانة دوبلاج، فليست لدينا ثقافة تأدية الصوت، واليوم بعد هذا الكم من العمل في الدوبلاج، أصبحنا نتقبّل نوعاً ما هذا النوع من الفنون».

وعن صعوبة العمل في الدوبلاج، تشير مهجة: «بالنسبة إلي، لا توجد أية صعوبة، فأي شخصية أحبها أستطيع أن أتقنها وأبدع فيها، خصوصاً أنه يجب أن يكون هناك تناغم بين الفنان الأساسي والفنان الذي يدبلج. لكن تكمن الصعوبة أحياناً في ردات الفعل غير المتوقعة من الشخصية، لأننا كما المشاهد، نراقب تطوّر الشخصية حلقة بعد حلقة.

علماً أنه كانت هناك تجارب لدبلجة الأعمال التركية وغيرها بلهجات أخرى كالمصرية والمغربية والخليجية واللبنانية، لكن ثبت أن اللهجة السورية أكثر انتشاراً في الدوبلاج، كونها قريبة من المشاهد، وهي لهجة يفهمها كل العرب بسبب تراكيبها السلسة والبسيطة».

ولدى سؤالها عن تغيير طبقات الصوت الحقيقية للفنان، تجيب مهجة: «يجب أن يمتلك الممثل مهارات معينة في ما يخص الدوبلاج، لذلك أستطيع التحكم تماماً بصوتي، وهذا يعود الى التمرين، وتواصلي الدائم مع الموسيقى وأي مهارة يمكن أن تطورني، كما أحاول دائماً ألا أكون الفتاة العاشقة في العمل، بل الشريرة، وأحياناً المجنونة، وأحياناً أخرى الرومانسية، فهذا التنوع يفيد الفنان ويزيد من خبرته».

وبالنسبة الى الأجور في عمل الدوبلاج، توضح مهجة: «الأجور غير منصفة إطلاقاً، والدوبلاج بحاجة الى دعم مادي أكبر، وأي واحد منا يتمنى أن يكون مردوده على قدر التعب والجهد اللذين يبذلهما، بخاصة أن كثراً من فناني الدراما أصبحوا الآن يعملون في الدوبلاج، في ظل ظروف البلد الصعبة».

وعما إذا كان الدوبلاج أحد أسباب تراجع الطلب على العمل الدرامي السوري، تقول: «هذا صحيح، فسابقاً كان العمل الدرامي السوري مطلوباً بالدرجة الأولى على جميع المحطات العربية، أما اليوم وبسبب أزمة التسويق، أصبحت المحطات تفضل العمل المدبلج باللهجة السورية على العمل الدرامي السوري».

وفي ما يتعلق بموضوع المشاعر التي يجسدها فنان الدوبلاج، تقول مهجة: «ما يظهر من مشاعر عبر الصوت حقيقيّ، وهذا ما حصل معي في أحد مشاهد مسلسل «زواج مصلحة»، حيث تبكي الفنانة التركية «فتون»، فبكيت معها أنا أيضاً، إذ كان المشهد مؤثراً. كذلك بكيت في مسلسل «أحببت أعمى»، حيث كانت هناك مشاهد تعتمد على إحساس الفنان وإيصاله حالة البكاء أو الفرح الى المشاهد».

الفنان قصي قدسية: العمل في الدوبلاج ليس سهلاً ويعتمد على المشاعر بعيداً عن الشكل 

بدوره، يقول الفنان قصي قدسية: «من أهم الشخصيات التي أديت صوتها في الدوبلاج هي «الجوكر شخصية هتلر» في فيلم «الباتمان» الشهير في أميركا، وكان عملا ًممتعاً وصعباً في الوقت نفسه، ولاقى عند عرضه رواجاً كبيراً. كما شاركت في مسلسل «حرب الورود» بدور البطل «دكتور عمر»، وفي مسلسل «زواج مصلحة» التركي بدور البطل «جان تيكين» أيضاً، أما العمل الأشهر فكان «الأرض الطيبة» بشخصية الدكتور «طارق»، وقد استمر عبر أجزائه أربع سنوات».

يضيف قدسية: «الدوبلاج نوع من أنواع الدراما، لكنه لا يصنَّف ضمن فئة الدراما السورية، بل هو فن قائم في حد ذاته. ولا شك أن غالبية العاملين في الدوبلاج فنانون، إلا أن هناك أيضاً من هم بعيدون عن الوسط الفني وليست لديهم الخبرة، في وقت أنا فنان مسرحي وعملت في الدوبلاج لأنني ممثل، وهذا ما يحتاجه العمل في الدوبلاج وليس الصوت فقط.

لذلك، هناك مجموعة من أهم فناني الدراما السورية جربت الدوبلاج ولم تكمل المسيرة فيه، لأنه ليس سهلاً، ويحتاج الى التعبير عن المشاعر بعيداً عن الشكل، ومن دون أية أداة مساعدة أو تفاعل مع فنان آخر أمامنا. إضافة إلى أن التقنيات محدودة والنصوص مفروضة علينا، ففي الغالب لا نعمل في ما نحب بل في ما يُملى علينا، وأحياناً تتواجد أعمال سيئة الجودة، وما يرفع من قيمتها هو صوت الفنان السوري وإحساسه».

يتابع قدسية: «اليوم، أصبحنا نرى أعمالاً مدبلجة باللهجات المصرية والخليجية والمغربية، حيث تم افتتاح شركات عدة في الجزائر، لكن الطلب الأكبر يبقى على الفنان السوري لأنه مرهف الحس، وشغوف بعمله، ووراءه ماضٍ من سينما ومسرح معروفين. وشخصياً، تابعت مجموعة أعمال مدبلجة الى اللهجة المصرية ووجدت أنها جيدة، فالمدرسة المصرية عريقة ولديها تقاليد معروفة، لكن رغم ذلك أحب المشاهد العربي اللهجة السورية أكثر».

الفنان حسام الشاه: لولا الفنانين السوريين لما انتشر الدوبلاج في العالم العربي 

من جهته، يقول الفنان حسام شاه: «أحدث الشخصيات التي وضعت عليها صوتي، شخصية «فاروق» في مسلسل «بنات الشمس»، وهناك عمل جديد سأشارك فيه بعنوان «دموع وورود»، إضافة الى أعمال أخرى كثيرة شاركت فيها سابقاً، من أبرزها «وادي الذئاب» بشخصية «شاكر». فالدوبلاج اليوم، دراما سورية بديلة، بسبب ضعف سوق الإنتاج السوري أولاً، كما أنه المجال الذي أثبت فيه الفنان السوري مكانته، فلولا الفنانين السوريين لما كان هناك اليوم دوبلاج في العالم العربي.

علماً أن الدوبلاج موجود منذ زمن طويل في سورية، حيث كان التلفزيون السوري يدبلج الأفلام الأجنبية في الثمانينات، لكن صاحب الفضل في انتشار الدوبلاج الدرامي، هو مغامرة المرحوم أديب خير، ثم إن براعة الفنان السوري جعلته اليوم من أهم العاملين في الدوبلاج بالعالم العربي».

ويشدّد الشاه على «أننا لا نستطيع القول إن فناني الدوبلاج هم درجة ثانية، لكنْ هناك أشخاص لم يكتسبوا قيمة فنية عالية، مثل خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية مثلاً، الذين شاركوا في أعمال محدودة في بداية مشوارهم الفني، وصُدموا بقلة الإنتاج الدرامي، فلجأوا إلى الدوبلاج لتحقيق استمراريتهم في الوسط الفني».

وعن صعوبات الدوبلاج، يؤكد الشاه أنه ثبت بالتجربة والبرهان، أن ميكروفون الدوبلاج الذي يعد بديلاً عن الكاميرا في التلفزيون، لا يصنع ممثلاً، بل يحتاج إلى ممثل جاهز، إذ إن كاميرا التلفزيون يمكن أن تصنع نجماً من ممثل جميل، أما الميكروفون فمن الصعب أن يفعل ذلك، لأن الدوبلاج يحتاج بالدرجة الأولى الى سرعة بديهة الممثل، واعتماده على حواسه وتركيزه العالي وتمكنه من إيقاظ المشاعر بشكل دائم».

وعن التجارب العربية في مجال الدوبلاج، يقول الشاه إنها خجولة، وذلك يعود الى قلة أعداد الموهوبين أدائياً، فالكويت هي الوحيدة التي تخرجّ ممثلين من معهد أكاديمي عالٍ للفنون، أما باقي الدول في الخليج العربي فلا يوجد فيها معهد عال للفنون المسرحية.

زاهر قصيباتي، متخصص في المكساج: لا يمكن عرض أي عمل مدبلج من دون خضوعه للمرحلة الأهم وهي المكساج 

يشرح لنا زاهر قصيباتي، متخصص في المكساج، المرحلة الأهم ليكون العمل المدبلج جاهزاً للعرض على المحطات الفضائية قائلاً: «المكساج هو الحالة النهائية للصوت، ولا يمكن أن يظهر العمل على الشاشة من دون خضوعه للمكساج، الى درجة أنه قد يرفع من أسهم العمل أو يقلل من مستواه الفني، فالمكساج يبلور الصورة كلها، ويحل مشاكل الصوت كافة، كأن تُسمع أنفاس الممثل الأصلي مثلاً أو أن يكون هناك تسريب للصوت في الاستديو، فهذا كله يعالجه المكساج، وهو المسؤول أيضاً عن توحيد مقاسات الجمل ما بين صوتَي الفنان المدبلج والفنان الأصلي، إضافة الى المؤثرات الصوتية للجو العام، كصوت السيارة والماء، وأصوات الناس، وطبعاً الموسيقى التصويرية بما يتناسب مع المشهد المصوّر.