الإجهاض السري في مصر: ضحاياه مئات النساء سنوياً

أحمد جمال (القاهرة) 04 أغسطس 2018

تستمر أزمة الإجهاض السرّي في مصر، ويستمر النقاش حول حق المرأة في إجهاض نفسها، طالما أنها لا ترغب في إكمال الحمل. فالكثير من الناشطين في مجال المرأة وحقوق الإنسان يطالبون باعتماد مصطلح «الإجهاض الآمن» للنساء في القانون، وإلغاء تجريم العملية التي يروح ضحيتها مئات النساء سنوياً في مصر، نتيجة إجرائها في ظروف غير ملائمة خوفاً من المساءلة القانونية، في مواجهة تيار آخر يرفض العملية برمّتها، ويرى أن إلغاء تجريم الإجهاض يفتح الباب أمام ممارسة الرذائل طالما أن القانون يضمن التخلص من الأجنّة بدون محاسبة.

في البداية يقول مجدي عبدالفتاح، مدير مركز البيت العربي للبحوث والدراسات: «هناك أزمة كبيرة تتعرض لها النساء في مصر، ولم يلتفت إليها القانون حتى الآن، وهي عدم توفير الإجهاض الآمن للنساء الراغبات في إنهاء حملهن. ونعني بالإجهاض الآمن، الإجهاض الذي يُجرى في مستشفى تتوافر فيه المعدّات الطبّية اللازمة والأدوات المعقّمة وطبيب متخصص في الإجهاض، على أن تتم المتابعة الدقيقة بعد عملية الإجهاض».
ويضيف عبدالفتاح قائلاً: «أطلقنا حملة «أوقفوا القهر–  الإجهاض الآمن حق للنساء»، لأن القانون المصري للأسف يجرّم الإجهاض بكل أشكاله وظروفه، باعتباره من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة، ولم يستثن أي حالة من العقوبة، ففي قانون العقوبات المصري، من المادة 261 إلى المادة 264 يتحدث المشرّع عن تجريم أشكال الإجهاض كافة، ويعاقَب فيه بالسجن المشدد كل أطراف العملية، بداية من المرأة التي تخضع للعملية، وصولاً إلى كل من ساعدها، سواء كان طبيباً أو صيدلانياً أو قابلة قانونية».
ويؤكد مدير مركز البيت العربي أن المواثيق الدولية تحدثت عن الإجهاض باعتباره حقاً من الحقوق،  كما أن هناك بعض الحالات يُعد فيها الحمل خطراً على صحة المرأة، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا استمر، وحالات أخرى تكون فيها الأجنّة مشوّهة باعتراف الأطباء، وأخرى تتعرض فيها النساء أو الفتيات للاغتصاب أو حمل السفاح، ومع ذلك لم يستثنها القانون، على الرغم من أن المرأة الناجية من حالات الاغتصاب أو الحمل السفاح تكون حالتها النفسية سيئة، ويكون الحمل الناتج عندها حملاً غير مرغوب فيه، ومن المفترض أن تكون هي صاحبة القرار في الاحتفاظ بهذا الحمل من عدمه، ذلك أن الطفل الناتج من هذا الحمل غير مقبول اجتماعياً، وفي هذه الحالة يكون الإجهاض الحل الأمثل، لكن لم يترك القانون للنساء حق القرار.
وعن استناد القانون إلى الشرع في تجريم الإجهاض، يقول عبدالفتاح: «في ما يخص الشرع، ففي عام 1959 أصدرت محكمة النقض حكماً مهماً يستند إلى أن أي عقوبة في القانون لا بد من أن تكون متفقة مع الشريعة الإسلامية أو واردة في الشرع، وبما أنه ليس في الشرع نص صريح يحرّم الإجهاض، فقد اعتبر القانون وقتها أن الإجهاض ليس محرّماً، وهذا هو الحكم الوحيد الذي لم يجرّم الإجهاض».
ويشير صاحب مبادرة «أوقفوا القهر» الى «أن منظمة الصحة العالمية أقرّت مجموعة من الظروف التي توفّر الإجهاض الآمن للنساء، حيث إن هناك أكثر من 25 مليون حالة إجهاض غير آمن سنوياً على مستوى العالم. ومصطلح غير آمن يعني الظروف غير الملائمة التي أُجريت فيها عملية الإجهاض، سواء في أماكن غير مجهّزة أو على يد طبيب غير متخصص، وعليه فنحن نطالب مجلس النواب بضرورة استثناء بعض الحالات والاعتراف بحق النساء في الإجهاض الآمن، باعتباره حقاً من حقوقهن».

مسؤولية الطبيب

من جانبه، قال الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة في البرلمان المصري، إنه قدم إلى مجلس النواب مشروع قانون «المسؤولية الطبية» والذي يتضمن مادة لإقرار الإجهاض في حالات معينة، وتقنين الإجهاض يعني هنا أن يتم بموافقة طبيب متخصص، وأن تكون هذه الموافقة موثّقة وليست شفهية، وأن يكون السبب وجود خطورة على حياة المرأة، وهناك شروط عدة ليكون هذا الإجهاض غير مجرّم في القانون، أهمها أن يتم على يد طبيب متخصص في أمراض النساء والولادة ومعترَف به من وزارة الصحة، وأن تكون هناك موافقة مكتوبة وموثقة من الزوجين على عملية الإجهاض، وأن تُجرى العملية في منشأة آمنة، وكلمة آمنة تعني مجهّزة طبياً.
وعن اقتصار القانون على حالات معينة فقط لإجراء الإجهاض بدون مساءلة قانونية، يقول الدكتور أبو العلا: «أنا أتحدث عن الإجهاض من ناحية المسؤولية الطبية، والتي تحدد متى يجوز للطبيب إجراء إجهاض ومتى لا يجوز، والحالات التي تقع عليه عقوبة نتيجة إجرائه لعملية إجهاض والعكس. ولا يتعرض الطبيب للمساءلة القانونية إذا اتخذ قرار الإجهاض في حالتين، الأولى أن يكون إكمال الحمل فيه خطر على صحة المرأة، والثانية أن يكون الجنين مشوّهاً أو أنه سيولد بعيوب خلقية، وأن يكون هذا التشوّه غير قابل للعلاج، بمعنى أن الطفل سيعيش بعاهة مستديمة طوال حياته، وتتم هذه العملية أيضاً بموافقة مكتوبة من الزوجين وفي خلال الـ120 يوماً الأولى من الحمل».
وأشار وكيل لجنة الصحة في البرلمان إلى أن القانون الجديد يهدف إلى أن تكون العملية منظّمة وتحت إشراف صحي رسمي بدلاً من إجرائها في الخفاء بسبب تجريم القانون الحالي للعملية برمّتها، مما يعرّض صحة المرأة للخطر، ولا يعني أبداً أن كل أم لا ترغب في الحمل تتمكن من الخضوع لعملية إجهاض، أو التعامل مع الإجهاض على أنه وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة، لكن نسعى لتقنينه في حالات معينة وضرورية فقط حرصاً على صحة المرأة وسلامتها».

حالات محددة

ومن جهتها، تقول الناشطة النسوية نهاد أبو القمصان، مديرة المركز المصري لحقوق الإنسان: «قضايا المرأة بصفة عامة يجب أن تشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام، لكن المشرّعين للأسف يضعونها في آخر اهتماماتهم، ويركّزون كل جهدهم على قضايا أخرى أعتبرها أقل أهمية. أما بالنسبة الى الإجهاض فأعتقد أن القانون المصري يبيح إجهاض الطبيب للمرأة في بعض الحالات، والتي تستلزم الإجهاض للضرورة القصوى، وأنا أؤيد أيضاً الأصوات المطالبة بإباحة إجهاض المرأة في حال تعرّضها للاغتصاب، لأنه لم يحدث برضاها، فليس من العدل أن تتحمّل طوال عمرها هذا العار، وأن تلد طفلاً سيعيش مجهول النَّسَب، وكثير من علماء الدين أباحوا هذا الإجهاض وفق شروط محددة تتعلق بعمر الجنين».
وتضيف أبو القمصان: «إذا لم تكن هناك ضرورة قصوى لإجهاض الطفل فأنا أرفض هذ العملية، التي لا سبب واضحاً لها، وهناك بعض الأسباب غير المقبولة، التي تتمثل في عدم رغبة الأب والأم في الإنجاب، أو أن يكون هناك خوف من الظروف المادية للأسرة، فأعتبر الإجهاض في هاتين الحالتين جوراً وظلماً للطفل الذي له الحق في أن يولد، وسلباً لحقّه في الحياة. فإذا كان الزوجان لا يرغبان في الإنجاب فمن الممكن أن يمتنعا عنه من البداية باتباع أيٍ من الوسائل والطرق التي أصبحت سهلة، ولا أؤيد الرأي الذي يقول بأن المرأة هي التي ستحمل وهي التي تقرر ما إذا كانت تريد إكمال الحمل أم لا، بصفتها حرة في التحكم بجسدها».

ضرورة ملحّة

ومن جهة أخرى، تؤكد الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، أن إجهاض المرأة مباح شرعاً إذا كانت الأم تعاني مشكلة صحية قد تؤدي إلى وفاتها إذا أكملت حملها، لأن الأم هي الأصل، والأصل مقدّم على الفرع، شرط أن يتم ذلك قبل بعث الروح، أي قبل مرور 120 يوماً على بدء الحمل. وفي حالات تشوّه الجنين الذي يجعله في ما بعد عبئاً على الأهل وعلى نفسه، فلا مانع أيضاً في أن تحدث عملية الإجهاض، وهذا ما اتفق عليه الفقهاء، ما عدا ذلك فإن إجهاض الجنين لأي سبب محرّم شرعاً، وإذا لم تكن الأسرة في حاجة إلى الأطفال فيمكنها أن تلجأ الى بعض وسائل منع الحمل من الأساس.
وتضيف عضو مجلس النواب، أن بعض المنظمات الحقوقية رفعت صوتها في الآونة الأخيرة مطالبةً بسنّ قانون يبيح إجهاض النساء في حالات الاغتصاب أو الحمل سفاحاً، إلا أنني أرفضه حتى لا نفتح باب الرذائل، وهذا ما يريد القانون الحالي الوصول إليه، وهو إغلاق الباب في وجه هذه المفاسد، ولهذا السبب لا أرى داعياً لسنّ قانون جديد ينظّم هذه العملية، لأنها ليست حرب قوانين، فأن يكون هناك قانون يجرّم الإجهاض لا يعني أن نطالب نحن بقانون آخر جديد يبيحه، لكن من الممكن أن يتم تعديل القانون بما يتناسب مع الحالات المتفق عليها، أو إيجاد مخرج لاستثناء بعض الحالات التي يكون فيها الإجهاض ضرورة ملحّة.

معايير طبية

يرى الدكتور جمال أبو السرور، أستاذ طب النساء والتوليد، أن الإجهاض الآمن حق للمرأة إذا لم يتعارض مع الشرع، وقد شعر العالم بأهميته، ولهذا حدّد 28 أيلول/سبتمبر يوماً عالمياً للإجهاض الآمن أو المأمون، منذ تسعينيات القرن العشرين، وتم الاتفاق على تعريفه بأنه يُجرى وفقاً لمعايير طبية سليمة، وعلى يد أطباء متخصصين يستخدمون أدوات وأدوية تستوفي شروط الأمان للمرأة، مثل التعقيم والنظافة، مع الالتزام بالمبادئ التي وضعتها منظمة الصحة العالمية؛ بأن تتناسب طرق الإجهاض مع مدة الحمل، والتقليل من مخاطر حدوث مضاعفات سلبية على صحة المرأة قد تعرّضها للوفاة. ويوضح الدكتور أبو السرور، أن المحافظة على حياة المرأة التي تتعرض للإجهاض هو الأصل، وخاصة إذا كان الحمل في الشهور الأولى، أو أن بقاءه يمثل خطراً على حياتها، ولهذا فإن علماء الدين يفضّلون التضحية بالفرع وهو الطفل للمحافظة على الأصل وهو المرأة، بشرط أن يتم تشخيص هذه الضرورة من طريق الأطباء. ويشدد الدكتور أبو السرور على أهمية شروط النظافة والأمان التي يعمل بموجبها الطبيب الثقة، لأنه لا بد من تعقيم أي أدوات تدخل جسد المرأة الحامل، بحيث تكون خالية من أي جراثيم، وأن يُجرى الإجهاض في مستشفى مجهز استعداداً للمضاعفات التي قد تحدث نتيجة هذه العملية، والتي قد تؤدي إلى الوفاة في الحال، وهناك فترة معينة لا بد من أن تُجرى خلالها العملية تجنّباً للمضاعفات، وتُحدّد هذه الفترة وفقاً لآخر دورة شهرية للمرأة