أحدث التقنيات في طب القلب التدخلي تعيد الأمل الى المرضى

كارين إليان ضاهر 12 أغسطس 2018

لطالما اعتُبر ارتفاع معدل الكوليسترول تهديداً لصحة القلب. لكن اليوم أكثر من أي وقت، يحرص الأطباء على التدقيق في عوامل الخطر المتوافرة لوصف علاج الكوليسترول لحماية المريض وإن في حال وجود ارتفاع بسيط في معدل الكوليسترول. ولذلك اعتبارات معينة وحسابات يدقق فيها الطبيب في تقديره لمعدل الخطر. ووفق رئيس الجمعية اللبنانية لطب القلب التدخلي، ورئيس قسم أمراض القلب الجراحي في مستشفى الروم في بيروت د. فادي أبو جوده، تبقى حسنات أدوية الكوليسترول على صحة القلب أهم من الآثار الجانبية الناجمة عنها والتي يمكن التحكم بها من خلال المراقبة. كما يتحدث هنا عن العلاقة بين ارتفاع معدلات الكوليسترول ومخاطرها على صحة القلب، وعن الخطورة الكبرى للأزمة القلبية على حياة المرأة، إضافة إلى أحدث التقنيات المتطورة المتوافرة اليوم في طب القلب التدخلي والتي تعيد الأمل إلى مرضى وتسمح بمعالجة حالات لطالما اعتُبرت مستعصية مع العمليات التقليدية للقلب.


- بين العوامل الوراثية وتلك الخارجية، ما الذي يلعب دوراً أكثر أهمية في الإصابة بأمراض القلب؟

يصعب تحديد ذلك لأن العامل الوراثي متشعب جداً، خصوصاً أن عناصر عدة تلعب دوراً هنا كالكوليسترول والسُمنة وأمراض القلب والسكري، فكلها مشكلات يلعب دوراً فيها العامل الوراثي، وهي في الوقت نفسه تؤثر في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. لكن لا بد من الإشارة إلى أنه في كثير من الأحيان، يرتبط ظهور أمراض معينة في سنّ مبكرة بالعامل الوراثي بشكل وثيق. في هذه الحالة يبدو العامل الوراثي رئيساً في الإصابة ولا مجال للشك في ذلك.

كما أنه عندها لا علاقة للعوامل الخارجية الأخرى. أيضاً وأيضاً عندما نجد في عائلة واحدة أفراداً عدة يعانون مشكلات في القلب مثلاً، خصوصاً إذا كانت القرابة من الدرجة الأولى، يبدو هنا أيضاً العامل الوراثي عنصراً مسبباً رئيساً. أما في حالات ارتفاع معدلات الكوليسترول في سنّ مبكرة نتيجة العامل الوراثي، فثمة علاجات متطورة يتم اللجوء إليها وتساعد على ضبط معدلاته.

- هل من حالات يمكن فيها وقف تناول علاج الكوليسترول بعد تناوله لفترة معينة؟

لا يمكن وقف تناول علاج الكوليسترول. فالمشكلة تبقى موجودة وهي ترتبط بوظيفة الكبد ولا يمكن أن تزول مع الوقت.

- من الواضح أنه يتم الاتجاه اليوم إلى وصف علاج الكوليسترول لمجرد ارتفاعه بمعدل بسيط، فهل يرتفع خطر الإصابة بأمراض القلب في حال ارتفعت معدلات الكوليسترول وإن بنِسب بسيطة؟   

ثمة درجات عدة تؤخذ في الاعتبار في معدلات الكوليسترول. كما أن هناك مؤشرات أخرى لا بد من أن يأخذها الطبيب في الاعتبار أيضاً. فإذا ارتفع معدل الكوليسترول بدرجة معينة وكان الشخص مصاباً بالسكري، أو إذا كان يعاني أصلاً أمراضاً في القلب والشرايين، لا بد من اللجوء تلقائياً إلى العلاج بالكوليسترول بغض النظر عن معدل ارتفاع مستوى الكوليسترول للحد من الخطر. ففي طبيعة الحال، يكون الخطر أكبر بالنسبة الى هذا الشخص.

أما الأشخاص الذين لا يعانون مشكلات في القلب ولم يتعرضوا سابقاً إلى أزمة قلبية والسكري وسجّلوا ارتفاعاً في معدل الكوليسترول، فتتم دراسة عوامل الخطر الأخرى عندها كالتدخين ومعدل ارتفاع ضغط الدم ومعدل الـHDL. تجتمع هنا عوامل خطر عدة في الدراسة، ويُحسب معدل الخطر بالنسبة الى المريض بطريقة معينة للتأكد من حاجته إلى اللجوء إلى العلاج بالدواء. وبالتالي ثمة اعتبارات عدة لدى الطبيب في وصفه للدواء. فيمكن أن يكون معدل الكوليسترول منخفضاً أكثر لدى مريض مصاب بالسكري، لكنه يحتاج إلى دواء الكوليسترول مقارنةً بآخر يرتفع المعدل لديه، وما من أمراض أخرى مرافقة أو عوامل خطر تلعب دوراً.

- ثمة مضاعفات لأدوية الكوليسترول، ألا يخفف ذلك من اللجوء إليها؟

مما لا شك فيه أن ثمة مضاعفات لأدوية الكوليسترول، وبات معروفاً أن هناك حاجة إلى المراقبة الدورية للمريض الذي يتناول الدواء وهو يخضع إلى فحوص الدم بانتظام. لكن في المقابل، تبقى حسنات أدوية الكوليسترول في الحد من خطر الإصابة بأمراض القلب أهم من تأثيراتها الجانبية.

- هل من أعراض لارتفاع معدلات الكوليسترول يمكن ملاحظتها؟

ثمة أعراض بسيطة غير واضحة كتكدّس الدهون تحت العينين، لكن هذا لا يحصل دائماً وهو ليس واضحاً. عموماً، في حال وجود حالات في العائلة، من الضروري إجراء الفحوص الخاصة بالكوليسترول في سنّ مبكرة.

- تأثير ارتفاع معدلات الكوليسترول في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، هل هو أقوى لدى الرجل أم المرأة؟

قد ترتفع معدلات الكوليسترول لدى الرجل كما لدى المرأة في أي وقت. لكن قبل مرحلة انقطاع الطمث، تبدو المرأة محمية من الإصابة بأمراض القلب، إنما لا بد من التشديد على أنها ليست محمية طوال أيام حياتها كما هو الاعتقاد الشائع. بل على العكس تبين أن الأزمة القلبية التي تصيب المرأة يكون وقعها أكبر عليها مقارنةً بالرجل، فتكون أشد خطورةً، كما يرتفع لديها خطر الوفاة أكثر من الرجل.

هي في الواقع تتأذى أكثر من الرجل جراء إصابتها بأزمة قلبية، وتبدو فرص العيش بعدها أكبر لدى الرجل. كذلك تكون المشكلات الناتجة من الإصابة بأزمة قلبية بعدها حرجة أكثر لدى المرأة. يضاف إلى ذلك أن المرأة لا تحرص على صحة قلبها كالرجل بسبب الاعتقاد الشائع بأن المرأة قد لا تكون عرضة كالرجل لأمراض القلب، وهو خاطئ تماماً.

- من هم الأكثر عرضة للتضرر من ارتفاع معدل الكوليسترول لجهة زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب؟

هم الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر أخرى مرافقة مسببة للوفاة كالسكري مثلاً. فوجود عاملين معاً يزيد الخطر بشكل ملحوظ. أيضاً إذا كان الشخص من المدخّنين ويخضع إلى عملية بالون وressort فلا بد له من علاج الكوليسترول تلقائياً وإن لم يكن يعاني ارتفاعاً في معدل الكوليسترول. كذلك الأمر بالنسبة إلى من يعاني مشكلة سُمنة، أو إذا كانت هناك حالات في العائلة.

- إلى أي مدى تصل فاعلية علاجات الكوليسترول اليوم؟

ثمة علاجات متطورة معروفة في ضبط معدلات الكوليسترول في الدم، لكنها تعطى بجرعات مختلفة، وهناك أنواع عدة بحسب معدل الزيادة. من جهة أخرى، منذ سنتين برزت علاجات جديدة للكبد للحد من معدل الـLDL توصف لمن لا يتفاعل مع العلاجات التقليدية أو لمن تظهر لديه مضاعفات عليها أو إذا كانت في العائلة حالات من ارتفاع معدلات الكوليسترول بشكل كبير. إلا أنها لا توصف للجميع لكون الأدوية التقليدية فاعلة جداً بالنسبة الى معظم الناس.

- ما التقنيات الحديثة المتوافرة في معالجة الأزمات القلبية؟

لا بد من التوضيح أولاً أن الأزمات القلبية تقسم إلى 3 أنواع:

● تلك المرتبطة بأمراض الشرايين وعضلة القلب

● أمراض القلب المرتبطة بالصمامات

● تلك المرتبطة بكهرباء القلب

ومما لا شك فيه أن المجالات الثلاثة شهدت تطوراً لافتاً في التقنيات التي تعنى بالتدخل فيها. لكن في ما يتعلق بمشكلات الكوليسترول فهي لا ترتبط إلا بأمراص الشرايين في القلب ولا علاقة لها بالمشكلات الأخرى في القلب. في السابق كانت عمليات القلب المفتوح شائعة، لكنها أصبحت اليوم أقل انتشاراً مع توافر تقنيات التدخل المتطورة التي يمكن أن تحل محلها من دون الحاجة إلى الجراحة. فالعلاجات بالبالون والـressort وغيرها من تقنيات التدخل المماثلة هي متطورة جداً اليوم ويمكن بفضلها تصحيح أمور كثيرة لطالما اعتُبرت مستعصية.

فإذا كان الشريان ضيقاً أو يعاني انسداداً تاماً، فهذه كانت من الحالات المستعصية، أما اليوم وبفضل تدخل الـcomplex Angioplasty والذي يعتبر مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في بيروت الوحيد في لبنان المتخصص فيه والثاني في الشرق الأوسط، فبات هذا التدخل حلاً لكثير من الحالات المستعصية كالانسداد الكلّي المزمن في الشرايين الذي تستحيل معالجته بالطرق التقليدية.

وبفضل التقنيات الجديدة المتطورة، يمكن اليوم العمل على “حفر” الشريان بشكل متطور، مما يعيد الأمل إلى كثيرين كان من المستحيل التدخل في حالاتهم بغياب تقنية CTO المتطورة. بات اليوم نجاح هذه العمليات يسجل نسبة 90 في المئة. هي عمليات دقيقة جداً ومعقدة تتطلب فريقاً متكاملاً متخصصاً.