'ألبوم الخسارة'

دار الساقي, رواية / قصة, عباس بيضون, جائزة الشيخ زايد للكتاب

13 فبراير 2012

الكتاب: «ألبوم الخسارة»

الكاتب: عباس بيضون

الناشر: دار «الساقي»،2012


يبدو الراوي هنا راوياً بنَفَسٍ مُنقطع.. يلهث. يسعل. يتنفّس بصعوبة كعدّاء في جولته الأخيرة... هو في سباقٍ مع الزمن. حاول أن يخدع السنوات. يُغافلها. إلاّ أنّها غافلته. مرّت بسرعة أكبر. فوجد الراوي نفسه فجأة في الخامسة والستين.
والمشكلة أنّه لا يعرف كيف يكون في عمره. يتأمّل نفسه وأفكاره ليعي المرحلة الزمنية التي يمرّ فيها، لكنّه لم يفهمها سوى في عجز الهرّ «نينو».

هرّ ابنته هو شريكه في الحياة اليومية وفي الكبر. معاً يتقدّمان في السنّ. كشخصٍ وظلّه. مرض الهرّ العجوز وتبدّل أحواله جعلاه يستبق عجزه ويتوقّع شيخوخته التي لم تعد ببعيدة.
«في هذا العمر الذي نحن الاثنين فيه، يمكن أن نتشاجر على الكنبة والسرير، يمكن أن أقرف من شيخوخته وأن أتحرّر هكذا من مشاعري تجاه شيخوختي، يمكن أن أدفعه بقدمي. لكن لا يمكن أن أقتله فيما الله يستعدّ لقتلي».

في «ألبوم الخسارة» تتقاطع سيرة الراوي مع هرّه «نينو» وكأنّه نيغاتيفاً أو مرآةً تعكس له أيّامه الآتية التي يخاف أن يعيشها وصولاً إلى اللحظة الحاسمة، الموت.
بعد «مرايا فرانكشتاين» يأتي «ألبوم الخسارة» استكمالاً لمشروع «التذكّر»، وإن لم يأتِ الكاتب على ذكر ذلك. في الأوّل استعاد الراوي لمحات ومشاهدات من حياته وهو طفل وشاب. أما في «ألبوم الخسارة» فإنّه يضع، إلى جانب الذكريات، تأملاّت للمرحلة العمرية المتقدّمة.

يستعيد الراوي شريط حياته ويتوقف عند محطات معينة من علاقاته النسائية، إلاّ أنّ سرد يومياته مع «نينو» وخوفه من الآتي هما المحطتين الأكثر أهمية.
يحاول الراوي على امتداد الكتاب أن يُسلّي نفسه بلعبة التذكّر. يتساءل عن السبب الذي يمنعنا من العبث بذكرياتنا واللعب فيها فيقول: «كنت إذاً بهذه الفكرة عن النسيان، المرارات التي تبقى أسوأ من الذكريات، ما من صفحات بيضاء. النسيان نفسه ليس أبيض. هناك فقط صفحات موسخة، أتساءل إذا كان من الممكن تنظيفها، أن نجد لها نهايات أخرى.
الوقائع تزول وتبقى مرارات من الصعب تبديلها. أتساءل مع ذلك إذا كان يُمكن أن نتجرأ على ذكرياتنا، أن نلعب معها، أن نكذب عليها. لماذا لا نخترعها كما نخترع أفكارنا ونضع لها نهايات من عندنا». إنه يُحاول أن يُقارع غده بإعادة إحياء ماضيه.

يتميّز كتاب الشاعر عبّاس بيضون بلغة سلسة وأفكار جديدة وتأملاّت فلسفية ثاقبة تُشبه إلى حدّ ما الشذرات التي يمكن أن نحفظها ونستخدمها في أيّ موقف من مواقف حياتنا كقوله: «كانت الحرب والحرب تمحو ما قبلها. إنّها لحظة بكر، لحظة ابتداء، ليس وراءها شيء» (ص:209) أو: «أرمي كذبة صغيرة ثمّ اصدّقها فتغدو شجرة. ثمّ تتحوّل حوتاً يبتلع الذكرى ويبتلعني» (ص254).
«ألبوم الخسارة» الذي وُضع تحت مُصنّف «رواية» لا يستجيب كعمل إبداعي إلى الشروط الأساسية للرواية. فيه نقع على راوٍ وشخصيات روائية ثابتة: «إكرام، نينو، هالة...».
كما أنّه تمّ توظيف الهرّ «نينو» وقصّة مرضه وموته روائياً في شكل مُدهش، إلاّ أنّ العمل لم يتبّع خطاً زمنياً واضحاً، كما أنّ سير الزمن الذي يُمكن استنتاجه هو أفقي. والمعروف أنّ الرواية تجري تبعاً لخط زمني عمودي أو رأسي، ما يُلزمه وجوباً عقدة روائية تُمثّل «القمّة» ليتدلّى منها خط آخر يُمثّل النهاية أو الخاتمة.
من هنا يُمكن تحديد نوع الكتاب بأنّه أقرب إلى autofiction أو «السيرة المتخيلة» منه إلى الرواية.
«ألبوم الخسارة» عنوانٌ سخيّ لعملٍ يُزاوج بين انسيابية العبارة وعمق معناها. يقتفي شذرات من سيرة الشاعر عباس بيضون أو «الراوي» في النصّ. فيه تتراكم مشاهد الخسارة: خسارة الأحبّة، خسارة الشباب، خسارة الصحة، وأخيراً... خسارة العمر.